من المسلم به في أي مخاض تطويري يهدف الى تحقيق غاية طيباوية من خلال فكرة أو مشروع سواء كان مجالها إنسانيا أو حضاريا أو علميا أو نهضويا أن يسير بعجلتين: العجلة الفكرية والعجلة الحركية ونقصان أي عجلة منهما يعني أنه مشروع ناقص لن يصل إلى هدفه وسوف يتعثر ويتوقف عند الخطوات الأولى، وهذا الأمر سنة كونية، فالعجلة الفكرية هي الإطار التنظيري والفكري للمشروع والعجلة الحركية هي الخطوات العملية التي توضح الإطار النظري لهذا المشروع.
جميع المشاريع التي تحمل طابع الحملات"مثلا" وتنفذ في فترة قصيرة لا تتجاوز السنة، يقبل عليها ويتفاعل معها الناس، بينما الملاحظ انهم لا يحبون المشاركة في المشاريع الاستراتيجية التي تحمل أهدافا تتجاوز البضع سنوات. أتحدث عن (مزاج عام) أو طريقة في التفكير يلاحظها كل من يحاول خوض المشاريع العملية أو الثقافية التي تحاول ان تغير الوعي وتؤسس لثقافة أو ممارسة جديدة، وأكثر ما تعاني منه هذه المشاريع عندما تكون إحدى العجلات أبطأ أو أسرع من العجلة الأخرى هو فقدان الاتزان، فيحدث خلل في سير المشروع، ويبدأ التعثر وتضيع البوصلة والنتيجة هي فشل ذريع في تحقيق الهدف.
إن أخطر ما تواجهه مشاريع التغيير هي المراهقة الفكرية والشيخوخة الحركية، بمعنى أن يكون الإطار النظري والفكري للمشروع عبارة عن قفزات هوائية أو آراء ارتجالية أو شطحات فكرية، أو تكون الخطوات العملية ثقيلة الحركة فماذا تكون النتيجة؟ فقدان الثقة والإيمان والرغبة في التغيير والتطوير وآثار سلبية اخرى قد تمتد زمنا طويلا حتى يعاد بناء الثقة لخوض غمار هذه المشاريع مرة أخرى.
في أوليات الفكر التي لا يجهلها النّاس، أنّ الإنسان كائن اجتماعي ومفكّر وإذا كان الإنسان كائناً مفكراً، فما وظيفة هذا الفكر؟ إنّ الفكر حين يتعامل مع ذاته فهو فكر متأمّل وحين يتعامل مع الأِشياء ومع الأحداث ومع وقائع الحياة فهو فكر ناقد وسائس!، وهذا يعني أن أي فكر لا يتعامل بمنطقية مع الأحداث والوقائع فهو فكر ناقص ولن يكون صمام أمان لمشروع التغيير أو أي مشروع آخر، وهذا مكمن الخطر فتعامل الفكر مع نفسه فقط دون النظر في واقع الحياة والأحداث هي مراهقة فكرية.
إن الخروج من دائرة التفكير الذاتي إلى دائرة التفكير الشامل يعني أن العجلة الفكرية للمشروع على أتم الاستعداد للانطلاقة والتحرك نحو الهدف و يبقى الجزء الآخر أو العجلة الأخرى وهي العجلة الحركية، تلك التي يجب أن تتناغم مع العجلة الفكرية في الحركة والمسير وإلا حدث الانحراف بغض النظر عن شكل هذا الانحراف.
إن الشيخوخة الحركية يعني أننا نسير إلى الوراء فالأحداث متسارعة وتقلبات العالم سريعة، وحين نسير بهذا البطء غير المبرر ، يعني ذلك أننا نسير نحو نهاية واضحة منذ البداية، نهاية لا تحقق هدفا انسانيا او فكريا نهضويا ساميا. ربما الحديث عن تغيير قناعات الناس ليس بالأمر السهل - وليس بالذي أرمي إليه هنا- وإنما ما أريد قوله أنه بإمكاننا أن نخضع المشاريع التغيرية إلى إيقاع منتظم في منظومة طويلة من الحملات القصيرة المخططة كجزء من عمل مدروس ومنتظم يطور نفسه ويحافظ على أهدافه إذا كان من يدير المشروع واعيا لاتجاه بوصلته وغايات رحلته.
إننا حين نسخر أنفسنا لمشاريع التغيير، فهذا يعني أننا أمام جانب مهم يتناول الإنسان من الداخل بالتحفيز ويتناول المجتمع بالتطوير الهادف لتحقيق واستدامة مبادئ الانضباط والمهنية والعدل والنور والعلم والمعرفة، والمحصلة إننا نحتاج حقيقة إلى رشد فكري بمعنى النضج العقلي والنفسي المتزن وإلى مراهقة حركية بمعنى نشاط مستمر وتفاعل مع الأحداث وهمة لا تفتر حتى لا يصبح طرفا المعادلة الرغبة في التغيير والفشل في إدارة التغيير أكثر صعوبة ويتحول التغيير الى شماعة نعلق عليها شيخوختنا الفكرية وفشلنا في التقدم ومجاراة قطار الحضارة الذي لا ينتظر أحد.
د. خالد الحمداني كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: یعنی أن
إقرأ أيضاً:
المملكة تقفز إلى المرتبة 13 عالميًا في مؤشر إنفاذ حقوق الملكية الفكرية ضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2025
حققت المملكة إنجازًا نوعيًا جديدًا بتقدمها (14) مرتبة لتصل إلى المرتبة (13) عالميًا في مؤشر إنفاذ حقوق الملكية الفكرية، وذلك ضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2025، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، والذي يعد واحدًا من تقارير التنافسية الرئيسة التي يتابعها المركز الوطني للتنافسية بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.
ويُجسد هذا التقدم الكبير الجهود التي تبذلها الهيئة السعودية للملكية الفكرية في قيادة وتطوير منظومة إنفاذ حقوق الملكية الفكرية وتعزيز كفاءتها، إذ تقدّمت المملكة من المرتبة (27) في نسخة عام 2024 إلى المرتبة (13) من بين (69) دولة في تقرير هذا العام.
ويأتي هذا الإنجاز مدفوعًا بجهود متكاملة بذلتها المملكة لتعزيز إنفاذ حقوق الملكية الفكرية محليًا ودوليًا، ورفع كفاءته على المستويين المؤسسي والقضائي، فقد شكّلت مبادرات وطنية رائدة مثل مجلس الاحترام واللجنة الدائمة للإنفاذ ومسؤول احترام الملكية الفكرية؛ نماذج فعّالة في ترسيخ الحوكمة وتعزيز التكامل بين الجهات ذات العلاقة، وأسهم إنشاء نيابة عامة متخصصة في قضايا الملكية الفكرية في رفع كفاءة منظومة التقاضي وتسريع الإجراءات العدلية.
ومن بين أبرز الخطوات الداعمة لهذا التقدم أيضًا، تنفيذ حملات توعوية شاملة تناولت جوانب الإنفاذ الميداني والرقمي، إلى جانب تعزيز الشفافية والتواصل من خلال لقاءات دورية مع أصحاب الحقوق، وتوسيع نطاق التنسيق مع مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
يُشار إلى أن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية يُعد مرجعًا دوليًا لمقارنة تنافسية الاقتصادات حول العالم ويشمل أكثر من 300 مؤشر فرعي، ويقيس أداء الدول عبر أربعة محاور رئيسة تتمثل في الأداء الاقتصادي والكفاءة الحكومية وكفاءة الأعمال والبنية التحتية.