هوامش ومتون :المقالح وأشجار أسئلته المعمّرة
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
حين أراد د.عبدالعزيز المقالح أن يكتب في منتصف عام 2021 عن صمود أهل غزّة في وجه آلة القتل والدمار، بعد الأحداث العنيفة التي وقعت صباح يوم 10 مايو2021م، عندما اقتحم أفراد الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى تساءل مع نفسه:
ماذا أكتُبُ؟!
صار الحِبرُ دَما
والماءُ دَما
والكلماتُ دَما
والعالَمُ غابَةَ قَتلٍ ومقابر.
أين أوَاري وَجهِي
أدفِنُ كلماتي
خَجَلا مِن أطفالكِ يا غزَّة
يا أمَّ الأبطالِ المَنذورين لِتَحريرِ الأرضِ
وقَتلِ الوَحشِ الصّهيونيِّ
الغادر؟
لكنّ الشاعر اليمني الراحل الذي مرّت بنا سنويته الأولى يوم 28 نوفمبر الجاري، لم يستسلم لحيرته، فكيف يعجز قلم شاعرنا الكبير عن التعبير عن حالة الألم التي يعيشها، و(غزّة) تكتب في كلّ يوم (قصائدَ الدّم والانتصار)؟ كيف يستطيع أن يصمت ونوافير الدم في كلّ بيت من بيوت (غزّة)؟ تلك النوافير تتدفّق غزيرة وتتحوّل في دفاتر الشاعر إلى صرخة احتجاج على القتل والصمت، فكانت قصيدته (غَزَّةُ تكتب قصائدَ الدّم والانتصار) ففي حضرة الدم في غزّة يستردّ وجوده:
أيّها الحُزنُ خُذني إليها
إلى غزّةَ الدَّمِ والجُوعِ
كي أستَردَّ وُجُودي
وأخرجَ مكتملا صامدا مثلها
ويُطَهّرُني لهبُ الاشتعالْ.
أيّها الحُزنُ خُذني بعيدا
عن اليأسِ»
وكأنه في المقطع الأخير يحاول الفكاك من أسر اليأس الذي تلبّسه عندما كتب قصيدته الشهيرة (أعلنت اليأس) في أبريل 2018م حزنا على ما آلت إليه الأوضاع في اليمن، وقد رفض فكرة مغادرتها للخارج للعلاج، حين تفاقمت عليه الأمراض، ودبّ التعب في جسده، فقد توحّد مع اليمن، بعرى خفية لم يشأ أن يفصمها إلّا الموت، يقول د. علوي الهاشمي «لم يساورني الخوف على عبدالعزيز المقالح الصديق القديم وعلى باقي الأصدقاء الذين عرفتهم من شعراء اليمن وأدبائه، إلا حين ابتدأت الحرب تستعر وتزيد في اليمن السعيد عام 2016م وما بعده خلال السنوات الخمس المنصرمة، وزاد خوفي وقلقي على المقالح وجميع الشعراء الذين عرفتهم لما أعرف عنهم ارتباطهم الشديد باليمن الذي لا يفكر أحدهم في الابتعاد عنه ولا يستطيعون ذلك وبخاصة عبدالعزيز المقالح!»
في قصيدته (أعلنتُ اليأس) التي عدّها الدارسون والمتتبّعون لنتاج المقالح مرثية مبكّرة، لنفسه شأن مالك بن الريب في قصيدته:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً
بوادي الغضا أزجي القلاص النواجيا
لكنّ المقالح كان ينظر إلى الأبعد من ذلك فرثى الأمّة التي شاخت عزيمتها واستسلمت للهلاك:
أنا هالكٌ حتما
فما الداعي إلى تأجيل موتي
جسدي يشيخُ
ومثله لغتي وصوتي
ذهبَ الذين أحبهم
وفقدتُ أسئلتي ووقتي»
فهل حقّا فقد المقالح أسئلته، وهو الذي زرع فينا أشجار الأسئلة المعمّرة؟ وفتّح أذهاننا على الكثير من القضايا، فهو في صنعاء كما وصفه د. الناقد جابر عصفور، (طه حسين اليمن)، في محاضرة ألقاها في كلية الآداب في جامعة صنعاء كما يقول د. علي جعفر العلّاق واصفا شعوره «أحسست بالقاعة كلها وقد هزتها نشوة الامتنان. فقد قال الرجل بالنيابة عنا ما هممنا، أو عجزنا عن قوله، في لحظة صدق طالما مررنا بها دون أن ننتبه، أو نفطن، أونحس. لا بفعل الغفلة، أوالنسيان، بل لأن عظمة الرجل البسيط، أو بساطته العظيمة، إن شئتم، كانت تشدهنا عن أنفسنا كل لحظة»
لقد أمطرنا بأسئلته المفتوحة كالسؤال الذي طرحه على روح صديقه الشاعر صلاح عبد الصبور، في ديوانه (كتاب الأصدقاء):
«يا صديقي:
لماذا تعجّلت موتك
واخترت أن تشرب الكأس
منفردا؟
أنت من كان يؤثر أصحابه
ويقاسمهم -في المودّة-
ورد الحياة»
وكما يقول أبو فراس الحمداني «وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر» نتذكّر اليوم المقالح الذي أحب فلسطين ورأى في مقال له أنها «ستحررنا وتوحد مساراتنا الوطنية والقومية» بل إن أول قصيدة نشرها في 1956 باسمه الصريح، وكان ينشر محاولاته الأولى باسم (ابن الشاطئ) حملت عنوان (من أجل فلسطين)، وألقاها من إذاعة صنعاء في العام الأول لافتتاحها ونقول: كم نحن بحاجة اليوم لشعراء كبار بحجم المقالح يرفعون أصوات احتجاج على ما يجري من جرائم في الجزء الغالي من وطننا الكبير!
ولو كان حيّا بيننا، ماذا سيكتب اليوم عن (غزّة)؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سلام يقول إن لبنان عاد للعرب ويتطلع لعودة السياح العرب إليه
بيروت – اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، امس الثلاثاء، أن “لبنان عاد إلى العرب” ويتطلع لعودة السياح العرب إليه.
كلام سلام جاء في مؤتمر صحفي عقده بعد اجتماعه بسفراء دول مجلس التعاون الخليجي في مقر الحكومة بالعاصمة بيروت، حسب بيان لمكتبه الإعلامي.
وقال سلام: “لبنان عاد إلى العرب، واللبنانيون اليوم تواقون لعودة العرب إليهم”.
وتابع: “ما يهمنا هو القيام بكل ما يسهل لعودة إخواننا العرب إلى ربوع لبنان”
وشدد على “العمل لإزالة أية مخاوف أو محاذير لدى دول مجلس التعاون الخليجي”.
ومجلس التعاون لدول الخليج العربية يضم ست دول هي السعودية وقطر والإمارات والكويت وسلطنة عمان والبحرين، وأُسس في 25 مايو/ أيار 1981، ومقره في الرياض.
وأفاد عون بـ”جهوزية جميع الأجهزة الأمنية للمساعدة وتسهيل كل ما هو مطلوب لتأمين سلامة وأمن إخواننا العرب خلال فصل الصيف”.
ولفت إلى أن “اللبنانيين اعتادوا على وجود العرب في ربوعهم خلال مواسم الأعياد وفصل الصيف، ويهمنا القيام بكل ما يسهل عودة إخواننا العرب إلى ربوع لبنان”.
ومنذ عام 2019، يعاني لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه الحديث، زادتها سوءا تداعيات حرب مدمرة شنتها عليه إسرائيل بين سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين.
وأكد سلام للسفراء الخليجيين، وفق البيان، أنه سيعمل كل ما يستطيع لإزالة المخاوف، وأطلعهم على “كل التغييرات التي حصلت في مطار بيروت، سواء كان بالشكل أو على صعيد الأمن”، حسب البيان.
وفي وقت سابق الثلاثاء، أفادت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية بأن ثلاث طائرات إماراتية تصل اليوم الأربعاء إلى مطار رفيق الحريري الدولي.
واعتبرت أن هذه الخطوة هي الأولى بعد قرار رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، الأحد، رفع الحظر عن سفر مواطنيه إلى لبنان، بداية من الأربعاء 7 مايو/ أيار الجاري، بعد زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى أبوظبي.
الوكالة لفتت إلى أن هبوط الطيران الإماراتي المنتظر في بيروت يحصل بعد انقطاع استمر سنوات بسبب الأوضاع الامنية.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت الخارجية الإماراتية، في بيان، إعادة فتح سفارتها ببيروت، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد إغلاق تجاوز 3 سنوات.
وأعلنت الإمارات، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، سحب دبلوماسييها من لبنان، ومنع مواطنيها من السفر إليه، على خلفية أزمة تصريحات وزير الإعلام اللبناني الذي استقال لاحقا جورج قرداحي بشأن الحرب في اليمن.
الأناضول