بوابة الوفد:
2025-06-26@23:33:21 GMT

عصر التقنية.. وتحول السؤال

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

لا أحد ينكر أهمية التقنية للإنسان.. فكل التقنيات ساعدت الإنسان وجعلته يحرز الكثير من التقدم وحل الكثير من المشكلات التى تواجهه.. وعندما ننظر إلى كل الأجهزة تجدها تقوم بسد حاجات كان الإنسان فى حاجة إليها.. فمثلا: نجد الخلاط والثلاجة والغسالة... الخ، كلها أجهزة تقنية كان الإنسان فى حاجة إليها لمواجهة مشكلات وتوفير الوقت والجهد.

. ومع الوقت تسارعت التقنيات بأشكال عدة.. وكلما واجهت الإنسان أى مشكلات يفكر فى حلها.. وتساعده التقنيات فى تلبية تلك الحاجات.. ورويدا رويدا تحول الأمر تجاه التقنيات من منطق الحاجة وتوفير تلك الحاجات إلى منطق آخر مغاير أو مخالف عن الأول، وهو منطق الإمكان. وفى منطق الحاجة نجد التقنيات تخدم وتساعد الإنسان على فعل أمور لم يكن لديه القدرة على القيام بها وتحقيقها فتأتى التقنيات تقدم له الحلول.. معنى ذلك التقنيات تخدم الإنسان وتساعده وتوفر له الوقت والمجهود.. هنا نجد أن الإنسان سيد الموقف بشكل أو بآخر.. أى انه يتحكم فى تلك التقنيات وفق إرادته ومتطلباته.. ولكن عندما ننظر للوقت المعاصر نجد ان التقنيات المعاصرة تمكنت من أن تتعملق وتتجبر على الإنسان بل وتخضعه وتجعله عبدا لها.. هو أسير لكل التقنيات المعاصرة.. والسبب ان المنطق تغير.. فبعد أن كان الأمر يسير وفق منطق الحاجة، أصبح الآن يسير إلى منطق الممكنات. وفى المنطق الأول أن تشارك.. أما فى المنطق الثانى أن تخضع إلى تلك التقنيات، وهذا الأمر هو الذى أشار إليه الفيلسوف البلجيكى (جلبير هوتو)، حيث يؤكد أن الإنسان فى عصر التقنية المتطورة صار مجرد منفذ لأمر تقنى ضرورى، يتجاوز قدرات وغايات الفعل الإنسانى، لقد انتقل إنتاج واشتغال التقنية من منطق الحاجة إلى منطق الإمكان، حيث صارت التقنية تتطور خارج بل وضد ما يحدده الإنسان.. فتطورها لم يعد تابعا لسؤال: هل هذا الأمر يحتاج إليه الإنسان؟ إلى السؤال: هل هذا الأمر ممكن؟ فى الجزء الأول تكون التقنية فى صالح وخدمة الإنسان وجعل الحياة أفضل.. بينما فى الجزء الثانى أصبح هل هذا الأمر ممكن؟ يعنى أن تلك التقنية يمكن أن تكون ضد الرغبات والمتطلبات الإنسانية، بل يصل الأمر إلى أن تكون ضده بل وتعمل على تهديد وجوده، وخير دليل على ذلك (الذكاء الاصطناعي).. فهو قادر على أن يفعل أشياء وأشياء لم تكن فى الذهن الانسانى.. انها مجرد ممكنات وتصورات وأحلام، ثم ما لبث الأمر أن تحول إلى واقع لا لخدمة الإنسان بل إلى واقع يهدد الكيان الإنسانى برمته، فمثلا: هل من الممكن استنطاق الإنسان بأقوال وأفعال هو فى الواقع لم يقلها ولم يفعلها؟ نعم الأمر  الآن ممكن، إنه التلاعب بالذكاء الاصطناعى، وكل ذلك يهدد الكيان الإنسانى، بل ويجعله يضطرب بشكل أو بآخر.
 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - أكاديمية الفنون

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التقنية الإنسان الأجهزة أجهزة تقنية التقنيات

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي و”كابسولات الميوعة”..حين تتحوّل التقنية إلى سلاح لتفكيك الهوية المغربية

تشهد تقنيات الذكاء الاصطناعي طفرة غير مسبوقة تُحدث ثورة في عالم الإعلام والمحتوى الرقمي.

هذه التقنيات تفتح آفاقًا واعدة في التعليم والتواصل والإبداع، وتمكّن المستخدمين من إنتاج محتويات بصيغ مبتكرة وبسرعة مذهلة.

غير أنها في الآن ذاته تضع المجتمعات أمام تحديات غير مسبوقة، تتجاوز الجانب التقني لتلامس جوهر القيم والهوية، خاصة حين تُستخدم هذه الأدوات لتزييف الوعي الجمعي وضرب المرجعيات الثقافية والدينية عبر قوالب ترفيهية مخادعة.

التزييف العميق وتخدير الوعي:

ما نراه اليوم في عدد من الفيديوهات المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي ليس مجرد محتوى ترفيهي عابر.

بل هي إنتاجات مصممة بعناية، تُستغل فيها تقنيات “التزييف العميق” (Deepfake) لتقديم شخصيات مغربية ـ رجالًا ونساءً وأطفالًا ـ في مواقف ومضامين صادمة لا تعكس لا واقعهم ولا ثقافتهم.

هذه المقاطع تُظهر أحيانًا أطفالًا يتحدثون بلغة لا تليق بأعمارهم، أو مراهقين يناقشون مواضيع جنسية أو سلوكية بمضامين خادشة، كل ذلك تحت غطاء الحداثة أو “الفكاهة” أو “حرية التعبير”.

واجهة تراثية… ومضمون منحط:

الأخطر من ذلك، هو أن هذا الخطاب يُقدَّم في غلاف تراثي جذّاب.

يظهر الجلباب والقفطان المغربي، أزقة المدن العتيقة، المعمار التقليدي، وحتى الأهازيج المحلية، كخلفية لمضمون يسوّق للانحلال والتفاهة.

كل تفصيلة ثقافية تُستخدم كطُعم. فمغربيتنا تُصادَر وتُوظَّف لتسويق نكتٍ تختزل الكرامة، أو رقصات تُحوّل الجسد إلى سلعة، أو مشاهد تُلبِس الفحشاء ثوب “المرح” العابر.

هذه ليست صدفة، بل هي خطة دقيقة توظف الذكاء الاصطناعي لا فقط في إنتاج المحتوى، بل أيضًا في مراقبة ردود الأفعال وتغذية المستخدمين بمزيد من المحتوى المشابه، وفق آليات خوارزمية تُحاصر الفرد في “فقاعة رقمية” تصنع واقعًا موازيًا يُكرّس هذه الصورة المُشوهة.

لماذا المغرب؟ ولماذا الآن؟

لأن الذكاء الاصطناعي “يعرفك أكثر مما تعرف نفسك”، ويُدرك جيدًا أن المدخل الأنجع لاختراق المجتمعات ليس هو الصدام، بل الاستدراج عبر الرموز المحببة.
فحين تُقدَّم مشاهد الانحلال مقترنة برموز مقدسة ـ كالزي التقليدي أو المعمار التاريخي أو اللهجة المغربية الأصيلة ـ ينكسر الحاجز النفسي، ويُصبح التلقي سهلاً، والتطبيع مع الإساءة ممكنًا.

الهدف؟ خلق صراع داخلي بين الانتماء الأصيل والصورة المشوهة للمجتمع، وبين الهوية كما نعرفها، والهوية كما يُعاد تصنيعها بصمت عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.

قد تكون عمليةً “لإعادة برمجة هوياتية”، يتم فيها تفكيك المرجعيات واستبدال رموز القدوة ـ العلماء والمبدعين والفنانين الحقيقيين ـ بشخصيات رقمية تروج للتفاهة كخيار حياة.

التهديد الحقيقي: فقدان البوصلة

ما يُهددنا اليوم ليس الذكاء الاصطناعي في حد ذاته، بل انعدام الوعي بخطورته حين يُستخدم دون ضوابط أخلاقية أو تشريعية.

المشكل ليس في الأداة، بل في من يتحكم بها، ولأية غايات تُستخدم. إننا أمام معركة قيم ومعركة وجود، تتطلب منا يقظة فردية ومؤسساتية.

ما العمل؟
• أولًا: التثقيف الرقمي ضرورة وطنية، وليس رفاهية. المواطن يجب أن يتعلم كيف يفرّق بين المحتوى الحقيقي والمُزيَّف، بين الفكاهة البريئة والخطاب المنحل المقنَّع.
• ثانيًا: نحن بحاجة إلى مؤسسات رقابة رقمية تُواكب هذه التحولات وتسن تشريعات تُجرّم إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في تشويه المجتمع.
• ثالثًا: على النخب الثقافية والإعلامية أن تدخل هذه المعركة، لا بالتحسر، بل بصناعة محتوى مضاد، يحمل القيم المغربية الأصيلة بأسلوب عصري وجاذب.

الحرب الخفية على الوعي

نحن لا نواجه فقط مقاطع فيديو تافهة أو مشاهد غير لائقة.

نحن نواجه مشروعًا لتفريغ الإنسان المغربي من وعيه وهويته، واستبداله بكائن رقمي هش، منقاد، بلا جذور.

إنها ليست حرية تعبير، بل حرب ناعمة تُخاض بالألوان الزاهية، والمقاطع السريعة، والموسيقى الجذابة.

الرد يبدأ من عندنا.. من إصبع يُقرر ألا “يمرر” أي شيء.

من عقل يرفض أن يُستلب.

ومن مجتمع يُدرك أن الهويات لا تُباع في الريلز، بل تُصان بالوعي

مقالات مشابهة

  • وزارة الداخلية»: الإمارات تسخّر التقنيات لمحاصرة المخدرات
  • منتج جديد عبارة عن مناديل مبللة بديلة للوضوء.. دار الإفتاء تكشف الحكم
  • القادة الأوروبيون يشددون على الحاجة إلى الاستمرار في زيادة الإنفاق على الدفاع في أوروبا
  • تباين الآراء بين طلاب الثانوية العامة بالإسكندرية حول امتحاني الفيزياء والتاريخ
  • الذكاء الاصطناعي و”كابسولات الميوعة”..حين تتحوّل التقنية إلى سلاح لتفكيك الهوية المغربية
  • السؤال الحائر: هل تحتفظ إيران بمخزونها من اليورانيوم المخصب؟
  • الديوان العام للمحاسبة يُنظِّم ندوة خليجية حول “تبني التقنيات الحديثة في أعمال المراجعة”
  • النائب المحسيري تسال عن منحة البنك الدولي لبرنامج تعزيز الفرص الاقتصاديه للمراة
  • العراق ما بعد 2003.. دولة تتعثّر وسياسة تتكرّر
  • الأزهر للفلك ينظم ورشة عن دور التقنيات الفضائية في حماية البيئة