لجريدة عمان:
2025-10-08@08:29:52 GMT

روح التراب الذي يوشك أن ينقرض

تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

حينما اشتريت أنا وشريكتي بيتنا في بورتلاند بولاية أوريجون قبل أربع سنوات، بدأنا على الفور في تصميم حديقة أحلامنا، عازمين على أن نستبدل بالمرج العشبي المهجور أحواضا واسعة من النباتات المعمرة المورقة التي تزهر لفترات طويلة. غير أنه سرعان ما تبين لنا أن التربة عندنا عنيدة ثقيلة الطين مليئة بالحصى.

كنت في السابق، مع حدائق أصغر حجما، أتغلب على مثل تلك المصاعب ببضعة أكياس من التربة عالية الجودة آتي بها من أحد المشاتل. أما استبدال تلك الكمية الكبيرة من التراب فلم يكن بالأمر العملي أو الممكن ماليا. ولذلك قررت بدلا من ذلك أن أصلح ما لدينا.

ولما تعلمت القيام بذلك تغير لدي ما هو أكثر كثيرا من حديقتنا، فقد غير ذلك تماما من الطريقة التي أفكر بها في التربة، بل وفي الكوكب بأكمله. فبت الآن لا أرى التربة محض وسيط للحياة، وإنما أراها كيانا حيا في حد ذاته، وفي طريقه بسرعة إلى الانقراض.

في بعض أجزاء العالم، تعمل الزراعة المكثفة والرعي الجائر وإزالة الغابات على تدمير التربة بسرعة تتجاوز ألف مرة سرعة معدل التآكل الطبيعي. وفي حال استمرار هذا المعدل فإن 90% من مناطق الأرض الصالحة للسكنى سوف تتدهور تدهورا كبيرا بحلول عام 2050، فتنخفض من جراء ذلك عائدات المحاصيل بمتوسط 10% ـ تصل إلى 50% في بعض المناطق ـ ويرجح أن يرغم ذلك ملايين البشر على الهجرة.

وقد يصل تآكل التربة إلى الذروة بانهيار الحياة الأرضية المركّبة، ما لم نعد التفكير في علاقتنا بالعالم الذي تطؤه أقدامنا.

التربة هي نتيجة عصور من التطور الكوكبي، أي مليارات السنين من العناصر التي تعمل على تآكل الصخور وأكثر من أربعمئة وخمسة وعشرين مليون سنة من التفاعلات القائمة داخل الحياة المعقدة، بحيث أن بوصة واحدة من التربة السطحية الخصبة تحتاج إلى مئات السنين لكي تتكون.

تقوم الميكروبات والفطريات والنباتات والحيوانات بتكوين التربة والحفاظ عليها عبر عمليات لا حصر لها، وذلك عن طريق تفتيت الصخور بالجذور والأحماض التي يتم إفرازها، ثم تقوم هذه الكائنات باستعمال بقاياها ومنتجاتها الثانوية في تخصيب الصخور المفتتة، ومن خلال تدويرها للهواء والماء والعناصر الغذائية عبر تحركاتها بالزحف والسعي والحفر.

وبرغم أن العلم لم يصل بعد إلى إجماع على تعريف الحياة، فإن الكتب المرجعية تبرز معايير تعد على نطاق واسع الفاصل بين الحي وغير الحي. وتتحقق في التربة كثير من هذه المعايير: فهي ذات بنية عالية التنظيم. وهي تنمو. وهي تتنفس. ويمكن أيضا أن تموت. وجميع أشكال الحياة هي عبارة عن أنظمة من المكونات الحية وغير الحية المترابطة في ما بينها. وتأملوا شجرة على سبيل المثال، وهي في الغالب تتألف من خشب ميت مخلوط بشرائح من أنسحة حية. وبهذا الاعتبار لا نرى التربة مختلفة. ثم إن التربة تظهر ما يتفق كثير من الخبراء على أنه الخصيصة الجوهرية من خصائص الحياة: أي القدرة على المحافظة على الذات بفعالية. فالتربة تحافظ على بقائها على قيد الحياة. بل إن الجمعية الأمريكية لعلوم التربة ووزارة الزراعة الأمريكية تصنفان التربة باعتبارها حية.

يعيد الاعتراف بالتربة بوصفها شكلا من أشكال الحياة تأطير فهمنا لنظام آخر مترابط ومنظم ذاتيا، هو كوكب الأرض. ونحن مدينون لكوكب الأرض بالعديد من السمات المميزة للحياة ـ ومن تلك غلافها الجوي الذي يسمح بالتنفس، وسماؤها الزرقاء، والتنوع المعدني، وكيمياء المحيطات، وحرائق الغابات. بمرور الزمن، شكلت الأرض والحياة ـ شأن التربة والكائنات التي تحافظ عليها ـ نظاما تطوريا واحدا دام لمليارات السنين. فالأرض الحية من تحت أقدامنا تعكس صورة كوكبنا الأكبر الحي.

وإذن فإن التحدي الذي يواجهنا لا يقتصر ببساطة على إصلاح تربة الأرض، وإنما يتمثل في إعادة إحيائها قبل أن تضيع إلى الأبد. لا بد للزراعة الحديثة أن تحترم التربة وتقدر إعجازها وتقدر أيضا أنها كيان ضعيف. وبوسع مبدأين جوهريين أن يكونا هاديين في هذا التحول: تقليل إزعاج الأرض والتأكيد على تنوعها الحيوي. ويقتضي هذا عمليا تقليلا كبيرا للحرث، ومناوبة بين المحاصيل، وإعطاء الأولوية للمدخلات العضوية على الأسمدة المركبة والدمج بين المحاصيل والأشجار والماشية، وحماية التربة من التآكل عن طريق المحاصيل وغيرها من العوامل.

لقد حاولت أنا وشريكتي أن نطبق هذه الطرق في حديقتنا. ففي المناطق التي لم يكن فيها من قبل غير العشب، حفرنا بركة، وأقمنا حديقة صخرية ومرجا من الزهور البرية، وزرعنا مجموعات من النباتات المعمرة المزهرة المقاومة للجفاف، وأقمنا أحواضا للخضراوات. قمنا بتركيب نظام للري بالتنقيط وصندوقا للتسميد. وصرنا نزرع محاصيل الغطاء الشتوي ونترك الخضراوات تذبل وتتحلل في مكانها. وجئنا بتنويعة كبيرة من النباتات التي تقي التربة من عوامل التعرية وتعيد تنشيط أوساطها البيئية.

في الشهر الماضي، قررت نقل نبات مزهر يسمى البنستيمون بعد أن كبر كثيرا على المساحة المخصصة له. كانت التربة في هذا الجزء من الحديقة من قبل مضغوطة للغاية لدرجة أنني كنت بحاجة إلى معول للحفر فيها. فإذا بي أجدها مفككة ولينة. وفيما كنت أرفع النبات، ظهرت شتى أشكال الحياة، فتدلت الديدان الأرضية من الجذور، وسارعت حشرة تجري إلى الأمان، ولمحت أسفل النبات شبكة بيضاء دقيقة من الفطريات.

وفيما أخذت أمرر أصابعي في التربة، فهمت، على نحو أوضح مما كنت أفهم من قبل، أنها لم تكن قط محض طبقة تقع أعلى سطح الكوكب، ولكنها جزء من الأرض نفسها وامتداد للكوكب، فهمت أن التربة شأن الحياة كلها ليست محض مقيمة في الكوكب بقدر ما هي تعبير عن العالم الحي.

• فيريس جابر مؤلف الكتاب حديث الصدور بعنوان "أن نتحول إلى الأرض: كيف جاء كوكبنا إلى الحياة".

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

يوم اتولد فيه معنى الحياة.. يسرا تحتفل بعيد انتصارات أكتوبر

نشرت الفنانة يسرا، صورة لها بالذكاء الاصطناعي، عبر حسابها الرسمي على موقع X، تحمل علم مصر، ووجهت كلمة بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر. 

وكتبت يسرا، في التعليق: «٦ أكتوبر مش مجرد ذكرى نصر… ده يوم اتولد فيه معنى الحياة من جديد، يوم أثبت إن في قلب كل مصري جندي، وفي روح كل شهيد وعد.. إن مصر عمرها ما تنحني، هتفضل دايمًا واقفة، شامخة، مرفوعة الرأس بالعزة والفخر».

وتابعت يسرا: «رحمة الله على أبطالنا اللي خلدوا اسم بلدنا في التاريخ، وسلام لمصر.. اللي دايما بتقوم من الرماد وتنور من جديد». 

يسرا 

من جانب آخر، حرصت الفنانة يسرا على مشاركة متابعيها عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الأجتماعي الإنستجرام، بصور جديدة لها خلال تواجدهل في باريس.

وكانت قد أكدت يسرا في مقابلة مع “الشرق الأوسط” أجرتها حديثاً عودتها إلى عالم السينما بعد غياب عامين، من خلال فيلمَيْن جديدين: بنات فاتن والست لمّا، وبدأت تصويرهما قبل انطلاق دورة مهرجان كان الأخيرة.

طباعة شارك يسرا الفنانة يسرا علم مصر ذكرى حرب أكتوبر

مقالات مشابهة

  • إيجيبت كلاي.. كل ما تريد معرفته عن مشروع حقن التربة الرملية بالطين
  • الحيّة: نؤكد استعدادنا بكل مسؤولية لوقف الحرب إلا أن الاحتلال يواصل القتل والإبادة
  • الحل في التصنيع الزراعي.. برلماني: تصدير المحاصيل خامًا يهدر مليارات ويضيع فرص عمل
  • «مدارس الحياة» تنعش مكتبات دبي العامة
  • كيف يؤثر نمط الحياة الصحي بشكل إيجابي على مرضى سرطان البروستاتا
  • يوم اتولد فيه معنى الحياة.. يسرا تحتفل بعيد انتصارات أكتوبر
  • ما القمر العملاق الذي يُنير سماء العالم العربي غدا؟
  • شاهد بالفيديو.. مسيرات “الدعم السريع” تدمر سوق المحاصيل في الأبيض
  • كتلة الأوراق المتساقطة من أشجار الغابات في الشرق الأقصى الروسي وتأثيرها على التربة
  • تحذر أممي من مخاطر محتملة على المحاصيل الزراعية والمواشي باليمن