موقع القضية العربية في الانتخابات الأمريكية
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
عبدالنبي العكري
تُمثِّل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن هذا الأسبوع دفعة قوية لـ"إسرائيل" في توجيه السياسة الأمريكية للتطابق مع إستراتيجية "إسرائيل" لإقامة "إسرائيل" الكبرى وشطب فلسطين من المُعادلة وتكريس "إسرائيل" كشريك لأمريكا في السيطرة على الشرق أوسط وشمال إفريقيا، أي الوطن العربي وجواره، والذي أطلق عليه بيريز "الشرق الأوسط الجديد".
تأتي هذه الزيارة في منعطف مهم للحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية وكذلك الانتخابات الجزئية للكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب وحكام الولايات؛ وبالتالي الصراع ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي للفوز بالرئاسة وتحقيق أغلبية في الكونجرس.
فبالنسبة للحزب الجمهوري، فقد حسم الوضع بانعقاد المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلوكي بولاية ويسكنسن خلال 15-18- يوليو 2024 وانتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب بالإجماع، والموافقة على ترشيح ترامب ج.د. فانس نائبًا للرئيس، وكان المؤتمر أقرب إلى مهرجان مبايعة لترامب الذي اختزل الحزب الجمهوري. كما أن المؤتمر جاء بعد محاولة اغتياله الفاشلة قبل يومين من المؤتمر والتي حولت ترامب إلى قديس بنظر الجمهوريين وكثير من الأمريكيين حماه الله من الموت ليقود الحزب الجمهوري والأمريكيين إلى النصر.
وبالنسبة للديمقراطيين، فقد كانوا في دوامة الانقسامات بسبب إصرار الرئيس بايدن على الاستمرار في الترشح رغم عدم أهليته الصحية والعقلية، خصوصا بعد فشله الذريع في مناظرته أمام ترامب في 27-6-2024. وجاء إعلان بايدن المفاجئ يوم الأحد 21-7-2024 في بيان مكتوب بالتنحي عن الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي في مواجهة ترامب عن الحزب الجمهوري، وتأييده لترشح نائبته كمالا هاريس للرئاسة بدلاً منه. وقد تم ذلك في ظل عزلة بايدن في بيته في ديلوير بسبب العزل الصحي لإصابته بوباء كوفيد 19، ووعد بايدن بتوضيح الأمر في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض لاحقًا.
المهم أنَّ قيادات الحزب الديمقراطي التقطوا هذا التطور للعمل على استعادة وحدة الحزب وسد الفجوة مع الحزب الجمهوري ومرشحه وزعيمه ترامب، بتأييد ترشيح كمالا هاريس للرئاسة عن الحزب الديمقراطي. ومع مساء الإثنين 22-7-2024 فإنَّ الأغلبية الكاسحة من مندوبي ناخبي الحزب الديمقراطي إلى مؤتمر الحزب في شيكاغو أيدوا ترشح هاريس. وبالتالي طرح موضوع التوافق على مرشح لنائب الرئيس في مؤتمر شيكاغو في 19-8-2024 وإقرار برنامج الحزب لانتخابات 5-11-2024.
القضية العربية في السباق الانتخابي
تطرح الحملة الانتخابية ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وما بين مرشحي الحزبين للرئاسة وهما ترامب وهاريس مواقفهما من قضية العرب المركزية، فلسطين، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وما يرتبط بها من قضايا وتحالفات وصراعات. وإنه لذي دلالة أن دعوة نتنياهو لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب قد قوبلت بدعوة جميع القوى المؤيدة لفلسطين والمناهضة "لإسرائيل" وحليفتها أمريكا للاحتشاد في واشنطن، والاحتجاج على دعوة نتنياهو للكونجرس، والقبض عليه كمجرم حرب ومحاكمته، وبالفعل فقد احتل محتجون مبنى الكونجرس أمس ورفعوا اليافطات ورددوا الهتافات المناهضة لـ"إسرائيل"وحليفتها أمريكا، قبل أن تخرجهم الشرطة بالقوه. كما أنَّ عددا من الديمقراطيين في الكونجرس أكدوا مقاطعتهم للجلسة.
بالطبع، فإنَّ مواقف الحزبين والمرشحين أضحت واضحة؛ فبالنسبة للحزب الجمهوري فقد صيغت في مؤتمره في ميلواكي خلال 15-18/7/ 2024 وأكدها خطاب ترامب بقبول الترشيح بنهاية المؤتمر وكذلك نائبه فانس والقادة الجمهوريون. وبالنسبة للديمقراطيين فإنه متوقع تأكيد الحزب ومرشحته هاريس في مؤتمر الحزب في شيكاغو في 19-8-2024 لسياسة حكومة ترامب/هاريس ومواقف قيادات الحزب في الكونجرس وخارجه.
كلا الحزبين وقادتهما يتفاخرون بما قدمته أمريكا للكيان الصهيوني من دعم، بل شراكة في حروبه ومخططاته ضد الفلسطينيين والعرب وداعمي قضية فلسطين، وآخرها حرب الإبادة في غزة وفلسطين المحتلة منذ 7-10-2023 حتى اليوم، وما دعوتهما المشتركة لمجرم الحرب نتنياهو لمخاطبة الكونجرس إلا تجسيد لإجماع الحزبين على هذا الموقف.. تبقى هناك نقاط اختلاف صغيرة ما بين الحزبين والمرشحين.
الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب يدعم نتنياهو في المضي بحرب الإبادة ضد الفلسطينيين حتى نهايتها كما تريدها "إسرائيل" بقيادة نتنياهو، بما في ذلك تصفية المقاومة وتهجير مواطني غزة وإمكانية شن حرب على لبنان وهجمات على محور المقاومة في لبنان واليمن وإيران وسوريا والعراق. كما يؤيد الحزب الجمهوري قرار "إسرائيل" شطب حل الدولتين؛ وبالتالي شطب دولة فلسطين المفترضة والقضية الفلسطينية، بل وتأييد مشروع إسرائيل الكبرى. وينطلق الحزب الجمهوري من منطلقات سياسية يمينية وإستراتيجية إضافة لمنطلقات عقائدية بتأثير التيار الإنجيلي المسيحي المُؤيد لقيام دولة "إسرائيل" التاريخية تمهيدا لبعث السيد المسيح.
واستطرادًا لذلك، فإنَّ الحزب الجمهوري إلى جانب دعم -بل ومشاركة أمريكا "إسرائيل" في حربها ضد الفلسطينيين ومؤيديهم ومحور المقاومة، والضغط على الدول العربية والمجاورة والإسلامية لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، بل وقيام تحالف يضم الغرب بقيادة أمريكا و"إسرائيل" والدول العربية والمجاورة في مواجهة محور المقاومة.
كما يُؤكد ترامب على أن تدفع دول النفط العربية ثمن حمايتها من قبل أمريكا إضافة لامتيازات لأمريكا والغرب لقاء ترتيبات حماية وأمن دول المنطقة الصديقة.
وبالنسبة للحزب الديمقراطي، فإنه لا يختلف جوهريًّا في مواقفه تجاه "إسرائيل" والصراع العربي "الإسرائيلي" بل يُضفي عليها مسحة تبريرية.. الإدارات الأمريكية المتعاقبة بما فيها الإدارات الديمقراطية تدعم "إسرائيل" وتشاركها في حروبها ضد الفلسطينيين والعرب وأصدقائهم. الحزب الديمقراطي منافق ومخادع. فطوال حرب الإبادة الحالية منذ 7-10-2023 ظلت أمريكا تدعم "إسرائيل" عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، وتحصن "إسرائيل" من المحاسبة، وتعطل الشرعية الدولية ووقف الحرب. وفي ذات الوقت تردد مقولة الحد من استهداف وقتل المدنيين والتخفيف من معاناتهم بأعمال الإغاثة، وفي ذات الوقت تأييد جوهر أهداف "إسرائيل" بتصفية المقاومة الفلسطينة، وتهجير فلسطيني غزة. ولم تمارس الإدارة الديمقراطية أيَّ ضغط فِعلي على "إسرائيل" للقبول بوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والانسحاب الإسرائيلي من غزة.
وجل ما فعلته أمريكا خطابات نقد مُخفف لعمليات الجيش الإسرائيلي لا تصل إلى اعتبارها أعمال إبادة، بل رمي المسؤولية لعدم وقف إطلاق النار على حماس، واستحضار حدث 7 أكتوبر بأنه سبب هذه الحرب وليس 76 من النكبة و57 عاما من احتلال ما تبقى من فلسطين والأرض العربية. كذلك تقوم الإدارة الديمقراطية بصخب دبلوماسي لإظهار الاهتمام بالحلول الدبلوماسية التي توفر الوقت والتغطية لاستمرار حرب الإبادة بشراكة أمريكية وتردد مقولة "حل الدولتين" المخادع.
يضمُّ الحزب الديمقراطي تشكيلة واسعة من مكونات الشعب الأمريكي من البيض والسود واللاتينيين ومكونا عربيا وإسلاميا واتجاها يساريا. ولقد تجاوبت الأقليات العرقية واليسارية والشبابية مع الحركة الاحتجاجية في أمريكا، وانعكس ذلك في تمرد ناخبيهم على ترشيح بايدن. لكنَّ الوضع قد تغير الآن بانسحاب بايدن وتصدر هاريس كمرشحة للحزب الديمقراطي مما يضع الحركة الاحتجاجية في مأزق، خصوصا مع إجماع مندوبي الحزب على ترشيحها. هاريس لم تخف تأييدها لإسرائيل بل أجرت عدة اتصالات مع نتنياهو وستجتمع معه أثناء زيارته لأمريكا وتؤكد له هذا الدعم. لكنه يُتوقع أن يثار كل ذلك أثناء مؤتمر الحزب في شيكاغو وخلال الحملة الانتخابية. لكنه لا يتوقع أن يترتب على ذلك تغيير جوهري في برنامج المرشحة للرئاسة كمالا هاريس والحزب الديمقراطي المنحاز إلى "إسرائيل".
الحزبان الديمقراطي والجمهوري ومرشحا الرئاسة هاريس وترامب وجهان لعملة واحدة في المواقف المعادية للقضية الفلسطينية والقضايا العربية، والداعمة للكيان الصهيوني، والفرق هو أن الحزب الجمهوري أكثر أيديولوجية وترامب أكثر صراحة، فيما الحزب الديمقراطي أكثر مخادعة وهاريس أكثر مراوغة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تطالب أمريكا باستئناف الهجمات ضد الحوثيين في اليمن
كشفت قناة "كان 11" العبرية الرسمية، الخميس، أن الحكومة الإسرائيلية نقلت مؤخرًا رسالة عاجلة إلى الإدارة الأمريكية، تدعو فيها إلى ضرورة استئناف الضربات الجوية ضد مواقع جماعة الحوثي في اليمن، وذلك في ظل التصعيد الأخير في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل وتزايد الهجمات ضد السفن في البحر الأحمر.
وبحسب التقرير، فإن مسؤولين أمنيين إسرائيليين أعربوا لنظرائهم الأمريكيين عن قلقهم المتصاعد من تهديدات الحوثيين، مؤكدين أن "الوضع بات يشكل مشكلة دولية" لا تخص إسرائيل وحدها. وطالبوا بتشكيل ائتلاف دولي واسع من أجل "توجيه رسالة حازمة إلى النظام الحوثي مفادها أنه بات في دائرة الخطر".
وتأتي هذه الرسالة في أعقاب سلسلة هجمات نُسبت إلى جماعة الحوثي خلال الأيام الأخيرة، حيث ذكرت القناة أن الجماعة أطلقت صاروخًا باتجاه إسرائيل صباح الخميس، وقد تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من اعتراضه بنجاح. وقبل ذلك، يوم الأحد، تم اعتراض صاروخ حوثي آخر فوق منطقة البحر الميت، ما عزز مخاوف تل أبيب من اتساع دائرة التهديدات اليمنية.
وفي السياق ذاته، أشارت صحيفة "معاريف" العبرية إلى أن جماعة الحوثي صعّدت هجماتها البحرية خلال الفترة الأخيرة، وأكدت أن هجومًا نُفّذ مؤخرًا أدى إلى إغراق سفينتي شحن في البحر الأحمر، وأسفر عن مقتل وإصابة عدد من البحارة، بينما فُقد آخرون.
وذكرت الصحيفة أن الجماعة نفذت منذ انطلاق عملية "سيوف الحديد" أكثر من 100 هجوم على سفن في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، معلنة أن هذه العمليات تأتي في سياق "التضامن مع الفلسطينيين" خلال الحرب الجارية في غزة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في مايو الماضي، وقف العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وذلك في أعقاب تفاهم غير معلن مع الجماعة، يقضي بعدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر. ويُعد هذا القرار تحولًا في السياسة الأمريكية التي كانت قد قادت في الأشهر السابقة حملة عسكرية مع حلفاء ضد الحوثيين بعد تصاعد هجماتهم البحرية.
غير أن التصعيد الأخير، خصوصًا الصواريخ الموجهة نحو إسرائيل، دفع تل أبيب إلى اعتبار أن "تجميد الردع الأمريكي شجّع الحوثيين"، وأن غياب العمليات الأمريكية يضعف الموقف الإقليمي والدولي في مواجهة التهديد الحوثي.