إيران تحتجز سفينة شحن إسرائيلية في مضيق هرمز.. ومطالب دولية بـ"عدم التصعيد"
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
عواصم- الوكالات
احتجز الحرس الثوري الإيراني سفينة شحن مرتبطة بإسرائيل في مضيق هرمز أمس السبت، وذلك بعد أيام من تهديد طهران بإغلاق المضيق أمام حركة السفن ردًا على قصف يعتقد أنه إسرائيلي لقنصليتها في سوريا.
وذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء أن طائرة هليكوبتر تابعة للحرس الثوري اعتلت السفينة "إم.
وقالت شركة زودياك ماريتايم في بيان إن "إم.إس.سي" استأجرت السفينة أريس من شركة جورتال شيبنج التابعة لزودياك، مضيفة أن "إم.إس.سي" مسؤولة عن جميع أنشطة السفينة. ويمتلك رجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر حصة في زودياك. وأظهر مقطع مصور، بثته قنوات إخبارية إيرانية قالت إنه لعملية الاحتجاز، شخصا يهبط من طائرة هليكوبتر إلى سفينة. وتمكنت رويترز من التحقق من أن السفينة التي ظهرت في المقطع "هي إم.إس.سي أريس"، لكن لم يتسن لها التحقق من موعد تصويره.
ويأتي هذا الحادث وسط تصاعد التوتر في الشرق الأوسط منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر. واشتبكت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة مرارًا في المنطقة مع جماعات متحالفة مع إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
وتوعدت إيران بالرد على ما يشتبه بأنها ضربات جوية إسرائيلية استهدفت قنصليتها في العاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل وهو ما أدى إلى مقتل سبعة من ضباط الحرس الثوري منهم اثنان من كبار العسكريين.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه يتوقع أن تهاجم إيران إسرائيل "عاجلا وليس آجلا" وحذر طهران من المضي قدما في ذلك.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري "إيران ستتحمل العواقب في حالة اختيارها المزيد من التصعيد... إسرائيل في حالة تأهب قصوى.. رفعنا استعدادنا لحماية إسرائيل من أي عدوان إيراني آخر.. مستعدون أيضا للرد". وجاء ذلك بعد صدور بيان يشير إلى احتجاز السفينة إم.إس.سي أريس.
واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إيران بتنفيذ عملية قرصنة.
وقال قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري يوم الثلاثاء الماضي إن الحرس الثوري سيغلق مضيق هرمز إذا لزم الأمر.
وقال المحلل حسن الحسن من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنه إذا كان احتجاز السفينة "إم.إس.سي أريس" هو الرد على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، فإن ذلك يظهر رغبة في حفظ ماء الوجه دون تصعيد أوسع نطاقًا. وأضاف "إيران ربما تحاول استغلال المخاوف من أنها قد تعرقل الشحن عبر المضيق الذي يعد أهم من البحر الأحمر فيما يتعلق بإمدادات النفط والغاز العالمية". وتابع قائلا إنه "إذا اكتفت إيران باحتجاز السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل، فإنها ستحد بذلك من خطر نشوب صراع شامل ولكنها في الوقت ذاته ستضر بمصداقيتها".
وتشن حركة أنصار الله "الحوثي" اليمنية المتحالفة مع إيران هجمات على حركة الشحن في منطقة البحر الأحمر منذ شهور تضامنا مع الفلسطينيين في حرب غزة. وتسبب الهجمات المستمرة اضطرابات في حركة الشحن العالمية، وتقول الحركة إنها تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل. وتنفذ الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات على أهداف للحوثيين ردا على هجماتهم على السفن.
وقال مركز المعلومات البحرية المشترك، الذي يديره تحالف بحري يقوده الغرب، إن على السفن التي تعتزم الإبحار عبر مضيق هرمز توخي الحذر وعدم التباطؤ في أثناء المرور. والمضيق هو أحد أهم الممرات لشحن النفط في العالم.
إلى ذلك، أعلن البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن قرر اختصار العطلة الأسبوعية بولاية ديلاوير والعودة إلى واشنطن بعد ظهر أمس السبت للتشاور مع فريقه للأمن القومي بشأن الأحداث في الشرق الأوسط.
وفي أمستردام، قالت وزيرة الخارجية الهولندية هانكه برانش سلوت إنها أبلغت نظيرها الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مكالمة هاتفية أمس السبت بأن على إيران ألا تهاجم إسرائيل وأن تتخذ إجراءات "لعدم التصعيد". وأضافت في منشور على إكس "خلال المحادثة عبرت أيضا عن قلقي الكبير بشأن السفينة التي تم اختطافها في مضيق هرمز وأن هذا النوع من التصرفات يجب أن يتوقف".
ونقلت وكالة الأنباء الهولندية "إيه.إن.بي" أمس السبت عن متحدث باسم شركة الطيران الهولندية "كيه.إل.إم" قوله إن الشركة قررت وقف تحليق طائراتها في المجالين الجويين لإسرائيل وإيران. وأضافت الشركة، وهي الذراع الهولندية لشركة الخطوط الجوية الفرنسية إير فرانس-كيه.إل.إم، أنها اتخذت قرارها في خطوة احترازية، في إشارة إلى تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل. لكن كيه.إل.إم أشارت إلى إنها ستواصل رحلاتها إلى تل أبيب المطلة على ساحل البحر المتوسط.
كما أعلنت وزارة الخارجية الهولندية في بيان أمس السبت أن هولندا ستغلق سفارتها في طهران غدا الأحد في إجراء احترازي، عازية ذلك إلى تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل. وأضافت الوزارة أنها ستتخذ غدا قرارا بشأن إعادة فتح السفارة يوم الاثنين.
في الأثناء، حذرت كندا مواطنيها من السفر إلى إسرائيل وغزة والضفة الغربية، ورفعت تقييمها للمخاطر في المنطقة بسبب زيادة التهديدات بوقوع هجمات على إسرائيل. وحثت وزيرة الخارجية ميلاني جولي في منشور على إكس الكنديين المتواجدين بالمنطقة على التفكير في المغادرة بوسائل النقل التجارية. وقالت "مع تزايد خطر وقوع هجمات على أراض إسرائيلية، يظل الوضع الأمني الإقليمي ملتهب للغاية وقد يتصاعد دون سابق إنذار". وسبق وأن نصحت الحكومة الكندية مواطنيها بتجنب السفر غير الضروري إلى المنطقة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الحرس الثوری أمس السبت مضیق هرمز
إقرأ أيضاً:
إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا
«مشهد جيوسياسي متغير في الشرق الأوسط»، هذا «الكليشيه» السياسي المتكرر ما زال صالحا للانطلاق منه لفهم حالة إعادة التموضع وإعادة صياغة السياسات الخارجية لكل دولة من دول الإقليم. فكما في الاقتصاد، تجري الآن في السياسة الخارجية والدفاع والأمن الوطني عملية إعادة تكيف هيكلي مع هذا المشهد، بغرض أن تتأكد كل دولة في المنطقة من أنها ستكون فائزة في العملية الجارية لإعادة بناء خرائط النفوذ، أو على الأقل التأكد من أنه لن يكون على حسابها.
يمثل تاريخ ٨ ديسمبر الماضي، بسقوط النظام السوري السابق وصعود نظام موال للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في المنطقة، أكبر وأهم إعلان عن بدء هذا المشهد الجيوسياسي المتغير.
يتوج أحدث تصريح من الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، هذا التغير الاستراتيجي، عن انتقال سوريا بعد ٥٤ عاما من نظام البعث المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة، إلى معسكر واشنطن استراتيجيا، وإلى معسكر المنسحبين العرب عن المواجهة مع إسرائيل: «مستعدون لتحقيق الاستقرار الإقليمي وأمن الولايات المتحدة وحلفائها جميعا».
إلا أن التصريح الأهم للرئيس الشرع، في سياق التحولات المرتقبة في السلوك السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو الذي وجهه إلى الأمريكيين وحلفائهم من إسرائيليين، وأيضا من بين السطور، إلى حلفاء واشنطن العرب والأتراك السنة: «لدينا أعداء مشتركون مع تل أبيب (يقصد هنا الإيرانيين)».
يدرك الإيرانيون هنا أنهم خسروا أهم حليف عربي نشأ منذ اتفاق الخميني وحافظ الأسد على أن علاقتهم هي علاقة استراتيجية.. وأن سوريا التي كانت لهم أصبحت عليهم. يدركون أن خسارة سوريا لا تتعلق فقط بخسارة الممر الاستراتيجي الذي صنع نفوذ إيران الإقليمي الهائل في العقود الثلاثة الماضية، ومكنها من إيصال الأسلحة والدعم لمنظمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولكن أيضا في نشوء تخطيط استراتيجي أمريكي ستُوظف فيه إمكانات مالية مخيفة لدول عربية، يجعل من سوريا نقطة انطلاق لتقويض النفوذ الإيراني في العراق وما تبقى منه في لبنان. في هذا التخطيط، يجري إعادة رسم الخرائط بحيث يتم عزل وتهميش مصر واستبدال سوريا بها كقاعدة لنفوذ القوى المحافظة العربية، التي توجهها إدارة ترامب في الأسابيع الماضية كقيادة للمنطقة.
تراجع نفوذ طهران في الشرق الأوسط، وتراجع المعسكر الإقليمي صاحب النفس الاستقلالي الرافض للخضوع التام لواشنطن، يفرض على صانعي السياسة الإيرانية الواقعيين إجراء تحولات ملموسة في سياستهم الخارجية، تستوعب هذه التغييرات، ولكن تحافظ على إرث الخميني في إنهاء حالة التبعية للغرب التي اتصف بها حكم شاه إيران.
هذه التحولات لا يمكن التنبؤ بها سوى على المدى القصير، أو في أحسن الأحوال على المدى المتوسط، وهي مرتبطة بفرضيتين إذا تغيرتا تتغير معهما معادلة التحولات المرتقبة:
الفرضية الأولى: نجاح المفاوضات الإيرانية - الأمريكية حول الملف النووي، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن طهران.
الفرضية الثانية: استمرار المرشد الأعلى خامنئي في قمة الدولة الإيرانية، وترتيب خلافة له تتبنى النهج الاستقلالي نفسه عن واشنطن، أو بعبارة أخرى: عدم ظهور قائد جديد ينقلب على النظام الجمهوري ويعيد إيران إلى الحظيرة الأمريكية كـ«شرطي للخليج» وحليف أمني، ومزود طاقة لإسرائيل كما كانت قبل ١٩٧٩.
وضع جديد سينشأ إذا تُوجت بالنجاح المفاوضات التي تديرها سلطنة عمان بحصافة كبيرة، والتي تقدم فيها جسورا بين المواقف، وتفكك فيها الأزمات التي تنشأ من تباين الأهداف في المفاوضات أو من التصريحات السياسية التصعيدية من الأمريكيين والإيرانيين بغرض الاستهلاك المحلي للرأي العام لديهم.
هذا الوضع سترفع فيه العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية، وعن أموال إيران المجمدة في الخارج، وهو ما سيدفع الإيرانيين ـ على المدى القصير ـ لإعطاء الأولوية للداخل الإيراني على الخارج. سيجري التركيز على إصلاح أحوال الاقتصاد الذي أنهكته العقوبات، واستخدام العوائد المتوقعة من العودة التدريجية لصادرات النفط قرب مستوياتها السابقة، وعودة الأموال المجمدة، في تحسين الأحوال المعيشية، وإغلاق أبواب التململ الاجتماعي من تدهور المعيشة، وضخ موارد جديدة في شرايين الصناعة والزراعة والبنية التحتية، وجذب الاستثمارات الخارجية التي حدّت منها كثيرا سياسة العقوبات.
سيتم التركيز على سياسة خارجية وأمن قومي يستهدفان تعافي القوة العسكرية الصاروخية وقوة الدفاع الجوي التي تضررت من الغارات الإسرائيلية، وإعادة بناء قدرات إيران الشاملة كرادع لنتنياهو عن المقامرة بشن هجوم على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.
سيتم التركيز في هذه السياسة المرحلية على ضمان الأمن القومي المباشر للدولة الإيرانية، في حدودها مع دول الخليج العربية، وحدودها مع العراق وتركيا ودول آسيا الوسطى. في هذه السياسة، ستوثق إيران علاقتها القوية الخالية من الشكوك والقائمة على الاحترام مع عُمان، وعلاقتها ذات الطبيعة غير الصراعية مع قطر والكويت، وتحويل خلافها مع البحرين والسعودية والإمارات إلى خلاف سياسي يتم السعي لحله بالوسائل السياسية، عبر تثبيت الاتفاق الحازم القائم معهم الآن بتجنب الحرب التي قد تدمر المنطقة وتقضي على الجميع.
وبخصوص العراق، ستقاوم إيران ـ ولكن بالسياسة والنفوذ الناعم ـ الجهد المنظم الرامي لدفع السياسيين والمجموعات المسلحة الأقرب إليها بعيدا عن مركز السلطة في بغداد.
هذه السياسة الخارجية ستتبع نهجا «انكماشيا» فيما يتعلق بالعالم العربي، يُخفف فيه النمط التدخلي مع حركات المقاومة على غرار: «لن نكون ملكيين أكثر من الملك»، أو «عربًا أكثر من العرب». هذا النهج سيستمر ـ على الأقل ـ حتى تستعيد إيران عافيتها، وحتى تتضح نتائج حرب غزة ومستقبل حزب الله في لبنان.
سترُضي هذه السياسة فريقًا في النخبة الإيرانية كان يعارض ما يسميه «صرف المليارات على أطراف عربية كان الداخل الإيراني أحق بها»، كما تُرضي فريقًا آخر يرى أن بعض هذه الأطراف العربية كانت ناكرة للجميل في أكثر من موقف وأكثر من ساحة.
لكن هذه السياسة الانكماشية مع محور المقاومة، ومع المحيط العربي الأوسع لحين من الزمن، لن تمنع إيران من السعي لفك الحصار الجيوسياسي عليها. تسعى طهران لتوسيع نطاق حركتها السياسية في المنطقة، خاصة مع دول قديمة تتعرض للتهميش الاستراتيجي في التموضع الجديد الذي نشأ في المنطقة، والذي تقوده واشنطن، ويشمل تركيا والشام وأجزاء في الخليج.
تقع مصر على رأس هذه الدول التي ستجدد إيران محاولتها ـ المستمرة منذ عهد مبارك ـ لإنهاء الفتور القائم منذ عهد السادات. ورغم النجاح المحدود للغاية الذي تحقق لها من هذه المحاولة، فإن إيران تشعر الآن أنه إذا قابلت القاهرة هذه المحاولة الجديدة بإرادة سياسية للتقارب، فإنها قد تنجح هذه المرة.
فالتطور الجيوسياسي الراهن لا يُهمّش الإيرانيين فحسب، بل يُهمّش مصر وكل الدول «القديمة» السابقة على عصر النفط، عصر الاستعمار والهندسة الغربية للعديد من الدول الحديثة في المنطقة.
هل يمكن فهم زيارة وزير الخارجية العراقي، عباس عراقجي، غير المعتادة إلى القاهرة اليوم الاثنين، بأنها تأتي في هذا السياق من تحولات متوقعة للسياسة الإيرانية بعد الطوفان المضاد لطوفان الأقصى؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري