لجريدة عمان:
2025-12-11@14:03:12 GMT

حوارات الفلاسفة ما بين الغزالي وابن رشد

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

اختار الفيلسوف العربي زكي نجيب محمود (١٩٠٥-١٩٩٣)، أن يقيم حوارا فلسفيا في بعض القضايا التي قال بها الأقدمون، من خلال أعمال فكرية قال بها ابن رشد (١١٢٦-١١٩٨)، (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال)، و(الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة) و(تهافت التهافت)، وهي القضايا الفكرية والفلسفية التي عبرت عن فكر ابن رشد ورؤيته الخاصة، وهي قضايا اختارها زكي نجيب محمود بعناية فائقة في محاولة للغوص في فكر ابن رشد ومحاولة إجراء حوار فكري عميق مع غيره من الفلاسفة، وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي (١٠٥٨-١١١١)، وخصوصا بشأن القضايا التي أثارت اهتمام المتحدثين والفلاسفة، وهي قضايا فكرية وفلسفية انقسم المفكرون بشأنها، وقد رأى زكي نجيب محمود أنها القضايا ذاتها التي لا تزال موضع التباس في الثقافة العربية والإسلامية.

لقد اعتقد ابن رشد أنه أزال ما التبس علي الناس من تباين ما بين الشريعة والحكمة، مؤكدا تطابقهما وأن من يقول بغير ذلك ليس عالما لا بالحكمة ولا بالشريعة، وقد راح زكي نجيب محمود يقيم حوارا فلسفيا مفندا ما قال به ابن رشد، معتبرا انه ابتعد كثيرا عن القضية وبالغ كثيرا في إعمال المنهج، بينما أن الشريعة تؤكَّد بالشريعة، وأن نقده للمتكلمين في الفلسفة بحجة أنهم استخدموا الأدلة الجدلية ولم يعتمدوا على الأدلة البرهانية، وهو رأي عارضه زكي نجيب محمود، الذي قال بالتشابه الواضح في بنية الفكر العربي خلال القرنين الحادي عشر والثاني الميلاديين، وصولا إلى القرن التاسع عشر والعشرين، مؤكدا على أن كليهما متفق على أن الشريعة الإسلامية هي الأساس في بنية الفكر العربي، بعدها وفد فكر آخر من خارج الحدود معتمدا على الفلسفة اليونانية التي هاجمها البعض باعتبارها كلام يهدد الفكر الأصيل.

يتساءل ابن رشد في كتابه (فصل المقال): هل الفلسفة والمنطق من القضايا التي يُباح تناولها؟ ولم يجد مانعا من ذلك قائلا بأنها قضايا تستوجب النظر في طبيعة الموجودات، وهي من الأدلة القاطعة على قدرة الصانع، وأن ذلك من قبيل استنباط المجهول من المعلوم، وهو ما يقضي بضرورة إعمال العقل، الذي يعد ضرورة شرعية، وأن كل ما قال به الأقدمون من قبلنا يستجوب الأخذ منه، سواء من المسلمين أو من غيرهم، وهكذا قال ابن رشد بضرورة الأخذ بفلسفة اليونان، ولم يكتف بذلك بل اعتبر ذلك ضرورة وواجبا شرعيا، شريطة أن تكون الشريعة لها الأسبقية على الفلسفة، بحكم أن أحكامها من المسلمات الأولى، ولما كانت الفلسفة تأبى المسلمات بحكم طبيعتها الفكرية، وهو ما أحذه زكي نجيب محمود على ابن رشد، الذي قال: إن الرجل كان يمالئ العامة خوفا من أن يتهموه في عقيدته، وهي التهمة ذاتها التي قالها ابن رشد عن أبي حامد الغزالي، حينما قال عنه (هو أشعري مع الأشاعرة وصوفي مع المتصوفة وفيلسوف مع الفلاسفة)، بل زاد على ذلك قائلا: إن ما كتبه أبو حامد الغزالي في كتابه الشهير (تهافت التهافت) يعد مجاراة للعامة، وإن كبوة الغزالي قد ازدادت حينما كتب كتابه (تهافت الفلاسفة)، وأن كل ما كتبه كان يجاري فيه مشاعر العامة والدهماء.

يشتبك زكي نجيب محمود مع ابن رشد حينما يقول: ما الذي يضمن عدم تعارض الحكمة مع الفلسفة؟ أن ما يقول به ابن رشد يعد قولا لا يقول به إلا المؤمنون، فإذا كانت الشريعة حقا والحكمة حقا، ولما كان الحق لا يتعدد كانت الشريعة والحكمة بمثابة قضية واحدة، وإن اختلفتا في طرق التعبير عنهما، وهذه عبارة ابن رشد الذي أكد على أن الفلسفة لا تخالف الشريعة أبدا لأن الحق لا يتعارض مع الحق بل يؤكده ويشهد له، وأن من يقول بعكس ذلك لا يفهم النص الذي قرأه في أي مصدر.

يرى زكي نجيب محمود بضرورة أن تستقل الفلسفة بذاتها، حتى لو تعارضت النصوص مع الشريعة، بينما يقول ابن رشد أن الشريعة قضية مسلمة من المسلمات الأولى، فإذا تعارضت النصوص مع الشريعة نلجأ حينئذ إلى التأويل، اعتمادا على المقاصد التي تخدم الشريعة، ويتساءل ابن رشد: كيف يجرؤ أبو حامد الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) بالقول بتكفير المسلمين كأبي نصر الفارابي وابن سينا، وقد قالا بضرورة التأويل خدمة للشريعة، حينما يتعارض النص مع الشرع. يرى ابن رشد أن الإفادة مما كتبه فلاسفة اليونان القدامى يعد واجبا شرعيا، وهو قول عارضه الغزالي واحتدم الصراع الفكري بين ابن رشد والغزالي وخصوصا فيما كتبه الأول (تهافت التهافت) وما قال به الآخر (تهافت الفلاسفة)، وهي سجالات فكرية لعلها كانت بين حضارتين، ورغم قدم هذه الحضارات إلا أن السؤال الذي ظل مطروحا دائما وحتى التاريخ المعاصر. هل تأخذ الحضارة اللاحقة عن الحضارات السابقة؟ وماذا لو كانت الحضارتان من مصدرين متعارضين؟ وهل يعد الأخذ من أحدهما محو للحضارة الأخرى؟

لم تكن الحضارة الأوروبية تجد حرجا من الإفادة مما سبقها أو لحق بها من حضارة أخرى، بحكم إن جذور الحضارات الأوروبية كانت واحدة، أو أن تأخذ الحضارة الإسلامية فكرها وفلسفاتها من أصول يونانية. من هنا يبدو السؤال مهما للغاية، وهو سؤال يتراوح بين منتصريه ومعارضيه، وقد زاد الأمر التباسا حينما رآه البعض منا غزوا ثقافيا وفكريا. وهكذا كان الحوار دائما بين ابن رشد وأبي حامد الغزالي بمثابة إثارة لقضايا معقدة، وقد هاجم الغزالي كل الفلسفات الوافدة، التي تأثر بها ابن رشد وابن سينا والفارابي، بينما ابن رشد لم يجد حرجا من الأخذ من فلسفة اليونان، وهو لا يرى في ذلك خطرا على الإسلام عقيدة وشريعة.

جرت هذه الحوارات عبر فضاءات افتراضية، فقد عاش أبو حامد الغزالي في القرن الحادي عشر، بينما كان ابن رشد في القرن الثاني عشر، والفارابي وابن سينا عاشا في القرن العاشر الميلادي، ورغم ذلك فإن ما قال به هؤلاء الفلاسفة قد بقي حتى يومنا قائما بين المثقفين، وبقيت الأسئلة ذاتها مطروحة من قبيل: هل نأخذ مما قال به اليونان، وما أضاف إليه علماء الغرب من شروح ودراسات أم ننكفئ على ذواتنا، وعلى ما خلفته الحضارة الإسلامية دون النظر لفكر الآخرين؟ وهو السؤال نفسه الذي لا يزال معلقا في رقابنا وعقولنا إلى اليوم.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ما قال ابن رشد ما کتبه ما بین

إقرأ أيضاً:

من شوارع القاهرة إلى جائزة نوبل.. كيف صنع نجيب محفوظ مجده؟

تحل اليوم 11 ديسمبر ذكرى ميلاد نجيب محفوظ ، فهو أول كاتب مصري عربي يحصل على جائزة نوبل عن مجمل أعماله الأدبية.

نشأة الفنان نجيب محفوظ

-وُلِد نجيب محفوظ في يوم 11 ديسمبر سنة 1911، لعائلةٍ من الطبقة المتوسطة في حي الجمالية، أحد أحياء منطقة الحسين بالعاصمة القاهرة، وهو الأصغر سنًا بين ستة أشقاء، أربعة من الإخوة وأختين.

- عمل والده عبد العزيز إبراهيم في وظيفة حكومية.

- حرصت والدة نجيب محفوظ، فاطمة ابنة مصطفى قشيشة أحد شيوخ الأزهر، على اصطحاب نجيب محفوظ الطفل في رحلات عدة إلى مواقع ثقافية في مصر.

- نشأ نجيب محفوظ في عائلة محافظة ومتدينة بشكل كبير

- بدأت دراسة نجيب محفوظ بدخوله الكُتّاب لتعلم القرآن، وبعد انتهائه من تعليمه الابتدائي والثانوي، أظهر اهتمامًا متزايدًا بالأدب العربي، ومن أكثر الكتاب الذين أثروا عليه في هذه المرحلة، الكاتب حافظ نجيب.

- كانت التجربة الأولى له مع المشاعر الوطنية والقومية والبيئة التي شكلت شخصية نجيب محفوظ الأدبية، ووصف نجيب محفوظ ثورة 1919 «بأنها أكثر شيء هز طفولته»، إذ كان يتابع بعض أحداثها من نافذة بيته.

-انتقلت أسرة نجيب محفوظ إلى حي العباسية في 1924 وبعدها حصل على شهادة بكالوريا من مدرسة فؤاد الأول الثانوية.

- التحق نجيب محفوظ بعد ذلك بالجامعة المصرية في 1930، ليحصل على شهادة إجازة الليسانس في الفلسفة عام 1934، وبدأ في دراسة الماجستير وتخصص في الفلسفة، لكنه توقف بعد عام واحد من أجل احتراف مهارة الكتابة والتأليف، وعمل في هذه الوقت موظفاً في وزارة الأوقاف.

- عزف نجيب محفوظ عن الزواج حتى بعد ثورة 1952، ثم تزوج من السيدة عطية الله إبراهيم عام 1954. وقد ظل خبر زواج نجيب محفوظ سرًا عن الصحافة لعشر سنوات، وعلل وقتها عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها، وأن الزواج سيقف بينه وبين مستقبله الأدبي، ولكن الأمر اكتشف بعد أن نشبت مشاجرة بين إحدى ابنتيه وزميلة لها في المدرسة، فوصل الخبر إلى الشاعر صلاح جاهين عن طريق والد الطالبة الذي كان جارًا له.

- وتحدث نجيب محفوظ كثيرًا عن دور زوجته في حياته، واصفًا إياها بصاحبة دور كبير في نجاحه: «إن كان لأحد فضل فى المكانة التي وصلت إليها بعد الله فهي لزوجتي عطية الله، فهي بالفعل عطية من الله إلى».

- بعد حصول نجيب محفوظ على درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة القاهرة عام 1934، وعمل في مناصب ووزارات مختلفة حتى تقاعد في عام 1971.

- عمل في وزارة الأوقاف في منصب سكرتير نيابي لوزير الأوقاف الإسلامية.

- طلب في عام 1945 الانتقال إلى مكتبة ضريح الغوري، وأجرى وقتها مقابلات مع سكان حي الطفولة كجزء من مشروع القرض الحسن، وعمل في الخمسينيات، مديرًا للرقابة في مكتب الفنون، ومديرًا لمؤسسة دعم السينما، وأخيرًا مستشارًا لوزارة الثقافة، ليختم خدمته المدنية.

مسيرة نجيب محفوظ الأدبية

-نشر نجيب محفوظ 34 رواية وأكثر من 350 قصة قصيرة والعشرات من سيناريوهات الأفلام وخمس مسرحيات خلال مسيرته الأدبية التي استمرت 70 عامًا، تركزت أعماله حول حياة الشعب المصري، وكانت ثلاثية القاهرة التي نشرت في الفترة بين عامي 1956-1957 من أبرز أعماله.

- بدأ نجيب محفوظ بنشر بعض القصص القصيرة، عندما كان يعمل موظفًا إداريًا في جامعة القاهرة، وفي العام التالي لتعيينه سكرتيرًا لوزير الأوقاف الإسلامية بالبرلمان في وزارة الأوقاف

-كما نشر نجيب محفوظ رواية «حكمة خوفو» والمعروفة باسم «عبث الأقدار»

-وفي عام 1943 نشر روايته رادوبيس وتلاها رواية خان الخليلي في 1945.

-بعد انتقاله إلى مكتبة الغوري في القاهرة عام 1945، وعمله على مشروع القرض الحسن نشر ثلاثيته وهي عبارة عن ثلاث روايات تصور حياة ثلاثة أجيال في القاهرة بدايًة من الحرب العالمية الأولى وحتى ثورة عام 1952، وكانت أسماء الروايات بين القصرين عام 1956، وقصر الشوق 195، والسكرية عام 1957، ونشرت روايته أولاد حارتنا في عام 1959.

-كتب نجيب محفوظ 35 رواية و19 مجموعة قصصية، تحولت عشرات منها إلى أعمال فنية: أفلام ومسرحيات ومسلسلات، وفي كل عمل منهم نعيد اكتشاف النص المحفوظي وكأنه يقرأ أو يُرى لأول مرة.

أهم الجوائز التي حصل عليها نجيب محفوظ

حصل نجيب محفوظ على عدة جوائز هامة:

جائزة نوبل للآداب 1988

الوسام الرئاسي من الجامعة الأمريكية عام 1989

شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية

كرم في العام 1992، وعين عضوًا فخريًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وانتخب عضوًا في عام 2002.

جائزة مجمع اللغة العربية عن رواية خان الخليلي عام 1946.

جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1968.

جائزة قلادة النيل العظمى عام 1988.

جائزة مبارك في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 1999.

جائزة كفافيس عام 2004.

اقرأ أيضاًعام نجيب محفوظ

«قصور الثقافة» تقدم أجندة فعاليات متنوعة على مدار الأسبوع الجاري

«حوارات القرن».. «المصور» تحتفل بمئويتها الثانية بإصدار عدد تذكاري تاريخي

مقالات مشابهة

  • من شوارع القاهرة إلى جائزة نوبل.. كيف صنع نجيب محفوظ مجده؟
  • تعلن محكمة ماوية الابتدائية بأن على/ نادر نجيب جابر الحضور إلى المحكمة
  • الإطار ينفي مشاركة قادة الفصائل في اجتماعه الأخير: حوارات تشكيل الحكومة متواصلة
  • حوارات حزب الله بشأن ملفات حساسة
  • تعلن محكمة صعده أن نجيب الهجري تقدم بطلب تصحيح إسم
  • شاهد بالفيديو.. أول من دخل عليه بعد وفاته.. صاحبة الشقة التي يسكن فيها المذيع الراحل محمد محمود حسكا تكشف تفاصيل جديدة: “وجدته كأنه نائم”
  • أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية
  • الحوار.. وإنزال الفلسفة إلى الاجتماع
  • أبرز أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية
  • عام نجيب محفوظ