لجريدة عمان:
2025-05-27@21:50:43 GMT

صراع القيم الصاعدة والقيم المتوارية

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

حالة المجتمعات هي في حقيقتها صراع بين قيم صاعدة وقيم متوارية، وأتجنب هنا استخدام تعبير (قيم هابطة) لسببين؛ أولهما إدارة المعنى وما قد يصطبغ به المفهوم من دلالات سلبية، والثاني لأن القيم في حقيقتها لا تهبط وإنما (تتوارى)؛ أي يتقلص وجودها الاجتماعي في الاعتراف بها من قبل حيز أوسع من أفراد المجتمع؛ وبالتالي التوافق عليها كموجه وحاكم للسلوك الاجتماعي.

وتاريخ الاجتماع البشري في حقيقته يتمحور حول القيم؛ فالجماعة الاجتماعية التي تتوافق على قيم مركزية جامعة لسلوكها وتفاعلاتها وعملياتها الاجتماعية إنما تبدو أكثر قدرة على تأسيس تاريخها الاجتماعي وديمومته، وفي المقابل فكلما كان هناك صعود لقيم وتواري لقيم أخرى، يبدأ التوافق الاجتماعي حول القيم يضمحل وبالتالي تهدد العمليات الاجتماعية الأساسية واستقرار البناء الاجتماعي. هذا لا يعني بالطبع أن كل أشكال القيم هي صالحة لكل الأزمان والحقب التاريخية التي يعيشها مجتمع ما؛ ولكن تحقيق التوافق الاجتماعي حول القيم الرئيسية والثابتة هو العامل الحاسم لمركزية القيمة الاجتماعية في المجتمع. وأرى أن الوظيفة الأساسية للمشتغلين في حقول الاجتماع تنظريًا وبحثًا إنما هي في تتبع القيم الصاعدة والقيم المتوارية؛ كيف تنشأ؟ ومن أين تنشأ؟ وما هي العوامل الاجتماعية التي تساعد على انتشارها وشيوعها؟ وما دور القيادات الاجتماعية في الإقناع بها؟ وما مدى إمكانية وجود صراع بين قيمتين إحداهما صاعدة والأخرى متوارية والتبعات من المشكلات والظواهر الاجتماعية التي يمكن أن تنجم عن ذلك الصراع؟ هذا هو صلب الاشتغال الاجتماعي، فالقبض على الظاهرة أو المشكلة أو القضية الاجتماعية إنما يستدعي في المقام الأول مساءلة منظومة القيم وحيزها الاجتماعي الذي كون هذه الحالة، فالقيم يتم بناؤها اجتماعيا بدلا من تطويرها بشكل فردي - كما يقول عالم الاجتماع بيتر بيرغر -المجتمع في عُمان كحال أي مجتمع يعيش هذه الحقيقة الاجتماعية، ففي كل مرحلة من مراحله يشهد حالة من صعود قيم في مقابل تواري نسبي لقيم أخرى. والمراحل التي أتحدث عنها هي لا تقاس في حياة المجتمعات بالزمن وإنما بعدة محكات: الأحداث المفصلية - دور الدولة والسياسات - الصراعات الاجتماعية - درجة الانفتاح على المجتمعات الأخرى - درجة التعرض للتأثير الثقافية - الثقافة المهيمنة والثقافة المنكمشة. هذه المحكات تصنع طبيعة المراحل التي يمر فيها المجتمع. فإذا ركزت الدولة على إيجاد سياسات اقتصادية أو اجتماعية مستجدة كسياسات المشاركة والتخصيص في الخدمات العامة أو السياسات الضريبية أو وجود نظم جديدة للحماية الاجتماعية أو السياسات المتصلة بالتعليم والابتعاث ورفع مستويات المكانة الاجتماعية فإن من الممكن أن توجه هذه السياسات المجتمع لدخول مرحلة جديدة في تاريخه الاجتماعي، وكل مرحلة من المراحل تشكل بناء جديدًا للقيم الاجتماعية، ومن هنا تأتي أدوار المؤسسات الاجتماعية في محاولة (الضبط الاجتماعي) في مهمتها للإبقاء على القيم المقبولة اجتماعيًا، ومحاولة تحييد القيم التي قد تمس نسيج المجتمع أو اتفاقه العام، أو ديمومته الاجتماعية والتاريخية.

واحدة من القيم الصاعدة في المجتمع هي «التمحور حول الشهرة»، وتداعيات هذه القيمة ليست فقط في سيطرة مجموعة من الفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي على حيز اهتمامات ورأي المجتمع فحسب، وإنما في تشكيل معان جديدة للقيمة الاجتماعية، قد يستمع بعض فئات المجتمع لهذا الفاعل ويتبنى وجهة نظره والمعلومات التي يوردها أكثر من الاستماع للمؤسسات الرسمية؛ وبالتالي تتوجه بوصلة الثقة من المؤسسات إلى الفعل الفردي، وقد تكون الشهرة في ذاتها (طموحًا اجتماعيًا) يبتغى بكافة الوسائل، وقد تقوض الأنماط التقليدية لصنع المكانة الاجتماعية بما في ذلك التعليم الجيد والشهادات العليا في مقابل الطرق اليسيرة لصنعها بالوصول إلى (الشهرة) أو لنقل (الفاعلية) لضبط المصطلح. وقد يغدو الظهور الاجتماعي المبني على أسس الحكمة، والموقع العلمي، والإنجاز العام لا معنى له في مقابل السبل والوسائل المستجدة للوصول إلى (الشهرة). وهنا لنوضح أمرًا مهمًا وهو في أننا لسنا ضد فكرة وجود فئة تلقت القبول الاجتماعي من خلال المنصات الاجتماعية واستطاعت أن توجد لها حيزًا من الانتشار والتأثير، وإنما لابد من التوقف حول فكرة (التمحور حول الشهرة)؛ والتي قد توجه اهتمام الكثير من الناشئة تحديدًا نحو هذا المسلك. وهذه القيمة لا يمكن اليوم كبحها، ولكن في تقديرنا يمكن إعادة توجيهها، فالمؤسسات الاجتماعية مطالبة اليوم بإبراز منجز العلم والمساهمة الاجتماعية الحقيقية، والمساهمين في حقول الإبداع والفكر والثقافة، وتسويق المبتكرات وروادها، وتعزيز فعل العلماء والمفكرين في المجتمع، وتوسيع المساحات والمنابر الاجتماعية التي تحتضنهم وتسوقهم وتعلي قيمتهم الاجتماعية. ومن ثم فإن المجتمع بإرثه، وأنماط وتجربته يستطيع التمييز والاختيار بين من يضع على رأس وجاهة الرأي والحكمة.

هذا نموذج لقيم صاعدة قد تتصارع مع قيم بدأت تتوارى، وتقوض عمل الكثير من المؤسسات الاجتماعية، ويمكن أن نسوق تداعيات هذا المثال على قيم صاعدة أخرى كتوسع النزعات الاستهلاكية المدفوع بالميل نحو المطابقة الاجتماعية، وتجزئة المهام التربوية وتفويضها، وتراجع دور الحكمة الاجتماعية في حل الخلافات البينية والاجتماعية. مثل هذا القيم مركزية لظهور ظواهر أو مشكلات أو قضايا اجتماعية لعدة أسباب أهمها: أن المجتمعات تحتاج إلى حيز زمني معقول لقبول القيم الجديدة، وأن التوافق الاجتماعي حول ظهور أو تواري قيمة ما من الصعب هندسته اجتماعيًا، وثالثًا أن الاختلاف على القيمة الاجتماعية قد يظهر في أصغر الوحدات الاجتماعية (الأسرة). ومن هنا فإننا ندعو المشتغلين في حقل العلوم الاجتماعية إلى التفكير الأفقي في القيم وفي مرجعيتها وتحولاتها، وأسباب نشوء بعضها وتواري أخرى، ليشكل كل ذلك مدخلًا لفهم حركة المجتمع وظواهره. ففي قناعتنا أن الانشغال بتجزئة الظواهر والمشكلات وتحييدها دون مرجعياتها القيمية قد يكون عملا جيدا في حينه، لكنه لا يثمر بالضرورة فهمًا موسعًا لحيز الحركة الاجتماعية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاجتماعیة التی الاجتماعیة فی

إقرأ أيضاً:

صراع درامي بين الأهلي وبيراميدز في ليلة الختام


  
سيُحسم لقب الدوري المصري لكرة القدم "مبدئيًا" الأربعاء، حين يستقبل الأهلي فاركو، فيما يحل مطارده المباشر بيراميدز ضيفًا على سيراميكا كليوباترا في الجولة السادسة والعشرين الأخيرة، ما لم يكن للقرارات الإدارية رأي آخر.


ويتصدر الأهلي الترتيب برصيد 55 نقطة بفارق نقطتين عن بيراميدز، ويحتاج الفريق الأحمر إلى الفوز بأي نتيجة لحسم اللقب لصالحه للمرة 45 في تاريخه وللموسم الثالث على التوالي.

وقد يتوج الأهلي باللقب حتى في حالة التعادل وفوز بيراميدز على سيراميكا كليوباترا بفارق يقل عن ستة أهداف يتفوق بها حامل اللقب على منافسه حاليًا والساعي إلى اللقب الأول في تاريخه.

 

وقد يضطر الجميع إلى الانتظار بعدما تقدم بيراميدز بطعن إلى المحكمة الرياضية الدولية (تاس) بشأن قضية مباراة الأهلي والزمالك في الجولة الأولى من دور البطولة (الثمانية الأوائل في الدور الأول) والتي شهدت عدم حضور الفريق الأحمر إلى الملعب اعتراضًا على رفض الاتحاد المصري تعيين طاقم حكام أجنبي لإدارتها.

وقررت رابطة الأندية المصرية المحترفة التي تنظم المسابقة اعتبار الأهلي خاسرًا 0-3 مع حسم ثلاث نقاط إضافية من رصيده، قبل أن تتراجع وتلغي عقوبة الحسم، وهو ما احتج عليه بيراميدز والزمالك أمام لجنة الاستئناف بالاتحاد المصري، قبل أن تقرر الأخيرة عدم جواز نظر الاحتجاج بسبب لوائح المسابقة التي تؤمن قرارات الرابطة ضد الطعون.

وتقدم بيراميدز بالطعن أمام تاس وتضامن معه الزمالك، فيما تقدم الأهلي بطعن بدوره يطالب فيه بإعادة المباراة.

وطلب بيراميدز من تاس إصدار قرار عاجل في القضية مع وقف الإعلان عن بطل الدوري المصري لحين إصدار القرار النهائي، وهو ما رفضته المحكمة التي تنظر في القضية بصورة طبيعية.

 

وربما يستمر الغموض حول هوية بطل المسابقة إلى حين إصدار تاس قرارها، ما لم تحسم نتائج الأربعاء هوية البطل دون انتظار للقرار.

من ناحية أخرى، طالب بيراميدز بتأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا بسبب خوضه مباراة إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام ماميلودي صنداونز الجنوب أفريقي  الأحد المقبل بالقاهرة، لكن الرابطة رفضت الطلب بسبب التزامها بإنهاء الدوري قبل بداية يونيو (حزيران) المقبل، حيث يرتبط الأهلي بالسفر للولايات المتحدة الأمريكية في الرابع منه لخوض كأس العالم للأندية، فيما يلعب بيراميدز مع الزمالك في نهائي كأس مصر في اليوم التالي.

كما رفضت الرابطة تأجيل مباريات الجولة بسبب منافسة الثلاثي المصري (39 نقطة) وسيراميكا كليوباترا (37) والبنك الأهلي (37) على المركز الرابع المؤهل لمسابقة كأس الاتحاد الأفريقي (الكونفدرالية) الموسم المقبل.

- مهمة النحاس الأخيرة -
يدخل الأهلي مباراة فاركو في المهمة الأخيرة لمدربه المؤقت عماد النحاس الذي تولى المسؤولية خلفًا للسويسري مارسيل كولر عقب الخروج من نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا، حيث حقق مع فريقه خمسة انتصارات متتالية وضعته في قمة الترتيب، مستغلًا تعثر بيراميدز مرتين أمام فاركو والبنك الأهلي.

 

ومن المنتظر أن يعلن الأهلي عن هوية مدربه الجديد عقب نهاية الدوري مباشرة، وسط أنباء عن وصول الإسباني خوسيه ريبيرو للقاهرة قبل فترة لقيادة الفريق فنيًا، إلا ان إدارة النادي فضلت استمرار النحاس بعدما نجح لاعب الفريق السابق في تحقيق الفوز في كل المباريات الخمس التي خاضها مدربًا.

وتعززت صفوف الأهلي بعودة كل لاعبيه المصابين باستثناء المدافع رامي ربيعة، ويأمل النحاس في تحقيق فوز جديد في مهمته الأخيرة قد يمنح به الأهلي لقبًا غاليًا بدا بعيد المنال في بداية مرحلة الحسم.

أما فاركو بقيادة مدربه الشاب أحمد خطاب، فيدخل المباراة دون ضغط بعدما أمن تواجده في المسابقة في الموسم المقبل، كما فرض مفاجآت عدة بالفوز على بيراميدز 3-2 والتعادل مع الأهلي في الدور الأول 1-1.

ويحتل الفريق السكندري المركز السابع برصيد 32 نقطة.

 

- عين هنا وأخرى هناك -
من جانبه، يخوض بيراميدز مباراة سيراميكا كليوباترا بمعنويات عالية بعدما نجح في فرض التعادل الإيجابي 1-1 على ماميلودي صنداونز في ذهاب نهائي دوري الأبطال السبت في بريتوريا، حيث اقترب خطوة من حسم اللقب الأغلى في مسابقات الأندية الأفريقية للمرة الأولى في تاريخه.

إلا أنه يدخلها أيضًا بمشاعر متضاربة حيث ستكون عينه على تحقيق الفوز وانتظار نتيجة مباراة الأهلي وفاركو، وعينه الأخرى على تفادي إرهاق لاعبيه قبل مباراة إياب النهائي الإفريقي الأحد.

وسيكون مدرب بيراميدز الكرواتي كرونوسلاف يورتشيتش بين ناري إراحة بعض لاعبيه قبل مباراة صنداونز، وضرورة تحقيق الفوز على سيراميكا كليوباترا أملًا في تعثر الأهلي أو على أقل تقدير بانتظار قرار المحكمة الرياضية الدولية.

 

من جانبه، يدخل سيراميكا كليوباترا المباراة بأمل تحقيق الفوز على أمل تعثر المصري أمام حرس الحدود مما يمنح فريق المدرب علي ماهر فرصة احتلال المركز الرابع واللعب قاريًا للمرة الأولى في تاريخه.

 

مقالات مشابهة

  • مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالدوحة يدعو لتكنولوجيا تحترم القيم الإنسانية العالمية
  • "بحضور الوزيرين.. توقيع بروتوكول تعاون بين الأوقاف والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية"
  • وفاة أحمد الحضراتي باشا أمزميز السابق بعد صراع مع المرض
  • الطيب: حملات الإعلام الغربي تهدف لتدمير الأسرة والقيم الإسلامية والتشكيك في الحضارة الشرقية
  • صراع درامي بين الأهلي وبيراميدز في ليلة الختام
  • سفير مصر يبحث مع وزير التنمية الاجتماعية الجواتيمالي تعزيز التعاون بمجالات التضامن الاجتماعي
  • محمد البيومي يدعو لإسكات الأصوات الشيطانية المنادية بالكراهية والعنف ونبذ القيم السوية
  • وفاة الصحفية هاجر حرب بعد صراع المرض في غزة
  • «مرشدات الإمارات»: مناهج إرشادية رائدة تعزز القيم والمهارات القيادية للفتيات
  • رئيس جامعة الأزهر يشارك اليوم في ندوة القيم المشتركة للأديان بمركز الثقافي الأرثوذكسي