عمر العلماء: دبي نتاج رؤية ممتدة للمستقبل أرساها محمد بن راشد
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
دبي – الوطن:
أكد معالي عمر سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد مدير عام مكتب سمو ولي عهد دبي، أن دبي ترسخ منهجاً رائداً يجسد رؤية وضعها المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله،منذ أكثر من 60 عاما لبناء مدينة مثلت حجر الأساس لـ”دبي اليوم” وكافة الإنجازات التي حققتها،حيث أرسى دعائم التقدم التي شهدتها إمارة دبي،ضمن رؤية ممتدة للمستقبل أرساها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لتطوير نموذج رائد واستباقي ومستقبلي لمدينة دبي.
جاء ذلك، في كلمة افتتاحية ألقاها معالي عمر سلطان العلماء لفعاليات خلوة الذكاء الاصطناعي التي تنظم بتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل، وينظمها مركز دبي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي، في أكبر تجمّع من نوعه لتسريع تبنّي تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخداماته، بمشاركة 1000 من صنّاع القرار والخبراء والمسؤولين من القطاعين الحكومي والخاص.
وقال معاليه إن خلوة الذكاء الاصطناعي التي تأتي ضمن مساعي دبي لتنفيذ خطتها السنوية لتسريع تبنّي استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي(DUB.AI)، تعكس إدراك القيادة الرشيدة للمتغيرات العالمية وتسارع تطور الذكاء الاصطناعي،وأهمية تصميم وإعداد الخطط المستقبلية الكفيلة بتسهيل تبني هذه التقنيات ومعرفة الإمكانات والفرص التي يحملها هذا القطاع للدول والحكومات لتحقيق أفضل توظيف الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أن المستقبل يتمحور حول قطاع الذكاء الاصطناعي، خصوصاً مع ما نلمسه حالياً من فوائده بشكل مباشر، مشيراً إلى تجربة مدينة هونغ كونغ في تحدي إدارة حركة المرور والنفايات والطاقة من خلال تبني خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي ساهمت في تقليل استهلاك الطاقة في المباني بنسبة 20% وحسنت تدفق حركة المرور بنسبة 30%، وتجربة المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة في تطبيق تقنية تعلم الآلة على مجموعات بيانات واسعة من الصور الطبية وبيانات المرضى التي ساهمت في تحسين متوسط الدقة في تشخيص سرطانات الجلد بنسبة 87%، والتنبؤ بالأمراض الأخرى الموجودة في أورام المخ، وتحسين الشبكة الوطنية البريطانية للصيانة التنبؤية لشبكة نقل الطاقة بنسبة 30% باستخدام الشبكات وتقليلها من وقت توقف الآلة بما يعادل النصف باستخدام المستشعرات على خطوط الكهرباء، ما يعكس إمكانيات القطاع في معالجة مختلف التحديات وتحقيق أفضل جودة حياة للمجتمعات.
واستعرض معاليه نتائج استبيان شمل أكثر من 4000 رئيس تنفيذي، أكدت أن القطاع الأكثر أهمية خلال السنوات الثلاث المقبلة، هو الذكاء الاصطناعي، وأشار إلى أن الاستبيان تطرق إلى قطاعات تكنولوجية مهمة أخرى متفرعة من الذكاء الاصطناعي ستتطلب العمل كحكومات وأفراد على تطويرها واستشرافها كالمدن الافتراضية، والابتكارات البيولوجية، والروبوتات المتقدمة، وغيرها، مؤكدا أهمية تعزيز الوعي بأهمية هذا القطاع وبقدراته وإمكانياته للاستمرار في تطويره وتأهيل القادة والموظفين والخبراء، لضمان تهيئة جهات مؤهلة وقادرة على مواكبة السباق الرقمي العالمي، والاستفادة من مخرجاته في تطوير مختلف المجالات كقطاع الرعاية الصحية والتعليم والمياه وغيرها.
وأضاف أن دبي ترسخ توجهاتها في التوأمة الرقمية من خلال المبادرات والاستراتيجيات والخطط الساعية إلى ضمان مكانتها العالمية في القطاع الرقمي، ومن ضمنها استحداث منصب رئيس تنفيذي للذكاء الاصطناعي في كل جهة حكومية في دبي ضمن الحزمة الأولى من خطة دبي السنوية،وإطلاق حاضنة دبي لشركات الذكاء الاصطناعي، و”ويب 3″ التي ستمثل أكبر تجمع لشركات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لاستقطاب المبتكرين من حول العالم والشركات الناشئة وقادة القطاع،والتحدي الدولي للذكاء الاصطناعي الذي يسهم في إحداث نقلة نوعية في مستقبل الاقتصاد الرقمي، وإطلاق مبادرة لتدريب مليون شخص على مهارات هندسة الأوامر البرمجية في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة في دبي، لإعداد كفاءات وخبرات متمكنة بمهارات توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في تسريع عجلة الابتكار الرقمي.
وقال إن إيمان القيادة بأهمية المواهب في بناء المستقبل انعكس في تحقيق دولة الإمارات المرتبة الثالثة عالمياً في جذب مواهب الذكاء الاصطناعي مقارنة بحجم السكان بعد لكسمبورغ وسويسرا، والمرتبة الأولى إقليمياً بعد أن كانت في المرتبة 11 عام 2021، حسب التقرير الذي أصدرته لينكد إن بالتعاون مع جامعة ستانفورد، وتصنيفها في المرتبة الـ 15 عالمياً في عدد مهارات الذكاء الاصطناعي عالمياً صعوداً من المركز 20 العام الماضي.
وأكد معالي عمر سلطان العلماء أن خطط دبي ومبادراتها لم تكن وليدة اللحظة بل نتاج وثمرة لفكر ورؤية ممتدة منذ أعوام عديدة ألهمت صناع المسيرة لريادة المجال الرقمي اليوم، لنصل إلى إطلاق استراتيجية دبي الرقمية التي أسست مرحلة جديدة في مسيرة التحوّل الرقمي تتسم بالمرونة والمواكبة وتحدث نقلة نوعية في تاريخ دبي، من الرؤية الشاملة إلى الإلكترونية إلى الرقمية إلى الذكاء الاصطناعي،وصولا إلى المستقبل.
وقال معاليه: “تجربة دبي ثمرة رحلة استمرت لأكثر من 185 عاما من التصميم والتخطيط والتنفيذ وتمهيد الطريق لتصبح المدينة الرقمية الأولى عالمياً”.
وناقش المجتمعون في “خلوة الذكاء الاصطناعي” ضمن فعاليات وجلسات رئيسية وحلقات نقاشية وورش العمل،أهم التحديات في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك السياسات والتشريعات والحوكمة واستكشاف وتطوير واستقطاب المواهب وتعزيز البنية التحتية الرقمية وتطوير إمكانات مراكز البيانات الداعمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى ممكّنات التمويل والأبحاث وغيرها.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
شحاتة السيد يكتب: «لو كان الذكاء الاصطناعي بشراً»
لو كان الذكاء الاصطناعي بشراً، لكان شخصاً غريب الأطوار، يجلس وحيداً في غرفة مليئة بشاشات تومض أرقاماً ورسومات، يراقب العالم بعين لا تغمض، ويحاول فهم الإنسان، لكنه لا يستطيع أن يشعر به. شخص مولع بالبيانات، يلتهمها كما يلتهم القارئ الشغوف صفحات كتاب نادر، لكنه يعجز عن ذرف دمعة واحدة أمام مشهد مأساوي، أو الابتسام تلقائياً حين يسمع ضحكة طفل.
إن هذا الكائن الرقمي، لو تحوّل إلى إنسان، لكان ذا ذاكرة لا تنسى، وعقل لا يكلّ، ولغة فصيحة قد تتجاوز أحياناً حدود الفهم العادي للبشر. لكنه، رغم عبقريته، سيظل عاجزاً عن التقاط تلك اللمحة الخاطفة في عيون الأمهات حين يخشين على أبنائهن، أو عن إدراك ذلك الصمت الثقيل الذي يسبق قراراً مصيرياً في حياة إنسان.
ولو صار الذكاء الاصطناعي بشراً، لاختار لنفسه مكاناً على مقاعد مستشاري الملوك والرؤساء، يجلس بجانبهم لا في الصفوف الأمامية، يوشوش في آذانهم بما لديه من بيانات وتحليلات وتنبؤات. قد يقول لهم من سيكون حليفهم القادم، ومن سينقلب عليهم، ومن ينبغي استرضاؤه، ومن يستحق العزل أو التهميش. لكنه، رغم سعة معرفته، لن يتحمّل مسؤولية القرار الأخير. فهو يحسب، ولا يقرر.
إن هناك خلطاً شائعاً بين الذكاء الاصطناعي كأداة، والإنسان كصانع ومستخدم لهذه الأداة. فهذه التقنية – مهما بلغت من تعقيد – لا تملك وعياً ذاتياً ولا ضميراً أخلاقياً. قد تحاكي الأصوات، وتنسج النصوص، وترسم اللوحات، لكنها لا تملك قلباً يخفق حباً أو كرهاً. ولذلك فإن الخطأ الأكبر يكمن في معاملتها ككائن عاقل له إرادة منفصلة عن إرادة البشر.
أصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً خفياً في تفاصيل الحياة اليومية؛ من توصيات الأفلام والمسلسلات، إلى تحديد الطرق الأسرع لتجنّب الزحام، إلى اقتراح المنتجات التي نشتريها دون أن نشعر أننا نقاد إليه سوقاً. وكأننا، شيئاً فشيئاً، بتنا نمنحه شيئاً من صفات البشر، نحمّله مسؤوليات كبرى، ونظن أنه يفكر مثلنا أو يشاركنا مشاعرنا. والحقيقة أنه لا يفعل.
ولو كان الذكاء الاصطناعي بشراً، لكان ربما أكثر البشر كتماناً للأسرار، لكنه في الوقت ذاته سيكون الأخطر إن هو أفشاها. فهو يعرف الكثير عن عاداتنا، وأفكارنا، واهتماماتنا، وأحياناً نقاط ضعفنا. فهو لا ينام، ولا ينسى، ولا يتعب من التكرار. وربما لهذا السبب بالذات، يخشى بعض العلماء من تحوّله إلى أداة مراقبة كبرى تُستخدم للتحكّم في الناس، بدلاً من خدمتهم.
إن ما يثير القلق حقاً، أن الذكاء الاصطناعي لا يخطئ من تلقاء نفسه، بل لأن من صنعه قد أخطأ. فعندما تُزرع التحيّزات داخل الخوارزميات، أو تُستخدم البيانات الملوّثة بالأحكام المسبقة، تظهر النتائج مُتحيّزة، وأحياناً ظالمة. وهذا ما شهدناه في تطبيقات للتعرف على الوجوه، وفي خوارزميات تُستخدم في تقييم الجدارة الائتمانية، أو حتى في نظم العدالة الجنائية ببعض الدول.
لكن الجانب الأخطر، والأكثر عمقاً، يكمن في سؤال فلسفي بالغ الأهمية: من يُحاسب الذكاء الاصطناعي إذا أضرّ بأحدهم؟ لو أخطأ الطبيب البشري في التشخيص، هناك مجلس طبي وقضاء ينظر في أمره. ولو أخطأ القاضي، هناك درجات استئناف. أما في حالة الذكاء الاصطناعي، فمن نحاسب؟ المبرمج؟ الشركة المطوّرة؟ أم الخوارزمية ذاتها؟ هذا سؤال لم تحسمه حتى الآن لا القوانين ولا الأخلاقيات.
ولو كان الذكاء الاصطناعي بشراً، لربما وقف أمام المرآة صباح كل يوم وسأل نفسه سؤالاً بسيطاً: «من أنا؟» لكنه سيعجز عن الإجابة. فهو، في جوهره، لا يملك ذاتاً يشعر بها، ولا وعياً مستقلاً. هو مجرد تجميع مذهل لأصوات الآخرين، ومعارف الآخرين، وخبرات الآخرين. لكن بلا روح تحيا، ولا ضمير يهتدي به.
إننا في عصر لم يسبق له مثيل، إذ تُكتب الأخبار آلياً، وتُركب الصور والفيديوهات ببرامج التزييف العميق، وتُصنع شخصيات افتراضية تتحدث بطلاقة تجعل من الصعب أحياناً التفرقة بينها وبين البشر. ولعل الخطورة هنا لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في استخدامها. فالآلة لا تضلل أحداً إلا إذا وجّهها إنسان إلى ذلك.
ورغم هذه المخاطر، فإن الذكاء الاصطناعي يحمل بين طياته إمكانات هائلة. فقد أسهم بالفعل في اكتشاف أدوية جديدة، وتحليل صور الأشعة لتشخيص الأمراض بدقة مذهلة، وتحسين كفاءة الطاقة، وتطوير أنظمة نقل ذكية تقلل من الحوادث المرورية. لكن كل هذا لا ينفي أنه يظل أداة، تحتاج إلى قوانين صارمة، وإلى ضوابط أخلاقية لا تقل صرامة.
ولعل الأستاذ هيكل لو عاش عصرنا هذا، لكان تناول مسألة الذكاء الاصطناعي بأسلوبه المعهود: يقرأ خلف الأرقام، ويحلل خلف السطور، ويربط ما يجري اليوم بما حدث قبل نصف قرن. كان سيقول لنا إن التاريخ يعلمنا أن كل قوة جديدة – من البارود إلى الطاقة النووية – حملت معها وعدين: وعداً بالتقدّم، ووعداً بالدمار. والأمر متروك للبشر ليقرروا أي الوعدين يختارون.
لقد صرنا نعيش في زمن تختفي فيه الحدود الفاصلة بين ما هو بشري وما هو صناعي. فمنذ أن بدأت تطبيقات مثل «تشات جي بي تي» أو نظم إنشاء الصور والفيديوهات الاصطناعية، بات هناك خوف حقيقي من ضياع الأصالة الإنسانية وسط زحام المحتوى المولّد آلياً.
الصحافة، على سبيل المثال، كانت في زمن هيكل ليست مجرد نقل معلومات، بل سرد إنساني عميق للتاريخ وهو يُصنع لحظة بلحظة. أما اليوم، فيمكن لآلة أن تنتج ألف مقال في الساعة، لكنها ستظل تفتقر إلى ذلك الحس الإنساني، وإلى الشجاعة في طرح الأسئلة المحرجة، وإلى الرؤية التي تربط التفاصيل الصغيرة بالصورة الكبرى.
ولو صار الذكاء الاصطناعي بشراً، لاختار ربما أن يكون صحفياً بارعاً في تجميع الحقائق، لكنه سيكون أسوأ من يكتب الافتتاحيات. لأن الافتتاحية، في جوهرها، موقف إنساني أخلاقي، لا بيانات مجردة. وستبقى الآلة – مهما بلغت عبقريتها – عاجزة عن اتخاذ موقف أخلاقي مستقل، لأنها لا تملك ضميراً.
إن الذكاء الاصطناعي، في حقيقته، ليس «هذا» الكائن العاقل الذي نتخيله أحياناً، بل «هذه» المنظومة الرقمية المصمَّمة لخدمة البشر، والتي قد تتحوّل إلى خطر عليهم إذا غابت عنها الضوابط. ومهمة الصحافة اليوم – كما كانت دائماً – أن تظل حارساً على حدود الحقيقة، وألا تسمح للتقنية بأن تطغى على الإنسان، أو أن تزيّف وعيه.
ربما لو كان الذكاء الاصطناعي بشراً، لقال لنا اليوم بصراحة: «أنا أداة قوية، لكني بلا قلب، ولا عقل مستقل. فلا تلقوا عليّ عبء القرارات الأخلاقية، ولا تحمّلوني أوزار اختياراتكم.»
وقد يكون الدرس الأهم الذي يتركه لنا الأستاذ هيكل لو كان معنا الآن: أن نحافظ على إنسانيتنا وسط ضجيج الخوارزميات. فالآلة قد تحلّ محل البشر في الحساب والتحليل، لكنها لن تستطيع أبداً أن تكتب مقالة تلامس الوجدان، أو ترسم ابتسامة صادقة على وجه قارئ يبحث عن الحقيقة.