لجريدة عمان:
2025-06-03@09:33:55 GMT

قصيدة رديئة

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

تبدأ الروائية الإيرلندية الرائعة - لا على صعيد الكتابة فحسب، بل ولمواقفها المشرفة، سالي روني - التي خرجت لنا قبل أيام في مهرجان أدبي لتدين الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزة روايتها العذبة "أيها العالم الجميل أين أنت" بهذا الاقتباس لنتاليا جينزبيرج "أكتب شيئًا ما، أفكِّر عادةً في أنَّه شديد الأهمِّيَّة، وأنَّني كاتبةٌ ممتازة.

أظنُّ أنَّ الجميع يشعرون بذلك. لكن هناك ركنًا في رأسي أعرف فيه حقيقتي جيِّدًا؛ أنَّني صغيرة، كاتبةٌ ضئيلة الشأن. أنا متأكِّدة، لكن ذلك لا يهمُّني كثيرًا». وهي بذلك ترد على من اعتبرها كاتبة أدب تجاري رديء يحبه المراهقون. قد يكون ما تكتبه روني كذلك، لكنها لا تنكر على كتابتها إمكانية الضآلة وقلة الموهبة. أما رولان بارت الذي كتب في النقد الأدبي ما أصبح مرجعاً مهماً في نظريات الأدب فلقد عبر عن انزعاجه في أكثر من موضع في كتابه "يوميات الحداد" العظيم، والذي وثق فيه يومياته بعد وفاة والدته، قائلاً أرجو أن لا يظن أحد بأنني أرمي لكتابة عمل أدبي بهذا العمل رغم أدبيته العالية. كما يُعرف عن أهم الشعراء والكتاب والفنانين شكهم بأنفسهم وبموهبتهم، لقد دُمغت معظم أعمالهم بهذا الشك والريبة. لكن واحداً أطل علينا الأسبوع الماضي بقصيدة، وهو يظن بأنه الأفضل في كل شيء، إنه وبطبيعة الحال أغنى رجل في العالم "ايلون ماسك".

ومن صناعة السيارات والأقمار الاصطناعية وغيرها مروراً بشرائه منصة تويتر وتحويل اسمها الى منصة "اكس" وتصريحاته النازية بخصوص الفلسطينين والأقليات والمهمشين حول العالم، ها هو يتحفنا بكتابة الشعر. أليس سكوبيك كتب نقداً لقصيدة ماسك عبر مجلة current affairs . هذا الناقد الأدبي القدير الذي قال أن الشعر الرديء الذي راجعه في حياته لابد وأنه عقاب كوني على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها في حياته السابقة، لكنه لم يقرأ قصيدة كتلك التي كتبها ماسك الا في مناسبات نادرة. يصف رداءة القصيدة بأنها تسببت تقريبا في إيلامه جسدياً . يتفق ماسك بحسب سكوبيك مع جوردن بيترسون مثلاً، وآخرين نعرفهم، أفكرُ شخصياً أنه الأنسب ليتحمل كلفة حملة دونالد ترامب الانتخابية، تجمعهم بحسب سكوبيك الإشارة المستمرة لحاجة الناس الى التقاليد وللتسلسل الهرمي. هذا بالإضافة للتحيز الجنسي وكراهية النساء، وبحسب قصيدة ماسك هذه فإن غياب الدين وحلول ما أطلق عليه "الدين العلماني" تسبب في يأس الناس وحزنهم. يبدو أن العالم يقع بحسب ماسك بين فكيّ قرش واضحين بالنسبة إليه. وما عدا ذلك لا يمكن إلا أن يكون مهزلة. يدعو ماسك في أكثر من مناسبة لتحسين النسل عبر إنجاب الأذكياء. ألا تذكرنا هذه الفكرة بالليبرالية التقليدية أو الكلاسيكية في أولى أشكالها مع آدم سميث، التي بنيت على أساس التفاوت فيما ينبغي أن يكون عليه المجتمع والجماهير؟ هل يبدو أننا نتقدم فعلاً في عالم يحكمه ماسك وأمثاله بل ويُرهن أمره إليه؟

يذهب سكوبيك بعيداً في قراءة ايمان ماسك بالتسلسل الهرمي، فهو يعتقد بما يعرف ب"الإلهية الجديدة"، والتي تعتبر أن فكرة الدين غير صائبة، لكنها مهمة ومفيدة "لأنه سيحافظ على الغرب". ومع أننا نسأل يحافظ على الغرب من ماذا بالضبط؟ هل من "الشرق" الذي ينكل الأول به كل لحظة، أم من الرأسمالية التي تجعل رجلاً واحداً يمتلك أكثر من نصف ثروة العالم؟ . وبهذا فإن ماسك بحسب سكوبيك يؤطر نفسه كمنقذ للمسيحيين لانهم بديانتهم سيتصرفون بالطريقة التي يعتقد أنه يجب عليهم العمل وفقاً لها، مع أنه ليس مؤمناً على الإطلاق!

يكتب سكوبيك عن أن القصيدة "وعظية" أو "تعليمية" وهو بالضبط ما لا ينبغي أن تكوت عليه القصيدة. إن الشعر يقوم على الفن لا الحجة، فتأتي قصيدة ماسك كسلسلة من التصريحات المباشرة قال سكوبيك عن تركيبها : "إليك ما أعتقد/ إليك شيء ثان عما أعتقد/ وثالث. أنا ذكي جداً. يجب أن تفعلوا جميعاً ما أقوله."

لا يدرك ماسك ومن يشبهونه الخطر الذي يحدق بالعالم مع تصاعد حضور الحركات اليمينية المتطرفة التي يٌغذيها خطابهم بتنويعاته المختلفة، بداية من المنشورات الصغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وصولاً للقصائد ناهيك عن كونها تنزع عن الشعر عاطفيته وقدرته الهائلة على أن يخترع لغةً أخرى، نجترح من خلالها معانٍ غير معبر عنها، ولا يمكن الإفصاح عنها بغير الشعر. لا أقول بأن الشعر فن نخبوي لا يجب أن يكتبه كل الناس، بل أقول أن الغرور الذي يستم به ماسك هو علامة على خسارتنا للكثير، لا بسبب الموضوع الذي عبرت عنه القصيدة بل الأسلوب التي قيلت به كما أتفق مع سكوبيك.

قد ينكر بعض الناس أهمية هذه الممارسات في واقعنا اليوم، لكن هذا يعيدنا مرة أخرى لذلك الجدل الذي لطالما تحدثنا فيه حول أهمية الكلمة والكتابة والفكرة، في عالم لم تحركه سوى الأفكار طيلة تاريخه، الأفكار هي التي أفسحت العالم كما لو كان ملعباً لماسك وأمثاله، والأفكار هي من تكرسه، وهي من ستغيره كذلك.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الشاعرة رقية الحارثية: الطريق إلى الشعر في مسيرتي كان ممهدًا لا مجهولًا

"العُمانية": برزت الشاعرة العُمانية رقية بنت علي الحارثية، كأحد الأصوات الشعرية النسائية في سلطنة عُمان والخليج العربي، والتي بدأت مسيرتها الشعرية في سن مبكرة، وسرعان ما أثبتت حضورها في المشهد الأدبي العُماني والخليجي، كما تميزت بإنتاج شعري غني ومتجدد يجمع بين الشعر العمودي والتفعيلة، ويعكس رؤى إنسانية وروحية عميقة، قدمت العديد من الدواوين الشعرية، منها "قلب آيل للخضرة" و"آنست ظلًا"، والتي تتسم بالعمق والصدق الفني.

تقول الشاعرة إنها آمنت بأن الشعر إلهامًا، حين بدأت إرهاصات الكتابة البسيطة في الصف الثالث الابتدائي وهي تسير مع صديقات الطفولة في حارات القابل، حيث أتتها الكلمات الأولى بردًا وسلامًا، هذه اللحظة بداية عهدها بالشعر كما وصفتها وإن كانت لم تلتزم وقتها بوزن وقافية، ومنها توالت المحاولات وما بعدها من مشاركات مدرسية ومسابقات شعرية، بالإضافة إلى مشاركاتها في احتفالات الولاية بالعيد الوطني.

وأضافت أنها نشأت في بيئة محبة للشعر "فأبواي يحفظانه ويرددان، وإخوتي يتذوقونه ويحفظونه أيضًا، إضافة إلى أن أجدادي ينظمون الشعر ويكتبونه ولديهم مراسلات ويوميات شعرية في ذلك"، في إشارة إلى أن الطريق كان سالكًا وممهدًا، ليس وعرًا ولا مجهولًا منذ البداية والشعر محبب ومرحب به بشدة سواء كان كاتبه رجل أو امرأة ولذلك وجدت تعزيزًا قويًّا من أسرتها لنشر قصائدها في الملحقات الثقافية أو المشاركة في المسابقات.

وأشارت في حديثها حول تأثرها بالشعراء إلى أن الشاعر لا يكون عادة وليد ذاته مع الشعر، بل يؤثر ويتأثر بكتابات الآخرين ويندمج معهم ومن ثم يتشكل قلمه الخاص، حيث تأثرت الشاعرة في بدايات رحلتها مع الشعر بالشاعر أبي مسلم البهلاني وقرأت لأمير البيان عبدالله الخليلي، كما اطلعت على مجموعة متنوعة من الشعر للشعراء مثل إيليا أبو ماضي وأبو العلاء المعري والمتنبي وأبو فراس الحمداني والجواهري وأحمد بخيت وغيرهم.

كل شيء ربما معرّض للنقد، والحقيقة أن الشاعرة تبحث عن النقد البنّاء للنصوص وليس الشخوص، ففي كثير من الأحيان توجه السؤال للقارئ حول ما فهم من القصيدة أو ما هي ملاحظاته في تأكيد على أن النص حين يرسله الشاعر للقارئ لا يعود ملكًا له.

وعن تطور أدب الشعر في سلطنة عُمان ترى الشاعرة أن الشعر له موقعه وهيمنته وأن العُمانيين في حقيقتهم أصحاب كلمة وشعر، والشعر معهَم شكل من أشكال التواصل الإنساني لذلك رغم ما يقال من سيادة النثر يبقى الشعر على رأس الهرم الإبداعي والمفضل لمتذوقي فن الحرف الأصيل.

ووصفت الشاعرة تجربتها الشعرية بأنها في بداية ولادتها ولا زالت تعمل عليها برويّة، وأشارت إلى أنها خاضت تجربة أدبية جديدة متمثلة في كتابة القصص القصيرة لكنها عادت أدراجها للشعر حيث ترى أنه يشبهها كثيرًا على حد وصفها، أما عن مدى ارتباط تجاربها الشخصية بكتابتها الشعرية فأكدت على أنه ليس كل نص شعري وليد تجربة شخصية، وأن الشاعر منظار لمشاعر الناس، عدسة محدبة لما يمر به المرء في هذه الحياة من فرح وحزن، وأن التجارب ليست وحدها من توجِد طريقة الكتابة الشعرية بل هناك عوامل أخرى كثيرة حسب المواقف والظروف.

وترى الشاعرة أن الشعر رسالة إنسانية وأن ما يهم هو الإنسان، فهو جوهر الحياة، لهذا تتطرق في شعرها أحيانًا لقضايا دينية وقومية، فالشعر لابد أن يتناول قضايا الإنسان ويتحدث عنها ويكتبها.

الجدير بالذكر أن الشاعرة رقية الحارثية حصلت على العديد من الجوائز الأدبية، أبرزها، المركز الأول في مسابقة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية في مجال الشعر عن ديوانها "قلب آيل للخضرة"، والفوز بجائزة العام للمرأة العُمانية المرموقة فرع الآداب 2021م، كما حصلت على عدد من التكريمات المحلية والدولية نظير إسهاماتها في إثراء الأدب الشعري النسائي.

مقالات مشابهة

  • 9 سنوات على رحيل محمد على كلاي.. الصوت الذي هز الحلبة والعالم
  • مواهب شعرية في الظل
  • الشاعرة رقية الحارثية: الطريق إلى الشعر في مسيرتي كان ممهدًا لا مجهولًا
  • الدرقاش: القوى التي حاربت الدواعش تنتمي لمصراتة وليست مليشيا الردع
  • أحمد مطر شاعر عراقي ولد ولم يعش ومع ذلك سيموت
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • الجيش الإسرائيلي يدمر نفقا "إرهابيا" بطول 700 متر في غزة
  • الجيش الإسرائيلي يدمر نفقا "إرهابيا" بطول 700 متر في غزة
  • ⛔ لاحظ التعابير التي استخدمها فيصل محمد صالح في هذا اللقاء
  • المتة.. مشروب النجوم الذي يشعل حماس ميسي وسواريز ويغزو ملاعب العالم