عربي21:
2025-06-26@21:56:13 GMT

رسالة إلى الرئيس أردوغان (3-3)

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

أهداف المقال

1- توجيه قناعات وميول القيادة التركية إلى الاهتمام بمشروع الهوية الوطنية وأهميته المركزية في إدارة وإصلاح الكثير من الملفات الأساسية والتحديات التي تواجه تركيا الآن.

2- تعريف القيادة التركية بأهم الأزمات الخاصة بالهوية التركية.

3- تقديم أهم الحلول المقترحة لمواجهة أزمة الهوية التركية.



عناصر المقال

1- المقدمة.

2- الأزمات.

3- الحلول والمشاريع المقترحة.

المقدمة المفاهيمية التأسيسية

1- إدارة الصراع مع الخصوم الكبار الذين يمتلكون تفوقا وقد رسخوا نظما ومعايير وأدوات لترسيخ سيطرتهم على العالم؛ تتطلب حكمة كبيرة وعميقة في تحديد نوع وتوقيت ومكان العمليات والمعارك المتنوعة التي تتم صناعتها وإدارتها، مع المحافظة على عدم الاستدراج لعملياتهم ومعاركهم ولا قوانينهم وأدواتهم، لا بد من الخروج من صندوق الخصم وسحبه لمعارك جديدة عليه ولا يمتلك أدواتها، وخارج بيئته المعتادة التي يتحكم في مقوماتها ومفاصلها.

إدارة الصراع مع الخصوم الكبار الذين يمتلكون تفوقا وقد رسخوا نظما ومعايير وأدوات لترسيخ سيطرتهم على العالم؛ تتطلب حكمة كبيرة وعميقة في تحديد نوع وتوقيت ومكان العمليات والمعارك المتنوعة التي تتم صناعتها وإدارتها، مع المحافظة على عدم الاستدراج لعملياتهم ومعاركهم ولا قوانينهم وأدواتهم
2- منهج الإسلام في بناء الهوية والدولة الجديدة، أو استعادة الدولة لهويتها الأصلية وقوتها وتموضعها الريادي، يتعامل بمنطق الحلول الجذرية العميقة والبدائل الإسلامية الخاصة وليس بمنطق إطفاء الحرائق.

3- النظام العالمي تم تصميمه وتطويره على مقومات ونماذج معيارية غربية خاصة قامت على فلسفة الكفر والطغيان والاستعمار والاستبداد، بهدف ترسيخ وجوده وقطع الطريق على صاحب الحق الأصلي المنافس الكبير له المشروع الحضاري الإسلامي (نظام اقتصادي- نقدي- مالي- ثقافي- تعليم- ثقافة- فن- إعلام- سلاح- سياسة.. الخ)، مما يتطلب نظما ونماذج معيارية إسلامية بديلة تخرج على هذا النظام وتثبت وجودها، وتتمدد وتكسب المساحات وتسترد حقوقها ومكانتها الريادية (نموذج بديل عن نموذج وليس مشتركا معه).

4- النظام العالمي بكل مكوناته ينطق من فلسفة خاصة متمردة على الله تعالى، كافرة بمنهج الله، لها عقيدة وفلسفة خاصة لا يمكن التلاقي معها، ولا بد من المحافظة على الاستقلال والتمايز والإعلان الإيماني والمفاصلة معه.

5- المشروع الإسلامي يحتاج إلى مجتمع إسلامي واع بمشروعه ومعتز به وعلى استعداد للتضحية من أجله، ولا يقوم على من يحمله لكونه الأكثر نفعا، ولا ليتاجر أو ينتفع منه، ولا لمن لا يمتلكون الوعي ولا الإيمان به، ويُتصور توظيفهم لتحقيقه.

6- المجتمع والدولة الإسلامية لا يقبلان إلا البداية الصحيحة والمسار الصحيح والوسائل والأدوات الصحيحة ولذلك يبدأ صغيرا جدا ولكنه بصحته ينطلق سريعا، ففي أقل من ربع قرن انطلق المشروع من الصفر إلى العالمية، فما بالنا بعد 22 عاما في السلطة وقد عظمت الإنجازات المادية ولم يتغير شيء في واقع المجتمع المُعلمن.

7- فكرة الانتماء للأمة الإسلامية الواحدة (للهلال) وتقدم الولاء للعقيدة على الولاء للقومية كجزء من العقيدة الإسلامية، ودورها في الولاء والدعم الفردي والجماعي من المسلمين من كافة القوميات للمشروع الإسلامي.

8- سنة وقانون الله تعالى أن صراع الشيطان مع الإنسان دائم وجوهره صراع الحق والباطل، الإيمان والكفر، ومن ثم فالعلاقة بين منهج الإسلام وغيره من المناهج علاقة حق وباطل، وتدافع وصراع دائم، ويعيش العالم كله حربا دائمة تنقسم إلى عمليات متنوعة المجالات الثقافية والهوياتية والاقتصادية والسياسية.. الخ، وتنقسم العمليات إلى معارك. وادعاء الوصول إلى والمحافظة على السلم والأمن والاستقرار العالمي إنما هو ادعاء خادع؛ لإبقاء العالم على ما هو عليه من سيادة إمبريالية للغرب الظالم على العالم.

9- القيم والهوية ليست مسألة ثانوية أو ذات أولوية ثانية متأخرة في بناء الدولة، بل هي الأساس العقدي والمفاهيمي الذي أسس الرسول صلى الله عليه وسلم؛ عليه بناء المجتمع المسلم الجديد لتحقيق التغيير الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. أما بشأن تأخير معالجة ظاهرة الأصنام حول الكعبة والتحلل الخُلقي لدى قريش فتمت مواجهتهما باستراتيجية المجتمع الإسلامي البديل الجديد القوي الجارف، والتمكين القيمي والهوياتي بسيادة قانون وقوة الدولة الجديدة.

10- القيم والهوية ليست مسألة ثقافية ثانوية أو ذات أولوية متأخرة بعد ملف الاقتصاد والجيش والأمن، بل القيم والهوية تمثل 90 في المئة من الوعي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وحقيقة الأمر أن القوة السياسية الحقيقية لنظام الحكم والدولة في قوة الوعي الشعبي، وليست في قوة الحشود والأصوات الانتخاب.

11- الحكومات التقليدية غير الرسالية تبحث عما يطلبه الشعب وتسعى لتلبيته وإرضائه قدر الإمكان بهدف كسب أصواته الانتخابية والمحافظة على البقاء في السلطة، بينما تسعى الحكومات الرسالية إلى بناء وتقوية شعبها والارتقاء بإنسانياته وكرامته وهويته الإسلامية الأصلية، وتعزيز وعيه بذاته الإيمانية ورسالته في الحياة وبواقعه والعالم من حوله، ومشاركته واستعداده للتضحية والعمل لبناء دولته وأمته القوية الحرة المستقلة، وفي تعزيز وعي الشعب حل لكل التحديات التي يمكن أن تواجه أي حكومة في العالم. الحكم بالمطالب الجماهيرية خاطئ، وبالمطالب الجماهيرية غير الواعية كارثي، والصحيح هو الحكم بالرؤية الرسالية السياسية الواعية التي تقود الشعب مصالحه الاستراتيجية بوعيه وإرادته ومشاركته لحكومته وصبره على النتائج.

12- هوية تركيا بين أتاتورك وأردوغان:

- أتاتورك بدعم الغرب صبغ الهوية الإسلامية لتركيا بالهوية العلمانية في خمس سنوات، وانحرف بمسار الأمة التركية من الأممية العالمية إلى القُطرية المحلية..

- أردوغان والعدالة والتنمية في الحكم منذ 22 عاما ولم يتمكنوا من إحياء الروح العثمانية وحشد المشاركة والدعم الإسلامي العالمي، وانغلقوا على أنفسهم وتحملوا المسئولية وحدهم، ولم يتمكنوا حتى 2024 من إزالة الصبغة العلمانية عن تركيا وإعادة الشعب التركي إلى أصوله الإسلامية.

جميع الأزمات أسباب تعقيدها وحلها عند القيادة السياسية والمجتمع: تتعقد بغياب بوصلة ورؤية القيادة السياسية، وبغياب وعي المجتمع وارتيابه وتشككه وارتباكه وتقلب قناعاته وتوجهاته خياراته المقرونة بالمصلحة الآنية العاجلة، وتُحل برؤية القيادة السياسية ووعي وتعاون المجتمع، وأدوات كل ذلك مشروع الهوية الوطنية الإسلامية
13- جميع الأزمات أسباب تعقيدها وحلها عند القيادة السياسية والمجتمع: تتعقد بغياب بوصلة ورؤية القيادة السياسية، وبغياب وعي المجتمع وارتيابه وتشككه وارتباكه وتقلب قناعاته وتوجهاته خياراته المقرونة بالمصلحة الآنية العاجلة، وتُحل برؤية القيادة السياسية ووعي وتعاون المجتمع، وأدوات كل ذلك مشروع الهوية الوطنية الإسلامية (التضخم- صراع الأقليات القومية- صراع النفوذ القديم- اللاجئين- الإرهاب المصطنع المفتعل- دمج الشباب في القضايا العامة- اقتصار رؤية قرن تركيا على العدالة والتنمية فقط وربما ليس كل أعضاء الحزب.. الخ).

14- معيار نجاح الاحزاب في نظم الحكم الرسالية هو تعميق الهوية لدى أصحابها، ونشرها وتمكنها شعبيا وتمددها في أفكار وبرامج القوى السياسية والأحزاب المختلفة وتجسير الفجوة المفاهيمية مع المنافسين.

15- ملف الهوية الوطنية..

أهم تحديات وأزمات أزمة العدالة والتنمية 2002-2024م

1- عدم وضوح هوية الدولة التركية والاستناد إلى هويتين؛ الإسلامية الأصل تقوي والعلمانية المستحدثة الاستثناء، والتي تمثل هوية الخصوم والتي تفرق وتضعف، وإهمال وتهميش هذا الملف والتركيز على بناء القوة المادية للدولة اقتصاديا وعسكريا فقط (تم تناوله في المقال السابق).

2- غياب التمايز الإسلامي الأصلي عن العلماني المستحدث على مستوى القيادات والبنية الفكرية واستراتيجيات وبرامج الحزب.

3- ارتباك وتقاطع سلم القيم المجتمعية للمجتمع التركي.

4- الوقوع فريسة لخطط وشراكات النظام الدولي والافتتان بفلسفته ومنهاجه وقوته والعمل تحت سقفه:

- التفكير والعمل بنفس تفكيره والعمل بنفس أدواته وتحت مظلة قوانينه ومعاييره التي أسسها ويعيش بها ويفرضها على العالم.

- الخوف منه وغياب الجرأة عليه.

- القبول بالفكرة الخاطئة (الإسلاموفوبيا) والاستحياء من الإسلام، ومحاولة الدهن وعد اعلان وإبراز الذات بالبيان والقوة المطلوبة التي تُظهر وتعلي مميزات الذات الإسلامية.

5- عجز الثقات من العلماء والمفكرين المجددين في كل التخصصات الإنسانية والكونية الذين يضعون البنية الفكرية والعلمية لإعادة الإحياء وبناء القوة من جديد.

6- عدم الاستماع للرأي الآخر من خارج الحزب، والاستغراق في نشوة الانتصار في العمليات والمعارك الأولى.

عدم وضوح هوية الدولة التركية والاستناد إلى هويتين؛ الإسلامية الأصل تقوي والعلمانية المستحدثة الاستثناء، والتي تمثل هوية الخصوم والتي تفرق وتضعف، وإهمال وتهميش هذا الملف والتركيز على بناء القوة المادية للدولة اقتصاديا وعسكريا فقط
7- إهمال الاستثمار الفطري الطبيعي في الذات العثمانية العظيمة المؤسسة للدولة وسبب بناء وقوة الدولة والإمبراطورية العثمانية التي قادت الأمة الإسلامية ستة قرون متتالية، والتي تمتلك رصيدا من الحب والثقة والأمل والانتماء والولاء لكل مسلم في كل قارة ودولة ومدينة وشارع في العالم من كافة قوميات العالم.

8- الاشتباك التقليدي مع النظام الدولي فيما يتعلق بقضايا الإسلام والعمل الإسلامي بمنطق إطفاء الحرائق، لا إحياء ودعم تحرك الذات الإسلامية في شعوب العالم الإسلامي لتتحمل هي مسؤولياتها في الذود عن الإسلامية ومعالجة قضاياها مع أعدائها بنفسها.

9- اتخاذ مسار الإصلاح الناعم البطيء الذي يمنح الخصوم فرص المقاومة والهدم، بدلا من خيار الإصلاح التغييري الإحلالي القوي المحكم، المؤسس على تطهير هوية المجتمع مما اعتراها من دخن العلمانية، بمشروع قوى وواضح للهوية الوطنية التركية الإسلامية.

الحلول والمشاريع المقترحة

1- ترجمة رؤية قرن تركيا؛ من مجرد رؤية نظرية إلى رؤية عملية، بتصميم البنية الثقافية والهوياتية لها (فكر وتخطيط وتنفيذ)، من أدبيات فكرية ونظام فكرى متكامل الأهداف والمفاهيم والمعايير، ومشاريع وطنية، والقيادات والمؤسسات التنفيذية، ونظام المتابعة والتقويم وقياس الإنجاز في واقع تطور المواطن والدولة.

2- مشروع الهوية الوطنية للأمة التركية، شاملا منظمة الدول التركية لمجموعة الدول التركية كأساس ونظام فكرى موحد لازم لـ:

أ- تطوير الدستور التركي.

ب- منهج لبناء القوة البشرية اللازمة لتحقيق رؤية القرن التركي.

ج- الروح الملهمة والباعثة لجسد الأمة التركية.

د- مرجع لتوحيد وحشد الأمة التركية داخليا والشعوب الإسلامية مع تركيا خارجيا.

هـ- جسر ربط وتأصيل وتوثيق الأمة التركية بالتاريخ الحضاري الإسلامي للعالم أربعة عشر قرنا من الزمان، في مواجهة أمريكا ذات الـ300 عام.

و- إعلاء الأنا والذات الشخصية التركية الواضحة للشراكة والتحالف مع القوى العالمية.

ز- تأمين الأمة التركية من التحولات المستقبلية غير المتوقعة.

ح- امتلاك نظام إنذار مبكر ذاتي لمراقبة والتحذير من مشاكل ومخاطر تقلب الهوية (الاختراق- الدخن- التفكيك والذوبان- الزلزال الاجتماعي- الصراع الأهلي.. الخ).

3- تأسيس وزارة للهوية الوطنية التركية بقيادة وادارة ملف الهوية الوطنية بالتنسيق مع الوزارات السبع لبناء الإنسان والشعب التركي.

4- تصميم البنية الفكرية للعقيدة العسكرية والأمنية التركية الأممية لتصبح الأساس والمرجع والمعيار الدستوري الراسخ لتطوير العقيدة العسكرية والأمنية لتركيا، وخطة بنائها وتمكينها في هوية ووعي الشعب التركي بالتوازي مع وعي ومهنية الجيش والأمن التركي.

5- مشروع النظم المعيارية لكافة مجالات حياة الأمة التركية لتعزيز وترسيخ الهوية العميقة للأمة التركية واستقلال القوة والإرادة التركية، وصناعة البديل التركي الخاص عن النموذج العالمي الغربي الداعم للهيمنة الأمريكية على العالم:

- النظام المعياري للتعليم التركي.

- النظام المعياري للنظام النقدي والمالي والاقتصاد التركي.

- النظام المعياري للصناعات التركية.

- النظام المعياري للصحة التركية، للأمن التركي، للعسكرية التركية.. الخ؛ لكافة مجالات الحياة.

6- مشروع استقطاب والاستثمار في العقول الإسلامية العلمية الكبيرة في العلوم الإنسانية والكونية، وبناء وتنشيط البيئة المعرفية العلمية والابتكارية التركية كقاعدة لنهوض تركيا والأمة الإسلامية (استقطاب رأس المال العلمي الإسلامي المتناثر عالميا لخدمة المشروع الغربي):

أولا: الوافدة إلى تركيا خلال العقد الماضي بعد أحداث الربيع العربي الأول.

ثانيا: حصر العلماء المسلمين في العالم العاملين بالمركز العلمية العالمية.

ثالثا: العلماء المسلمون الناشئون المرتقبون.

7- مشروع كليات ومراكز إعداد القادة تركيا بديلا عن تدريب قادة العالم الإسلامي في كليات القادة الأمريكية والأوروبية.

8- مشروع النظام المعلومات والأمني الخاص بالدول والأجهزة الإسلامية فقط وفق المعايير التركية، وتضم إليه الأجهزة والدول الموثوق فيها تباعا.

9- مشروع تتريك التعليم الأساسي والجامعي التركي، وتحريره من قبضة النفوذ والتوجيه الغربي.

10- مشروع إحياء الروح العثمانية الإسلامية محليا وإقليميا وعالميا، وإعادة بناء البنية التحتية  لرؤية مشروع قرن تركيا والأمة التركية العالمية؛ مركز قيادة العالم الإسلامي والقطب القوي الثالث الفاعل في النظام العالمي الجديد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الهوية تركيا أردوغان العدالة والتنمية تركيا أردوغان العدالة والتنمية مشاريع الهوية مقالات سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القیادة السیاسیة الأمة الترکیة بناء القوة على العالم

إقرأ أيضاً:

“مصطلح التعايش” بوابة الاختراق: كيف تسلل المشروع الصهيوني إلى قلب العالم الإسلامي؟

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

في الوقت الذي كانت فيه الأمة الإسلامية تنادي بالتعايش والتسامح، وتفتح الأبواب للحوار والانفتاح، كان الكيان الصهيوني يعيد ترتيب أوراقه، ولكن هذه المرة ليس عبر الحروب العسكرية التقليدية، بل من خلال عمليات استخباراتية منظمة، تهدف إلى اختراق الدول من الداخل، وتفكيك المجتمعات، وتمزيق الولاء الديني والوطني، تمهيدًا للهيمنة الناعمة ، وقد شكّل مصطلح “التعايش” بوابة مهمة لهذا الاختراق، حين استُخدم كمظلة لزرع العملاء ونشر الأفكار المشوشة، وتحويل قضايا الأمة إلى نزاعات داخلية، في الوقت الذي تغلغل فيه الموساد وأذرعه إلى عمق كل دولة عربية وإسلامية، دون أن يُسمع له صوت ولا يُشم له رائحة، في بداية تحركاته ، 

بتناول هذا التقرير مفهوم “التعايش” كأداة اختراق استخباراتي ، وتحليل النموذج الإيراني كأحد أبرز نماذج الاختراق الصهيوني ، وكشف أدوات وأساليب التجنيد والتسلل داخل الدول العربية والإسلامية وتنبيه المجتمعات الإسلامية بأن معركتنا مع العدو الصهيوني لم تعد فقط عسكرية أو سياسية، بل أصبحت استخباراتية ناعمة وشاملة، تتطلب وعيًا فكريًا، وجهدًا مؤسسيًا أمنيًا، وسلوكًا جماهيريًا يقظًا ومنضبطًا

المشروع الصهيوني: اختراق من الداخل تحت لافتة “التعايش”

بدأت الاستخبارات الصهيونية، منذ عقود، في تبني استراتيجية الاختراق الفكري والثقافي، بجانب الاختراق الأمني التقليدي، فعملت على،  تجنيد شبكات عملاء محلية عبر الدعم المالي والإعلامي والمنظمات غير الحكومية، تم تجنيد أفراد من داخل المجتمعات الإسلامية، بعضهم بدافع المال، وبعضهم بدافع “التحرر والانفتاح”، مما ساعد في تشكيل جيل مقطوع الصلة بهويته العقائدية وكذلك من خلال زرع الأفكار الغربية المسمومة تحت شعار حقوق الإنسان وحرية الرأي، تم تمرير أجندات هدفها نزع الأمة من منطلقاتها الإيمانية والجهادية ، ومن خلال التغلغل داخل المؤسسات حيث كُشفت في السنوات الأخيرة خلايا صهيونية وصلت إلى مواقع حساسة في عدد من الدول الإسلامية، تتواصل بشكل مباشر مع أجهزة المخابرات الأجنبية، وعلى رأسها الموساد.

نموذج إيران اختراق ذكي ومعقد

يُعد اختراق إيران مثالًا صارخًا على قدرة الكيان الصهيوني على التسلل إلى أنظمة محصنة أمنيًا. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة:

اغتيالات غامضة لعلماء نوويين: مثل الشهيد محسن فخري زادة، والتي كشفت لاحقًا عن وجود خلايا تجسس على أعلى المستويات.

استخدام عملاء مزدوجين من الداخل الإيراني.

اختراق شبكات الكاميرات والمراقبة كما حدث في منشأة نطنز النووية ،

هذا يؤكد أن العدو لا يعتمد فقط على الاختراق العسكري، بل يُجند جيوشًا من الجواسيس والعملاء عبر الإعلام والثقافة، وحتى التكنولوجيا.

 كيف تحولت الأنظمة العربية إلى جنود لإسرائيل؟

لم تعد العلاقة بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني علاقة “سلام” بالمعنى السياسي المألوف، بل تطورت – وفق معطيات الواقع – إلى ما يمكن تسميته بـ”التحول إلى أدوات استخباراتية وأمنية” تخدم المشروع الصهيوني بشكل مباشر.

من التطبيع إلى التجنيد: مع توقيع اتفاقيات “أبراهام” بين عدد من الدول الخليجية والكيان الصهيوني (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان)، انتقلت العلاقات من التطبيع الاقتصادي إلى التعاون الاستخباراتي والعسكري ،

أمثلة بارزة: الإمارات تستضيف مركزًا إلكترونيًا للأمن السيبراني بالتعاون مع شركات إسرائيلية مثل NSO Group، المصنعة لبرمجية “بيغاسوس” التي تم استخدامها ضد معارضين عرب ومسلمين.

البحرين وقعت اتفاقيات أمنية مباشرة مع “الشاباك” و”الموساد” تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”، ما يفتح الباب لتبادل المعلومات عن شخصيات إسلامية معارضة في المنطقة.

المغرب نسق مع الموساد لتوفير قاعدة عمليات في إفريقيا ضد مصالح المقاومة، وفقًا لما كشفه تقرير موقع “Axios” الأمريكي (2022).

 الإعلام العربي في خدمة الصهيونية:

تحول بعض الإعلاميين العرب إلى أبواق للمشروع الصهيوني من خلال ترويج الرواية الصهيوينة عن “حق اليهود في الأرض” ، ومن خلال تشويه رموز المقاومة، وشيطنة المقاومة في غزة ولبنان واليمن ووصف التطبيع بالـ”واقعية السياسية” والتقارب مع إسرائيل بأنه “فرصة للسلام”.

مشاركة عسكرية غير مباشرة:

شاركت بعض الأنظمة العربية في تنسيق استخباراتي إقليمي مع العدو الصهيوني وأمريكا لاستهداف المقاومة في اليمن وسوريا والعراق ، وتم توفير المجال الجوي لطائرات العدو في بعض العمليات السرية في إيران .

التحول الأخطر: عندما يصبح أبناء الأمة عيونًا للعدو ، هذا التحول لا يعني فقط خيانة على مستوى الأنظمة، بل يعني تجنيد بعض النخب والمثقفين العرب لتبرير الكيان الصهيوني أمام الشعوب ، اختراق المجتمع من خلال الفن، والمناهج، والإعلام لتقبّل العدو الإسرائيلي كشريك طبيعي.

من تحرير فلسطين إلى التحالف مع الصهيونية… لماذا انقلب الموقف العربي؟

في واحدة من أكثر التحولات خطورة في التاريخ المعاصر، انتقل جزء كبير من الأنظمة العربية من رفع شعار “تحرير فلسطين” إلى التحالف مع العدو الصهيوني، بل ومعاداة الداعم الأول للمقاومة: الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

هذا التحول لم يكن عفويًا، بل خضع لعدة عوامل متداخلة منها سقوط المشروع القومي وغياب البديل بعد فشل تجربة القومية العربية في تحرير فلسطين وهزيمة 1967، تراجعت شعارات المقاومة لتحل محلها سياسات “السلام مع إسرائيل”، كما في: ( كامب ديفيد (1979) بين مصر وإسرائيل – أوسلو (1993) بين منظمة التحرير والاحتلال – اتفاقيات أبراهام (2020) التي شرّعت التطبيع ) ، هذه الانعطافة سمحت للكيان الصهيوني بتوسيع نفوذه داخل العواصم العربية نفسها.

صعود المقاومة الإسلامية واستقلالها عن الأنظمة

لمّا ظهرت قوى مثل حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، وأنصار الله في اليمن، وهي قوى لا تأتمر بأوامر الأنظمة الرسمية، بدأ النظر إليها كـ”خطر داخلي” بدلًا من كونها رأس حربة ضد العدو الصهيوني ، وهنا ظهرت إيران كالداعم العقائدي واللوجستي لهذه القوى، فبدأت حملة تشويه شاملة ضدها ، وكنقطة تحول كانت حرب تموز 2006 أول حرب يُتهم فيها حزب الله بـ”جرّ لبنان إلى حرب”، رغم أنه كان يتصدى للعدو الصهيوني.

 الإعلام العربي الممول من الخليج… والانقلاب في البوصلة

لعبت قنوات مثل العربية، سكاي نيوز، الشرق، MBC، وحتى بعض الصحف الخليجية دورًا خطيرًا في تصوير المقاومة كـ”أداة إيرانية” وشيطنة إيران واتهامها بالسعي للهيمنة على الدول العربية ، وتقديم إسرائيل كـ”شريك للسلام”، وإيران كـ”عدو مشترك”.

الخوف من النموذج الثوري الإيراني

ما تخشاه الأنظمة العربية أكثر من السلاح الإيراني هو النموذج الثوري المستقل القائم على السيادة الوطنية الكاملة ، وطرد الهيمنة الأمريكية ، ودعم المستضعفين والمقاومة ، هذا النموذج يرعب الأنظمة العميلة التي تستمد بقاءها من واشنطن وتل أبيب، لذلك أصبح من الطبيعي أن تتحالف هذه الأنظمة مع العدو الصهيوني ضد إيران.

الاستثمار الصهيوني في الانقسام المذهبي

من أبرز أدوات تحويل العداء هو التحريض المذهبي، حيث تم تصوير إيران بأنها “العدو الشيعي الصفوي”، في مقابل “العرب السنة”، وكأن الصراع عقائدي، وليس صراعًا ضد احتلال واستكبار.

يؤكد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي على أنه يوم أن تترك الأمة قضية فلسطين وتدخل في عداوات مذهبية، فقد نفذ اليهود إلى قلبها.”

وهو ما أكده السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن “العدو الحقيقي هو أمريكا وإسرائيل، وأي انشغال بعدو غيرهم هو ضياع للوجهة، وانحراف عن القرآن.”

من هم المؤهلون لمواجهة الصهيونية؟ رؤية قرآنية دقيقة

وسط الكم الهائل من الشعارات والتصريحات، يظل السؤال الأهم: من الذي يمتلك الأهلية الحقيقية لمواجهة الخطر الصهيوني؟ هل هم أصحاب القوة العسكرية فقط؟ أم الدول الغنية؟ أم من يرفعون شعارات التحرير؟ القرآن الكريم قدّم الإجابة بوضوح تام، حين ربط الفلاح الحقيقي في مواجهة الأعداء بصفات مخصوصة ، قال الله تعالى:

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ ) من سورة آل عمران- آية (104)

 الفلاح مشروط بالإيمان الكامل واليقين

القرآن حدّد صفات الفئة التي تستحق وصف “المفلحون”، أي الناجحون في المعركة المصيرية ضد الباطل، وهم: ( الذين يؤمنون بالقرآن كمنهج عملي، والذين يؤمنون بجميع الرسالات الإلهية، ومنهج الأنبياء في مواجهة الطغاة والذين يوقنون بالآخرة، فلا يُشترون بثمن قليل، ولا يُخيفهم الموت أو الترغيب) ، هذه الصفات هي التي تؤهل الفرد أو الأمة لخوض المعركة ضد الكيان الصهيوني، لأنها معركة عقائدية بالدرجة الأولى، كما أشار الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه .

لماذا لا يفلح غيرهم؟

القرآن الكريم لم يقل: “وأولئك من الفالحين”، بل قال: “أولئك هم المفلحون”، أي الحصر والتخصيص، وبهذا يُفهم:

أن من لا يحمل هذه الصفات، فمهما كانت قوته أو خطابه، لن يُفلح في مواجهة العدو.

أن مواجهة الصهيونية ليست مجرد موقف سياسي، بل تتطلب عقيدة قرآنية، ويقينًا بالآخرة، وفهمًا للعدو كما وصفه الله.

نماذج من الواقع

أنصار الله : استمدوا مشروعهم من القرآن، وواجهوا العدوان والتحالف الصهيوني الأمريكي من منطلق يقيني، فكانوا من أكثر القوى فعالية في ضرب أدوات المشروع الصهيوني في المنطقة.

حزب الله: واجهوا إسرائيل عام 2000 و2006 وهم يحملون إيمانًا وعقيدة واضحة بالمنهج القرآني والجهاد.

في المقابل، سقطت أنظمة وحركات رفعت شعار فلسطين، لكنها خذلتها عند أول مواجهة، لأنها كانت تفتقر للقاعدة الإيمانية القرآنية.

خطورة التفرق والاختلاف… وكيف يستفيد العدو الصهيوني من تمزق الأمة؟

إن أخطر ما تواجهه الأمة الإسلامية اليوم ليس فقط الترسانة العسكرية الصهيونية، بل التمزق الداخلي والفرقة والاختلاف بين مكوناتها الفكرية والمذهبية والسياسية، وهي أرضية ذهبية يستثمرها العدو الصهيوني بأقصى ما يمكن.

وقد حذر القرآن الكريم من هذا الانقسام، لأنه سبب رئيسي في الهزيمة والخذلان: “وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” (الأنفال: 46)

فالعدو الصهيوني لا يحتاج دائمًا إلى قنابل أو طائرات، بل يكفيه أن يرى الأمة تتنازع، ليحقق أهدافه دون إطلاق رصاصة ،ومن أبرز أوجه استغلال العدو للفرقة:

نوع الاختلاف كيف يستفيد العدو؟

المذهبي (سني / شيعي) يُحرّض فئة ضد الأخرى ويمنع الوحدة في وجه العدو المشترك
السياسي (محور المقاومة / محور التطبيع) يستخدم المطبعين لتخوين المقاومين، والعكس
الجغرافي (قطري / قومي) يعمق الشعور بالانعزال ورفض المصير المشترك

دروس من الواقع: حين ضربنا التفرق في القلب

في 2006، هاجمت إسرائيل حزب الله، وبدلًا من أن تتوحد الأمة، خرجت أصوات عربية تتهم المقاومة بأنها “مغامرة” غير محسوبة.

في 2023، خلال العدوان على غزة، امتنع كثير من الإعلام العربي الرسمي حتى عن استخدام كلمة “العدو”، مفضلًا مصطلحات غامضة مثل “الطرف الآخر” ، كل هذا نتيجة مباشرة لفرقة الأمة، وانشغالها بالعداوات الجانبية.

الوحدة واجب شرعي وعقائدي

الوحدة بين المسلمين ليست خيارًا سياسيًا، بل فرض إلهي وأمر قرآني صريح:  “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء: 92) ، “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103)

كيف نواجه هذا التحدي؟

يقدم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، والسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، رؤية متكاملة لمواجهة هذه الحرب الاستخباراتية والفكرية، تقوم على عدة أسس:

الوعي أولاً: كما أكد الشهيد القائد: “العدو يعمل على تغييب وعي الأمة حتى يسهل اختراقها من الداخل”. لذا، فإن أول خطوة للمواجهة هي تعزيز وعي الشعوب تجاه خطورة الحرب الناعمة والاختراق الفكري.

تحصين الهوية الإيمانية: أكد السيد القائد عبد الملك الحوثي مرارًا أن العدو يستهدف العقيدة والهوية أولًا، ولذا فإن التحصين الفكري والديني، من خلال التربية القرآنية والمسار التربوي الجهادي، يمثل الحصن المنيع أمام هذه الاختراقات.

كشف العملاء والمرتبطين بالمشروع الصهيوني: من المهم كشف المتعاونين مع الكيان الصهيوني أو الدائرين في فلك التطبيع والمخابرات الأجنبية، وعدم التهاون معهم تحت أي مسمى.

الخاتمة:

الحرب اليوم ليست فقط على الجبهات، بل هي في الإعلام، في التعليم، في الفكر، وفي أجهزة الأمن. وإن مواجهة هذا المشروع الصهيوني الخبيث، لا تكون إلا بتبني مشروع مضاد، مستمد من القرآن، ومن رؤى القادة الأحرار الذين كشفوا حقيقة العدو، وفي مقدمتهم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، والسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.

العدو لا يرحم، ولا ينتظر، وإن التأخر في المواجهة الفكرية والأمنية، يعني مزيدًا من الاختراق، ومزيدًا من السقوط في مستنقع العمالة والضياع.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل رسالة الرئيس المشاط لقادة الدول العربية والإسلامية
  • غزة توجه رسالة عاجلة لـ علماء الأمة الإسلامية: “غزة تستصرخكم” و ”صمتكم يطيل أمد المجازر”
  • معهد هنري جاكسون البريطاني يستضيف حوارًا مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
  • “مصطلح التعايش” بوابة الاختراق: كيف تسلل المشروع الصهيوني إلى قلب العالم الإسلامي؟
  • شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمتين الإسلامية والعربية بالعام الهجري الجديد
  • هل يحمل رسالة سرية؟ ظرف أردوغان يثير الجدل في كواليس قمة الناتو
  • الرئيس الإيراني: انتصرنا في الحرب والعدو تكبد خسائر فادحة
  • سلطنة عُمان تشارك في المنتدى السادس لرؤساء الجامعات في العالم الإسلامي بالرباط
  • رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران
  • الإعلان عن مشروع ضخم سيغير ملامح المدن التركية.. إليك التفاصيل!