لجريدة عمان:
2025-12-05@12:18:48 GMT

إبادة تعليميّة وثقافيّة

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

إبادة تعليميّة وثقافيّة

لم تقتصرْ حرب الإبادة الجماعية، التي تُرتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد جيش الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر 2023 على العنصر البشري فحسب، بل امتدّ الأمر ليصل إلى إبادة تعليمية ثقافية تراثية غير مسبوقة على مستوى العالم، تحدث في قطاع غزّة على وجه التحديد.

الأمم المتحدة حذّرت مُبكّرا من "إبادة تعليمية مُتعمّدة" في قطاع غزة، في أعقاب تدمير أكثر من 80% من مدارسه.

ووفقا للأمم المتحدة، فإنّ مصطلح "الإبادة التعليمية" يشير إلى المحو المُمنهج للتعليم، من خلال اعتقال، أو احتجاز، أو قتل المعلمين والطلبة والموظفين، وتدمير البُنية التّحتية التعليميّة.

جميع طلبة غزة في مرحلتي التعليم العام والتعليم العالي، أي نحو 800 ألف طالب وطالبة، سواء في المدارس الحكومية، أو مدارس أبناء اللاجئين التابعة لوكالة الغوث، أو المدارس الخاصّة، أو مؤسسات التعليم العالي، لم يلتحقوا بمدارسهم ولا جامعاتهم، منذ بدء الحرب، لأنه لم يعدْ هناك أبنية تعليمية قائمة في القطاعين، ولم يعدْ هناك بيئة تعليمية تربوية أكاديمية مواتية أو متوفّرة أو آمنة، بل لم يعدْ هناك ظروف صالحة للعيش أصلا، كما تم حرمان نحو 40 ألف طالب وطالبة من تقديم امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" هذا العام. وهذا الأمر لم يحدث على مدار تاريخ الشعب الفلسطيني.

الأبنية والمرافق التربوية والتعليمية، لا سيّما المدارس، أصبحت أماكن ومقرّات لإيواء النازحين، وفوق هذا وذاك، يتم استهدافها بالقصف والتدمير على مدار الساعة، حيث أصبحت هياكل محطّمة لا تصلح لشيء، ولم تعدْ تقي من مطر الشتاء ولا حرّ الصيف.

وفي إحصائية رسمية لوزارة التربية والتعليم، غير نهائية والأعداد فيها متزايدة، أشارت إلى استشهاد أكثر من 11 ألف طالب وطالبة من المدارس والجامعات، وما يزيد عن 600 معلم، ونحو مائة أستاذ جامعي، عدا عن عشرات الآلاف الذين أصيبوا بإعاقات وعاهات دائمة، وجروح وأمراض مستعصية لا يبرؤون منها. كما تم تدمير 450 مدرسة وكلّية وجامعة ومؤسسة تعليمية تدميرا كليا وجزئيا، معظمها لم يعدْ آمنا ولا صالحا حتى لإيواء النازحين والمُشرّدين.

الدمار الشامل لحق بكل المرافق، شلل تام، وخراب كبير، طال البشر والشجر والحجر، لم يعد هناك شيء صالح للعيش في محافظات غزة، دخان وركام، وأتربة وغبار، ودخان يلفّ كلّ الأرجاء، حتى الأجواء صابها التلوّث، وصُبغت بالسّخام والدماء القانية، فيما الأشلاء البشريّة اختلطت بكل شيء، وبهذا يمكن القول إن الإبادة طالت كل شيء؛ مادّي أو معنوي، ملموس أو محسوس، مخفي أو مرئي، الأمر الذي يحتاج إلى سنوات عديدة، لعلّها تكون قادرة على إزالة آثار الحرب والعدوان.

هذا الشلل القاتل، والشامل، والمميت، في غزة قد يستمرّ سنوات، وهو ما يهدّد بمحو الوعي لدى جيل فلسطيني كامل، وقد يزرع في النفوس عُزوفا طوعيا عن التعليم والثقافة تحت ضغط الفقر والبطالة والحرمان، وقلّة ذات اليد.

وفي الجانب الثقافي التراثي، عملت آلة الاحتلال على تدمير مُتعمّد لما يزيد عن 200 موقع تراثي، ومنشأة تاريخية وتراثية، بما في ذلك الأرشيف المركزي لغزة، الذي يحتوي على 150 عاما من التاريخ الموثّق، إضافة إلى هدم 227 مسجدا تاريخيا، و3 كنائس أثرية قديمة، و13 مكتبة عامة، وعشرات مراكز البحوث والدراسات والمختبرات والمكاتب والمراكز والمؤسسات الثقافية، والأسواق والأحياء الشعبية، التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، إضافة إلى تدمير متاحف ومسارح وجداريات وقلاع، ومخطوطات، كلّ ذلك بهدف محو الذاكرة الوطنية، وطمس الهوية والتراث التاريخي، وتقويض أسس المجتمع الفلسطيني وتحويلها إلى أنقاض.

واعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وفقا لتقرير أصدره نهاية شهر يونيو الماضي، حمل عنوان "الإبادة الثقافية"، أن ما يحدث على هذا الصعيد هو جريمة إبادة جماعية تهدف إلى قصد التدمير الكُلّي أو الجزئي للفلسطينيين من خلال طمس تراثهم التاريخي، وهو ما يجوز تصنيفه إبادة ثقافية بحقّهم، على غرار ما قامت به سابقا في مدن وقرى فلسطين التاريخية إبّان النكبة عام 1984، وتقوم به حاليا في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، كما أنّه يُعبّر عن شُبهة إبادة ثقافية تستهدف التخلّص من الآثار المادية التي تربط السكان الأصليين (الفلسطينيين) بوطنهم، ومسح مُتعمّد وممنهج لتاريخهم وتراثهم.

ومن أبرز الأماكن الأثرية والثقافية المُدمّرة: المسجد العمري، وكنيسة بيرفيريوس، وميناء البلاخية، وقصر الباشا الأثري، وكنيسة جباليا البيزنطيّة، ومركز رشاد الشوا، الذي يعتبر أحد أهم المعالم الثقافية في مدينة غزة.

وحسب التقرير، فإن هناك شبهات أيضا حول قيام قوات الاحتلال الإسرائيلية بسرقة المقتنيات الأثرية الموجودة في متحف قصر الباشا، ومخزن غزة للآثار، وعدة أماكن أثرية أخرى، مُلقيا المسؤولية على المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية، وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" للقيام بواجباتهم والحفاظ على الممتلكات الثقافية الفلسطينية، وفقا لاتفاقية "لاهاي" لحماية الممتلكات الثقافية في حالات الحرب، التي تُعدّ إسرائيل من الدول الموقّعة عليها، حيث يُحظر نقل القطع الأثرية من الأراضي المحتلة، ويُعتبر ذلك سرقة ونهبا للممتلكات الثقافية، ويُشكّل انتهاكا لقوانين حقوق الإنسان الدولية، كما هو مفصّل في اتفاقية الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

• عبد الحكيم أبو جاموس كاتب وشاعر فلسطيني وأخصائي بمجال التربية والتعليم

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لم یعد

إقرأ أيضاً:

اتهامات لوزارة الخارجية البريطانية بتعديل تقرير حذّر من إبادة وشيكة في دارفور

كشف تقرير صحافي أن وزارة الخارجية البريطانية حذفت أجزاء حساسة من تقييم للمخاطر يخص الحرب في السودان.

أوضح محلل شارك في إعداد هذا التقييم أنه مُنع من إدراج تحذير واضح بشأن احتمال وقوع إبادة جماعية في إقليم دارفور، واستُعيض عنه بصياغة مخففة تلمّح فقط إلى احتمال عودة الصراعات السابقة.

واعتبر في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" أن هذا التحذير كان جزءًا أساسيًا من التقرير الذي جُمِع بعد وقت قصير من اندلاع الحرب الأهلية العنيفة.

وقال المحلل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنّ حذف التحذير جاء بهدف حماية الإمارات، الحليف الأساسي للمملكة المتحدة، والمتهمة بتسليح قوات الدعم السريع التي ترتكب أعمال عنف ذات طابع إبادي في السودان.

وأضاف: "تمت إزالة كلمة إبادة جماعية من تقريرنا. أي شخص درس السودان، وأنماط سلوكه، كان يعلم أن الإبادة الجماعية كانت احتمالًا قائمًا".

Related السودان.. المنسّقة الأممية تدق ناقوس الخطر: عشرات الآلاف محاصرون في الفاشر والغذاء لا يكفي"مئات الجنود وسفن نووية".. ما تفاصيل العرض السوداني لإنشاء أول قاعدة بحرية لروسيا في إفريقيا؟السودان: البرهان يدعو ترامب إلى التدخل لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين

وفي سياق موازٍ، نقلت "الغارديان" عن مسؤول سابق في وزارة الخارجية كان مرتبطًا بفريق منع الفظائع أنه يرجّح بدوره أن قرار منع التحذير اتُّخذ لتفادي وضع الإمارات تحت التدقيق.

ولفت إلى أن إثارة مخاوف الفظائع في دارفور واجهت صعوبات مشابهة لتلك التي صادفها خلال محاولاته التحذير من انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالنزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

عنف متواصل في السودان

تزامن إعداد التقرير الذي تضمن التحذير المحذوف مع أعمال العنف العرقي في دارفور، المنطقة التي شهدت قبل نحو عشرين عامًا إبادة جماعية ارتكبتها ميليشيات الجنجويد، التي تشكّل لاحقًا نواة قوات الدعم السريع، وتسببت بمقتل نحو 300 ألف سوداني.

بعد شهرين من الوثيقة التي يُقال إنها خضعت للرقابة، يرجح أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في مدينة الجنينة، حيث تقدّر الأمم المتحدة مقتل نحو 15 ألف شخص من المجموعات غير العربية والإفريقية.

وفي الشهر الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، ما أدى إلى موجة جديدة من القتل الجماعي المنهجي، شبّهها خبراء ببدايات الإبادة الجماعية في رواندا.

وبينما تحوّلت المدينة إلى ما يشبه مسرح جريمة مفتوح، تشير المعلومات الاستخباراتية إلى أن قوات الدعم السريع أمضت أسابيع في التخلص من الأدلة، مع اكتشاف مقابر جماعية وترجيحات بحرق جثث. ولا يزال عشرات الآلاف من سكان الفاشر مفقودين.

عائلات سودانية نازحة من الفاشر تحاول الحصول على الطعام Marwan Ali/AP

وتُعدّ الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني والميليشيات المتحالفة معه، وقد ظلت تحت حصار كامل لأكثر من عام ونصف قبل سقوطها في أواخر أكتوبر. ويقدّر أن نحو 80 ألف شخص فرّوا إلى مخيم ضخم في بلدة طويلة، قاطعين 35 ميلًا سيرًا على الأقدام، بينما كان المخيم يضم أصلًا نحو 600 ألف نازح. ورافق النازحين سيل من الشهادات المروعة عن الإعدامات الميدانية والاغتصاب الجماعي وقتل من يحاول الفرار.

وأظهر تحليل صور الأقمار الصناعية وجود دماء وأكوام من الجثث بعد سيطرة القوات على المدينة، فيما أعلن مرصد أممي للأمن الغذائي انتشار المجاعة في الفاشر والمناطق المحيطة. وقد وصفت الأمم المتحدة الحرب الأهلية في السودان بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، إذ قُتل خلالها عشرات الآلاف وشُرّد ملايين آخرون.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • اتهامات لوزارة الخارجية البريطانية بتعديل تقرير حذّر من إبادة وشيكة في دارفور
  • الإبراهيمي: ما يحدث في غزة إبادة معروفة للجميع.. وإسرائيل تتغلغل في المغرب (شاهد)
  • الإبادة الثقافية
  • جهاز مدينة بدر: إغلاق وحدة سكنية بسبب تحويلها إلى سنتر تعليمي بدون ترخيص.. صور
  • إبادة الثقافة، ثقافة الإبادة
  • القبض على شخص يدير كيانًا تعليميًا للنصب على المواطنين بالقاهرة
  • كيان تعليمي وهمي.. حبس المتهم بالنصب والاحتيال على المواطنين بمدينة نصر
  • لنقتفي أثر المانيا .. في إبادة الخنازير .. للتخلص من الكلاب الضالة
  • العدو الصهيوني يعتقل 21 ألف فلسطيني في الضفة والقدس منذ بدء حرب إبادة غزة
  • إبادة بصمت مع سبق الإصرار..!