هل يتعارض العلم مع الإيمان؟.. الجزيرة نت تقتحم المنطقة الشائكة
تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT
عندما أخبرَتْ القس الدكتورة كاثرين بريتشارد -عضو مجلس أساقفة كنيسة إنجلترا- صديقتها التي تذهب إلى الكنيسة بأنها تعمل على فعالية تضم فيزيائيين متميزين متحمسين لكل من العلم والإيمان المسيحي، رفعت حاجبيها مندهشة من أن يكون هناك مشروع مشترك يجمع بين العلماء ورجال الدين.
لم تستغرب كاثرين رد فعل صديقتها المستند إلى رواية شعبية تُردد باستمرار أن العلم والإيمان على طرفي نقيض وليس بينهما سوى القليل من القواسم المشتركة.
وكان هناك الكثير مما يمكن استكشافه مع العلماء فيما يتعلق بالأسئلة الكبيرة عن أصول الإنسان وهدفه ومصيره، وماذا يعني الإيمان بالله، وإلى أين يتجه الكون، وماذا يخبرنا ذلك عن غرض الإنسان ومصيره.
وفي حديث مع "الجزيرة نت" عبر البريد الإلكتروني، تقول كاثرين وهي عضو مشروع "تجهيز القيادة المسيحية في عصر العلم" بجامعة دورهام البريطانية: "نحتاج إلى مثل هذه المحادثات الحيوية والجذابة التي تغمر قادة الكنيسة في العلم والقضايا التي يثيرها، لتدور محادثات ثرية وإيجابية ومليئة بالتحديات تصبح معها عملية اللاهوت المرتبطة بالعلم أمرا طبيعيا بالنسبة لقادة الكنيسة الذين ربما يفتقرون إلى فرصة للقيام بهذا النوع من التفكير".
وترى كاثرين أن تكرار مثل هذه الفعاليات هو الطريق لدحض الروايات العامة الشائعة عن كون الدين غير عقلاني، فللأسف لا يزال هناك بعض أعضاء المجتمع العلمي يرون أنه من الصعب تصور محادثة مفيدة متعددة التخصصات مع قادة الكنيسة، لأنهم يدركون وجود فرق كبير بين المنهج العلمي وطريقة عمل اللاهوت، فهم يخشون أن الدين ينطوي على إنكار الاستفسار الذكي، ومن المهم للعلماء والأشخاص العاملين في مجال التكنولوجيا أن يلتقوا بقادة الكنيسة واللاهوتيين الذين يفهمون عملهم العلمي والأسئلة التي تهمهم حقا لتحقيق الاقتراب المطلوب".
ولا تنكر كاثرين أنها كانت في مرحلة ما من حياتها ممن يؤمنون باستحالة التقاء العلم والإيمان، وتقول: "لقد مررت برحلة مليئة بالعقبات على هذه الطريق، وكانت مليئة بالأسئلة والمخاوف إزاء الحصول على جميع الإجابات، ومع نضجي -كما آمل- أصبحتُ أقل اهتماما بالأشياء التي لا أفهمها، لأنني أعلم أنه في مرحلة ما ستصبح هذه الأشياء واضحة".
ويعمل الباحث المصري بمعهد كالتك بأميركا أحمد سليمان، بالمنهج نفسه الذي ذكرته القس كاثرين، وهو "التغافل عن الأشياء غير المفهومة" التي كان في إخفائها حكمة إلهية لم نصل لها إلى الآن، مؤكدا أن القواسم المشتركة بين العلم والإيمان أكبر من أن ينال منها التفكير في أسئلة بلا إجابات.
وضرب سليمان مثالا بنظرية "الانفجار العظيم"، والتي يرى فيها الكثير من القواسم المشتركة بين العلم والإيمان، على عكس ما يتصور البعض.
وشارك الباحث المصري قبل عامين في تجربة بالقطب الجنوبي كانت تبحث عن "موجات الجاذبية التضخمية" الخاصة بحدث الانفجار العظيم، وكان حريصا حينها على مشاركة متابعيه على صفحته بموقع فيسبوك بيومياته خلال تلك المهمة التي كانت تتضمن أداءه الصلوات الخمس، وهو ما دفع بعض متابعيه حينها إلى رفع حاجبي الدهشة مثل صديقة القس كاثرين بريتشارد، متعجيبن من أن يشارك باحث مسلم في هذه التجربة.
يقول سليمان في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": "كانت هذه الدهشة مستندة إلى أن نظرية الانفجار العظيم تتحدث عن نشأة الكون خلال 14 مليار سنة، بينما آيات القرآن تتحدث عن خلق السموات والأرض فى ستة أيام، وبما أننا لا نعلم مراد الله في كلمة (أيام) أكان يعني يوما في زماننا أم أنه يوم عند الله بمقدار آخر، فليس ذلك مبررا لنقول إن تلك النظرية مخالفة للشرع، ذلك أن هناك آية أخرى في القرآن تصفها بشكل دقيق".
وتنص هذه النظرية على أن الكون كان في البداية نقطة مفردة، ثم توسّعت عبر مليارات السنين لتكون الكون الموجود اليوم، وهو ما يتفق مع الآية القرآنية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا".
وعقائديا، يؤمن سليمان أنه "لا بد للعلم -إن عاجلا أو لاحقا- أن يثبت ما هو فى الدين، لأن الدين جاء من الخالق، لكنه ليس من أنصار المدرسة التي تسعى للبحث عن تفسير ديني لكل نظرية علمية، لأنه إذا لم نجد تفسيرا سننتقد العلم، وإذا وجدنا تفسيرا ثم تغيرت النظرية العلمية إلى نظرية أخرى أحدث، فحينها سيستغل المتربصون ذلك ويسيئون للدين".
ويخلص سليمان من ذلك إلى القول إن "الدين ثابت والعلم متغير"، مشيرا إلى أن المثال الأشهر على تغير العلم هو نظرية العالم إسحاق نيوتن، والتي كانت تقول إن الوقت ثابت لا يتغير فى أي مكان فى الكون، وهو أمر مخالف لكثير من الآيات الزمنية فى القرآن الكريم، وبعد عشرات السنين جاء العالِم ألبرت آينشتاين بنظرية تنقضها أقرب لما جاء في القرآن، عندما قال إن "الزمن يتغير فى كل مكان فى الكون وليس ثابتا"، وهذا ما أُثبت عمليا من خلال قياس موجات الجاذبية فى 2016.
ويوضح سليمان فيقول: "لنفترض أن نظرية أخرى جاءت لتنقض نظرية آينشتاين التي احتُفي بها دينيا، فماذا سيكون تبريرنا حينها؟".
ويضيف أنه "من هذا المنطلق علينا ألا نربط بين العلم والإيمان من باب محاولة البحث عن تفسير ديني لكل نظرية علمية، لكن الربط بينهما يأتي من خلال أن الإنسان كلما عَلِم أكثر ازداد إيمانا بأن خلف هذا الكون خالق عظيم".
ولا يحاول سليمان من خلال عمله مع فريق علماء وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" فرض رؤيته الإيمانية، كما لا يحاول الآخرون أيضا فرض رؤيتهم، ويقول: "دار حوار بيني وبين أحد علماء نوبل ممن لا يؤمنون بوجود الإله، قال لي إن سبب عدم إيمانه هو أنه لا يجد دليلا ماديا على وجود الإله، لكنّ العالِم نفسه يحترم عقيدتي ويحرص على تهنئتي في الأعياد الإسلامية".
الدليل المادي على وجود الله الذي يبحث عنه عالم نوبل الذي أدار حوارا مع سليمان، هو انعكاس لما يسميه مدير أبحاث الطب السكاني والجينومي في "سدرة للطب" بدولة قطر الدكتور يونس مكراب بـ"متناقضة الإلحاد والموضوعية".
يقول مكراب في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": إن "ارتباط الإيجاد من العدم بالخالق المتسامي على المادة هو من البديهيات المطلقة، والعديد من العلماء الرافضين لهذه الحقيقة بداعي الموضوعية والبحث عن الدليل المادي هم في جوهر الأمر يجانبونها تماما، وهذا أيضا يؤثر في أفكارهم وتفسيرهم للواقع في ضوء العلم المتوصّل إليه، فإذا اقتنعتَ أن كل شيء عشوائي ومن دون غاية، سيفوتك حتما رؤية التناسق والتكامل اللامتناهي من مستوى الذرات إلى الخلايا والكائنات إلى الإجرام والمجرات".
ويرى الدكتور مكراب أن العلم المادي والإيمان بالله وما يقتضيه من التزام أخلاقي؛ متكاملان في الحقيقة، لأن ممارسة علوم المادة تحتاج إلى بدايات وغايات وأخلاقيات، والانقياد للخالق المتنزه بصفات الكمال هو القناة التى تحميه من التيه في ذلك كله، ذلك أن الهدف الأسمى من العلم هو بلوغ الحكمة التي هي مبتغى الإنسان، وإلا لا يعدو أن يكون شغوفا بالمعارف والتجارب تنفعه مرة وتضره مرات.
ويضيف أن "أعظم ما يميز الإنسان هو العقل الذي هو الأداة الأساسية التي يتعرف بها على الوجود وخالق هذا الوجود، وما نراه من طرح الصراع بين الإيمان بالله والعلم خصوصا مع الأثر المحسوس للعلوم في عصرنا الحديث سببه يعود أساسا إلى الانفصام القديم في الغرب بين الكنيسة والدولة بسبب التحريف والفساد من رجال الدين الذين حاربوا حرية العقل حفاظا على مكانتهم، وتبع ذلك انتشار سياسات على مدار عقود تُحجّم من الدين، ووصل الأمر إلى حد التشكيك في وجود الله وازدراء ما له علاقة بالايمان بالله تعالى، ورغم ذلك لم يثن هذا الكثير من العلماء المؤثرين في تاريخ العلم عن إيمانهم بالله، ومنهم ألبرت آينشتاين صاحب المقوله الشهيرة إن الله لا يلعب بالنرد، والتي قالها في سياق رفضه لنظرية ميكانيكا الكم القائمة على العشوائية".
ويوضح الدكتور مكراب أن الإيمان بالله له جانب غيبي في ذاته لتمكين الاختيار وتوظيف الإنسان لعقله، وهذه هي الحكمة في عدم وجود دليل مادي صريح يظهر الذات الإلهية عيانا ويُنهي أي جدل بين العلم والإيمان.
ويضيف: "لو أن وحيا أُنزل مفصِّلا بدقة كل شيء، لأصبح الإيمان إجباريا وأُلغي الاختيار، وما أنزل الله إلينا من الكتب السماوية والتي ختمها بالقرآن ليست كتبا تاريخية أو علمية أو تقنية، بل هي دساتير حياة تشتمل في مجملها على كليات حتى لو فصلت في بعض المعاملات والعبادات، وهي بذلك تفتح للإنسان بابا واسعا للاجتهاد الذي قد يصيب فيه الإنسان أو يخطئ، وهذا أصلا الغاية من خلقه".
ومع اتفاقه مع محاولات التقريب والتفسير التي قام بها الدكتور مكراب، فإن الدكتور أحمد الجندي أستاذ الفيزياء بجامعة تكساس إل باسو الأميركية، لم يشعر خلال عمله بمحاولات إثارة جدل العلم والإيمان، فالجميع يعمل في العلم، والفريق البحثي الواحد قد يضم أصحاب الديانات السماوية والأرضية واللادينيين، يجمعهم قاسم مشترك واحد هو تنفيذ أدوات البحث العلمي.
ويصف الجندي المناقشات التي يتابعها عن تلك القضية على مواقع السوشيال ميديا، بأنها محاولات لخلق صراع غير موجود في بيئة العمل سعيا وراء "الترند"، ودعا أصحاب هذا الجدل إلى التركيز في "العلم الذي ينفع " حتى لا يفقد الناس الثقة في العلم.
ويقول: "الإنسان العادي الذي يتابع صفحات السوشيال ميديا لا يهمه تفاصيل هذا الجدل بقدر ما يهمه أن نقول له إن العلم في طريقه للتوصل إلى علاج للسرطان أو تطوير أداء الحاسوب ليعمل بشكل أسرع وبطاقة أقل".
ورغم عدم إقباله على متابعة هذا الجدل والمشاركة فيه، فإنه تحدث بعد إلحاح عن قناعاته الشخصية قائلا: "إنه كفيزيائي يرى أنه كلما تعلم أكثر أدرك أن لهذا الكون خالق عظيم، خلق كل شيء بشكل مرتب ومنظم وليس صدفة أو عشوائية".
ولا يسعى الجندي لفرض هذه الرؤية الخاصة على أقرانه، كما لا يسعوا هم أيضا لفرض رؤيتهم، وما يجمعهم هو استخدام أدوات البحث العلمي.
ومثل الجندي، لم يشعر قائد إحدى المجموعات البحثية بجامعة جينيف في مجال الطب الدقيق هيثم شعبان، خلال عمله في أكثر من ست جامعات في الغرب والولايات المتحدة، بأي محاولة لخلق جدل العلم والإيمان، لأن ثبات الإيمان وتغير العلم من نظرية إلى أخرى، يجعل العلاقة بينهما أكاديميا متباعدة، غير أنه على المستوى الشخصي يرى أن العلم يدعم الإيمان، قائلا: إنه "كلما عرفت أكثر عن تفاصيل عمل الخلايا البشرية، أدركت أكثر وأكثر أن وراء هذا الكون خالق عظيم لم يترك شيئا للصدفة".
ولا يُصرح شعبان لأقرانه وأساتذته بهذه الرؤية الشخصية، لأن ما يجمعهم هو البحث العلمي والالتزام بأدواته، ويقول: "أغلب من عملت معهم ملحدين، لم يكن يهمهم ديانتي بقدر ما يهمهم قدرتي على القيام ببحث علمي جاد يقود إلى نتائج علمية".
ويضيف أنه "على خلاف ما قد يتصور البعض، لم يكن هؤلاء الملحدون يبدون أي اعتراض على حرصي على أداء شعائري الدينية مثل صلاة الجمعة وصيام رمضان، حتى إنني أذكر ان أستاذتي في معهد فرينل بفرنسا -وهي ملحدة- كانت تصر أن أغادر المعمل مبكرا في شهر رمضان حتى أحصل على قسط من الراحة قبل الإفطار، لأن ما يهمها في علاقتها معي هو أدائي البحثي وليس ديانتي".
حديث شعبان والجندي عن أن أغلب من تعاملوا معهم كانون من العلماء الملحدين هو تصور خاطئ، كما ترى إيلين هوارد إكلوند عالمة الاجتماع الأميركية بجامعة رايس في هيوستن بتكساس.
وقامت إكلوند على مدى السنوات العشرين الماضية بدراسة مواقف العلماء تجاه الدين، وما وجدته من خلال أكثر من 40 ألف استطلاع رأي ونحو 2500 مقابلة سرية، هو أن عدد العلماء المنتمين للدين أكبر بكثير مما يتوقعه الكثير من الناس.
وفي إحدى الدراسات التي قامت بها، أعلن ما لا يقل عن 30% من المشاركين في استطلاع عن انتمائهم الديني، واستطلعت هذه الدراسة علماء من ثماني بلدان ومناطق، بما في ذلك المملكة المتحدة والهند وهونغ كونغ وتركيا والولايات المتحدة.
وفَسرت دراسات إكلوند أسباب شيوع ما يعتقده شعبان والجندي من أنهم يعملون مع علماء ملحدين، إذ قالت إن "العلماء ليسوا دائما منفتحين بشأن عقيدتهم في العمل أو في البيئات التعليمية، لأن هناك تصورا بأن العلماء الآخرين لن يأخذوك على محمل الجد إذا تحدثت عن عقيدتك".
غير أن السرية التي التزمت بها إكلوند في أبحاثها، سمحت للعلماء أن يكونوا أكثر انفتاحا بشأن الحديث عن عقيدتهم. وتقول في تقرير نشرته نيتشر: "لقد شعروا ببعض الارتياح عند التحدث عن نهجهم الخاص تجاه الدين في بيئة آمنة، وكانت نتائج إحدى الدراسات معبرة تماما عن ذلك، حيث قال ثلثا العلماء إنهم لا ينظرون إلى العلاقة بين العلم والدين باعتبارها علاقة صراع، بل إن الكثيرين يرون أنهما يعملان بانسجام كوسيلة لفهم العالم".
والخلاصة، أن مساحة الاتفاق بين العلم والدين أكبر من مساحات الاختلاف التي يتخيلها البعض، والتي قد لا تكون موجودة في أذهان العلماء أنفسهم عندما يتاح لهم الحديث بحرية بعيدا عن المؤتمرات العلمية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القواسم المشترکة الإیمان بالله الجزیرة نت أن العلم من العلم من خلال
إقرأ أيضاً:
جبهات الإيمان تشتعل ضد المشروع الصهيوني
لم يعد الكيان الصهيوني يواجه مجرد صواريخ تتساقط عليه من أطراف الجغرافيا، بل يواجه مشروعًا إيمانيًا عابرًا للحدود، اسمه الولاية، مشروع لا يعترف بشرعية كيان مغتصب، ولا يُخضع بندقيته لحسابات دولية، ولا يستسلم أمام موازين القوى مهما اختلت.
منذ أن ارتفع صوت الصرخة في وجه المستكبرين من جبال صعدة، بدأت ملامح مشروع ينهض من عمق العقيدة، لا من أروقة السياسة المساومة. اليمن لم يكن مجرد ساحة مقاومة، بل تحول إلى قلب نابض لمحور يتنفس روح القرآن، ويرى في أمريكا وإسرائيل رأس الأفعى التي لا بد من سحقها.
وفي الطرف الآخر من الجبهة، تقف غزة وحدها، برجالها المجاهدين، وصواريخها البسيطة التي طورتها في أحضان الحصار، تصنع من صبرها أسطورة كُتب لها أن تتحول إلى كابوس دائم للكيان. ليست غزة وحدها، بل هي امتداد طبيعي لمشروع قرآني واحد، تُوَحِّدها مشروع الولاية رغم تباعد الجغرافيا.
واليوم، الكيان لم يكتفِ بغدره المعتاد في غزة، ولا بمؤامراته في اليمن، بل تطاول على إيران نفسها، ظنًا منه أن بوسعه كبح المارد القادم من الشرق. لكن الرد الإيراني هذه الليلة كان مختلفًا.. كان ساحقًا، قاسيًا، ومدروسًا.
صواريخ ذكية، طائرات مسيّرة، وقدرات سيبرانية، استهدفت عمق الكيان بدقة غير مسبوقة، وكأن الرسالة تقول: “لقد انتهى زمن الردع.. وبدأ زمن الاجتثاث”.
هذه الضربات لم تكن مجرد رد فعل عسكري، بل تجسيد عملي لمعادلة الولاية:
“إذا ضربتَ إيران، فاضرب حسابك من اليمن إلى غزة، ومن لبنان إلى العراق”، وبالتالي الكيان يتهاوى، لأن مشروعه هشّ أمام مشروع يستمد شرعيته من الله
لم تعد “إسرائيل” تواجه فصائل مشتتة، بل تواجه محورًا موحّدًا، منظّمًا، يمتلك عقيدة القتال أكثر مما يمتلك ترسانات السلاح. الفرق بين الطرفين أن الكيان يقاتل من أجل حماية اغتصابه، بينما محور المقاومة يقاتل من أجل وعد إلهي: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
في اليمن، لا تزال الصواريخ تنطلق من صنعاء باتجاه الكيان، تعلن أن زمن الهيمنة الأمريكية الصهيونية قد انتهى.
في غزة، رغم المجازر، لا تزال راية القتال مرفوعة، والمقاومة تُبدع في ميادين النار.
وفي إيران، فُتِح باب الردّ المباشر، دون وسطاء، دون حسابات، دون تراجع.
لقد تجاوزت المرحلة مرحلة الدفاع، وتحول مشروع الولاية إلى قوة اجتثاث حقيقية للمشروع الصهيوني.
ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيد مؤقت، بل بداية تشكل خارطة جديدة للمنطقة، خارطة يرسمها صمود اليمن، وبطولة غزة، وقدرة إيران، وثبات حزب الله، بأن هذا الكيان هشّ، وأنه سيجرف، لا محالة.
مشروع الولاية ستجرف الكيان، لأنها تمثل وعد الله للمستضعفين، ولأنها اليوم باتت أكثر تنظيمًا، تسليحًا، وجرأة من أي وقت مضى. وما جرى الليلة من إيران، ومن اليمن وغزة، ليس سوى مشهد من مشاهد النهاية المحتومة لكيان لم يُبْنَ على شرعية، ولن يُترك ليستمر.