لجريدة عمان:
2025-10-26@08:49:38 GMT

الحدث

تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT

ثمة بكل تأكيد ما يعدّ لكل واحد منا «الحدث»، ذلك الزمن الذي لسنا واثقين من قدرتنا على تسميته، وإن فعلنا فإننا غالبا ما نشعر بالفزع من فكرة مشاركته مع الآخرين، لأسباب كثيرة من بينها الإخلاص لذلك الحدث، لأننا عندما نكتب أو نتحدث عنه، سنحمله بطاقة تراجيدية، تستهلكه تماما، على الرغم مما فعله بنا. لقد جعلنا نؤمن بعده بأن السكينة قد لا تعني أكثر من كونها عدم الانتظار.

-يا لبؤسنا- أفكر الآن في «الحدث» الخاص بي، يتملكني شعور حاد بأنني أختزن في جسدي تلك التجربة الصادمة التي لم أفصح عنها بعد.

ربما هذا ما دفع آني آرنو، للكتابة عن «الحدث» الخاص بها، لم يكن الأمر بالنسبة لها مرورها بتجربة إجهاض في بداية الستينيات عندما كانت بعدُ طالبة جامعية، بل التأمل في فكرة «الحدث» هذه المرة دون تجريد. إن الحدث معزول أصلا، فكيف يمكن الاقتراب منه، ربما بالحذر الكبير لطائر يريد دودة بعينها. كتبت آرنو هذا النص من فبراير وحتى أكتوبر من عام 1999 أي بعد مرور أربعة عقود تقريبا، ربما هي المسافة الكافية، للنظر في عين ذلك «الحدث» وإعلانه أخيرا.

ما يميز آني آرنو ، بالإضافة لإيمانها بالحياة العادية كمكون كافٍ للأدب، وبشفافية اللغة التي تستخدمها للتعبير، أنها مثل المصباح الذي يضيء فجأة داخل النص العادي، إن من شأن تلك الكتابة العادية والمباشرة، أن تجعلنا نلتف حول أنفسنا، أن نلهو قليلا مع آرنو بعيدا حتى عن القصة التي تقدمها لنا. فلنتأمل هذه الأمثلة من رواية «الحدث» «وهي فتاة شقراء في غاية الجمال والهدوء. عندما رأيتها، قدَّرتُ أنني كنت بصدد التحوُّل إلى فتاة مسكينة». فها هي تجرؤ أن تقول لنا شيئا نسكتُ عنه في العادة، خصوصا تلك النساء اللواتي يشعرن بالنبذ وبأنهن قبيحات مع شعور بأنهن مذنبات في كونهن كذلك، كأن الأمر صنيعة وجودهن نفسه، وشرطا لطبيعتهن التي يكرهنها. ولنقرأ مثالا آخر: «جِيلْ، نادل المقهى اللَّامبالي الذي كنت أشبِّهه بشخصيَّة النادل في كتاب الوجود والعدم، ذاك الذي لم يكن نادل مقهى، بل رجلا يؤدِّي دور نادل المقهى». ألا يبدو هذا رائعا صديقي القارئ؟ أليس هذا بالضبط ما يزعجنا في بعض الندل في المقاهي اليوم؟ لا ليس المقهى وحده بل في حياتنا العامة، نجد زميلا لنا في العمل، أو حتى صديقا وربما أمّا، إنهم يبدون كما لو أنهم يؤدون دورا بدلا من أن يكونوا «الوظيفة» التي يعنونها بالنسبة لنا، كما لو أن هنالك مسافة واسعة وفضفاضة بين أجسادهم والملابس التي يرتدونها، أو بين ما يكونون عليه فعلا وما يفعلونه معنا. على الرغم من قلة صفحات روايات آرنو كلها تقريبا، إلا أنها تدفعك للتوقف، تقتلعك بشدة من السرد المتدفق، لتتوقف للتأمل عند لوحة ما، كأن لا علاقة بها بالضرورة بكل القصة. يروق لي أن أعتبر أن هذه الومضات التماعات وردة تنبثق وسط الغبار.

لآني آرنو ميزة واضحة أخرى، الاشتباك السياسي مع الهالة التي تحيط بذلك «الحدث» مهما بدا صغيرا. ولا أقصد هنا أي في روايتها «الحدث» الإشارة لموقف السلطات الفرنسية من مسألة الإجهاض فحسب، بل هنالك في السر الذي يتكشف رويدا رويدا، معنى سياسيا واضحا، يجب التنبيه لكون آرنو واعية به، أي تقصده لإيمانها بدورها في ذلك النوع من الاشتباك -ضحكتُ كثيرا وأنا أكتب هذه الجملة وأنا أتذكر الكاتبات هنا واللواتي يتنصلن من نسوية أعمالهن حتى بعد أن ينشرنها- تتورط آني آرنو مع موضوع الطبقة الاجتماعية في مجمل أعمالها، فلا استثناء في رواية الحدث، فلنقرأ مثلا: «أقمت على نحو ملتبس رابطا بين طبقتي الاجتماعية الأصلية وما يحدث لي. فأنا أوَّل من أنجز دراساتٍ عليا في عائلة تتكون من العمَّال والتجَّار الصغار، حيث نجوت من قبضة المصنع وعرض السلع للبيع. ولكن لا شهادة البكالوريا ولا الإجازة في الآداب نجحتا في أن تصرفا عني لعنة فقر حين كانت تعاملُ الفتاة الحامل، مثل مدمنة كحول تماما. لقد أُخِذتُ على حين غرة، وما كان ينمو داخلي، بطريقة ما، لم يكن سوى تعبير عن الفشل الاجتماعي». وفي هذا المثال أيضا: «كأن شيئا ما قديما جدا كان يشدُّني إليه، شيئا ما على علاقة بعالم العمَّال اليدويين الذي انحدرت منه، العالم الذي كان يخشى (العمل الذهني المضني)» تشير آرنو هنا للموقف الذي تجد فيه الطبقة المتوسطة والدنيا نفسها إزاء كل الأعمال التي تعتمد على التفكير والشغل الذهني مثل مهنة الكتابة، إنها وبطبيعة الحال غير واردة في معظم الوقت، وإذا ما طرأت على حياة من ينتمي لهذه الطبقة أو تلك فإنه سيخاف كثيرا من المضي قدما فيها.

لا تكتفي آرنو بالإشارة للتحديات التي تواجهها بصفتها تنتمي لطبقة العمال، بل تحاول تقديم مقاربة عن الانفعالات والسمات التي يمتاز بها المنتمون لهذه الطبقات عموما. «كانت والدتي تنتمي لجيل ما قبل الحرب، جيل الخطيئة والعار الجنسي. كنت واثقة من أن معتقداتها مقدَّسة، وأنَّ قدرتي على مكابدتها لا تماثلها إلا قدرتها على إقناع نفسها بأنني أقاسمها إياها». وفي مثال آخر: «كان والديّ مثل أغلب الوالدين، يتصوَّران اكتشافهما، على نحو لا يشوبه الخطأ، ومنذ الوهلة الأولى، أقلَّ دليل على الانحراف. كان يكفي، لكي أطمئنهما، أن أزورهما بانتظام بوجه مبتسم وناعم، إضافة إلى جلب ثيابي المتَّسخة، وأن أحمل المؤونة».

تكتب آني آرنو من أنها تعبر عن حكاية «الحدث» الخاص بها، لا لأنها تريد إعادة عيش ما كانت تمتلك فيه الحق الأدنى، لأنه لا وجود لأي شيء كهذا، ولكنها تذهب إلى أقصى علاقة بها مع هذه التجربة لأنها لو لم تفعل ستسهم في تعتيم واقع النساء والاصطفاف بجانب هيمنة العالم الذكورية. ليس من الغريب إذن أن تتحدث آرنو وفي أكثر من مناسبة عن موقفها من القضية الفلسطينية. يبدو ذلك مفهوما في سياق ما تكتب ووعيها به. فهي تفهم موقعها في التاريخ ولا ترتاب من تقديم نسويتها. تعيش شخصيات آني آرنو دوما في حالة من الاغتراب القهري، الشيء الذي يبدو مفهوما في روايتها الاحتلال التي تجد الشخصية فيها نفسها وقد تملكتها الغيرة القاتلة على رجل هي من تركته أصلا، فتبدأ بملاحقته رغما عن هذه الحقيقة! في الحدث أيضا يستمر دفق التغريب نفسه «يراودني انطباع بأن حملي مجرد خيال» لم تستطع الاعتراف حتى في مذكراتها بأنها حامل، فكتبت في مفكرتها: « (هذا)، (هذا الشيء)، ثم كتبت مرَّة واحدة فقط كلمة: حامل». لا تخشى آرنو التعبير عن العار الذي تعيشه، وعن الضعف الذي يبدو بالنسبة للكثير منا مخزيا وقد لا نعترف به لأنفسنا. كم يأسرني ذلك، إنها تجعل حتى تلك الأشياء المخجلة نابضة بالحياة عندما لا نصمت عنها على طريقة آرنو.

في النهاية تكتب آرنو «الأشياء حدثت لي كي أدرك معناها ولعل الهدف الحقيقي في حياتي هو فقط التالي: أن يتحول جسدي وحواسي وأفكاري إلى كتابة، أي إلى شيء ما واضح وشامل، إلى وجودي الذائب بأكمله في أذهان الآخرين وحياتهم». إنها إذن تجعل الكتابة، نوعا موازيا للحياة، وهي كافية بطبيعة الحال، إنها لا تعدّ نفسها هناك -أي في الكتابة- وهنا -أي في الواقع. وإنها لو كانت في الكتابة فلا بأس في ذلك، لأنها ترفد الواقع بقصص ستمتزج مع دماء الناس وعظامهم. إنها لا ترى الكتابة نشاطا جانبيا، بل وعلى طريقة كافكا الساحرة ترى أنها الأدب بحد ذاته. وهذا ليس دورا تؤديه، بل هذا ما هي عليه.

أخيرا: ترى ما الحدث الخاص بك؟ وهل يمكن لك التعبير عنه الآن، أو وربما بعد أربعة عقود؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تعرّف على أماكن الشاشات العملاقة الناقلة لاحتفال افتتاح المتحف المصري بأحياء بورسعيد

حدّدت محافظة بورسعيد 7 أماكن لشاشات عملاقة بمختلف أحياء المحافظة لنقل الاحتفال العالمي بافتتاح المتحف المصري الكبير. 

واختارت محافظة بورسعيد موقعًا متميزًا بكل حي من أحياء المحافظة بالإضافة إلى مدينة بورفؤاد لوضع الشاشة العملاقة الناقلة للافتتاح لإتاحة أكبر فرصة للمواطنين من أبناء الباسلة لمشاهدة الحدث العالمى .

وجاء تحديد الأماكن بواقع شاشة عملاقة بساحة مصر على ضفاف قناة السويس بحي الشرق وأخرى بحديقة سعد زغلول بحي العرب وشاشتان بنطاق حى المناخ أحدهما بحديقة المنتزه و الأخرى بحديقة الأمل اما حي الزهور فحددت المحافظة ميدان بنزرت مكان للشاشة و فى جنوب بورسعيد حدد مكام الشاشة بميدان الحي الإماراتي الرئيسي وفى مدينة بورفؤاد تتصدر الشاشة ميدان الملك فؤاد امام معديات قناة السويس 

احتفالًا بالحدث المصري التاريخي والعالمي.. شاشات عرض عملاقة لبث احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير 

وكان اللواء أ.ح محب حبشي محافظ بورسعيد اعلن عن بدء تجهيز عدد من الميادين والساحات العامة بالمحافظة بشاشات عرض ضخمة لنقل فعاليات الاحتفال بافتتاح المتحف المصري الكبير بشكل مباشر على مدار اليوم وذلك في الأول من نوفمبر 2025، بما يتيح للمواطنين متابعة الحدث في أجواء احتفالية مبهجة.في إطار الحرص على مشاركة أبناء محافظة بورسعيد في الحدث التاريخي العالمي المتمثل في افتتاح المتحف المصري الكبير، 

وأكد المحافظ أن الأجهزة التنفيذية بالمحافظة تستعد لإنهاء كافة الاستعدادات الفنية واللوجسيتية لتوفير مواقع العرض الجماعي في عدد من المناطق الحيوية، مع رفع كفاءة الميادين المحيطة لتليق بالمناسبة العظيمة.

وأشار اللواء محب حبشي إلى أن افتتاح المتحف المصري الكبير يُعد حدثًا قوميًا فريدًا يجسد عظمة الحضارة المصرية القديمة، مشيرًا إلى أن المحافظة حريصة على أن يشارك أبناء بورسعيد في هذا العرس الوطني الذي يعكس مكانة مصر العالمية وريادتها الثقافية والحضارية.

بورسعيد.. الغرباوى يتابع انطلاق المرحلة الثانية للبرنامج القومي لتنمية مهارات اللغة العربيةميناءا بورسعيد والإسكندرية يتصدران أفريقيا في تصنيف أفضل 100 ميناء عالميمحافظة بورسعيد تعلن تجهيز شاشات عرض عملاقة لبث احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير.. بهذه الأماكنفتح باب التقديم للأجانب في مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن والابتهال الدينيالتموين: 100 ألف أسرة في بورسعيد تستفيد من منظومة الكارت الموحداستمرار تكثيف أعمال النظافة العامة ورفع المخلفات بأحياء بورسعيد | صورالقائمة النهائية لمترشحي دوائر محافظة بورسعيد عن النظام الفرديمحمد سعده من بروكسل: شرق بورسعيد جاهزة لاستقبال استثمارات الاتحاد الأوروبيمدير الإدارة المركزية للرقابة والتفتيش يتفقد مدارس إدارة زهور بورسعيد التعليميةتموين بورسعيد يوجه ضربة جديدة للفاسدين.. ضبط مكسرات غير صالحة للاستهلاك الآدمي

وقال محافظ بورسعيد : "إن افتتاح المتحف المصري الكبير هو لحظة تاريخية تُعيد للعالم ذاكرته مع مصر"، مؤكدًا حرص المحافظة على أن يعيش كل مواطن وزائر هذه اللحظة الفريدة

يذكر أن بث الفعاليات عبر شاشات العرض يأتي في إطار توجيهات القيادة السياسية بإتاحة الفرصة أمام جميع المواطنين في مختلف المحافظات لمتابعة هذا الحدث التاريخي العالمي.

طباعة شارك بورسعيد محافظة بورسعيد محافظ بورسعيد المتحف المصري

مقالات مشابهة

  • تعرّف على أماكن الشاشات العملاقة الناقلة لاحتفال افتتاح المتحف المصري بأحياء بورسعيد
  • موعد إجازة افتتاح المتحف المصري الكبير
  • أورتاغوس في لبنان قريباً
  • الكتابة المعكوسة في ألواح الطين
  • الحدث ما بعد زيارة البابا إلى لبنان
  • مدين يسطع بين نجوم الموسيقى العالميين في حفل "جرامي هاوس" بالأهرامات
  • «مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني» تستضيف الحدث العالمي المقبل لجمع التبرعات من أجل مكافحة شلل الأطفال
  • «نوجويرا دبي» بطل النسخة الأولى لـ «كوينتيت 5»
  • الحدث الأعظم في تاريخ آبل يقترب.. هل سيختفي iPhone 19 إلى الأبد؟
  • وزير الطيران الأسبق: لا داعي للقلق.. افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون حدثًا يليق بتاريخ مصر