كيف يمكن تحــويل 27 محــمية طبيعية إلى مقاصد سياحية مبتكرة ؟
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
تعد المحميات الطبيعية في سلطنة عمان نموذجًا بارزًا للمساهمة في تطوير وتنمية المحافظات، وتعمل المحميات على تعزيز الشراكة المجتمعية وتمكين السكان المحليين من صنع القرار والمشاركة الفعالة في إدارة الموارد الطبيعية، كما تعمل المحميات على جذب السيّاح وتعزيز السياحة البيئية وزيادة الإيرادات وتنويع مصادر الدخل، إضافة إلى الحفاظ على الثروة الطبيعية والتوازن البيئي.
ويبلغ عدد المحميات الطبيعية في سلطنة عمان 27 محمية طبيعية 26 منها تحت إدارة هيئة البيئة موزعة في مختلف محافظات سلطنة عمان، وواحدة تحت إدارة وزارة التراث والسياحة.
قالت زهرة بنت خلف الشريقية، مكلفة بأعمال رئيس قسم تنمية المحميات الطبيعية بهيئة البيئة: «تمثل المحميات الطبيعية ثروة وطنية لما تتميز به من تنوع أحيائي فريد من نوعه، بالإضافة إلى التنوع الثقافي وهو ما يجعلها رافدا للاقتصاد الوطني بمشروعات تسهم في تشجيع السياحة البيئية وتوفير عوائد مادية، فالسياحة البيئية تتميز بإتاحة الفرصة للاستثمار مع حماية البيئة والتنوع الأحيائي بطريقة مستدامة، لذا لابد من الأخذ في الاعتبار عدة عوامل لتحقيق السياحة البيئية المستدامة وأبرز هذه العوامل: الطاقة الاستيعابية لعدد الزوار، وتكون الأنشطة والفعاليات صديقة للبيئة ومنسجمة مع طبيعة المحمية، ومشاركة المجتمع المحلي في إدارة بعض الأنشطة التي تكون ذات صلة بالمحمية وغيرها من العوامل والضوابط التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتفعيل السياحة البيئية في المحمية، وتوفير منافذ بيع لمنتجاتهم أثناء إقامة أي فعالية داخل المحميات الطبيعية، ومعظم العاملين في حماية الحياة الفطرية بالمحميات الطبيعية هم من أهل المنطقة المحيطة بها».
وأضافت الشريقية: تعد السياحة البيئية أحد أسرع العناصر نموا في سوق السياحة الدولية وجزءا مهما من المقومات السياحية المؤهلة لسلطنة عمان لأن تصبح مركز جذب سياحي بسبب احتوائها على العديد من المواقع البيئية البكر التي لم تصلها يد الإنسان، لذلك تعد المحميات الطبيعية من أبرز العناصر تأهيلا لذلك في ظل ما تمتلكه من مقومات طبيعية فريدة أهلتها أن تكون قبلة للسائحين وأماكن للبحث العلمي ومستكشفي الطبيعة والحياة».
مواقع بيئية
وأكدت أن سلطنة عمان تتميز بوجود عدد من المواقع البيئية الرائعة التي تم الإعلان عنها كمحميات طبيعية حيث بذلت الحكومة جهودا متميزة لتطويرها وتهيئة الأجواء المناسبة لنمو وتكاثر الأحياء الفطرية فيها، وتشكل المحميات الطبيعية حجر الزاوية في السياحة البيئية في سلطنة عمان بما تحويه من ثروات طبيعية فريدة وتنوع بيئي جذاب وعناية فائقة بالحياة البرية والبحرية، وتهدف سلطنة عمان من خلال تطوير السياحة البيئية في المحميات الطبيعية إلى إدارة الموارد الطبيعية والثقافية بحيث تتفق الأنشطة المراد تنفيذها في المحمية مع سلوك المجتمع المحلي وزوار المحمية من سياح وعلماء وباحثين في مرحلة الدراسات العليا، بالإضافة إلى أهمية تنمية السياحة البيئية في المحميات بحيث تعزز مشاركة أصحاب المنفعة في عملية التنمية وتطبيق السياسات الدولية والإقليمية والوطنية المعتمدة للممارسات القابلة للاستدامة وبالأخص في مجال صون وحماية التنوع الأحيائي في المحميات الطبيعية بشكل عام، كما أن مشروعات تطوير السـياحة البيئية في سلطنة عمان تركز على تشجيع النشاط السياحي الواعي للتمتع بالمناطق الطبيعية والتراث الثقافي المرتبط بها والتأكيد على أهمية المحافظة على مفردات البيئة والتنوع الحيوي، وضرورة دعم السكان المحليين، لذا فإنه من الضروري أن تتكامل أنشطة السياحة البيئية بالمحميات الطبيعية مع قطاعات الاستثمار السياحي المختلفة من حيث التنظيم والتخطيط والترويج السياحي والمسابقات بما يوفر عناصر الاستدامة داخل المحميات وخارجها.
دعم الأبحاث العلمية
وحول سؤال «عمان» عن كيفية توظيف المحميات الطبيعية لتسهم في مجال التشجيع على الابتكار، قالت الشريقية: «يتجسد ذلك من خلال دعم الأبحاث العلمية في المحميات الطبيعية بما لا يضر الكائنات الحية فيها ويضمن الحفاظ على مكوناتها، ولها دور فاعل في تعزيز الابتكار والاستثمار ضمن قطاعي الاستدامة والطاقة النظيفة لدعم الجهود الدولية في مواجهة التغير المناخي، كما تعمل المحميات من خلال المشروعات المحلية والدولية على تطوير التقنيات المستدامة ونشرها على نطاق واسع للمساهمة في دفع عجلة التنمية المستدامة مثل زيادة الغطاء النباتي وذلك من خلال مشروع استزراع الأشجار البرية وأشجار القرم التي تسهم في إعادة تأهيل الأماكن المتدهورة بفعل الجفاف والعوامل الطبيعية الأخرى التي تعد مصدرا للطاقة النظيفة وتسهم في تحقيق الحياد الصفري للكربون».
استراتيجيات وخطط
وأردفت بالقول: إنه يتم إعداد الاستراتيجيات والخطط المتعلقة بتطوير السياحة البيئية في المحميات الطبيعية، ووضع معايير الحماية والحفاظ على التنوع الحيوي والتراثي والطبيعي والموارد السياحية واستغلالها بطرق مستدامة، ووضع قواعد ومعايير خاصة بإشراك المجتمع المحلي في تنمية وتطوير المحميات الطبيعية والحفاظ على مواردها، إضافة إلى إعداد أدلة إرشادية لخصائص السياحة البيئية ومواصفات وقواعد التصميم والإنشاء والإدارة المستدامة، كل هذه أهداف رئيسة لدى هيئة البيئة للحفاظ على التنوع والإرث الطبيعي والثقافي، ولتنمية وتطوير المحميات الطبيعية بما يخدم تحقيق أهدافها البيئية واستدامتها للأجيال القادمة، مؤكدة سعي هيئة البيئة خلال عام 2023م لإعداد استراتيجية المحميات الطبيعية وذلك بإشراك معظم الجهات الحكومية ذات الصلة بالمحميات الطبيعية وتم الأخذ في الاعتبار أثناء إعدادها ما تم ذكره فيما يخص المحافظات في الاستراتيجية العمرانية وأيضا استراتيجية عمان للبيئة ورؤية «عمان 2040».
الجدير بالذكر، تتوزع المحميات في مختلف محافظات سلطنة عمان وهي: محمية المها العربية، محمية القرم الطبيعية، محمية جبل سمحان الطبيعية، محميات الأخوار التسعة بساحل ظفار، محمية خور صلالة الطبيعية، محمية خور خيرفوت الأثري، محمية الأراضي الرطبة بمحافظة الوسطى، محمية السلاحف، محمية جبل قهوان الطبيعية، حديقة السليل الطبيعية، محمية الجبل الأخضر للمناظر الطبيعية، محمية الحجر الغربي لأضواء النجوم، محمية الرستاق للحياة البرية، محمية جزر الديمانيات الطبيعية، محمية السرين الطبيعية، محمية رأس الشجر الطبيعية، محمية الخوير الطبيعية، محمية المتنزه الوطني الطبيعي بمحافظة مسندم، حديقة النباتات العمانية، بحيرات الأنصب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المحمیات الطبیعیة السیاحة البیئیة فی فی سلطنة عمان من خلال
إقرأ أيضاً:
اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي، تبدو اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند خطوة تحمل طابعًا استراتيجيًا واسع التأثير، ليس فقط من حيث تعزيز التبادل التجاري، بل من حيث إعادة صياغة الدور الاقتصادي لسلطنة عمان على مدى السنوات المقبلة. فالمؤشرات الأولية القائمة اليوم تُظهر أن التعاون بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية خلال العام المالي 2024-2025 ما يقارب 10.61 مليار دولار، وهو رقم يعكس علاقة اقتصادية راسخة قابلة للتوسع بمجرد تفعيل الاتفاقية المرتقبة. ويأتي ذلك في وقت تتطلع فيه سلطنة عُمان إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، وأكثر قدرة على المنافسة، وأكثر انفتاحًا على الأسواق الآسيوية والعالمية.
وإذا ما نظرنا إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لعُمان يمنحها نقطة قوة محورية. فالموانئ العُمانية مثل صلالة والدقم وصحار لا تُعد بوابات بحرية عادية، بل منصات إقليمية ذات قدرة عالية على خدمة التجارة الدولية وربط آسيا بأفريقيا والخليج وأوروبا. وفي حال اكتملت اتفاقية CEPA، فإن هذه الموانئ لن تكون مجرد نقاط عبور للسلع العُمانية أو الهندية، وإنما محاور لوجستية تجذب الاستثمارات الصناعية والخدمية، وتدعم حركة إعادة التصدير، وتُسهم في بناء منظومة اقتصادية تُضاعف القيمة المضافة داخل سلطنة عُمان. ومن شأن هذه المنظومة أن تُعيد تشكيل قطاعات واسعة تتعلق بالنقل والتخزين والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية، الأمر الذي ينعكس على توسيع فرص العمل وتحسين نوعية الأنشطة الاقتصادية.
ومع أن الاتفاقية تفتح آفاقًا واسعة أمام التجارة في الاتجاهين، إلا أن الجانب الأكثر أهمية لسلطنة عمان يكمن في تعزيز الصناعات المحلية. إذ تستهدف عُمان ضمن رؤيتها 2040 بناء اقتصاد متنوع قائم على الصناعة والتكنولوجيا والخدمات المتقدمة، وليس اقتصادًا يعتمد على سلعة واحدة. ومع الحصول على نفاذ تفضيلي إلى سوق تتجاوز قوامها 1.4 مليار نسمة، فإن مجالات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألمنيوم، الأسمنت، الرخام، المنتجات الزراعية، والمنتجات التقليدية العُمانية يمكن أن تشهد توسعًا نوعيًا في صادراتها. هذه الأسواق الضخمة لا تستوعب المنتجات فحسب، بل تحفّز أيضًا الصناعات المحلية على رفع مستويات الجودة، وتحسين سلاسل الإنتاج، وزيادة الطاقة التشغيلية، وإيجاد مساحات أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تطمح إلى التصدير.
ومن زاوية مستقبلية، يمكن اعتماد سيناريويهن لتقدير أثر الاتفاقية على حجم التجارة الثنائية: سيناريو متحفظ يفترض نموًا سنويًا بمتوسط 8%، وسيناريو تفاؤلي يفترض نمواً بمتوسط 12%، وذلك مقارنة بمعدل النمو الطبيعي للتجارة الذي يدور حول 3%. وبناء على هذه الحسابات، يمكن أن يرتفع حجم التجارة الثنائية من 10.6 مليار دولار اليوم إلى ما يقارب 15.6 مليار دولار خلال خمس سنوات في السيناريو المتحفظ، وإلى ما يتجاوز 18.7 مليار دولار في السيناريو المتفائل. ومع استمرار النمو لعشر سنوات، يمكن أن يصل الحجم التجاري بين البلدين إلى نحو 23 مليار دولار في السيناريو المتحفظ، فيما قد يصل إلى قرابة 33 مليار دولار في السيناريو التفاؤلي. وهذه القفزات المحتملة لا تأتي فقط من زيادة حجم المبادلات التقليدية، بل من توسع في الصناعات التحويلية، والاستثمار في خطوط إنتاج جديدة تستهدف السوقين معًا.
ومن شأن هذه التحولات أن تُعيد تشكيل الاقتصاد العُماني ليصبح أكثر مرونة في مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر قدرة على النمو الذاتي من خلال الإنتاج المحلي والصناعات الوطنية. ومع ازدياد النشاط اللوجستي، وتوسع المناطق الحرة، وتجدد الاستثمارات الصناعية، سيكون لعُمان موقع جديد على خارطة التجارة العالمية، موقع يعكس قدرتها على استغلال مواردها الجغرافية والبشرية والاقتصادية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. وإذا ما وُظفت هذه الفرص بالشكل الصحيح - عبر التخطيط، وإدارة الموارد بكفاءة، وتطوير التشريعات، وتحفيز الكفاءات الوطنية - فإن السنوات العشر المقبلة قد تشهد تحولًا جذريًا في شكل الاقتصاد العُماني وحجمه.
بينما تتعمق سلطنة عُمان في توسيع شراكاتها الدولية، تمثّل اتفاقية التجارة الحرة مع الهند نقطة تحول قادرة على إطلاق موجة جديدة من النشاط الاقتصادي الذي يترابط فيه التصنيع بالتجارة، ويُكمل فيه الاستثمار اللوجستيات، ويتقاطع فيه النمو الصناعي مع توسع أسواق التصدير. فالعلاقة مع الهند ليست علاقة تجارية عابرة، بل علاقة راسخة تستند إلى تاريخ طويل من التبادل والتداخل الاقتصادي والثقافي، ما يجعل الاتفاقية القادمة امتدادًا طبيعيًا لمسار مشترك يتطور باستمرار. ويُتوقع أن تشكل الاتفاقية حافزًا لعدد من القطاعات التي كانت تتطلع إلى الوصول إلى أسواق أكبر، وفي مقدمتها القطاعات الصناعية التحويلية التي تعتمد على المواد الأولية المتوفرة في سلطنة عُمان، وتستهدف خلق قيمة مضافة قبل التصدير.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيو-اقتصادية عميقة تتجه فيها دول عديدة إلى تعزيز الاندماج الإقليمي والانفتاح على آسيا، ما يجعل توقيع الاتفاقية مع الهند خطوة تجسد فهمًا استراتيجيًا لموازين القوى الاقتصادية الجديدة. فالهند اليوم واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وضمن أكبر خمس اقتصادات عالمية من حيث الناتج المحلي الإجمالي؛ وبالتالي، فإن تأسيس شراكة اقتصادية شاملة معها يضع عُمان ضمن شبكة اقتصادية صاعدة ستعيد تشكيل مسارات التجارة خلال العقود المقبلة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن لسلطنة عمان أن تعمّق دورها كمركز إقليمي للتجارة والخدمات الصناعية، وأن تستفيد من الطلب الهائل في الهند على المواد الخام والمنتجات الصناعية والسلع الاستهلاكية.
وإذا ما نظرنا إلى تأثير الاتفاقية على الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، سنجد أن CEPA قد تكون فرصة تاريخية لهذه الفئة من الشركات لتوسيع آفاق أعمالها. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل جزءًا أساسيًا من هيكل الاقتصاد الوطني، وتحتاج إلى بيئة تجارية تدعم منتجاتها وتمكنها من الوصول إلى أسواق جديدة. ومع تيسير الإجراءات الجمركية، وتخفيض الرسوم، وتسهيل النفاذ إلى الأسواق، يمكن لهذه الشركات أن تجد في السوق الهندية منفذًا واسعًا لتسويق منتجاتها، سواء في قطاعات الأغذية، أو المنسوجات، أو المنتجات العطرية، أو الصناعات التقليدية. وهذه النقلة يمكن أن تُسهم في خلق ثقافة تصدير أقوى، وترسيخ روح المبادرة، وتعزيز الابتكار داخل الشركات العمانية.
أما على مستوى الأمن الغذائي، فإن الهند ـ باعتبارها قوة زراعية ضخمة ـ يمكن أن تكون شريكًا استراتيجيًا لسلطنة عمان في تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة. ومع تسهيل الاستيراد عبر CEPA، يمكن لعُمان أن تؤمن سلة غذائية متنوعة بأسعار تنافسية، ما يرفع من مستوى الاستقرار الغذائي ويعزز من قدرة السوق المحلي على مواجهة تقلبات الأسعار العالمية. وفي المقابل، يمكن للمنتجات العمانية الفريدة - مثل التمور واللبان ومنتجات الرخام - أن تجد طريقها إلى منافذ البيع الهندية بطريقة أكثر سلاسة، وهو ما يشكل مكسبًا اقتصاديًا وثقافيًا في آن واحد. ومع توسع المبادلات التجارية وتحسن كفاءة سلاسل الإمداد، ستصبح عُمان مركزًا لوجستيًا أكثر جاذبية للشركات العالمية التي تبحث عن نقطة ارتكاز بين آسيا وأفريقيا والخليج. ويمثل هذا التحول فرصة كبيرة للقطاع الخاص العماني الذي يمكنه استثمار هذا الموقع عبر إنشاء مراكز تخزين وتوزيع حديثة، وتطوير شبكات نقل، وإطلاق خدمات لوجستية متقدمة تدعم التجارة العابرة للقارات. وهذا التحسين في أداء الموانئ والمناطق الحرة سيؤدي إلى دوران اقتصادي أسرع داخل سلطنة عمان، ويُعزّز إيرادات الدولة من الأنشطة المرتبطة بالنقل والموانئ والجمارك والخدمات المساندة.
وفي ضوء هذه المعطيات المتداخلة، ومع ما تحمله المؤشرات الاقتصادية من دلالات واضحة على اقتراب مرحلة جديدة في العلاقات العمانية الهندية، تبدو سلطنة عمان أمام منعطف تاريخي يمكن أن يغيّر مسار اقتصادها خلال العقد المقبل. فكل الأرقام، وكل التوجهات، وكل السيناريوهات المستقبلية تشير إلى أن تفعيل اتفاقية CEPA لن يكون مجرد حدث اقتصادي عابر، بل نقطة انطلاق نحو دورة نمو أكثر نضجًا وجرأة وتنوعًا. ومن المتوقع، إذا ما سارت الأمور وفق الإيقاع الذي ترسمه اليوم المعطيات، أن تتضاعف التجارة الثنائية خلال سنوات قليلة، وأن تتجاوز حاجز 20 مليار دولار في منتصف العقد القادم، وربما تقترب من 30 مليار دولار خلال عشر سنوات، في حال استفادت سلطنة عمان إلى أقصى حد من مزايا التموضع الجغرافي والتكامل الصناعي مع الهند.
ولا تقف التوقعات عند حدود التجارة وحدها، بل تمتد إلى الصناعات التحويلية التي يُرجّح أن تشهد توسعًا ملحوظًا، خاصة تلك المعتمدة على المعادن والبتروكيماويات والمواد البنائية، إلى جانب فرص متنامية في الصناعات الخضراء والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الصناعية. ومع بروز الموانئ العُمانية كمراكز توزيع إقليمية، يتوقع أن تتسارع حركة الاستثمار في المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة، بما يعيد تشكيل الخريطة اللوجستية في المنطقة، ويجعل من سلطنة عمان محطة رئيسية في سلاسل الإمداد بين آسيا والخليج وأفريقيا.
وعلى مستوى سوق العمل، تشير التقديرات المستقبلية إلى إمكانية خلق الوظائف النوعية التي يمكن أن تمنح الشباب العُماني فرصًا غير مسبوقة للاندماج في قطاعات صناعية وتقنية جديدة، وترفع من مستوى المهارات الوطنية، وتدعم مسار التوطين في القطاع الخاص. ومع اتساع رقعة التصنيع والتصدير، ستنشأ احتياجات موازية في قطاع الخدمات والتعليم والتقنية، ما ينتج دورة اقتصادية متكاملة ترفد بعضها بعضًا، وتُرسي قواعد نمو متواصل ومستقر.
أما على المدى الطويل، فإن تفعيل الاتفاقية قد يمهد لمرحلة يصبح فيها الاقتصاد العُماني أكثر قدرة على مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر استعدادًا لاستيعاب التحولات التقنية والبيئية والاقتصادية. ومع استمرار التنويع، وتوسّع الصادرات، وتعاظم دور سلطنة عمان كمركز لوجستي محوري، يمكن لعُمان أن تنتقل من موقع المنافس الإقليمي إلى موقع اللاعب الفاعل في التجارة الدولية. وقد نشهد خلال عشر سنوات اقتصادصا عمانيًا متجددًا، واسع القاعدة الإنتاجية، متصلًا بشبكات التجارة العالمية، ومتقدمًا بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية عُمان 2040 بوصفها رؤية طموحة لاقتصاد مرن، مبتكر، ومستدام.
من الناحية النوعية، يشير هذا النمو إلى زيادة الصادرات غير النفطية، حيث من المتوقع أن تستفيد قطاعات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألومنيوم، الأسمنت، الرخام، اللبان، والتمور من تحسن سلاسل التوريد وفتح الأسواق الهندية. النمو في هذه القطاعات، الذي بدأ يظهر بالفعل في بيانات 2025، يعكس قدرة الاقتصاد العُماني على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. عمليا، إذا ارتفعت الصادرات غير النفطية بمعدل يتراوح بين 6% و12% سنويا نتيجة النفاذ إلى السوق الهندي وتحسين اللوجستيات، فإن هذا سيترجم إلى زيادة ملموسة في حصيلة التبادل التجاري الكلي.
تحقيق السيناريو التفاؤلي يتطلب مجموعة من العوامل التمكينية، أبرزها تسريع عمليات التصديق والتوقيع والتنفيذ للاتفاقية مع وضع آلية متابعة مشتركة لضمان تطبيق بنود التفضيل الجمركي وإزالة العوائق الإجرائية. كما يشمل تطوير البنية التحتية اللوجستية للموانئ والمناطق الحرة ومرافق التخزين والتبريد وطرق الربط الداخلي لالتقاط الطلب المتزايد.
كذلك، تعد الحوافز الاستثمارية للقطاعات ذات القيمة المضافة وبرامج التدريب الفنيّة من العناصر الأساسية لضمان استدامة النمو الصناعي. إضافة إلى ذلك، فإن إقامة تحالفات تجارية وشراكات تسويقية مع موزعين هنود يسهم في تسهيل النفاذ إلى الأسواق الهندية على مستوى المدن والمناطق، بينما تتيح حزم الدعم للصادرات الصغيرة والمتوسطة وصول المنتجات العُمانية إلى رفوف السوق الهندي بفعالية وجودة تنافسية.
بشكل عام، تشير هذه التقديرات إلى أن تفعيل CEPA يشكل فرصة استراتيجية لعُمان لتعزيز التجارة الثنائية، تنويع الاقتصاد، جذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل واسعة، ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتقليل الاعتماد على النفط، مع تعزيز قدرة سلطنة عمان على تأدية دور متنامٍ في التجارة الإقليمية والدولية.