الدّولة الوطنيّة في العالم العربيّ وما بعد فكرة الخلافة
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
بسقوط الدّولة العثمانيّة عام 1922م انتهت دولة الخلافة، وبدأ تكوّن الدّولة الوطنيّة القطريّة، ومفهوم الدّولة بمعناها الإقليميّ الوطنيّ التّعاقديّ تبلور بشكل كبير في الغرب بعد عصر الأنوار، وتجاوزت ما كان يرى أندروفنسنت في كتابه نظريّات الدّولة إلى أنّه يُعتقد أنّ "السّلطة كان مصدرها الله، وفي نهاية المطاف كانت الكنيسة ورجال الدّين، والّتي تمثل الكيان الرّوحيّ أعلى من السّلطات المدنيّة"، "ولم تكن الكنيسة فقط أعلى أو أكثر أهميّة من السّلطة الدّينيّة، ولكن أيضا فقد التحمت معها الكنيسة والمسيحيّة متساوية في امتدادها مع المواطنة، كانت السّياسة فرعا من اللاّهوت، وكنتيجة لذلك تمتع رجال الدّين بامتيازات، كان البابا يُنظر إليه على أنّه يجسّد الحاكم الرّوحيّ والدّنيويّ للإقليم"، الأمر ذاته في العالم الإسلاميّ، هناك ربط بين الخلافة والإمامة وبين الجانب الإلهي، فالخليفة ظلّ الله في أرضه، كما أنّ الفقيه هو الموقع عن الله تعالى.
لهذا بدأت بعض المراجعات مبكرا، وأجرأها ما قدّمه عليّ عبد الرّازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، والّذي صدر مبكرا عام 1925م، والّذي خلص فيه "بأنّ محمّدا - صلّى الله عليه وسلّم - ما كان إلا رسولا لدعوة دينيّة خالصة للدّين، لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة، وأنّه لم يكن للنّبىّ - صلّى الله عليه وسلّم - ملك ولا حكومة، وأنّه - صلّى الله عليه وسلّم - لم يقم بتأسيس مملكة، بالمعنى الّذي يفهم سياسة من هذه الكلمة ومرادفاتها، ما كان إلا رسولا كإخوانه الخالين من الرّسل، وما كان ملكا، ولا مؤسّس دولة، ولا داعيا إلى ملك".
بيد أنّ طرح مثل هذه القضايا، ورغم بدايات تكوّن الدّولة الوطنيّة؛ لم يكن بتلك الإنشراحة في عالمنا الإسلاميّ والعربيّ، ولم توجد قراءات ناقدة بشكل كبير، خشية الرّهاب الدّينيّ، وتأثيره على الجانبين السّياسيّ والاجتماعيّ، ومع ذلك طرحت بعض القضايا المتعلّقة بالدّولة والحكامة حينها، وقد كان الاستعمار في النّصف الأول من القرن العشرين الميلاديّ وحد جميع الاتّجاهات، وتناغم الإسلاميون مع الاتّجاه اليساريّ والاشتراكيّ بشكل عام، لنجد كتابات إسلامية تحمل بعض مضامينها عناوين اشتراكيّة، ككتاب "التّكافل الاجتماعيّ في الإسلام لمحمّد أبو زهرة (ت 1974م)، و"اشتراكيّة الإسلام" لمصطفى السّباعيّ (ت 1964م)، و"العدالة الاجتماعيّة في الإسلام" لسيّد قطب (ت 1966م)، و"ومن هنا نبدأ" لخالد محمّد خالد (ت 1996م)، واعتبر عليّ شريعتيّ (ت 1977م) أنّ أبا ذر أول اشتراكيّ في الإسلام، فقد كانت هناك شيء من الانشراحة في التّعامل مع النّظريّة الاشتراكيّة، خصوصا في أجوائها الثّوريّة والاجتماعيّة وليس العقائديّة.
نظريّة الخلافة ظلّت عالقة في التّفكير الإسلاميّ الحركيّ، بيد أنّهم لاحقا أكثر انفتاحا على الأدوات العلمانيّة في الوسائل وليس الحاكميّة، والحاكميّة هي أسلمة الحكامة كما طرحها أبو الأعلى المودودي (ت 1979م) وسيّد قطب، ثمّ ظهر فريق آخر من التّيار السّلفيّ كفّر الدّولة المدنيّة لثلاثة أسباب كما عند محمّد عبد السّلام فرج في كتابه الجهاد الفريضة الغائبة: الأول: تعلو فيها أحكام الكفر أي تعطيل الشّريعة واستبدالها بالقوانين الغربيّة، والثّاني: ذهاب الأمان للمسلمين، إشارة إلى الاستبداد ضدّ الإسلاميين والتّضييق على أنشطتهم، والثّالث: المتاخمة أو المجاورة أي مع الكفار، وعلى هذا حكّام العصر كفار مرتدون وعقوبتهم أشدّ، ويستندون إلى نصوص ظاهريّة من القرآن مثلا: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، وبعض الرّوايات كرواية: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة"، وتشكلت مؤخرا في أدبيات الحركات الجهاديّة كالقاعدة وداعش.
كما أنّ الحركات اليساريّة والقوميّة كانت الأرقى في تصوّر الدّولة المدنيّة في النّصف الأول من القرن العشرين، وكانت لها الرّؤية العصريّة في التّعليم والصّحة والزّراعة والرّعي، بيد أنّ الحركات اليساريّة في العالم العربيّ فشلت في التّطبيق العمليّ في الجملة، ويمكن القول بعد مائة سنة من سقوط الخلافة الإسلاميّة؛ لم توجد تجربة قطريّة وطنيّة متكاملة في الوطن العربيّ، كما لم توجد روح إحيائيّة تجعل الجميع سواء في نهضته الوطنيّة، وعدم التّدخل في شؤونه الدّاخليّة، لهذا نحن اليوم، ومع بدايات القرن الحادي والعشرين؛ لازال غالب أقطار العالم العربي في صراعات طائفيّة وأهليّة، كما يعاني من الجماعات المسلحة، ومن الفقر والبطالة والضّعف في جميع المستويات.
وفي نهايات النّصف الثّاني من القرن العشرين، وبداية الألفية الجديدة، وجدت العديد من القراءات النّقديّة، أكثر انشراحا واقترابا من دولة المواطنة والإنسان، ووجدت العديد من الأطروحات والنّظريّات الإحيائيّة والنّقديّة، ولكن لتحقيق هذا علينا أن نمايز بين الإحياء والتّدخل المصالحيّ، وبين اتّجاهات الحكامة في الماضي وبين الدّولة الوطنيّة المعاصرة، وبين الدّولة الوطنيّة الشّموليّة وبين الدّولة الوطنيّة التّعاقديّة.
وأمّا التّمايز بين الإحياء والتّدخل المصالحيّ؛ فالإحياء مرتبطة بالإنسان من جهة، وبالقوميّة من جهة ثانية، من حيث الأنسنة، أي يرتبط كمواطن بذاته بعيدا عن أيّ انتماءات هويّاتيّة، ومن حيث القوميّة فهي قديمة كظاهرة اجتماعيّة، حديثة كانتماءات إحيائيّة وليست تصارعيّة أو احترابيّة ، فالأمّة العربيّة وإن كانت ابتداء مكوّن إنسانيّ، إلّا أنّها قوميّة مستقلّة لها جوامعها الخاصّة، لهذا لابدّ أن يفكر جميع أقطارها بعقل الإحياء للكل، لا بعقل المصالح والمنافع الآنيّة، فإحياء جزء منها هو إحياء للكل.
وأمّا اتّجاهات الحكامة في الماضي وبين الدّولة الوطنيّة المعاصرة، فظرفيّة الماضي تختلف عن ظرفيّة الحاضر، فلها قيمها المطلقة، إلّا أنّ مصاديقها ظرفيّة، ومنها ما يتعلّق بمصاديق الحكامة والسّلطة كما يرى حسين الخشن أنّ "الحكم الصّادر عنه – صلّى الله عليه وآله وسلّم – بصفته قائدا للمجتمع، وما يسمّى بالحكم التّدبيري أو الولايتي أو السّلطاني فالأصل أن يكون ظرفيّا وليس دائميّا"، فعلى العقل المعرفيّ أن يشتغل بقيم الدّولة، وحقوق الإنسان فيها، ومدى تحقّق قيم العدالة والمساواة، بدل الإغراق في قضايا ماورائيّة، أو صراعات مفاهيميّة
وهذا ينطبق أيضا على الدّولة الوطنيّة الشّموليّة بينها وبين الدّولة الوطنيّة التّعاقديّة، فدولنا العربيّة والإسلاميّة عموما كانت ملكيّة أم جمهوريّة، عليها أن تؤمن اليوم بضرورة التّعاقد، لأجل تحجيم الاستبداد، ولأجل الشّراك في الموازنات الدّاخليّة، والاستفادة من التّدافع بشكل إيجابيّ، فيما يحققّ النّهضة الإحيائيّة في الدّولة القطريّة، مع ضرورة بعث الإحياء لجميع البشر، واحترام ما يرتضونه من تعاقد بينهم.
بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صل ى الله علیه فی الت ما کان
إقرأ أيضاً:
الإعلان عن مواعيد العرض الأول في العالم العربي لفيلم «غرق» في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي
قبل أيام من عرضه الأول في العالم العربي من خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (4 - 13 ديسمبر)، تم إطلاق الإعلان الرسمي للفيلم الأردني «غرق»، العمل الروائي الطويل الأول للمخرجة الأردنية زين دريعي، الذي بدأت رحلته في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي ضمن قسم ديسكڤري، ثم فاز بجائزة المسكونية في مهرجان مانهايم هايدلبرغ السينمائي الدولي، كما من المنتظر أن يحصل الفيلم على عرضه الأول في إفريقيا في الدورة المقبلة من أيام قرطاج السينمائية.
مواعيد عرض الفيلم
وسوف يحصل فيلم «غرق» على عرضه الأول في مهرجان البحر الأحمر يوم الاثنين 8 ديسمبر، الساعة 4:15 عصرًا في ميدان الثقافة سينما 1، على أن يكون العرض الثاني يوم الثلاثاء 8 ديسمبر، الساعة 8:45 مساءً في ميدان الثقافة - سينما 3، والثالث يوم الجمعة 12 ديسمبر، الساعة 6:45 مساءً في ميدان الثقافة سينما 3.
أبطال فيلم «غرق»
فيلم «غرق»، إنتاج مشترك بين الأردن وقطر والمملكة العربية السعودية، تبدأ أحداث الفيلم عندما يُفصل ابن نادية، وهو مراهق في سنته الدراسية الأخيرة، من المدرسة بعد تعرضه لنوبة سلوكية مقلقة. تُصرّ نادية على الوقوف إلى جانبه، مقتنعة بأنه لا يحتاج سوى إلى بعض التوجيه والدعم. ومع تدهور حالته النفسية تدريجيًا، تغرق نادية في حالة إنكار متزايدة، غير مدركة خطورة ما يمر به، حتى تصبح على وشك مواجهة كارثة لا مفر منها.
زين دريعي، كاتبة ومخرجة أردنية، معروفة بفيلمها القصير «سلام» الذي عُرض لأول مرة في مسابقة آفاق للأفلام القصيرة بمهرجان فينيسيا السينمائي عام 2019. وقد حاز الفيلم على عدة جوائز منها جائزة أفضل فيلم عربي قصير في مهرجان الجونة السينمائي، وجائزة فيميو ستاف بك في مهرجان بالم سبرينغز للأفلام القصيرة. وفي عام 2024، تم اختيار زين دريعي من قبل مواهب برلين كجزء من مهرجان برلين السينمائي الدولي وفي نفس العام قامت مجلة سكرين دايلي السينمائية العالمية باختيار دريعي كأحد نجوم الغد العرب، وكانت هي المخرجة العربية الوحيدة ضمن النجوم العرب في ذاك العام.
الفيلم من إنتاج علاء الأسعد وهند عنبتاوي، من شركة تابع 360للإنتاج السينمائي، ومقرّها الأردن، وقد شاركت الشركة في إنتاج عدة أفلام، وكان أحدثها «يونان» للمخرج أمير فخر الدين، والذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، تلتزم تابع 360 للإنتاج السينمائي بتقديم أعمال عالية الجودة وذات بعد ثقافي غني للجمهور الدولي، وبناء جسور بين صُنّاع الأفلام في المنطقة والأسواق العالمية.
أبطال فيلم «غرق»
فيلم «غرق» من بطولة كل من: كلارا خوري (صوت هند رجب) في دور البطولة ناديا، ومحمد نزار (مسلسل مدرسة الروابي للبنات) في دور باسل، وهو أول دور رئيسي له في فيلم سينمائي طويل، إضافة إلى وسام طبيلة المعروف بأدواره الكوميدية، في أول تجربة درامية له في فيلم سينمائي طويل. صُوّر الفيلم بعدسة التونسي فاروق العريّض، المعروف بعمله في الفيلم المُرشّح للأوسكار بنات ألفة للمخرجة كوثر بن هنية، وقد نُفّذ الفيلم بالكامل بطاقم أردني.
شارك في الإنتاج مؤسسة البحر الأحمر وفينكس لخدمات الانتاج وكرييتيف ميديا سولوشنز وسليت وجوردن بايوونيرز وإيسكالا وأرتخانة وأكوزماتك لخدمات الصوت، بالإضافة إلى المنتج السعودي فيصل بالطيور الذي آمن بالمشروع وبالمخرجة زين دريعي من خلال شركة سينيويفز. وشارك خالد حداد وغسان الأسعد وخالد حبايب بالفيلم كمنتجين تنفيذيين. وقامت شبكة راديو وتلفزيون العرب بخدمات الإنتاج المشترك، ويقومون بتوزيع الفيلم في الوطن العربي وشمال إفريقيا.
تلقى الفيلم دعمًا كبيرًا من الهيئة الملكية للافلام /صندوق الأردن للأفلام، مؤسسة الدوحة للأفلام، وصندوق البحر الأحمر السينمائي، والصندوق العربي للثقافة والفنون (AFAC).