مشروعيَّة الاختلاف في فهم النص الديني لا تصادر أولوية الاتفاق
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
أقدّم بين يدي أبنائي وبناتي من طلبة الدراسات الإسلامية بعض القواعد التي قد تفيدهم في تدبير الاختلاف... صغتها على هيئة متون دونَ تفصيل ولا تدليل ولا تذييل، استفدتها من مراجعة أخطائي، وتوجيهات مشايخي، وتقييم تجربتي، نسأل الله اللَّطيف الخبير أن ينفعكم ويرفعكم بها، ومرحبا بأي إضافة أو نقد أو سؤال
1 ـ الاختلاف سُنة إلهية، وتنوُّع الآراء دليلٌ على رحمة الله تعالى للعالمين، وهدايته للخلق أجمعين، إذ فيه توسعة وتيسير على الناس، وتثوير لعقول المجتهدين والباحثين، وهو يضفي على الحياة المتعة والجمال والمرونة، فلو شاء الله لجمع النَّاس على رأي واحد، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير .
2 ـ مهما ترسّخت قناعتك بآرائك؛ فلا تعدو أن تكون مجرَّد اجتهادات في قضايا ظنية، قمت بها أنت، أو قام بها من تُقلِّده وتثق فيه، وإن لم تصرِّح بنسبتها إليه! ولو كان الأمر قطعيَّاً واضحاً لما تعدَّدت فيه الفهوم، فلتغْضُض من صوتك، ولتقصِد في مشيك، فقد تكون قواطع اليوم ظنونَ الغد، وكم من جازم بالأمس نادم اليوم. فالقطع بامتلاك الحقيقة، واليقين بصواب الرأي، دليل على قلّة بضاعتك، وشاهد على ضيق صدرك، وقديما قيل: "تَعلّمْ الخلافَ يتسعْ صدرُك" وكلما ازداد المرء علما اتسعت دائرة ما يجهل، وأعاد النظرَ فيما تَعلّم، وكم من قضايا يجزم المرء بصوابها وصحَّتها، ثمَّ راجع فيها نفسه، وتبدَّل فيها رأيه.
3 ـ مصادرتك لآراء الآخرين، واتّهامك لنيَّاتهم أو قدرتهم على الفهم، هي رعونة أو ضيق أفق، أو خمائر كِبر، سرعان ما تنكشف أو تتكشف لك بمرور الزمن ـ إن كنت على خُلق حسن ـ أمَّا إن كنت مغروراً حسوداً حقوداً، فلن يزيدك مرور الوقت إلا تعصباً وانغلاقاً وتحزُّباً، وكلَّما ازدادت معارفك غُصت أكثر في قاع الأهواء، وردِّ الآراء، وبغض الأقران .
4 ـ المذاهب في العقائد والفقه والسلوك، هي طرائق أهل العلم في تفسير واستنباط الأحكام الظنيَّة، وهي ثروة عظيمة ومستودع خبرات، وهي أشبه بمجامعِ فقهٍ عُقدت عبر قرون من الزمن، أمَّا محكمات وثوابت الشريعة فليست مذهباً لأحد! فلا يصحُّ أن تقول: وجوب الصلاة مذهب أبي حنيفة، وحرمة الخمر مذهب مالك،...!! إنَّما المذهب: "طريقة ومنهج" للنظر في النص، واستنباط الأحكام "الظنية" منه.
5 ـ مطلوب من العاميِّ أن لا يتكلف في البحث عن الأحكام الشرعية، ولا يكثر الجدل وتكرار السؤال، بل يعمل بما أفتاه به المتخصِّصون، إذا وثق في علمهم ودينهم، واطمئن قلبُه إلى منطقهم في الفتوى والإرشاد. فحاشا لله أن يأمر عبده بسؤال أهل العلم ثمَّ يؤاخذه بلوازم السؤال، صواباً كان أم خطئاً، ويطلب من المفتي تيسير الجواب وتذليل الخطاب، وذكر مُدرَك الدليل، وعلته وحكمته، وربطه بأصله العام ومقصده الكلي، ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
استقر سواد الأمَّة الإسلاميَّة الأعظم على ثلاثة مذاهب أساسية في فهم نصوص العقائد وأحكامها؛ وهي مذهب الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، وكل أتباع هذه المذاهب هم أهل السنة دون تفرقة ومفاضلة، فالحق المطلق والحقيقة الكاملة، ليست محصورة في واحد من هذه المذاهب، وشأن هذه المذاهب كشأن مذاهب الفقه6 ـ مما يخفِّف من غلواء الاختلاف، معرفةُ مقاصد الخالق ـ سبحانه ـ من اختلافنا، والحكمة من ذلك، والأسباب العلمية الموضوعية لهذا الاختلاف، ثمَّ إحسان الظنِّ بالمخالف وحمل كلامه على أحسن المحامل والظنون، وأن نَحْذَر من " التدبير الهدَّام" للاختلاف، ونُحذّر من الهدّامين، بخاصة الحمقى المغفلين، ولو حسُنت نياتهم، لأنَّ النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد، ومهما بدا لك من صواب فلا تقطع حبال المراجعة، فقد كان إمامنا مالك رضي الله عنه يقول فيما لا نص فيه: أكره واستحسن، ويقتبس قول الحق سبحانه: "إنْ نظنُّ إلا ظنًّا، وما نحن بمستيقنين".
7 ـ لا تجعل مشروعيَّة الاختلاف تصادر أولوية الاتفاق، فالأصل هو تصغير وتقليل الاختلاف، وليس تعمده وتسويقه وتضخيمه، فإن كان ولابد، فلا تجعل من الاختلاف "مشروعاً" لهدم الآخر، وتشويهه، وانتقاصه في المجالس، فإنَّ هذا يحرم الناس من رحمة التنوع وجمال آثاره، ويحُول بينهم وبين علوم من خالفْتَهُ،... وهو على كلّ حال من باطن الإثم، الّذي نهى الله تعالى عنه .
8 ـ إياك والانتقال بين أقوال المختلفين دون ضابط معتبر إلا اتباع الأهواء، أو طلب التخلص من مشقَّة التكليف،... بل عليك أن تعمل وتلتزم بما تَرجّحَ صوابُه، لأنَّ العمل بالراجح واجبٌ لا راجح، ويستحسن الأخذ بمذهب أهل الإقليم وتجنب مخالفة الاختيارات المستقرة، ولكن لا يلزم من ذلك التمسُّك بمذهب واحد من مذاهب أهل العلم، فالعاميُّ لامذهبَ له، بل مذهبه مذهب من أفتاه،... ويجوز للمسلم الأخذ بالرخصة إن جاءته من عالم ثقة. وقديماً قيل: إنما العلم الرخصة من ثقة، والشدةُ يجيدها كلُّ أحد".
9 ـ كلُّ مجالات التَّشريع من عقيدة وعبادة ومعاملات وآداب..، لها مُدركات قطعية وأخرى ظنيَّة، وتلك المجالات الآنفة لها أصولٌ ثابتة، وفروعٌ مرنة، لابدَّ من تمييزها ومعرفة الفروق بينها، وقد استقر سواد الأمَّة الإسلاميَّة الأعظم على ثلاثة مذاهب أساسية في فهم نصوص العقائد وأحكامها؛ وهي مذهب الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، وكل أتباع هذه المذاهب هم أهل السنة دون تفرقة ومفاضلة، فالحق المطلق والحقيقة الكاملة، ليست محصورة في واحد من هذه المذاهب، وشأن هذه المذاهب كشأن مذاهب الفقه؛
وكلُهم مِن رســول الله مُلتمسٌ
غَرْفا من البحر أو رَشْفا من الدِّيم
يتفق أئمتها في المحكمات التي (ليست مذهباً لأحد كما قلتُ في الفقرة الرابعة) ويختلفون في مسائل الظن التي يحتملها تعدد الآراء وتستوعبها سعة اللغة وطرائق الاستدلال، ويجوز الحوار فيها بالحسنى بين المتخصِّصين، ولا يجوز التكفير والتبديع للمخالف، أو نسبة لوازم القول له.
10 ـ لقد طرأ الاختلاف في بعض فروع العقيدة والفقه والسياسة و...، بين أفضل جيل على الأرض وهم الصحابة الكرام، ومَنْ دونهم أولى بالاختلاف منهم، فلم يكفر بعضهم بعضا أو يهجر بعضهم بعضا، فالخلاف ليس شرا مطلقا، وما فيه من ضرر يمكن تقليل آثاره وتخفيف نيرانه، والمسلمون يجمعهم حكم إلهي جامع قاطع في قوله تعالى: "إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" وتظللهم راية الإخاء والمحبة، ولا يحمل بعضهم على بغض الغل والبغضاء .
أتمنى على أحد طلبة العلم، الإضافة على هذه البنود ثم كتابة شرح موجز لها مع ذكر أدلتها وشواهدها من تراثنا الإسلامي المبارك . وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
*الأمين العام المساعد للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير رأي رأي دين احكام اختلافات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المذاهب
إقرأ أيضاً:
قصور الثقافة تصدر كتاب التراث الشعبي بين النص والعرض لمحمود كحيلة
كتب- محمد شاكر:
صدر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، كتاب "التراث الشعبي بين النص والعرض" للناقد الدكتور محمود كحيلة، وذلك ضمن إصدارات سلسلة الدراسات الشعبية.
يجمع الناقد الدكتور محمود كحيلة في هذا الكتاب بين ثلاث ثنائيات، الأولى: ثنائية التراث الشعبي والمسرح، والثانية: النقد الأكاديمي والخبرة من الجمع الميداني، والثالثة: بين النص الأدبي المكتوب والعرض المسرحي، منطلقا من تصور أن البداية الحقيقية للعملية المسرحية هي الثقافة الشعبية ممثلة في الأساطير والسير والحكايات لأنها تقدم مسرحة للحياة، وأيضا كونها قضية تتعلق بتراث الوطن والحفاظ على هويته.
يختار الناقد نصوصا مسرحية، تأسست مادة صياغتها على الثقافة الشعبية، كما يرصد حضورها في محافظة الشرقية في المدة من 1995 إلى 2015، تلك المدة التي تميزت بوجود مسرح إقليمي حقيقي على الساحة المسرحية المصرية.
ويمتاز المسرح الشرقاوي بتجربة فريدة في تلقي المسرح ومشاهدة العروض المسرحية التي بدأت زيارتها إلى مدينة الزقازيق منذ أوائل القرن التاسعَ عشر، وهي البداية المبكرة التي تركت بصمتها على أبعد مكان في حدود المحافظة حيث وصل المسرح إلى التلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي، فقدمت مسرحيات تمزج بين الدرس والتراث.
وتدور قضايا هذا الكتاب حول أربعة محاور، هي: التراث الشعبي والمسرح في محافظة الشرقية امتدادا للعلاقة الأبدية بين المسرح والتراث، والمسرح الإقليمي بالشرقية النشأة والرواد والانتماء إلى المسرح الريفي، الخطاب التراثي في تجارب مسرحية من الشرقية، والمحور الرابع قراءة لنص مسرحية "الزير سالم"، تأليف ألفريد فرج، المستلهمة من الحكاية الشعبية، وهي إحدى القصص العربية التاريخية في الوقت نفسه.
سلسلة الدراسات الشعبية تعنى بنشر الدراسات المتعلقة بالفلكلور ونصوص وسير وحكايات وملاحم الأدب الشعبي، وهي إحدى إصدارات الإدارة العامة للنشر الثقافي برئاسة الكاتب الحسيني عمران، التابعة للإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، تصدر السلسلة برئاسة تحرير حسن سرور، ومدير التحرير محمد شومان، تصميم الأغلفة نسرين محمود.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
كتاب التراث الشعبي بين النص والعرض الناقد الدكتور محمود كحيلة إصدارات سلسلة الدراسات الشعبية الهيئة العامة لقصور الثقافة أخبار ذات صلةفيديو قد يعجبك
محتوى مدفوع
أحدث الموضوعاتإعلان
أخبار
المزيدإعلان
قصور الثقافة تصدر كتاب "التراث الشعبي بين النص والعرض" لمحمود كحيلة
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
من نحن اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
26 18 الرطوبة: 17% الرياح: جنوب غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي من نحن إتصل بنا إحجز إعلانك سياسة الخصوصية