عبر اتحاد الفيزياء والذكاء الاصطناعي.. علماء يرون الأجسام الخفية في الأماكن المعتمة
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
في خطوة قد تغيّر مستقبل التصوير الطبي وفحص المواد، تمكن فريق بحث من تطوير تقنية جديدة تتيح الكشف الدقيق عن الأجسام والأنسجة داخل بيئات شديدة التعقيد والإعتام، مثل الأنسجة الحيوية الكثيفة أو المواد الصلبة غير الشفافة، حيث تفشل الطرق التقليدية في الرؤية فيها.
تُظهر الدراسة، التي نشرت أخيرا في دورية "نيتشر فيزكس" تمكّن التقنية الجديدة من النفاذ عبر ما يمكن تسميته "الضباب الصوتي".
يقول ألكسندر أوبري، مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، والباحث المراسل في الدراسة من معهد لانجفان الفرنسي، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "العقبة التي نتغلب عليها هنا هي الضباب الكثيف الناتج عن ظواهر الانتشار متعدد الموجات".
عندما تمر موجة فوق صوتية أو ضوئية داخل وسط غير متجانس، كنسيج عضلي أو مادة حُبيبية، فإنها لا تسلك مسارا واحدا؛ بل تتشتت مئات المرات في اتجاهات عشوائية، ما يؤدي إلى طمس الصورة بالكامل، وتُعرف هذه الظاهرة بـ"الانتشار المتعدد".
يشرح أوبري جوهر التقنية الجديدة: "بدلا من محاولة إزالة أثر الاضطراب أو تصحيحه، كما تفعل الطرق التقليدية، نبحث نحن عن الأنماط الثابتة التي تظل قائمة رغم كل هذا التشتت. فكل جسم له بصمة مميزة في طريقة تفاعله مع الموجات، وهذه البصمة تبقى قابلة للاكتشاف حتى وسط الفوضى".
قامت الفكرة على تكوين ما يسمى بـ"بصمة الهدف"، وهي توقيع فريد من الموجات يمثل كيفية انعكاس الموجات عن الجسم في ظروف مثالية، أي في الفراغ أو في وسط بسيط. بعد ذلك، تبحث الخوارزمية عن هذا النمط داخل البيانات المبعثرة والمعقدة التي تُسجّل أثناء التصوير في الوسط الحقيقي.
إعلانالمميز في تلك الطريقة الجديدة أنها لا تحاول تصحيح الفوضى، بل تستخدمها. يستفيد الباحثون من كل الانعكاسات والارتدادات الداخلية التي كانت تعتبر سابقًا مجرد ضوضاء. هذه الارتدادات تحمل بصمة الهدف، وكلما كان الوسط أكثر تعقيدًا، كانت البصمة أكثر تفردًا.
لا تتوقف أهمية هذه التقنية عند الجانب الفيزيائي، بل تمتد إلى التطبيقات الطبية المباشرة. ففي إحدى تجارب الفريق، استخدم الباحثون الطريقة الجديدة لاكتشاف علامة طبية تُزرع في أنسجة الثدي لمتابعة موقع الورم بعد الخزعة، وهي غالبًا ما تكون غير مرئية في التصوير بالموجات فوق الصوتية التقليدي بسبب التشتت العالي في الأنسجة.
يقول أوبري: "إلى جانب تسهيل اكتشاف علامات الأورام المستخدمة في متابعة سرطان الثدي، يمكن تطبيق طريقتنا مباشرة في مجال الطب التدخلي لمراقبة موقع الإبر أو القساطر داخل الجسم. هذه الأدوات يصعب رصدها بالموجات فوق الصوتية لأن صداها المباشر لا يُلتقط دائمًا بالمجس، لكننا نستطيع تحديد موقعها بدقة كبيرة من توقيعها الموجي المعقد".
هذا التقدم يعني أن الأطباء سيتمكنون قريبًا من مراقبة أدواتهم داخل الجسم أثناء الجراحة أو العلاج دون الحاجة إلى تقنيات إشعاعية ضارة أو أجهزة تصوير مكلفة مثل الرنين المغناطيسي. كما أن واحدة من أكثر النتائج المذهلة في الدراسة كانت قدرة الطريقة الجديدة على رسم البنية الداخلية لعضلة بشرية حية، إذ تمكن الفريق من رسم بنية عضلة الساق، وكشف اتجاه الألياف بدقة عالية.
يقول أوبري: "قد يعمل رسم خريطة ألياف العضلات كأداة قوية لمتابعة التغيرات البنيوية الناتجة عن التليف أو التنكس الدهني في أمراض العضلات والأعصاب. كما أن مراقبة ألياف القلب تساعد في رصد الاضطرابات المبكرة في بنية العضلة القلبية، مثل اعتلالات عضلة القلب أو التليف".
ويضيف: "يمكن أن تساعد هذه التقنية في متابعة تعافي العضلات بعد الإصابات، أو حتى تقييم فعالية برامج إعادة التأهيل".
أظهر الفريق البحثي أن طريقة "البصمة" قادرة على استخراج معلومات كمية دقيقة عن الخصائص الفيزيائية للوسط، مثل الضغط أو الصلابة، وذلك من تحليل طريقة استجابة الهدف للموجات.
فبحسب أوبري، استخدم الفريق الفقاعات الميكروية الصغيرة التي تحقن أحيانا في الجسم أثناء الفحص بالموجات فوق الصوتية لتوضيح الصورة. هذه الفقاعات تتفاعل مع الموجات بطريقة تختلف حسب ضغط الدم حولها.
وباستخدام "طريقة البصمة"، استطاع الباحثون تحليل هذا التفاعل بدقة كبيرة، بحيث تمكنوا من تقدير ضغط الدم مباشرة من الصورة الصوتية، مما يعني أنه يمكن يومًا ما استخدام التقنية للتنبؤ بمخاطر الجلطات أو السكتات الدماغية بطريقة آمنة وسريعة وبدون أي تدخل جراحي.
قد يبدو للوهلة الأولى أن إنشاء بصمة لكل هدف يتطلب معرفة كاملة ومسبقة بشكل الجسم وحجمه ومادته، لكن أوبري يؤكد أن الطريقة مرنة للغاية، ويضيف: "لسنا بحاجة بالضرورة إلى معرفة الشكل أو المادة مسبقًا. ما نحتاجه هو أداة حسابية فعالة، تحليلية أو رقمية، قادرة على تحويل مصفوفة البصمة لأي نوع من الأجسام. ثم نبحث عن مجموعة المعلمات التي تُعطي أعلى توافق بين البصمة والبيانات المُقاسة. ومع التطور السريع في أدوات الذكاء الاصطناعي، يمكننا الآن إجراء مثل هذه العمليات بسرعة وكفاءة مذهلتين".
إعلانهذه النقطة جوهرية لأنها تعني أن التقنية لا تقتصر على الأهداف المعروفة مسبقًا، بل يمكنها اكتشاف أجسام غير متوقعة أو معقدة الشكل داخل الأنسجة أو المواد الصناعية.
في حين أن التجارب ركّزت على التصوير بالموجات فوق الصوتية، يؤكد أوبري أن المفهوم "عامل البصمة" أكثر مرونة، ويشرح: "يمكن أن يكون للطريقة استخدامات مهمة جدًا في المجالات العسكرية، حيث تحتاج إلى رصد أهداف معقدة مثل الألغام أو الطائرات المسيّرة في بيئات مليئة بالضوضاء. كما أنها مفيدة جدًا في اختبار المواد في الصناعات النووية أو الجوية، حيث تُمثل اكتشاف العيوب في البنى المعقدة تحديًا مستمرًا منذ عقود".
هذا الاتساع في نطاق الاستخدام يفتح الباب أمام تطبيقات إضافية في الاتصالات اللاسلكية والاستشعار عن بُعد وحتى الفيزياء البيئية، حيث يمكن تتبع الأجسام تحت الماء أو داخل التربة أو الصخور الكثيفة.
إن عامل البصمة ليس مجرد خوارزمية تصوير، بل هو مفهوم فيزيائي شامل يمكن تطبيقه في أي مجال تُستخدم فيه الموجات لاستكشاف المجهول. من الطب إلى الصناعة إلى الاتصالات، سنتمكن من الرؤية بوضوح داخل العوالم التي كانت حتى اليوم غارقة في الضباب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات بالموجات فوق الصوتیة التی ت
إقرأ أيضاً:
«دبي الرقمية» تعرض في «جيتكس» مبادراتها الرائدة بمجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
دبي (الاتحاد)
تعرض دبي الرقمية في جيتكس جلوبال 2025 مبادراتها الرائدة في تسخير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان.
وعلى جناح مشترك يضم نحو 50 جهة حكومية وغير حكومية، انطلق جناح حكومة دبي الذي نظمته دبي الرقمية، ليكون منصة للإضاءة على آخر الحلول والمبادرات والمستجدات في مسيرة التحول الرقمي في المجالات ذات الصلة.
وتُعد مشاركة دبي الرقمية لدورة 2025 من جيتكس جلوبال بمثابة نقلة نوعية من حيث الاعتماد المكثف على حلول الذكاء الاصطناعي، ولاسيما الذكاء التوكيلي (Agentic AI)، الذي يمكّن الأنظمة الرقمية من التخطيط والتنفيذ الذاتي للمهام المعقدة، وتحويل الخدمات الحكومية إلى تجارب استباقية ومُخصّصة تلبي احتياجات السكان والأعمال بأقل قدر ممكن من التدخل البشري المباشر.
وقال حمد عبيد المنصوري، مدير عام دبي الرقمية: كل محطة من محطات جيتكس جلوبال في دبي تمثل قفزة نوعية باتجاه مستقبل مختلف، وفي هذا الحدث السنوي تتحاور العقول المبدعة مع التكنولوجيا المتحولة باستمرار، فتنشأ الحلول والمبادرات الخلاّقة، ونحن في دبي الرقمية نسعد بكوننا جزءاً من هذه الديناميكية النابضة بالحياة، ولذا فإننا نعِد زوّار منصتنا لهذا العام بالعديد من العناوين الجديدة التي تعكس الجهود المبهرة لفريق دبي الرقمية في مجالات الذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية المختلفة.
وتعرض دبي الرقمية في دورة هذا العام باقة استثنائية من المبادرات والمشاريع التي تمثل في مجملها نقلة نوعية، ومحطة متقدمة نحو تعزيز ريادة دبي كمدينة مستقبلية تسخّر أحدث التكنولوجيا لسعادة الإنسان وتعزيز جودة حياة المجتمع.
وتقدم مؤسسة دبي للبيانات والإحصاء خدمات ومشاريع تتضمن مركز ذكاء البيانات والتحليلات المتقدمة الذي يوظف تقنيات الذكاء الاصطناعي لاستخلاص أدق التحليلات، مبادرة الوكيل الإحصائي الجغرافي لتحليل الاتجاهات السكانية والاقتصادية، إضافةً إلى خدمة اسأل بيانات دبي، كما تعرض المؤسسة لوحة دبي التي توفر رؤية فورية بزاوية 360 درجة لدعم صُنّاع القرار، ومحرك الذكاء الاصطناعي لاستطلاعات الرأي والعينات، بالإضافة إلى «سوق البيانات» التي ستفتح الباب لعامة الناس للاستفادة من البيانات المتوفرة لتطوير استثماراتهم أو دراساتهم أو غير ذلك وغيرها من المشاريع والخدمات.
وقال يونس آل ناصر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للبيانات والإحصاء: منصة دبي الرقمية في جيتكس هذا العام تعكس صورة مدينة تدار بالبيانات، وتسترشد بالذكاء الاصطناعي للارتقاء بمستوى خدماتها وبرامجها من خلال وكلاء رقميين يعينون على تحقيق المزيد من الكفاءة والفاعلية في كل المجالات، وتقدم هذه المشاركة رؤية مستقبلية للمدينة الذكية، التي تتدفق البيانات في شرايينها كما لو أنها بيئة حيوية متكاملة تعزز الازدهار والنماء على مستوى الاقتصاد والمجتمع والحياة ككل. في هذه المنظومة أصبحت المدينة اليوم تفكّر مع الناس، وتستلهم احتياجاتهم، وتستبق خدماتهم، وتستشرف المستقبل لتظل في المقدمة على الدوام.
كما ستعرض مؤسسة حكومة دبي الرقمية ضمن مشاركتها في «جيتكس جلوبال 2025» مجموعة من وكلاء الذكاء الاصطناعي المتخصصين في الخدمات الحكومية والتوظيف، والتوريد، والعقود، والمالية، ودعم اللجان وإدارة المنتجات الرقمية وإدارة المهام الحكومية بذكاء وكفاءة.
وقال مطر الحميري الرئيس التنفيذي لمؤسسة حكومة دبي الرقمية: من خلال خدماتنا الرقمية المتكاملة والمدعومة بالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ننتقل إلى مرحلة جديدة من التفاعل الذكي، حيث تصبح الخدمات أكثر قرباً وسلاسة للمجتمع، بما يسهم في تسهيل حياة الناس، ودعم مسيرة الاقتصاد الرقمي، وترسيخ ريادة دبي في تبنّي تقنيات المستقبل وتجسيد مبدأ «المدينة كخدمة».
كما تعرض دبي الرقمية على منصتها حلول مركز دبي للأمن الإلكتروني وفي مقدمتها معيار أمن الاتصالات وهو محرك تدقيق ذكي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، ومؤشر دبي للأمن السيبراني.