الذكاء الاجتماعي وتفاعلنا مع الآخرين
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
بينما كنت في إحدى الزيارات لتأدية واجب اجتماعي برفقة بعض من الإخوة الأعزاء، دار بيننا حوار مثير حول مفهوم الذكاء الاجتماعي وكيفية تطبيقه وطبيعته؛ هل يتعلم؟ أم يكون مكتسبًا؟ أم هو صفة طبيعية في الإنسان؟ هذا الحديث آثار فضولي للبحث والقراءة المكثفة حول هذا المفهوم، واكتشاف كيف يتجلى في حياتنا اليومية، سواء داخل الأسرة، أو في المجتمع، أو حتى في بيئة العمل؛ حيث يُطبَّق بأشكال متنوعة تتلاءم مع السياق الذي يندرج فيه.
ووفقًا لتعريف إدوارد ثورنديكي فإنَّ الذكاء الاجتماعي يندرج تحت مفهوم القدرة على فهم الآخرين والتفاعل معهم بشكل فعّال، سواء كانوا رجالًا، نساءً، أو أطفالًا. كما يعتبر مهارة في التعامل مع العلاقات الإنسانية بحكمة وتميز، فضلاً عن القدرة على بناء تفاهم وتآلف جيد مع الآخرين والفوز بدعمهم. أما في بيئة العمل، فيُعتبر عاملاً مؤثرًا بشكل كبير في نجاح الفرق والتعاون الإيجابي بين الأفراد.
إضافة إلى ذلك يمكن تصنيفه على أنَّه القدرة على تفهم المشاعر والمواقف الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين بفعالية، وهو أحد أنواع الذكاء المُتعددة المعترف بها، حيث يُظهر الأشخاص الذين يتمتعون بارتفاع درجات الذكاء الاجتماعي مهارات في التعامل مع الناس وفهم دوافعهم واحتياجاتهم العاطفية والاجتماعية، كما تشمل هذه المهارات القدرة على التواصل الفعال، وحل الصراعات، وبناء العلاقات القوية والمثمرة.
الأبحاث تشير إلى أنه يمكن تطويره وتعزيزه من خلال التدريب والتجارب الاجتماعية، وتعد القدرة على فهم وتقبل الآخرين وبناء العلاقات الصحيحة أمورًا أساسية للتطور الشخصي والنجاح في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والمهنية.
وبالاستناد إلى ما قرأت حول هذا الموضوع، يظهر لي أن الذكاء الاجتماعي ينمو بشكل طبيعي مع بعض الأطفال، حيث يتمتع بعضهم بقدرة طبيعية على كسب تعاطف الآخرين وعلى استجابة العائلة لرغباتهم واحتياجاتهم، ورغم أنَّ الارتباط الوراثي بالذكاء يكون ضعيفًا لدى الأطفال، إلا أنه يصبح أكثر قوة مع نموهم وتطورهم ليصل إلى مستوى متقارب حوالي سن 18-20 عامًا، ويظل ثابتًا على هذا المستوى حتى فترة البلوغ.
كما يُمكن اكتساب الذكاء الاجتماعي في مختلف سياقات الحياة، سواء من خلال التفاعل في المجتمع أو داخل بيئة العمل، ويمكن للفرد تطوير هذا النوع من الذكاء من خلال التوجيه والتفاعل مع الآخرين، مما يساهم في تعزيز مهارات التواصل وبناء علاقات متينة تتسم بالمحبة والالتزام.
إنَّ صفات الذكاء الاجتماعي تتضمن القدرة على التعاطف مع الآخرين واحترام وجهات نظرهم، حتى وإن اختلفت عن الخاصة بالشخص. كما يشمل أيضًا تعلم الاحترام منذ الصغر على يد الوالدين ليكونوا قدوة جيدة، والقدرة على تغيير السلوك ومواجهة المواقف الاجتماعية بشكل ملائم، وأيضًا القدرة على التأثير في الآخرين والتفاعل معهم بلا توتر أو قلق.
يحضرني في هذا المقام صديقي العزيز الذي يمتلك ذكاءً اجتماعيًا مُلهمًا، فقد تمكّن بفضله من جمع الإخوة في تجمعات عديدة، مما أدى إلى توطيد العلاقات وتعزيز التواصل بينهم، كما يتميز هذا الصديق بموهبة شعرية فريدة وإلقاء جذاب، ما جعله محط أنظار الحضور في أي مناسبة يشارك فيها، وأكاد أجزم إنه سبب رئيسي في قبول الكثير من الزملاء في حضور تلك الأمسيات والتجمعات الأخوية، فهو يضفي عليها روح الإحساس والاستمتاع بما تبوح به خاطرته الشعرية، كل ذلك بالتأكيد نابع عن ما يتمتع به من ذكاء اجتماعي عاطفي ساحر أدى إلى اجتماع الكثير من الإخوة على محبته والاستمتاع بالجلوس معه.
لنغوص أعمق في هذا الموضوع ونكتشف كيف يُظهر هذا النوع من الذكاء في حياتنا اليومية، وكيف يمكننا تنميته وتطويره للنجاح في مختلف جوانب حياتنا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مناقشة أبعاد التنشئة الاجتماعية ضمن "ملتقى الأسرة والمجتمع"
مسقط- الرؤية
نظّمت وزارة التنمية الاجتماعية ممثلة في المديرية العامة للتنمية الاجتماعية بمحافظة مسقط بالتعاون مع مركز زلفى للإرشاد النفسي والاستشارات الأسرية، ملتقى الأسرة والمجتمع " رحلة في أبعاد التنشئة الاجتماعية"، وذلك تحت رعاية سعادة الشيخ راشد بن أحمد الشامسي وكيل الوزارة.
ويهدف الملتقى إلى توعية أفراد المجتمع بأهمية الأسرة ودورها في التنشئة الاجتماعية السليمة، وتسليط الضوء على التحديات المعاصرة التي تواجه الأسرة، خصوصًا في ظل الإعلام الرقمي، وإبراز أثر التماسك الأسري في حماية الأبناء من الانحرافات السلوكية والفكرية، وكذلك مناقشة أثر الطلاق على الأبناء والأسرة والمجتمع، وتبادل الخبرات بين المختصين في مجالات التربية وعلم الاجتماع والإرشاد الأسري، إلى جانب تقديم توصيات عملية تدعم استقرار الأسرة وتحسن من جودة الحياة الأسرية.
ويستهدف الملتقى الآباء والأمهات، والمقبلين على الزواج، والمعلمين، والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، بالإضافة إلى المهتمين بالشأن الأسري والتربوي من طلاب الجامعات في تخصصات التربية والعلوم الاجتماعية.
وشهد الملتقى كلمة وزارة التنمية الاجتماعية ألقتها لبيبة بنت محمد المعولية المديرة العامة للمديرية العامة للتنمية الاجتماعية بمحافظة مسقط، حيث أكدت فيها أن التنشئة الاجتماعية ليست مجرد عملية تلقين؛ بل هي رحلة مستمرة في التوجيه، والبناء القيمي، وغرس المعارف، وتشكيل السلوك تبدأ من حضن الوالدين، وتتسع لتشمل المدرسة، والحي بمرافقه، بل ومؤسسات المجتمع كافة، فالمسؤولية مشتركة خاصة في وقت بات فيه عالمنا الإسلامي يشهد تغيرات وتحولات وتحديات أحدثت تصدعات في كثير من الأسر، وحولت جمعها إلى شتات، وأضعفت قدراتها للقيام بدورها كمصدر أول للتربية.
وأضافت بأن الأسرة العمانية ليست ببعيدة عن هذا المشهد، كونها جزء من هذا العالم، وجزء من الصوت المنادي بأهمية تنشئة الأبناء تنشئة متسلحة بجذورها وثقافتها، وقيمها المُثلى؛ ليكونوا قادرين على مواكبة العالم بأخذ الصالح والاستفادة منه مع الحفاظ على الثوابت.
وأوضحت المعولية بأنه على الرغم من الجهود المبذولة في معالجة الكثير من المشاكل الأسرية، والتي تناولتها طاولات النقاش والحوار، سيظل الأمر يحتاج إلى مزيد من تظافر الجهود لمواجهة هذه التحديات في عالم سريع التغيير والانفتاح لإحداث انسجام بين الحفاظ على الإرث التربوي والأخلاقي في التنشئة وبين الانفتاح على المتغيرات التي يشهدها العالم دون عزل أو تسويف.
وتضمن الملتقى تقديم عددًا من أوراق العمل، ففي ورقة العمل الأولى حول " التربية الوالدية ودور الأسرة في التنشئة الاجتماعية"، تناول فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن ناصر الصوافي أمين الفتوى بمكتب مفتي عام سلطنة عمان أساليب التربية السليمة، ودور القدوة داخل الأسرة، والتوازن بين الحزم واللين في التعامل مع الأبناء.
وجاءت ورقة العمل الثانية بعنوان" التماسك الأسري ودوره في التنشئة الاجتماعية"، واستعرضت الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية متخصصة في الإرشاد النفسي والتربوي أهمية التواصل الفعّال داخل الأسرة، وأثر التماسك على الصحة النفسية للأبناء، وآليات تعزيز الانتماء الأسري.
وتطرق أحمد بن عبدالله الشبيبي رئيس مركز زلفى للإرشاد النفسي والاستشارات الأسرية في ورقة العمل حول " الطلاق وأثره على التنشئة الاجتماعية" إلى الجوانب النفسية والاجتماعية للأطفال بعد الطلاق، وكيفية الحد من الأثر السلبي للانفصال، ودور المؤسسات في دعم الأسر المفككة، وركزت عايدة بنت صالح الرحبية في ورقة العمل الرابعة على أهمية الفحص الطبي قبل الزواج.
فيما اختتمت أوراق العمل بورقة " وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الأسرة"، حيث أوضحت الدكتورة منى بنت سالم العلوية الإيجابيات والسلبيات على العلاقات الأسرية، وحماية الأبناء من مخاطر المحتوى الرقمي، وكيفية توجيه الاستخدام نحو التفاعل البنّاء.
وتضمن الملتقى تكريم مقدمي أوراق العمل ومنظمي الملتقى، كما يصاحب الملتقى في الفترة المسائية حلقة عمل حول " إدارة المشاعر وأهميته في التنشئة الاجتماعية".