مستقبل اليمن بعد عام على معركة الطوفان
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
غدا هو السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وبحلوله يكتمل عام ميلادي منذ طوفان الأقصى الذي شكل أول اختراق خطير في الجدار الصلب للكيان الصهيوني، ونال من العظمة العسكرية والقوة اللتين تكرستا في هذه البقعة الجغرافية من أرض الله المباركة؛ بفعل الدعم الهائل والمفتوح الذي وفرته ولا تزال توفره الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية السابقة والحالية، وتضعه بين يدي الصهاينة، لكن اليمن ومعه المنطقة والعالم، هي اليوم تحت التأثير الجيوسياسي الهائل لمعركة الطوفان، إلى الحد الذي يصعب معه تقدير ما سيكون عليه الحال خلال الفترة المقبلة.
لقد دخل اليمن على خط المواجهة الإقليمية، لا بصفته دولة، بل عبر جماعة مسلحة بإمكانيات دولة، التقت مصالحها بشكل مثالي مع الطموحات الجيوسياسية لإيران، عند نقطة الالتحام بالقضية الفلسطينية والانتصار لها، وبدا الجهد العسكري الذي يقوم به الحوثيون فرصة تاريخية ثمينة، خصوصا أن خيار التأثير على الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر كان أحد الخيارات المطروحة، على خلفية التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، كما كشف عن ذلك عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة محمد علي الحوثي في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
لقد دخل اليمن على خط المواجهة الإقليمية، لا بصفته دولة، بل عبر جماعة مسلحة بإمكانيات دولة، التقت مصالحها بشكل مثالي مع الطموحات الجيوسياسية لإيران، عند نقطة الالتحام بالقضية الفلسطينية والانتصار لها، وبدا الجهد العسكري الذي يقوم به الحوثيون فرصة تاريخية ثمينة، خصوصا أن خيار التأثير على الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر كان أحد الخيارات المطروحة
لقد وضع الحوثيون خصومهم في الطرف الآخر من المعركة الدائرة على الساحة اليمنية، حول مستقبل الدولة، في مأزق حقيقي، من خلال انخراطهم في معركة الدفاع عن غزة، متكئين على الموقف التاريخي المشرف للشعب اليمني من القضية الفلسطينية، فجاء هذا الانخراط مزيجا من المغامرة والمناورة، مستفيدين إلى حد كبير من الوضع غير القانوني للجماعة، والمساحة الجغرافية الكبيرة التي تركها التحالف العربي عمدا تحت سيطرتها، ليصبح اليمن إحدى جبهات المناورة الجيوسياسية لإيران، التي باتت رغم ثقلها الظاهري أحد الضحايا غير المتوقعين لمعركة الطوفان الفلسطينية.
لقد استثمرت الولايات المتحدة بالتنسيق المباشر وغير المباشر مع إيران في بناء النفوذ العسكري لجماعات ما دون الدولة، قبل وبعد سقوط الدولة الوطنية في العراق، إلى درجة أن دولا مثل لبنان واليمن وسوريا والعراق هي عمليا تحت السيطرة المطلقة لجماعات ما دون الدولة.
ودعونا نكون صريحين، فالوضع الهش للدول التي أُعيد إنتاجها بعد الربيع العربي، ومصر أنموذج مثالي لهذه الدول، ما كان ليسمح لها بأن تُحدث هذا المستوى من خلط الأوراق الذي تسببت به الجماعات المسلحة الهيمنة على الدول. على أن الخطورة الحقيقية لهذه الجماعات تكمن في أن النتائج المباشرة لانخراطها فيما يفترض أنها معركة أخلاقية بامتياز إلى جانب فلسطين، لن تؤول لصالح الشعوب ولن تُراكم القوة لدى الدول بقدر ما ستنقل المنطقة إلى مستقبل يسود فيه غبن الأغلبية واستضعافها وإهانتها باسم فلسطين.
يمتلك معسكر الأغلبية المقهورة في اليمن قوة أخلاقية وحجة ناصعة، بينما يخوض بأقل القليل من الإمكانيات، معركة استعادة الدولة اليمنية، في مواجهة انقلاب واضح على الهوية الوطنية والدينية للشعب اليمني، يهدد وحدة الشعب اليمني السياسية والجغرافية، ويضعف أكبر كتلة سكانية في شبه الجزيرة العربية، ويحولها إلى نقطة ضعف في المواجهة الاستراتيجية الشاملة مع أعداء الامة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب.
يما تتغول جماعة الحوثي سياسيا وعسكريا شمالا، يمضي المجلس الانتقالي ورموزه، وهم كانوا على صلة وثيقة بخلية الضاحية الجنوبية لبيروت، في مهمة كاريكاتورية نحو إعادة إنتاج الدولة الجنوبية الموعودة، تحفهم العناية الإقليمية، وتوفر الدولة اليمنية كافة نفقات تنقلاتهم الخارجية
فتحت الأضواء الساطعة عليها والأجواء الصاخبة التي خلفها انخراطها في معركة الدفاع عن غزة، تمضي جماعة الحوثي بوتيرة أعلى بكثير من ذي قبل، في تغيير واسع النطاق للمناهج التعليمية، وفي استحداث منظومة تعليمية طائفية موازية تستأثر بالموارد والإمكانيات وتؤثر بعمق على النظام التعليمي على كافة المستويات، وأخطرها الإهمال المتعمد للكادر التعليمي والمرافق المدرسية وإعادة استخدامها كمقرات لسكن طلاب التعليم الديني "الحوزوي"، كما هو الحال في بعض المدارس الواقعة في قلب مدينة صنعاء التاريخية.
التغيير يطال بقوة بينة الاقتصاد، حيث يجري هدم المنظومة الاقتصادية التي تأسست عبر العقود الستة الماضية، وتأثرت البيوت التجارية الكبيرة ورجال المال والأعمال، وخسر الجميع امتيازاتهم التجارية القانونية، والتوكيلات لصالح المجموعة الجديدة من رجال الأعمال الذي ينخرطون في أكبر عملية غسيل أموال تشهدها البلاد، إلى حد بات معه كبار التجار مجرد تجار وسطاء بين أصحاب التوكيلات الجدد وباعة التجزئة، تحت وقع المرارة التي تغص بها حلوق كبار الصناع والتجار في البلاد.
وفيما تتغول جماعة الحوثي سياسيا وعسكريا شمالا، يمضي المجلس الانتقالي ورموزه، وهم كانوا على صلة وثيقة بخلية الضاحية الجنوبية لبيروت، في مهمة كاريكاتورية نحو إعادة إنتاج الدولة الجنوبية الموعودة، تحفهم العناية الإقليمية، وتوفر الدولة اليمنية كافة نفقات تنقلاتهم الخارجية، مثلما هو حال عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي.
فقد شارك الزُّبيدي ضمن وفد الجمهورية اليمنية في أعمال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه حول المشاركة إلى سلسلة من الأنشطة الممولة والمنسقة من جانب الإمارات، وكلها تصب في خانة تبييض الموقف الأمريكي في البحر الأحمر، وتسهم في جعل تقسيم اليمن قضية قابلة للنقاش في الأروقة الدولية.
x.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن الفلسطينية إيران إيران فلسطين اليمن الحوثيين طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مصر بعد ثورة 30 يونيو.. قرارات سيادية أنهت الجماعة وأعادت الهيبة للدولة
لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد موجة غضب عابرة أو حراكًا احتجاجيًا محدودًا، بل لحظة فارقة في التاريخ المصري الحديث، حين قرر الشعب أن يستعيد دولته من قبضة جماعة حاولت اختطافها.
خرج الملايين في مشهد غير مسبوق، رفضًا لحكم جماعة الإخوان، التي أثبتت خلال عام واحد فقط فشلها في إدارة الدولة، وسعيها المحموم لأخونة مؤسساتها، وضرب مقومات التعددية، وفرض واقع لا يعبر عن المصريين.
ومع انحياز الجيش بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإرادة الجماهير، بدأت مرحلة جديدة، انطلقت خلالها قرارات حاسمة أعادت للدولة هيبتها، ومهدت الطريق لبناء جمهورية جديدة وكانت اهم القرارت كالآتي:
عزل مرسي
في الثالث من يوليو 2013، أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة وقتها، عزل محمد مرسي من رئاسة الجمهورية، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بتولي إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية.
جاء القرار بعد مهلة 48 ساعة منحتها المؤسسة العسكرية لإيجاد مخرج سياسي يرضي الجماهير، دون استجابة حقيقية من الرئاسة، ما دفع القوات المسلحة لإعلان خارطة طريق.
دستور جديد وانتخابات رئاسية
في إطار استعادة مؤسسات الدولة، أطلقت القيادة المصرية خارطة طريق شملت تعديل دستور 2012 الذي صيغ في عهد الإخوان، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة.
وبالفعل، تم تكليف المستشار عدلي منصور بتولي رئاسة الجمهورية مؤقتًا، بينما شكلت لجنة الخمسين لإعداد دستور جديد يعبر عن تطلعات الدولة المدنية الحديثة. وفي عام 2014، أقر الدستور الجديد بأغلبية ساحقة، ليشكل أول خطوة في بناء دولة ما بعد الجماعة.
تفويض شعبي لمكافحة الإرهاب
في 26 يوليو 2013، وجه السيسي نداء إلى الشعب المصري طالبًا منحه تفويضًا شعبيًا لمواجهة الإرهاب المحتمل والعنف المسلح.
استجاب الملايين لهذا النداء واحتشدوا في الميادين،
مثّل هذا التفويض غطاءً سياسيًا وأمنيًا لبدء المواجهة الشاملة مع الجماعة الإرهابية خاصة في سيناء، وتفكيك شبكات التمويل والتحريض التي خرجت للعلن عقب سقوط حكم الجماعة.
تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي
في ديسمبر 2013، أعلنت الحكومة المصرية رسميًا جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، القرار لم يكن رمزيًا، بل تضمن تبعات قانونية شملت تجميد أموال الجماعة، وملاحقة أعضائها، واعتبار أي دعم مباشر أو غير مباشر لها جريمة يعاقب عليها.
كان هذا التصنيف بداية مواجهة قانونية مع التنظيم، وقطعًا واضحًا لأي إمكانية للعودة إلى المجال السياسي تحت عباءة الجماعة.
تعديل الدستور.
أبرز التحولات السياسية بعد الثورة تمثلت في تعديل الدستور عامي 2014 و2019، حيث حذفت المواد التي كانت تمنح غطاءً شرعيًا لخطاب الجماعة داخل مؤسسات الدولة.
تم تثبيت مدنية الدولة كمبدأ دستوري، وتحصين دور الجيش في حماية الشرعية الدستورية، وضمان استقلال القضاء.
كما أضيفت مواد تعزز دور المرأة والشباب، وتمنع تسلل أي تيار ديني إلى السلطة.
حل الجمعيات المرتبطة بالإخوان
في ضوء تصنيف الجماعة تنظيمًا إرهابيًا، بدأت الدولة حملة لحل الجمعيات الأهلية التي ثبت ارتباطها بالتنظيم.
شملت الحملة أكثر من 1000 جمعية ومؤسسة، جرى التحفظ على أموالها ومقراتها، وإحالة إدارتها إلى جهات حكومية مختصة.
وكان الهدف منها قطع التمويل المحلي والدولي الذي كانت تتلقاه الجماعة.
تطهير مؤسسات الدولة
بدأت الدولة المصرية بعد الثورة خطوات إدارية وأمنية تهدف إلى تطهير مؤسسات الدولة من عناصر الجماعة ، خاصة في الوزارات والمحليات وقطاع التعليم.
جاءت تلك الإجراءات بعد تقارير رقابية وأمنية أثبتت وجود شبكات تنظيمية داخل مفاصل الدولة، كانت تمكن الجماعة من فرض أجنداتها حتى بعد سقوطها من الحكم.
قانون الكيانات الإرهابية.
في عام 2015، أقر البرلمان قانون الكيانات الإرهابية، الذي منح الدولة أداة قانونية صارمة لمواجهة الإرهاب والتنظيمات غير الشرعية.
عرف القانون الكيان الإرهابي بشكل دقيق، وسمح بإدراج الأفراد والكيانات على قوائم الإرهاب، مع ما يترتب على ذلك من تجميد الأموال والمنع من السفر وتوقيع العقوبات.
إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب
لم تكتف الدولة بالمواجهة الأمنية، بل أطلقت استراتيجية شاملة لمكافحة التطرف، شملت:
• إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف.
• تطوير الخطاب الديني بالتعاون مع الأزهر والأوقاف.
• دعم التعليم والإعلام لمواجهة الفكر المتشدد.
كما نجحت القوات المسلحة في تطهير مناطق واسعة من شمال سيناء، وتدمير بنية التنظيمات الإرهابية التي استخدمت الفراغ الأمني ما بعد 2011.
إغلاق المنابر الإعلامية للتنظيم
اتخذت الدولة أيضًا قرارات لإغلاق القنوات والمواقع التابعة للجماعة، التي كانت تبث خطابًا تحريضيًا.
شملت الإجراءات مراقبة التمويل الخارجي، وضبط ترددات البث، ومخاطبة المنصات الدولية لمنع بث قنوات التحريض من الخارج.
دولة استعادت هيبتها
بفضل مجموعة من القرارات السيادية المدروسة، استطاعت الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو أن تنهي تمدد جماعة الإخوان، وتعيد بناء المؤسسات على أسس وطنية.
وقرر الشعب ان لا يسمح باختطاف الوطن، وأعادت مصر تعريف نفسها كدولة ذات سيادة وهيبة.
قال كمال ريان، المتخصص في الشؤون البرلمانية والرئاسية، لـ صدى البلد إن جماعة الإخوان ارتكبت خطايا جسيمة في حق الشعب المصري، وليست مجرد أخطاء عابرة، وهو ما عجل بسقوطهم السريع وفضح مخططاتهم مبكرًا أمام الناس.
وأكد ريان أن الشعب كشف خداع الجماعة منذ اللحظة الأولى، قبل حتى أن يرفعوا شعار “مشاركة لا مغالبة” الذي استخدموه لخداع القوى السياسية، لكنهم لم يلتزموا به على الإطلاق، وسرعان ما سعوا للسيطرة الكاملة على المشهد السياسي.
وأضاف أن الخدعة الكبرى الثانية كانت حين أعلنوا أنهم لن يخوضوا انتخابات الرئاسة، ثم فوجئ الجميع بأنهم دفعوا بمرشح رئاسي، رغم وعودهم العلنية بعدم الترشح، وعندما تم رفضه دفعوا بمرشح احتياطي، في إصرار غريب على خرق كل الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم أمام الشعب.
وشدد ريان على أن هذه الخيانات المتكررة والوعود المهدرة أدت إلى تراكم الغضب الشعبي، خاصة بعد أن سعى الإخوان بشكل محموم إلى “أخونة الدولة”، واستبدال الكفاءات في مؤسسات الدولة بكوادر منتمية للتنظيم، وهو ما وصفه بـ”الأمر المفجع”.
وتابع كمال مع كل هذه التصرفات، بدأ الغضب الشعبي يتصاعد، خاصة بعد الإعلان الدستوري الذي رفضه المصريون بالكامل وخرجوا ضده في مظاهرات حاشدة، ثم جاءت مواجهات الاتحادية لتزيد الوضع سوءًا وتكشف الوجه الحقيقي للجماعة.
وأشار ريان إلى أن تلك الأحداث المتلاحقة دفعت شرائح واسعة من الشعب المصري، والتي كانت مخدوعة في الجماعة، إلى التراجع عن دعمها بل ومعارضتها بقوة، ومع تتابع الأخطاء اتسعت رقعة الرفض الشعبي.
وقال كان من بين الوعود الفارغة التي أطلقوها، وعدهم بحل الأزمات الكبرى خلال مائة يوم فقط من تولي الرئاسة، وهو كلام لا يصدقه عقل ويعكس قدرًا كبيرًا من السذاجة وقلة الدراية بحقيقة الأوضاع في البلاد.
ولفت كمال ريان إلى أن من بين أخطر ما ارتكبته الجماعة كان استعداء مختلف فئات الشعب، بدءًا من القضاء والشرطة، مرورًا بالمثقفين والفنانين، وصولًا إلى محاولاتهم تمرير قوانين تعزز سلطتهم وتستبعد الجميع.
وختم كمال ريان تصريحاته قائلاً لقد كان سقوط الجماعة نتيجة حتمية لسلوكهم المعادي للدولة والمجتمع، فهم لم يحترموا التعددية، ولم يدركوا طبيعة الشعب المصري الذي سرعان ما لفظهم بعد أن كشف زيف شعاراتهم.