#تأملات_ رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 44 من سورة الفرقان: “أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا”.
في هذه الآية توصيف لحقيقة الكافرين، سواء كانوا من فئة الملحدين المكذبين بوجود خالق، أو المشركين المكذبين بالرسالة الخاتمة، أو من المنافقين من بين المسلمين الذين يحادون الدين ويحاربون دعاته.
وجاء توصيفهم بالأنعام لأنهم يشبهون الأنعام تفكيرا، فهي لا همّ لها الا تلبية احتياجاتها الغريزية، ولا تشغل نفسها بالتفكير في ماهية وجودها ولا مآلها ولا مستقبلها، أو الارتقاء بفهمها في غير ما يحقق مصالحها وشهواتها.
فلو راقبت قطيعا من الخراف في حظيرة، ستجد أنها رغم أنها تعلم أنها محبوسة، مما يعني بكل بساطة أنها لا تعلم مصيرها، إلا أنها تتقاتل بينها للاستئثار بالطعام دون الآخرين، وتستمر في الأكل والتزاوج حتى اللحظة الأخيرة من حياتها، ربما لأنها لا تعلم أن نهايتها الحتمية هي الذبح.
الإنسان رغم أنه يملك العقل الذي يمكنه أن يكشف له بواطن الأمور وخفاياها، وبإمكانه جمع الملاحظات ومقارنتها لاستنتاج الوقائع القادمة قبل حدوثها، إلا أن المكذب بوجود خالق مسيطر، يعتقد أن الانسان خلق عبثا، وليس من قبل خالق أوجده لأداء مهمة أرادها، لذلك فليس عليه إلا الاستمتاع بحياته ما استطاع الى ذلك سبيلا، هو مثل ذلك الخروف الذي يظن أنه وجد في هذه الحظيرة بالصدفة، ولا مهمة له إلا تناول الطعام والتقافز واللعب، من غير أن يفكر في مصيره المحتوم.
لكنه فوق ذلك تبقى الأنعام متقدمة عليهم، في أن نمط عيشها محكوم بالفطرة التي فطرت عليها، لا تخالفها ولا تتعدى أطماعها ضوابطها، فالمفترس لا يفترس إلا لسد جوعه، ومتى ما شبع ترك لغيره أن يأكل منها، بينما لا يكتفي المكذبون بالدين بسد احتياجاتهم، فيجمعون احتياطيا أضعافها بلا حدود، رغم أنهم يعلمون أنهم لن يستهلكوا ربعها ولو عاشوا ألف عام، ولا يقبلون أن يتصدقوا منهاعلى الأفقر منهم إلا مقابل نفع لهم.
لذلك فهم أضل سبيلا من الأنعام.
المأساة في هؤلاء الذين انحدروا من إنسانيتهم المكرّمة حتى باتوا أحط قدرا من الأنعام، انهم لا يملكون دليلا واحدا على صحة معتقدهم، بل كل ارتكازهم على التشكيك ليس الا.
فالكافرون الملحدون يشككون بوجود الله أصلا اعتمادا على كونه غير مدرك بالحواس البشرية، رغم أنهم يعلمون أن مستوجبات الألوهية عدم قدرة المخلوق على الإحاطة بالخالق.
أما الكافرون تكذيبا بانتساب الدين الى الله، فهم يشكون أنه من وضع البشر، رغم ان كل الأنبياء دعوا إليه، وليثبت الله لهم أنه من عنده، جاءهم بعجزات خارقة لقدرات البشر، إلا أنهم استمروا بالتكذيب، ثم أنهم عندما عجزوا عن دحضه لجأوا الى تحريفه وتزوير عباداته وتشريعاته، فابطلوا الزكاة، وقزموا الصلاة بمجرد تلاوة أدعية وبلا وضوء ولا ركوع وسجود، وعدّلوا في الصيام لجعله الامتناع عن أكل أطعمة محددة، كما أحلوا محرمات مثل لحم الخنزير وشرب الخمر، وحرموا حلالا مثل الزواج والطلاق.
وأما الكافرون المنافقون، فهم وجدوا أنفسهم في مجتمع عقيدته الاسلام، لم يقووا على مجابهة تياره الجارف، فأخفوا كفرهم وتظاهروا باتباع الدين، لكنهم لا يألون جهدا في الطعن فيه كلما وجدوا الى ذلك سبيلا، وأبلغ السبل هي التحالف مع الفئتين السابقتين على محاربته.
ولابتلاء المؤمنين، فقد أمد لهؤلاء الفئات الثلاث علميا وتقنيا وماليا “وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ” [الزخرف:33]، عقوبة لهم بإغرائهم بالاستمرار في غيهم لكي يرديهم دار البوار في الآخرة، ولامتحان المؤمنين بصبرههم ومجالدتهم لهم.
هكذا وعقوبة للكافرين التي استحقوها بعنادهم وتكذيبهم، فقد حرمهم الله من نعمة استخدام العقل في تحقيق أهم مكسب لهم في حياتهم وهي الاستفادة من الحياة الدنيوية المؤقتة لنيل ما يحقق الفوز بالسعادة المطلقة في الحياة الأخروية الأبدية.
صحيح أنهم سعدوا قليلا بمخترعاتهم وتقدمهم التي حققت لهم الرخاء، لكنها لا تزيد كثيرا على سعادة الخروف بما يأكله في مراعيهم وحظائرهم، لكنها ستزول سريعا على يد سكين الجزار.
بل هم أضل وفجيعتهم أعظم، فالخروف لن يحاسب بعد موته، بينما مصيرهم الخلود في العذاب. مقالات ذات صلة من يقرر المصالح العليا للوطن 2024/04/07
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
أونروا: يجب رفع الحصار عن قطاع غزة لنتمكن من مواصلة عملنا
أفادت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنه يجب رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة حتى تتمكن من مواصلة عملها، مؤكدة أنها لم تتوقف عن تقديم خدماتها منذ بدء الحرب على غزة، مشيرة إلى أنها لم تتأثر بالقصف أو عمليات النزوح.
وأفادت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن مكتب النائب العام رفض طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتأجيل شهادته في المحاكمة، المقرر أن تكون خلال الأسبوعين المقبلين.
وأعلنت مصادر طبية فلسطينية عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين بنيران مسيرات إسرائيلية استهدفت منطقة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وأفاد جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه اضطر إلى إغلاق مداخل مدينة نابلس وإخلاء منطقة قبر يوسف بعد حدوث مواجهات في المنطقة.
اقرأ أيضاًوزير الخارجية يبحث مع نظيره الفرنسي وقف إطلاق النار في غزة
إعلام عبري: الجيش تعمد استهداف الفلسطينيين قرب مراكز المساعدات في غزة
عاجل| تظاهرات حاشدة في تل أبيب تطالب بوقف الحرب على غزة (فيديو)