قد يبدو الحكم على المسلسل العُماني «غرّاق فلّاح» باكرًا بعض الشيء، إلا أنّه ومن خلال مشاهدتنا للحلقات الخمس الأولى، يتكشفُ لنا استمرار «الأعراض» ذاتها التي تبدت من قبل: النمو المتعثّر للقصّة، تسطيح الشخصيات وخروجها بشكل باهت يفتقر للبناء النفسي، النهايات المتوقعة، ضحالة النكتة، الحوارات المُملة غير المدروسة التي لا تدفع لتقدم السيناريو قدر ما تُعبئ حيّز الوقت والزمن!
ورغم أنّ العنوان: «غرّاق فلّاح» يستعير اسم أحد أنظمة الأفلاج الهندسية المُعقدة لتمرير المياه تحت الأرض، إلا أنّ هذه الاستعارة لم تؤدِ وظيفتها المتوقعة، فلم يحمل النصّ في طياته إشارة خفيّة للرسائل المُبطنة ولم تخاتلنا هندسة النصّ بمفاجآتها!
فإن كانت القضايا الكبيرة مطروحة على قارعة الطريق، كديون البنوك، وتأثيرات السوشال ميديا على حياتنا الاجتماعية، وعيش الأبناء في المدن بعيدا عن قُرى أجدادهم، فإنّنا نعوّل على الرؤية الفنية العميقة التي من شأنها أن تكسر العادي والمألوف فتُعطي الحبكة وتصاعد خط الدراما قيمة ومعنى جديدا.
فما يحدث حقًا هو: الذهاب المباشر لحبكة ميتة منذ شرارتها الأولى. وسأضربُ مثالا: النتيجة المحتومة لمن يتسلف من البنك أن يغرق في الديون، ولمن يترك قرية أجداده أن يعود نادمًا من المدينة! ولمن ينشر صوره في السوشال ميديا أن يُخرب بيوت الآخرين. هذا ما يقوله الواقع كل يوم، ما يقوله الناس البسطاء.. لكن ما الذي يقوله الفن؟ وكيف تصبح قضية غياب صندوق الذهب -على سبيل المثال- أكثر أهمية من مرض الزهايمر! لقد تمّ تسطيح المرض وأثره على العائلة في سبيل تسليط الضوء على صندوق ذهب ضائع!
الكوميديا لا تعني أن نُتفه الآلام، ليست فرقعة نكتة ساذجة في الهواء، ليس أن نضحك على الشخصيات، الكوميديا بناء متكامل يتطلب اليقظة العميقة بالضحك وأوتاره الحساسة.
ولكيلا نبدو كمن لا يُعجبه العجب في خط الإنتاج العُماني، فإنّني أود الإشارة إلى السلسلة الوثائقية التي أطلقتها منصة عين بعنوان: «عينٌ نحو السماء» في أجزائها الثلاثة، فقد بدت لي تجربة لافتة للغاية: النصّ، التصوير، اللغة، التقنيات، إعادة استقراء علاقة العُمانيين بعلوم الفلك، وكيف استفادوا منها في أنشطة حياتهم. لغة النجوم العظيمة التي لم تكن بين أيدي النُخب بل استعملها الإنسان البسيط في أسفاره وزراعته ونسج حولها أساطيره الغرائبية وبعض معتقداته. تلك الأجزاء الثلاثة أعادت لنا الثقة بإمكانيات شبابنا المخبأة تحت الرماد.
وليس ببعيد عن هذا الحدث أيضا، راقبتُ أجيالا مختلفة دخلت إلى دار الأوبرا، لمشاهدة فيلم «بيت العجائب» في عرضه الأول، الذي يحكي قصّة الوجود العُماني في شرق إفريقيا، حيثُ فاجأتنا التقنيات المبهرة والقصّة التي تمنح الماضي المنسي التفاتة -وإن كانت متأخرة- فهي جديرة بالاهتمام. أتذكرُ جيدًا الأحاديث الهامسة التي التقطها في الممرات. فهنالك من لم يكن يعرف شيئا عن السيد سعيد بن سلطان بطل الجزء الأول، الأمر الذي يؤكد دور الفنون البصرية -بتنوعها الهائل- في ربط الأجيال الجديدة بشكل جاد ورصين مع ماضيهم العتيد وحاضرهم الجديد.فكم من القصص والشخصيات يمكن أن تصحو من سباتها الطويل بصورة آسرة عبر استعادتهم بالفن! إذ تمتلكُ عُمان ثراءً هائلا من الحكايات الشعبية وثقلًا تاريخيًا لا ينضب، وإنسانها مرّ بتحولات شديدة التعقيد، لكنها حكايات لطالما افتقدت لمن يُخرجها إلى النور عبر الكتابة سالفا، أو عبر الوسائط الجديدة الآن.
المسألة لا ترتبط وحسب بنبش التاريخ، إذ يمكن للمسلسلات أيضًا أن تغدو مرآة لجراح الإنسان المعاصر ومباهجه إلا أنّ أصعب الأسئلة التي تواجه الدراما العُمانية اليوم: كيف يمكننا أن نقول الحكاية بأسلوب جديد دون أن يُفهم الأمر على أنّه بهرجة الأثاث والأزياء وافتعال الصراخ؟ وهل يمكن لشركات الإنتاج وصناع المحتوى الجديد أن يُغيروا خارطة الدراما؟ فالمسألة لا ترتبط بغياب الرؤية الإخراجية وحسب، فالنصّ الجيد غائب أيضا. فهل يمكننا الرهان على «ورش الكتابة الجماعية» التي يمكن أن تُضيء النقاش، فتنقذنا من الكتابة الباهتة!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة التی
إقرأ أيضاً:
عاجل | النص الكامل لكلمة الرئيس اليمني أمام القمة العربية في بغداد
دعا الرئيس العليمي اليوم السبت 17 مايو 2025، إلى تنفيذ قرار الجامعة العربية بتصنيف الميليشيا الحوثية منظمة أجنبية إرهابية.
وجدد الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام الجمهورية اليمنية المطلق بالثوابت العربية، وفي مقدمة ذلك القضية الفلسطينية وحق شعبها في الحرية والاستقلال، وانهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.
وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي في خطاب امام القمة العربية في بغداد، ان اليمن سيظل كما كان على مر التاريخ، عمقاً أصيلاً، وسنداً مخلصاً لقضايا أمته، وشريكاً فاعلاً في صون الأمن القومي العربي والدفاع عن مصالحه العليا.
وشدد الرئيس على إن الظروف الاستثنائية، والتحديات التي تتهدد منطقتنا العربية، تتطلب وقفة صادقة وشجاعة، بدءا بتحويل مقررات هذه القمم الى أفعال، والانتقال الى أفق اكثر جدية من التضامن، وردع التهديدات الارهابية المشتركة.
واوضح ان في طليعة هذه التهديدات، تأتي التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، "ومحاولات تمزيق دولنا الوطنية، ومؤسساتها الشرعية عبر جماعات إرهابية مارقة، غلبت مشاريع داعميها ومصالحها الضيقة، على مصالح امتنا، وامنها القومي".
وتحدث رئيس مجلس القيادة الرئاسي في هذا السياق عن مسار المعركة الوجودية التي يخوضها الشعب اليمني منذ اكثر من عشر سنوات ضد مشروع مليشيا الحوثي الارهابية المدعومة من النظام الايراني، قائلا ان "الشعب اليمني عازم اليوم اكثر من اي وقت مضى، على انهاء المعاناة واسقاط هذا المشروع، وأجندته العابرة للحدود".
واكد الرئيس استنفاد كافة الجهود لدفع جماعة الحوثي الارهابية الى التخلي عن نهجها العنصري، والاستجابة للإرادة الشعبية، وقرارات الشرعية الدولية.
وقال ان المليشيات عززت بذلك النهج، القناعة الراسخة بانها ليست مشروع سلام، او مجرد خطر مؤقت، وانما تهديد دائم للسلم، والامن الدوليين.
وجدد الرئيس التعبير عن عظيم الشكر، والتقدير للاشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة الذين كان لهم الفضل في صناعة الصمود الأسطوري لشعبنا اليمني العظيم، وتخفيف معاناته الإنسانية، وتماسك مؤسساته الوطنية على مدى السنوات الماضية.
واعرب عن تطلعه من هذه القمة الى قرارات حازمة لتعزيز هذا الصمود، و ردع صلف المليشيات، بما في ذلك التنفيذ الصارم لقرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين بتصنيف المليشيات الحوثية منظمة إرهابية اجنبية.
وقال ان موقفا جماعيا الى جانب قرار التصنيف، يقطع الشك باليقين في مدى التزامنا بميثاقي جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، كما من شأنه ان يبعث برسائل حازمة لكافة المليشيات، التي تنازع دولنا الوطنية حقها الحصري في احتكار السلاح، وقراري السلم والحرب.
واعتبر ان هذا هو الخيار الامثل لاستعادة السلام، والاستقرار في ربوع المنطقة.
كما اعرب عن تطلعه في ان تقود هذه القمة الى جانب القمة الاقتصادية المتزامنة، الى اطلاق المبادرات الجماعية لإغاثة شعوبنا المنكوبة بالحروب والنزاعات، ودعم فرص تعافيها الاقتصادي، واعادة بناء مؤسساتها المدمرة باعتباره السبيل الأمثل لمكافحة الإرهاب، وصناعة السلام المستدام الذي تستحقه شعوبنا جميعا.
وجدد الرئيس التهنئة للاشقاء في الجمهورية العربية السورية قيادة وحكومة وشعبا بقرار رفع العقوبات، معبرا عن الشكر في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي لأخيه صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية.
فيما يلي نص الكلمة:
أخي فخامة الرئيس الدكتور عبداللطيف رشيد،،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط،،
أصحاب المعالي والسعادة،،
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم باسمي واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي والحكومة في الجمهورية اليمنية بخالص الشكر للاشقاء في جمهورية العراق، بقيادة أخي فخامة الرئيس عبداللطيف رشيد، على التحضير الجيد، والاستضافة الكريمة لهذه القمة، كما نثمن عاليا الجهود المخلصة لمملكة البحرين بقيادة اخي جلالة الملك حمد بن عيسى، خلال رئاسته للدورة السابقة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،،
ستبقى القضية الفلسطينية وحق شعبها في الحرية والاستقلال، في قلب وجدان هذه الأمة، ونبضها الحي كأكثر القضايا عدالة في التاريخ.
وإذ نجدد رفضنا القاطع لاي شكل من اشكال التهجير، او الترحيل، او اعادة التوطين للشعب الفلسطيني، باعتباره انتهاكا جسيما للقانون الدولي، فاننا نشدد على أهمية مواصلة اللجنة الوزارية العربية لجهودها المخلصة في التصدي لهذه المخططات، وضرورة الزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية التي ترفض أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما نؤكد تمسك الجمهورية اليمنية بخيار السلام العادل والشامل لانهاء الاحتلال الإسرائيلي، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني، وحقه في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية.
واننا ندعو في اطار هذه الجهود الى دعم مبادرة المملكة العربية السعودية، والجمهورية الفرنسية لعقد المؤتمر الدولي في نيويورك على طريق احياء حل الدولتين، والاعتراف بالدولة الفلسطينية دون تأخير.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،،
إن الظروف الاستثنائية، والتحديات التي تتهدد منطقتنا العربية، تتطلب وقفة صادقة وشجاعة، بدءا بتحويل مقررات هذه القمم الى أفعال، والانتقال الى أفق اكثر جدية من التضامن، وردع التهديدات الارهابية المشتركة.
ولعل في طليعة هذه التهديدات، تأتي التدخلات الخارجية في شؤوننا العربية، ومحاولات تمزيق دولنا الوطنية، ومؤسساتها الشرعية عبر جماعات إرهابية مارقة، غلبت مشاريع داعميها ومصالحها الضيقة، على مصالح امتنا، وامنها القومي.
وقد تعاظمت تلك التحديات مع تحول هذه الجماعات والمليشيات الى تهديد عابر للحدود بعد ان كان يعتقد خطأ بانها شأن محلي، ليضرب خرابها اليوم في كل مكان، بما في ذلك امن الملاحة البحرية والممرات، والقنوات المائية الاستراتيجية، ما يحتم علينا اتخاذ موقف عربي حازم، يضع أمننا الجماعي، ودعم مؤسسات الدول الوطنية في مقدمة كل الأولويات.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،،
أصحاب المعالي والسعادة،،
منذ اكثر من عشر سنوات ما يزال شعبنا اليمني يخوض معركة وجودية ضد مشروع مليشيا الحوثي الارهابية وداعميها، وهو اليوم بدعمكم ومواقفكم الاخوية، عازم اكثر من أي وقت مضى على انهاء المعاناة، واسقاط هذا المشروع، وأجندته العابرة للحدود، بعد ان استُنفِدت كافة الجهود لدفع هذه الجماعة الى التخلي عن نهجها العنصري، والاستجابة للإرادة الشعبية، وقرارات الشرعية الدولية، معززة بذلك القناعة الراسخة بانها ليست مشروع سلام، او مجرد خطر مؤقت، وانما تهديد دائم للسلم، والامن الدوليين.
و من هذا المنبر، نجدد عظيم شكرنا، وتقديرنا لاشقائنا في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة الذين كان لهم الفضل في صناعة الصمود الأسطوري لشعبنا اليمني العظيم، وتخفيف معاناته، وتماسك مؤسساته الوطنية على مدى السنوات الماضية.. واننا نتطلع من هذه القمة الى قرارات حازمة لتعزيز هذا الصمود، و ردع صلف المليشيات، بما في ذلك التنفيذ الصارم لقرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين بتصنيف المليشيات الحوثية منظمة إرهابية اجنبية، وهي التي لم تدع جرما الا واقترفته من استهداف الموانىء، و المطارات، وتفجير المنازل، والمساجد، الى سرقة المساعدات الإنسانية واختطاف موظفيها، وزراعة الألغام، وتجنيد الأطفال، وتجريف الهوية، وفرص العيش، الى غير ذلك من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان في طول البلاد وعرضها.
ان موقفا جماعيا الى جانب قرار التصنيف، يقطع الشك باليقين في مدى التزامنا بميثاقي جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، كما من شأنه ان يبعث برسائل حازمة لكافة المليشيات، التي تنازع دولنا الوطنية حقها الحصري في احتكار السلاح، وقراري السلم والحرب، وهذا هو الخيار الامثل لاستعادة السلام، والاستقرار في ربوع هذه المنطقة.
كما نتطلع ان تقود هذه القمة الى جانب القمة الاقتصادية المتزامنة التي يستضيفها هذا البلد العزيز، الى اطلاق المبادرات الجماعية لإغاثة شعوبنا المنكوبة بالحروب والنزاعات، ودعم فرص تعافيها الاقتصادي، واعادة بناء مؤسساتها المدمرة باعتباره السبيل الأمثل لمكافحة الإرهاب، وصناعة السلام المستدام الذي تستحقه شعوبنا جميعا.
واننا ننتهز هذه المناسبة لنجدد التهنئة للاشقاء في الجمهورية العربية السورية قيادة وحكومة وشعبا بقرار رفع العقوبات من قبل الولايات المتحدة الامريكية، مع شكرنا الموصول دائما في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي لاخي صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية.
كما نشيد بالنتائج التي تمخضت عنها زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الى المملكة العربية السعودية، ودولتي قطر والامارات العربية المتحدة، في خدمة المصالح العربية، وقضاياها الاستراتيجية.
كما لا يفوتني التعبير عن امتنان شعبنا اليمني للاشقاء في جمهورية مصر العربية بقيادة اخي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي على التسهيلات الأخيرة الممنوحة لابناء شعبنا اليمني الفارين من بطش المليشيات الحوثية، والباحثين عن العلاج، في هذا البلد العروبي الشقيق.
أصحاب الجلالة والفخامة،،
رغم ويلات الحرب، والجروح العميقة، ستظل الجمهورية اليمنية، وشعبها العريق على عهدها والتزامها المطلق بالثوابت العربية، كما سيظل اليمن كما كان على مر التاريخ، عمقاً أصيلاً، وسنداً مخلصاً لقضايا أمته، وشريكاً فاعلاً في صون الأمن القومي العربي والدفاع عن مصالحه العليا.
اجدد الشكر لكم اخي فخامة الرئيس عبداللطيف رشيد، ونسأله تعالى أن تُكلل أعمال قمتنا هذه بالتوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.