حلحلة الأزمة السودانية.. تحركات مفاجئة للبرهان إلى كينيا وإثيوبيا
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
أجرى رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال الأسبوع الماضي زيارتين إلى كينيا وإثيوبيا في إطار مساعيه لحلحلة الأزمة السودانية التي دخلت شهرها السابع وخلفت ما يقرب من عشرة آلاف قتيل جراء الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة "إيست افريكان" الكينية تقريرًا حول تحركات البرهان التي جاءت في اتجاهات مختلفة عن جولته الإقليمية الأولى في أغسطس الماضي، التي استهلها بزيارة مصر.
وقالت الصحيفة الكينية، إن زعيم مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، سجل هذا الأسبوع نجاحات جديدة على الجبهة الدبلوماسية، حيث صافح الرئيس الكيني ويليام روتو ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وحدث ذلك مع عودة رئيس الوزراء المخلوع عبد الله حمدوك إلى الظهور كوجه للحركات السياسية البديلة التي تسعى إلى القيام بدور في الحوار الانتقالي في السودان.
والتقى حمدوك يوم الخميس قبل الماضي بالرئيس روتو في نيروبي، ظاهريًا لإطلاعه على العمليات السياسية “نحو حل النزاع”، وفقًا لرسالة من قصر الدولة.
وقال البيان الرئاسي الكيني "إن الجهود الرامية إلى جمع جميع الأطراف المعنية في الصراع السوداني معًا لحل الصراع تسير على قدم وساق" وقال روتو: "من المهم أن يشارك جميع أصحاب المصلحة في السودان في التوصل إلى حل يوقف الخسائر في الأرواح وتدمير البنية التحتية والممتلكات ويعيد البلاد إلى الحياة الطبيعية".
وأشارت الصحيفة إلى أن حمدوك، منذ الإطاحة به، في أكتوبر ٢٠٢١ أصبح وجهًا للحركات المدنية المنقسمة التي سعت إلى إنهاء المواجهة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وقال مصدر دبلوماسي لصحيفة" إيست افريكان"، إن حمدوك كان يقود تحالف الحرية من أجل التغيير، وهو تحالف من الحركات المدنية ساعد في التفاوض على حكومة انتقالية في وقت سابق من عام ٢٠١٩.
وعندما التقى روتو بالبرهان في ١٣ نوفمبر الجاري، قال إنه يدفع من أجل حوار موسع لجميع الكيانات السياسية، مما يشير إلى أن البرهان كان وراء المزيد من العزلة لقوات الدعم السريع من خلال استغلال التحركات المدنية.
واتفق البرهان وروتو على التخطيط لعقد قمة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) "لإيجاد سبل لتسريع عملية جدة [السلام] نحو وقف الأعمال العدائية في السودان".
وجاء في برقية صادرة عن مقر الرئاسة أن تلك القمة "ستتفق أيضًا على إطار عمل لحوار سوداني شامل".
وأكدت الصحيفة أن رحلتي البرهان إلى كينيا وإثيوبيا كانت مهمة لأنها لم تكن جزءًا من دبلوماسية البرهان المكوكية السابقة أثناء قيامه بجولة في القرن الأفريقي والشرق الأوسط سعيًا لعزل عدوه اللدود محمد حمدان دقلو حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع.
ونوهت إيست افريكان إلى الشائعات التي ترددت في وقت سابق عن دعم نيروبي وأديس أبابا لقوات الدعم السريع وغيرها من الجماعات المسلحة، وهو ما نفته العاصمتان.
وأظهر وفد البرهان شيئًا آخر: محاولة البرهان المستمرة لحشد الدعم من الجماعات المسلحة المحلية، وفي نيروبي وأديس أبابا رافقه وزير الخارجية علي الصادق، بالإضافة إلى ميني أركو ميناوي، حاكم إقليم دارفور وزعيم فصيل من جيش تحرير السودان كان قد رفض في البداية الانحياز إلى أحد الجانبين، وأحمد إبراهيم مفضل، رئيس المخابرات السودانية، بحسب برنامج الرحلة الذي أصدرته وكالة الأنباء السودانية.
وقالت الصحيفة الكينية إن وجودهم إلى جانب البرهان، وخاصة مناوي، يعني أن ولاية شمال دارفور لن تقع في أيدي العدو بعد، مما يشير إلى أن قوات الدعم السريع ستكون عاجزة عن توسيع أراضيها.
كما قام البرهان مؤخرًا بتشديد القيادة العسكرية في الخرطوم من خلال تسمية قائد جديد في أم درمان وهذا يعني أن قوات الدعم السريع ستواجه مقاومة أقوى هناك، وفقًا للدكتور جهاد مشمعون، المحلل السياسي السوداني وزميل البحث الفخري في معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر.
وقال الدكتور مشامون لصحيفة إيست أفريكان: "بالطبع، إذا قررت القوات المسلحة السودانية الانتهاء من المحادثات وقررت المواجهة العسكرية في دارفور بعد الخرطوم، فأنا لا أرى كيف يمكن لقوات الدعم السريع أن تفوز".
وقالت وزارة الخارجية السودانية إن رحلته إلى أديس أبابا تهدف إلى إيجاد سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين “وتطورات الوضع في السودان وقضايا السلام والأمن والتنمية في المنطقة، واستعراض” للقضايا ذات الاهتمام المشترك."
لكن البرهان لم يفتح ذراعيه للجميع بعد وألمح جنوب السودان الأسبوع الماضي إلى أنه يفضل التعامل مع عملية البحث عن السلام أكثر من الجيران الآخرين.
وعلى هامش القمة السعودية الأفريقية الأسبوع الماضي في الرياض، التقى رئيس جنوب السودان سلفا كير بنظرائه من إريتريا وكينيا وجيبوتي والسودان لمناقشة الصراع في السودان، مع التركيز على "سبل حل الحرب المستعرة في السودان".
وجاء في برقية من جوبا أن وزير الخارجية جيمس بيتيا مورجان قال إن "الزعماء الإقليميين قدموا دعمهم الكامل للرئيس كير لمواصلة التواصل مع القادة السياسيين والعسكريين السودانيين لإيجاد حل ودي للصراع المستمر منذ ثمانية أشهر".
وأضافت الرسالة أنه من المتوقع أن ينظم الرئيس كير اجتماعات مع القادة السياسيين السودانيين والأطراف المتحاربة الحالية لمراجعة الوضع في البلاد.
وقال الدكتور مشامون لصحيفة إيست أفريكان: “بالنسبة للبرهان وحلفائه، تعد مصر وجنوب السودان مكانين موثوقين للمحادثات، لافتا إلى أنه عندما بدأ الصراع، لم يقبل أنصار البرهان أن يرأس روتو لجنة إيجاد لقيادة المحادثات بين الجانبين. وبدلًا من ذلك، فضلوا سلفا كير”.
وفي نيروبي، أكد الرئيس روتو والبرهان “الحاجة الملحة لإيجاد حل للصراع في السودان في أقصر وقت ممكن”.
بالنسبة للرئيس روتو، يشير الاجتماع إلى خلاف مدفون مع البرهان الذي انتقد علنًا رئيس الدولة الكينية وهدد بالانسحاب من إيجاد.
وفي الوقت نفسه، بدأت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة عملية جدة التي تعثرت أيضًا بعد انتهاك عدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار بعد ساعات من التوقيع.
ودعمت إيجاد والاتحاد الأفريقي منذ ذلك الحين عملية جدة التي أشارت الأسبوع الماضي إلى التحرك من خلال الاتفاق على إقامة اتصالات بين الأطراف المتحاربة وكذلك تأمين الممرات الإنسانية إلا أن أعمال عنف جديدة اندلعت بعد ساعات، ولم يتمكن الجانبان من الاتفاق على وقف إطلاق النار بعد.
يذكر أن الخرطوم أبدت غضبها من تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس الكيني وليام روتو، في ختام قمة إيجاد التي عقدت في يوليو الماضي، حيث طالب آبي أحمد بضرورة فرض حظر طيران ونزع الأسلحة الثقيلة في السودان.
وكان الرئيس الكيني قال في كلمة له خلال الجلسة الختامية لاجتماع إيجاد إن الوضع في السودان يتطلب ما وصفها بقيادة عاجلة، تكون قادرة على إخراج السودان من الكارثة الإنسانية التي يتجه نحوها، مضيفا أن الوضع في دارفور يخرج عن السيطرة ويكتسب بُعدا عرقيا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان الأزمة السودانية كينيا إثيوبيا الأسبوع الماضی الدعم السریع فی السودان الوضع فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
وزارة الإصلاح المؤسسي: ضرورة وطنية لإنقاذ الدولة السودانية
بقلم: عادل عبد العاطي
مقدمة:
لم يعد الحديث عن إصلاح الدولة السودانية ترفًا فكريًا أو مطلبًا حزبيًا محدودًا، بل تحوّل إلى أولوية وجودية تتعلق ببقاء الدولة ذاتها.
فبعد عقود من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاداري، وبعد عامين من الحرب المدمرة، وما خلفته من ترهل وعجز في كافة مؤسسات الدولة، لم يعد بالإمكان المضي قُدمًا دون معالجات جذرية تعيد هيكلة الجهاز الحكومي وتستأصل الفشل والفساد من جذوره.
في هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة لتأسيس وزارة للإصلاح المؤسسي، تكون ذات صلاحيات واسعة واستقلالية كاملة، وتتبع مباشرة لرئيس الوزراء.
أزمة الدولة ومحدودية أدوات الإصلاح التقليدية:
شهد السودان، خاصة منذ مطلع الألفية الثالثة، انهيارًا متسارعًا في مؤسسات الدولة نتيجة الفساد الإداري، التسييس الحزبي، والمحسوبية وواقع الحرب. ادى لذلك لترهل وعجز كبير في اداء مؤسسات الدولة، سواء كان على المستوى الاتحادي او الولائي او المحلي. حال السفارات كممثليات للدولة السودانية بالخارح لا يقل سوءاً.
لقد فشلت محاولات الإصلاح السابقة لأنها اعتمدت على أجهزة تقليدية ضعيفة، خاضعة لذات المنظومة التي أنتجت الانهيار. بل إن بعض الهيئات الرقابية نفسها كانت جزءًا من المشكلة، إما بسبب افتقارها للموارد والصلاحيات، أو لانخراطها في شبكات النفوذ والمصالح المختلفة.
ما هي وزارة الإصلاح المؤسسي؟:
هي جهاز وطني مستقل يُؤسس بقانون، وتُمنح له الصلاحيات الكاملة في تقييم مؤسسات الدولة، محاربة الفساد، ومراجعة الأداء. لا تعمل كجسم رقابي فقط، بل كأداة تنفيذية لإعادة بناء الدولة على أسس الكفاءة، الشفافية، والحوكمة الرشيدة.
الاختصاصات الحيوية للوزارة:
وفق الورقة المرجعية التي اعددتها وقدمتها لرئيس الوزراء المعين الدكتور كامل ادريس، تتولى وزارة الإصلاح المؤسسي المهام التالية:
إصلاح هيكلي شامل: مراجعة هياكل الوزارات والهيئات، تقديم مقترحات بالدمج، الإلغاء، أو إعادة التنظيم، مع إعادة هيكلة الخدمة المدنية لتحقيق مبدأ الجدارة.
محاربة الفساد الإداري والمالي: من خلال وحدة متخصصة لتلقي البلاغات والتحقيق، وإعداد تقارير دورية معلنة، بالتنسيق مع القضاء ومؤسسات المحاسبة.
تقييم الأداء المؤسسي والفردي: عبر مؤشرات موضوعية للكفاءة والنزاهة، مع تقديم توصيات بشأن الإبقاء على القيادات أو استبدالها.
الرقابة الخارجية: تشمل مراجعة أداء السفارات والقنصليات، وهيكلة البعثات الخارجية بما يضمن الكفاءة والتمثيل الفعلي للدولة.
اقتراح السياسات والتشريعات: تكون الوزارة ذراعًا لرئيس الوزراء في تعديل القوانين المعيقة للتطوير، وضبط اللوائح بما يعكس رؤية الإصلاح الشامل.
لماذا نحتاجها الآن؟:
لأن الدولة تتفكك: الوزارات تعمل بجزر معزولة، ولا توجد جهة تنسق أو تراقب الأداء بشكل جاد ومهني.
لأن المواطن فقد الثقة: الشارع يرى الدولة كخصم لا كخادم، بسبب الفساد، الذي اشار اليه البرهان وعقار، التعيينات السياسية، وانهيار الخدمات.
لأن السودان يحتاج بناءً لا ترميمًا: نحن لا نعالج نظامًا معطوبًا فحسب، بل نؤسس لنظام جديد يعيد تعريف الدولة نفسها.
شروط نجاح الوزارة:
أن تُؤسس بقانون واضح، يضمن لها الاستقلالية عن التأثيرات الحزبية والبيروقراطية.
أن تتبع مباشرة لرئيس الوزراء، وتكون لها ذراع تنفيذي نافذ في كل المؤسسات والولايات.
أن تُدار بكفاءات وطنية محايدة، بعيدة عن المحاصصة.
أن تُربط قراراتها بنتائج تقييم واقعية، ويُمنح لها حق إقالة القيادات العليا أو اقتراحها لرئيس الوزراء.
خاتمة:
إن تأسيس وزارة الإصلاح المؤسسي ليس خيارًا إضافيًا ضمن برنامج الحكومة، بل ركيزة أولى لأي تحول ديمقراطي وتنموي في السودان. بدون هذه الوزارة، ستبقى مؤسسات الدولة أسيرة شبكات المصالح، وستتكرر دورات الفساد والانهيار مهما تغيرت الحكومات. هذه الوزارة هي الضمانة الوحيدة لبناء دولة فاعلة، شفافة، وخادمة لمواطنيها. هي وزارة المستقبل... ووزارة إنقاذ السودان.
عادل عبد العاطي
٢٣ مايو ٢٠٢٥م
adil@abdelaati.org