‏راشد بن حميد الراشدي

المراكزُ الثقافيَّة الأهلية، وما تقوم به من دور ملموس في المشهد الثقافي والحياة الاجتماعية، أسهمت -وبشكل ملموس- في الكثير من الجوانب التي ينشدها أبناء المجتمع في الاطلاع والمعرفة والبحث وقضاء أوقات مفيدة ودقائق سعيدة بين المكتبات العامرة التي تحويها، ووسائل التواصل والبحث الحديثة، مع توافر البيئة المناسبة لطلاب العلم والثقافة.

نتاجات فكرية حققتها المراكز الثقافية من خلال الندوات والفعاليات المُنفَّذة في تلك المراكز، أسهمت كذلك في المكتبة العمانية الزاخرة بأمَّات الكتب والمراجع التي تتميَّز بها، مع وجود القاعات متعددة الأغراض التي تُقام فيها مختلف الفعاليات والبرامج والأنشطة الهادفة.

أدوارٌ كبيرة تقوم بها المراكز الثقافية في مختلف محافظات وولايات السلطنة، تحتاج إلى دعم مادي سخي سنويًّا لتعزيز مكانتها، وسير أنشطتها وفعالياتها وإدارة مواردها البشرية، من إداريين فيها لتنظيم العمل، وكذلك صيانتها ودفع جميع مستحقات المصروفات المالية لديمومتها وعدم توقف مناشطها وفعالياتها على مدى العام.

مبالغ طائلة تتطلَّبها إدارة هذه المراكز، خاصة الكبيرة منها، كمركز سناو الثقافي الأهلي، وهو باكورة المراكز الثقافية الأهلية في سلطنة عُمان، إضافة إلى العديد من المراكز الثقافية الأهلية المنتشرة في بعض ولايات ومحافظات السلطنة، والتي تقوم بأدوار ملموسة في المشهد الثقافي.

اليوم.. نُؤمن بأنَّ دعم المراكز الثقافية الأهلية بات مطلبًا مهمًّا يجب القيام به؛ حيث ندعُو الجهات المختصة والداعمين للمشاريع الخيرية، إلى دعم هذه المراكز الثقافية وتوفير المال اللازم لديمومتها وتطورها ونمائها لتؤدِّي أدوارها باقتدار وتفانٍ.

إنَّ المراكز الثقافية الأهلية، وما تقوم به من أدوار، هي مفخرة للسلطنة ومحافظتها؛ حيث بنيت معظم هذه المراكز بجهود أهلية صادقة، يُؤمل من خلالها الأخذ بيد الشباب نحو المستقبل المشرق، والاطلاع الدائم والوعي الثقافي والاجتماعي الذي ينشده أبناء عُمان الأوفياء.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها، وأدام عليهم الخير كله، وجعل المراكز الثقافية الأهلية منارات علم ونور تُشدُّ الرحال إليها فتُرشِد المجتمع لصلاحه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المراكز الصيفية بين رغبة الأهل وموافقة الأبناء .. مقاربة تربوية

ما الذي يدفع بعض الأبناء لرفض المراكز الصيفية، حتى عندما يحرص الأهل على اختيار برامج نافعة ومناسبة لهم؟ وهل من الخطأ أن يُفرض عليهم ذلك (من باب المصلحة)؟ هل تقاس التجربة التربوية بنجاح التنفيذ أم بمدى القناعة والمشاركة الفعلية؟

هذه الأسئلة تطرح كل صيف داخل كثير من البيوت، حين تتقاطع رغبة الأهل في الاستفادة من الإجازة، مع فتور أو رفض من الأبناء.

في هذا المقال، نفتح الملف التربوي الذي يعاد طرحه سنويًا:

هل مشاركة الأبناء في المراكز الصيفية تحتاج إلى موافقتهم أم أن القرار يتخذ لمصلحتهم حتى إن لم يقتنعوا به؟ وما الطريقة المثلى لجعل التجربة التربوية فعالة لا شكلية؟

مع نهاية العام الدراسي، يبدأ أولياء الأمور بالبحث عن مراكز صيفية تحتضن أبناءهم خلال الإجازة الطويلة، في محاولة لاستثمار أوقاتهم بما هو نافع ومفيد. لكن خلف هذا الحرص يكمن قلق حقيقي من أن تمضي الإجازة سدى: ساعات طويلة أمام الشاشات، نوم مضطرب، انشغال مفرط بتطبيقات ترفيهية، وتراجع في المسؤولية والانضباط. وهذا القلق مشروع ومفهوم، بل يعكس وعيًا بأهمية استثمار الوقت.

لكن المشكلة لا تكمن في الحرص، بل في طريقة ترجمته إلى قرار؛ فحين يُدار هذا الخوف بالإجبار بدل الحوار، يتحول من دافع تربوي إلى ضغط يولد رفضًا أو جمودًا من الطرف الآخر.

ومع إدراك ولي الأمر لأهمية البرامج الصيفية وما تحققه من تهذيب وصقل وتوجيه، إلا أن الواقع قد يفاجئه أحيانًا برفض من قبل أحد الأبناء، وفتور في الحماس، أو مقاومة صريحة، مما يضع الأسرة في موقف حرج بين القناعة بأهمية التجربة، وغياب استعداد الابن للانخراط فيها.

وهنا يُطرح السؤال التربوي الجوهري:

هل موافقة الابن أمر ضروري فعلا؟

تجمع الدراسات الحديثة في علم النفس التربوي على أن الدافعية الذاتية هي المحرك الأهم للتعلم الفعال والتطور السلوكي. بمعنى آخر، لا يكفي أن يكون البرنامج جيدًا أو أن تكون النية صادقة، بل يجب أن يكون الابن مقتنعًا ومندمجًا ليحقق الأثر المرجو.

عندما يُلحق الابن بمركز صيفي دون اقتناع، غالبًا ما يظهر أحد نمطين سلوكيين:

إما الحضور الجسدي مع غياب ذهني ووجداني، أو اتخاذ موقف الرفض والمقاومة، من خلال التذمر المستمر أو افتعال المشكلات. وفي كلا الحالين، تفرغ التجربة من مضمونها التربوي. ومن هنا نحتاج أن ندرك أن رفض الابن لا يعني بالضرورة تمردًا. فقد يكون بسبب تجربة سابقة سلبية، أو شعور بالملل من البرامج التقليدية، أو خوف من البيئة الجديدة، أو ببساطة: غياب التوضيح، أو اختلاف في الميول. وفي هذا السياق، لا بد من التذكير أننا في زمن تنوعت فيه البدائل بشكل غير مسبوق، فالمراكز الصيفية لم تعد نمطًا واحدًا. هناك مراكز لتحفيظ القرآن الكريم وتدبره، إلى جانب مراكز للفنون، وللتقنية، وورش لتنمية المهارات القيادية، بالإضافة إلى دورات رقمية مرنة تناسب ميول الأبناء المختلفة، وهذا يعني أن فرض خيار وحيد لم يعد مبررًا، بل قد يكون نتيجة تقصير في البحث أو ضعف في الحوار. لكن من المهم أيضًا الإشارة إلى أن هذا التنوع لا يعني أن جميع البدائل مكلفة أو نخبوية، فحتى التجارب البسيطة إن صُممت بحب وتوجيه فإنها قادرة على إحداث فرق في شخصية الابن.

ولا يُغفل أن تقبل الأبناء للمراكز الصيفية يبدأ من البيت، فكلما غُرست فيهم قيمة الوقت، والفضول المعرفي، واحترام الخبرات، كانوا أكثر استعدادًا لتجارب تربوية جديدة. فالرفض أحيانًا لا يعود للبرنامج بحد ذاته، بل لسياق التكوين المعرفي والمزاجي الذي سبق التجربة.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه المشاركة لا تعني التنازل عن دور ولي الأمر، بل تعني ممارسته بأسلوب ناضج. فالتربية الرشيدة تجمع بين الحزم واللين، وتربي على المسؤولية من خلال الاحترام. وموافقة الابن لا تعني أننا نخضع لرغباته دائمًا، بل إننا نشعره بأنه شريك، وأن رأيه معتبر ضمن نطاق الرعاية والتوجيه. وإشراك الابن في القرار لا يعني أننا نساويه بولي أمره في السلطة التربوية، بل نعلّمه كيف يبدي رأيه ضمن إطار المسؤولية، ونشعره أن الحوار لا يُلغي التوجيه، بل يعمقه.

ويجب أيضًا أن نفرق في التعامل حسب العمر، فالابن في المرحلة الابتدائية يحتاج إلى توجيه واضح وإطار محدد، بينما في مرحلة المراهقة يحتاج إلى مساحة من الاستقلال التدريجي، تناسب متطلبات مرحلته العمرية وتطلعه للنضج وبناء الذات، لذا فإن إدارة المرحلة العمرية بوعي تجنب الكثير من التصادم التربوي. فإذا رفض الابن الالتحاق بالمركز، فإن الحل لا يكون بالضغط المباشر، بل بالإنصات أولًا، وتقديم بدائل، ومراعاة اهتماماته، وربما اقتراح تجربة قصيرة (للاختبار) لا للإلزام.

كذلك من المهم استبدال التهديد بالتحفيز، واستخدام لغة تظهر الثقة لا الخوف. وفي حال استنفدت الوسائل، يبقى من حق ولي الأمر أن يوجه القرار، ولكن بروح راقية تحترم كرامة الابن، وتُشعره بأن القرار لرعايته لا لكسر إرادته.

وقد يقول البعض: «دع الابن يذهب ولو مكرهًا.. فربما يندمج مع الأيام ويتأقلم»، وهذا احتمال وارد فعلا، لكنه ليس قاعدة تربوية يمكن التعويل عليها. فبعض الأبناء ينسجمون لاحقًا، لكن البعض الآخر ينغلق أكثر، أو يخرج بانطباع سلبي يزيد نفوره من أي تجربة مستقبلية مشابهة.

لذا فإن فرض المشاركة دون تمهيد أو إشراك في القرار، قد ينجح أحيانًا، لكنه ليس بالضرورة نجاحًا تربويًا ناضجًا.

التربية الرشيدة تحسن قراءة شخصية الابن، وتختار له ما يناسبه، لا ما يناسب افتراضاتنا العامة.

فالمراكز الصيفية لا تصنع التحول حين تكون مفروضة، بل حين تُدار بحوار، وتُخاض بقناعة.

عندها فقط، يكون الصيف وقتًا للنضج لا للاستهلاك.

د. صابرة بنت سيف الحراصية أكاديمية تربوية عمانية

مقالات مشابهة

  • إيران وبشكل مفاجئ تقوم.بإغلاق المجال الجوي في غرب البلاد ووسطها أمام الرحلات الدولية
  • القوات المسلحة تقوم بإجلاء دفعة جديدة من أطفال غزة المرضى
  • الأجندة الثقافية في سوريا ليوم الأربعاء 2 تموز 2025
  • مليون شاب دون تكوين أو تمدرس أو شغل... السكوري: أعداد "NEET" تشهد تراكما مقلقا
  • سعيد الزهراني يثير الجدل بالكشف عن أغرب شئ تقوم به زوجته في المنزل.. فيديو
  • بكر لطيف.. من بائع كتب على الرصيف إلى حارس ذاكرة كركوك الثقافية (صور)
  • المراكز الصيفية بين رغبة الأهل وموافقة الأبناء .. مقاربة تربوية
  • رئيس مجلس إدارة شركة المها الدولية محمد العنزي: على بعد كيلو مترات من هذا القصر ولدت أول أبجدية عرفتها البشرية وعلى هذه الأرض خط الإنسان أولى الحروف التي تحولت لاحقاً إلى حضارات وتراث إنساني لا يزال نوره يهدي العقول والأمم ومن هنا من دمشق نطلق مشروعنا الث
  • احتدام المنافسة على المراكز المؤهلة لكأس السوبر العراقي والطلبة يحسم بطاقة العبور
  • عبد المسيح: أدعم العمل الإنساني والاجتماعي الذي تقوم به كاريتاس