رمزية البطيخ في الثقافة والنضال الفلسطيني
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
في فصل الصيف الحار، يُعتبر البطيخ رمزًا للانتعاش والراحة، حيث تتناغم مياهه اللذيذة مع درجات الحرارة المرتفعة، ما يجعله رفيقًا مثاليًا لأوقات الاستراحة والاستجمام. ولكن هل فكرت يومًا في البطيخ كرمز للمقاومة الفلسطينيّة؟
يمكننا أن نرى في البطيخ قوة وصمودًا يعكسان إرادة البقاء، فهذه الفاكهة اللذيذة ترتبط بشكل وثيق بالفلسطينيين، إذ تتطابق ألوان العلَم الفلسطيني: (الأسود، والأبيض، والأخضر، والأحمر)، مع ألوان ثمار البطيخ عند تقطيعه شرائح.
رمزية البطيخ في فلسطين تعود إلى عدّة عوامل. على المستوى التاريخي، كانت زراعة البطيخ منتشرة بشكل كبير في فلسطين، حتى باتت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة وتقاليد شعبها.
وفي أيام الموسم، لا يغيب البطيخ عن موائد الفلسطينيين، الذين يفضلون تناوله مع الجبن الأبيض، وخبز "الطابون" التقليدي؛ "نوع من الخبز المسطح"، الذي يتم تحضيره في الأفران الطينية، المعروفة باسم "الطابون"، والتي كان يستخدمها الفلسطينيون قديمًا، وسُمي الخبز نسبة إليها، أو على الحجارة، حيث إنه عند إشعال النيران تكسبها حرارة عالية فينضج الخبز بعد أن تَترك الحجارة عليه أشكالًا تشبه الفقاعات الرائعة لتساعد في جعله طريًا من الداخل.
استخدام البطيخ كعلَماستخدام البطيخ كرمز فلسطيني ليس جديدًا، فقد ظهر هذا الرمز لأوّل مرّة في عام 1967، عندما سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة وضمت القدس الشرقية.
وفي أعقاب ذلك، حظرت الحكومة الإسرائيلية حمل العلَم الفلسطينيّ علنًا، واعتبرته جريمة جنائية في غزة والضفة الغربية.
وكشكل من أشكال الاحتجاج، وحتى يتم تجاوز هذا الحظر، بدأ الفلسطينيون في استخدام البطيخ- الذي يمثل الألوان الفلسطينية- كرمز بديل.
شرع الفلسطينيون في حمل شرائح البطيخ، وعرضها في المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية كرمز للمقاومة والصمود، ومنذ ذلك الحين، أصبح البطيخ رمزًا شائعًا للمقاومة الفلسطينية.
البطيخ كرمز فنيفي عام 1993 رفعت إسرائيل الحظر عن العلَم الفلسطيني بعد اتفاقيّة أوسلو، التي نصّت على تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية، ومنح السلطة للفلسطينيين في جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي مناطق كانت قد احتلتها إسرائيل في حرب حزيران/ يونيو 1967، ومع رفع الحظر ظلّ البطيخ مترسخًا في الأذهان.
وفي عام 2007، بعد الانتفاضة الثانية أنتج الفنانون الفلسطينيون أعمالًا فنية تصوّر البطيخ كرمز للمقاومة، حيث قام الرسام والناقد الفني الفلسطيني خالد حوراني بتخليد إرث مقاومة رفع علم فلسطين عبر تصميم لوحة لكتاب يحمل عنوان: "الأطلس الذاتي لفلسطين"، وسرعان ما اشتهرت اللوحة، فتم عرضها في العديد من المعارض الفنية حول العالم.
وقد شجع هذا العديد من الفنانين الآخرين على ابتكار أعمال فنية تستخدم البطيخ رمزًا للتضامن.
عاد الرمز مجددًا في عام 2021، بعد أن أمرت محكمة إسرائيلية بإخلاء عائلات فلسطينية منازلَهم في حيّ الشيخ جراح، في القدس الشرقية.
أصبحت رؤية البطيخ- في العديد من الرسوم الكاريكاتيرية والشعارات والملصقات الفلسطينية، والرموز التعبيرية والعديد من الحملات النضالية والتوعوية- انعكاسًا لاستخدامه رمزًا حقيقيًا للفلسطينيين والتمسك بالهُوية والأرض وتجسيد قوة الإرادة، والصمود في وجه التحديات والاحتلال.
البطيخ في السوشيال ميديافي ظلّ سياسات فيسبوك وتقييد وصول المنشورات التي تدعم فلسطين، قام روّاد الموقع باستخدام طرق مبتكرة، مثل: كتابة أحد الأحرف باللغة الإنجليزية عند كتابة المنشورات، ووضع صور البطيخ كوصف للحالة، أو كصورة للحساب الشخصي، وغيرها من الطرق للتلاعب بالخوارزميات، وتجنّب الرقابة المحتملة على المنشورات الداعمة لفلسطين أو حجب الحسابات.
إن رؤية البطيخ توحي بالأمل والثبات في ظلّ الظروف الصعبة، وتعكس رغبة الفلسطينيين في الحرية والعدالة وإقامة دولتهم المستقلة، ومهما حاولت إسرائيل قمعهم فسوف يجدون طرقًا أخرى للتعبير عن أنفسهم.
قبل أن أنهي مقالي، مكثت قليلًا على محركات البحث "غوغل" و"بينغ" و "ياهو" في أيقونات تستخدم للاحتجاج والمقاومة، مثل: قناع جاي فوكس "فانديتا" المثير للجدل، والذي يرتبط برواية "في فور فانديتا" التي كتبها المؤلف البريطاني آلان مور، والتي تدور أحداثها في إنجلترا خلال فترة ثورة نوفمبر.
يرمز قناع "فانديتا" إلى الظلم والمظالم التي يعاني منها الأفراد أو المجتمعات، وكذلك إلى رغبة شخص محدد أو أشخاص في تحقيق العدالة بأي طريقة ممكنة، كذلك شعار: "قبضة اليد" الذي اتخذه عدد من حركات المعارضة في الاحتجاجات الشعبية رمزًا لها، فرفعه المحتجون في "ثورة الأرز" في لبنان، وفي مظاهرات ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، وغيرها.
ولكن ما أدهشني في شعار البطيخ، هو تاريخه الثري، وأنه يمكن أن يكون من بين الشعارات القليلة التي تَستخدم شيئًا طبيعيًا ينتمي إلى الأرض أكثر منه رمزًا ابتكره مبدعون أو جماعة من الناس.
ولفت انتباهي أيضًا أنه على عكس شعارات أخرى في العالم استهدفت غرضًا فئويًا عابرًا، كـ "السترات الصفراء"؛ احتجاجًا على ارتفاع أسعار الوقود في فرنسا، والتي سُميت على اسم السترات الصفراء التي يتعين على سائقي السيارات حملها في سياراتهم عند القيادة حسب القانون الفرنسي.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
العمليات الأخيرة للمقاومة الفلسطينية: فاتورة الحساب مع العدو لم تغلق ولن تغلق
يمانيون../
في الوقت الذي قرر فيه العدو الإسرائيلي، توسيع عملياته العسكرية في قطاع غزة تؤكد البيانات العسكرية التي أعلنت عنها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وما حملته من مفاجآت وتكتيكات، أن واقعاً عملياً مرعباً ينتظر جيش العدو في حال أقدم على تنفيذ تهديداته.
وأمس الأول قرر المجلس الوزاري الصهيوني المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، بإجماع أعضائه توسيع نطاق العمليات العسكرية في قطاع غزّة، واصفا القرار بأنّه خطوة “دراماتيكية”.
وذكرت صحيفة “معاريف” العبرية أنّ “الجيش” الإسرائيلي بدأ، بموافقة المستوى السياسي، تنفيذ استعدادات فورية لتوسيع القتال، مع التركيز على تعزيز وحدات الاحتياط التي سيتمّ تكليفها بالعمل في مختلف محاور المواجهة داخل القطاع.
وفي هذا أتى رد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على قرار العدو الصهيوني بتوسيع العملية العسكرية في قطاع غزة ليؤكد أن المقاومة على أتم الجهوزية لمواجهة هذا التصعيد وأنها لا تزال تحافظ على عوامل الصمود والثبات في الميدان.
وقالت حركة “حماس” في بيان صحفي أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ستواصل تصديها للعدوان الإسرائيلي، وتربك حسابات الاحتلال رغم جرائمه الوحشية وتجويعه المتعمد للمدنيين.
وشددت على أن المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام، ستحوّل الميدان إلى ساحة استنزاف طويلة الأمد، وتُكبّد جيش الاحتلال خسائر متلاحقة رغم القصف والمجازر.
وأكدت أن الجبهة الداخلية للمقاومة صامدة، وغزة باتت معادلة ردع تفرض نفسها بقوة.
وما يشير إلى أن ردود المقاومة ستكون أكثر إيلاما ما أكده القيادي في الحركة عزت الرشق، عندما خاطب العدو الصهيوني قائلا إن “كل محاولة لتوسيع العملية العسكرية ستُغرقكم أكثر، وسيكون أبطال المقاومة الفلسطينية لكم بالمرصاد”.
وأضاف أن “توسيع العدوان يعني توسيع أهداف المقاومة وضرباتها”.
وتساءل الرشق: “تهديدات إسرائيل بتوسيع العملية، ما الذي تبقى لكم لتفعلوه ولم تفعلوه؟ قتلتم وجوعتم ودمرتم، وفشلتم في كسر غزة”.
القرار الإسرائيلي بتصعيد عملياته العسكرية على قطاع غزة، قابله تشكيك من الخبراء والمراقبين في جدواه، خاصة بعد أن أظهرت العمليات الأخيرة للمقاومة علامات على انتعاشها، واستعدادها الجيد و حرفيتها، وأنها تحافظ على عناصر المفاجأة في الهجوم على الجنود الإسرائيليين.
وهنا يقدر محللون عسكريون أن فصائل المقاومة الفلسطينية قد تكثف من عملياتها النوعية في المرحلة المقبلة، مستفيدة من معرفتها الجيدة بالميدان وقدرتها على تنفيذ كمائن مفاجئة، مما يصعب على الجيش الإسرائيلي فرض سيطرته الكاملة رغم تفوقه التكنولوجي والجوي.
ويضيف هؤلاء لموقع ” الرسالة نت” أن الجيش يعاني فجوة استخباراتية واضحة، في ظل عدم قدرته على تحديد مواقع المقاومة بدقة، مما يفسر كثافة الضربات الجوية التي لا تحقق أهدافا إستراتيجية حاسمة. وبيان ذلك، أن إمعان العدو الإسرائيلي في إجرامه وتوسيع عدوانه، سيفضي بحسب المراقبين إلى تكبيد قواته خسائر فادحة، خاصة مع تكرار الكمائن والهجمات التي تنفذها فصائل المقاومة ضد القوات المتوغلة، والتى باتت تشكل تهديدا متناميا للجنود والآليات العسكرية في الميدان.
وفي هذا جاء أن إعلان كتائب القسام عن استهداف قوة إسرائيلية راجلة في خان يونس ليؤكد استمرار فعالية المقاومة ميدانيًا، وأن العدو الصهيوني سيواجه في المرحلة المقبلة واحدة من أصعب مراحله، مع تراجع كبير في جاهزية الاحتياط، وانخفاض المعنويات وسط قواته. فلم تمض ساعات على إقرار العدو الصهيوني خطة توسيع العمليات البرية في قطاع غزة، حتى أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس تنفيذ كمين مركّب في خان يونس جنوب قطاع غزة تمكنت خلاله من استهداف قوة هندسية راجلة للاحتلال بقذيفة مضادة للأفراد والاشتباك معها وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح.
وأوضحت، أن مقاتليها تمكنوا من استهداف دبابتين وجرافة عسكرية بقذائف “الياسين 105” قرب السياج الفاصل شرق خان يونس.
ويأتي ذلك بعد يوم من إعلان القسام تنفيذ كمين مركب من ثلاث عمليات في رفح جنوبي القطاع.
في قلب هذه المشاهد الجديدة، تقف العمليات العسكرية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية، لا كأعمال تؤكد فيها أنها لا تزال تحتفظ بوجود نشط في الميدان رغم محدودية إمكانياتها، بل كمرآة تعكس الثمن الباهظ الذي سيدفعه العدو الإسرائيلي من جراء أي مغامرة غير محسوبة قد يقدم عليها في قطاع غزة.
وبالتالي فإن مشاهد البيانات العسكرية تشير إلى أن فاتورة الحساب لم تغلق ولن تغلق، وأن هناك مفاجئات كثيرة في الطريق مجددا ستجعل جيش الاحتلال يعيش حالة استنزاف بشري ومادي مستمرة، وهو ما سيفرض عليه مواجهة طويلة الأمد.
ومجمل تأكيد ذلك تحذير بعض المحللين الإسرائيليين، مثل الصحافي في صحيفة “معاريف” إفرايم جانور، من تكرار السيناريو الفيتنامي في قطاع غزة، حيث يتحول كل تمركز للقوات الإسرائيلية إلى هدف جديد للمقاومة.
كما حذر الجنرال المتقاعد يسرائيل زيف من أخطاء الماضي، وقال إنّ “توسيع العملية الآن سيحوّل الجنود إلى أهداف سهلة. “حماس” تنتظر هذه اللحظة بالضبط: أن ندخل ونستقر، مثل البطّ في ميدان رماية”.
وتساءل المحلل السياسي رفيف دروكر: “توسيع القتال.. إلى أين؟ بعد سنة ونصف من الحرب، ما الذي لم نقصفه؟ وكيف سيبدو سيناريو هزيمة حماس؟”.
وقبل أيام، قال اللواء احتياط بجيش العدو إسحق بريك إن “الجيش الإسرائيلي لا يملك القدرة على إسقاط حركة حماس حتى لو طال أمد الحرب”.
وشكك بريك في جدوى استمرار القتال في قطاع غزة، قائلا “إن إسرائيل في حال استمرارها في الحرب ستتكبد خسائر جسيمة تتمثل في انهيار جيش الاحتياط الإسرائيلي خلال فترة وجيزة” .