"كان رأسي مثل بيضة جاهزة للفقس"، هذا ما قاله الفنان الفرنسي أوغوست رودان (1840-1917)، حين سُئل عن تمثاله الشهير "المفكر"، الذي كان يُطلق عليه اسم "الشاعر" في البداية، الذي يعدّ أحد أشهر التماثيل في تاريخ الفن. تلك الشهرة لا تعود لكون التمثال رمزًا بارزًا للفكر والتأمل فقط؛ بل لقصة تلك البيضة التي فقست، على حدّ تعبير رودان.

فقد نحت رودان هذا التمثال من البرونز الخالص بعد قراءة "الكوميديا الإلهية" للشاعر الإيطالي دانتي أليغييري، وتشرّب جميع معانيها وتفاصيلها. ولم يكن التمثال منحوتًا ليكون عملًا فنيًا يُعرض مفردًا رمزًا فلسفيًا خالصًا، بل كان جزءًا من عمل أكبر هو "أبواب الجحيم"، وهو زوج من الأبواب البرونزية الضخمة التي تروي قصص وأهوال الجحيم، كما أدرجها أليغييري في "الكوميديا الإلهية". وقد كان هذا العمل مخصّصًا لمتحف الفنون الزخرفية في باريس.

 

تمثال "المفكر"بعد ترميم كامل (رويترز)

وعلى الرغم من أن الأبواب لم تُثبّت أبدًا خلال حياة رودان، فإن فكرة تحويل الجحيم -كما قدّمه دانتي- إلى عمل فني ألهمتْ رودان إلهامًا مستمرًا لبقية حياته. وحسب ما قاله، فإن تمثال "المفكر"، مستوحى من العذاب الذي ينتظر المفكرين والشعراء، كما أورده دانتي في البوابة الأولى للجحيم، التي تُعرف باسم "الليمبو".

استغرقت عملية النحت عامًا كاملًا، من 1880 إلى 1881، بارتفاع يبلغ 70 سنتيمترًا، ويصوّر التمثال رجلًا مفتول العضلات ويتمتع بقوة بدنية ظاهرة، وهو يجلس على كتلة من الحجر، ورأسه وذراعه اليسرى يعتدلان على ركبتيه. وعلى الرغم من أن التمثال يمتاز بتصميمه اليسير والأنيق، فإنه يُحفّز الناظر بقوة على التفكير في معاني الحياة والوجود، ليعبّر بذلك عن روح العزلة والتأمل داخل الإنسان.

منازل الشعراء والمفكرين

حسب ما أورد دانتي في "الكوميديا الإلهية"، يسكن الشعراء والفلاسفة من الوثنيين في الدائرة الأولى من الجحيم، ويعاقبون بالخلود في منزلة أدنى من الجنة؛ لأن فضائلهم لم تكن في سبيل الإيمان المسيحي أو مقترنة به، يعيشون إلى الأبد في قلعة تقع على مناظر طبيعية خضراء، لكنها بعيدة كل البُعد عن النعيم السماوي.

وجديرٌ بالذكر أن دانتي يضع العديد من الشخصيات الثقافية البارزة من العصور الكلاسيكية القديمة في تلك المنزلة، ومنهم "هوميروس" و"سقراط".

ويعتقد بعض النقاد أن التمثال كان يُمثّل دانتي أليغييري نفسه، بوصفه شاعرًا ومتأملًا في أحوال وأهوال الجحيم، إلا أن آخرين يعزون هذا التمثال لشخصية الشاعر أو المفكر بشكل عام؛ لأن دانتي في "الكوميديا الإلهية" كان يُجوّل في الجحيم بكامل ثيابه، وليس عاريًا مثل التمثال.

ولربما أراد رودان عبر تمثال "المفكر" أن يُرسّخ الوضع الداخلي والنفسي للتأمل الفلسفي والتأليف الشعري، من خلال تصوير الطبيعة المتأنّية للوجود البشري، والحضور المكثّف لشعور التفكير والتأمل، فأصبحت الشخصية، التي كانت في الأصل جزءًا من العمل الفني الأكبر لرودان "أبواب الجحيم"، تحفة فريدة بمفردها، وترمز للتفكير الفلسفي والبحث والإلهام الشعري.

تمثال"المفكر" في حديقة متحف رودان (رويترز) حالة التفكّر

تنقل المنحوتة بتفاصيلها الدقيقة، وإبراز التوتر في عضلات الشخص الجالس، إحساسًا عميقًا بالتأمل الذاتي. وبغض الطرف عن التفسيرات الجمالية المختلفة، فإن قوة هذا التمثال تكمن في أنه يجعل كل شخص يغرق، ولو للحظات في التفكر والتأمل.

وعن تلك الحالة قال رودان نفسه إن ما يجعل منحوتة "المفكر" كأنها بالفعل رجل يفكر، "هو أنه لا يفكر بدماغه وجبينه المحبوك وفتحات أنفه المنتفخة وشفتيه المضغوطة فقط، ولكن بكل عضلة من ذراعيه وظهره وساقيه، بقبضته المشدودة وحتى أصابع قدميه".

اليوم، صار مفكر رودان منتشرًا في العديد من القوالب والأحجام، بأكثر من خمسين منحوتة حول العالم، جميعها منسوخة من التمثال الأصلي. لقد أصبح المفكر صورة أكثر عالمية تكشف من الناحية الجسدية الجهد العقلي، وحتى القلق أثناء وفي خضم عملية الإبداع.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

موقع ترانسفير ماركت.. متى بدأ وكيف أصبح مرجعا للأندية وعشاق كرة القدم؟

بات موقع "ترانسفير ماركت" الشهير المتخصص في بيانات وأرقام اللاعبين واحدا من أهم وأقوى المرجعيات والمصادر الموثوقة في العالم، ليس فقط لعشاق كرة القدم ووسائل الإعلام بل كذلك للأندية الساعية للتعاقد مع اللاعبين.

فلا يكاد يخلو خبر في أي وسيلة إعلام سواء مكتوبة أو مرئية من احصائيات أو بيانات كروية خاصة بلاعب ما أو نادٍ معين، إلا ويكون مصدرها الأساسي "ترانسفير ماركت" الذي يضم الآن وبعد أكثر من عقدين على تأسيسه أكبر قاعدة بيانات كروية في العالم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كل ما تريد معرفته عن كأس أوروبا للسيدات 2025 والقنوات الناقلةlist 2 of 2أقسى الهزائم في مسيرة ميسي الكرويةend of list نشأة موقع ترانسفير ماركت

في عام 2000 رأى موقع ترانسفير ماركت النور بواسطة مهندس حاسوب ألماني اسمه ماتياس زايدل، الذي أنشأ الموقع يدافع الهواية.

We are celebrating 25 years of Transfermarkt! ????

What began in 2000 as a small hobby project by our founder Matthias Seidel is now the world’s largest freely accessible football database. A quarter of a century of football passion, community power, and millions of data points.… pic.twitter.com/kE9yazjQQk

— Sahil Ebrahim (@sahil_e_) June 10, 2025

وقال زايدل "بصفتي مشجعا كبيرا لفريق فيردر بريمن وأعيش في هامبورغ، كنت أبحث دائما عن وسيلة تبقيني على اطلاع بأخبار وشائعات النادي، الأمر لم يكن سهلا حينها لأن وسائل الإعلام لم تكن مُتاحة عبر الإنترنت".

وأضاف "من هنا جاءتني فكرة إنشاء مجتمع لتبادل الأخبار التي كنت بحاجة إلى معرفتها، ولهذا أسست ترانسفير ماركت".

وتحوّل "ترانسفير ماركت" بعد 25 عاما من تأسيسه إلى موقع رياضي إلكتروني يضم 6 ملايين مستخدم، ويؤثر في عالم كرة القدم من خلال 27 نطاقا دوليا ناجحا.

View this post on Instagram

A post shared by URSCHELER (@gold_kick_ag)

وعن ذلك قال زايدل "إنها قصة مذهلة خاصة إذا نظرنا إلى ما حققناه في قاعدة البيانات وتقديرات القيم السوقية، أنا ممتن لكل من شارك في هذه الرحلة خاصة المستخدمين الأوائل. كمية التفاصيل التي جمعوها والنقاشات عالية المستوى بالمنتديات ودعمهم بنشر الأخبار، كل ذلك حفزنا وجعل العمل ممتعا".

إعلان محطات مهمة في تاريخ ترانسفير ماركت عام 2000-2001: انطلاق الموقع بنسخته الأولية وكانت البداية عبر بناء قاعدة البيانات بمساعدة مُستخدمين متطوعين زوّدوا المنصة بالمعلومات وقاموا بتحديثها. عام 2002: إضافة قائمة لوكلاء اللاعبين. عام 2003: عقد أول اجتماع لمستخدمي "ترانسفير ماركت" وعددهم 17 في مدينة دورتموند الألمانية. عام 2004: إضافة قائمة القيم السوقية للاعبين. عام 2006: تجديد الموقع للمرة الأولى بعد نهائيات كأس العالم بألمانيا. عام 2007: دمج قسم الشائعات في قاعدة بيانات اللاعبين وبدء التوسع الدولي بإطلاق النسخة النمساوية. عام 2008: إطلاق النسخة السويسرية وعقد اتفاقية شراكة مع المؤسسة الإعلامية العملاقة "Axel Springer" التي تدير موقف وصحف ومجلات كبيرة مثل صحيفة "بيلد". عامي 2009 و2010: إنشاء قناة الفيديو وإطلاق النسخ البريطانية والإيطالية والتركية والبولندية، وشراء منصة "WahreTabelle.de" المتخصصة في الحالات التحكيمية بالدوري الألماني. عامي 2013 و2014: إطلاق النسخة الإسبانية والهولندية والبرتغالية وتطبيق الهواتف المحمولة في ألمانيا. عام 2019: توسع الموقع على النطاق الدولي وأصبح لديه 27 نسخة، وتحوّل إلى علامة تجارية عالمية. عام 2022: إضافة اللاعب رقم 1 مليون إلى قاعدة البيانات. عام 2025: تضم قاعدة البيانات 1.3 مليون لاعب، ووصول عدد الزوار الشهري إلى أكثر من 100 مليون.

وكان عدد الموظفين الرسميين في ترانسفير ماركت 3 فقط عام 2008، وارتفع إلى 8 بعد عامين ثم إلى 20 في عام 2017، والآن وصل عددهم إلى 130 موظفا وفق بيانات الموقع ذاته.

مصدر التمويل

يُذكر أن زايدل – مؤسس الموقع – غادر مجلس إدارة الشركة بشكل رسمي في بداية العام الجاري، وتولى توماس لينتز منصب المدير التنفيذي لأكبر قاعدة بيانات مجانية في العالم.

ويقول لينتز عن الموقع "نحن لسنا مثل الصحف العالمية "ليكيب" الفرنسية و"ماركا" الإسبانية و"كيكر" الألمانية. هذه مؤسسات صحفية تقليدية تركز على التحرير والتقارير أما نحن فتركيزنا على البيانات والإحصاءات".

View this post on Instagram

A post shared by Vitas Ibiza Males (@vitasibizamales)

وبحسب لينتز فإن الموقع يغطّي تكاليف التشغيل من خلال الإعلانات التقليدية مثل الإعلانات المصورة وعبر التعاون مع الشركات المتخصصة في الملابس الرياضية وغيرها.

كيف يتم احتساب القيمة السوقية للاعبين؟

كشف لينتز عن ما وصفه "بالسر الحقيقي" لآلية حساب القيمة السوقية، التي تكون في الغالب ثمرة نقاش المشجعين حول مستوى اللاعبين وأدائهم في منتدى مفتوح.

وقال "في مرحلة معينة يقوم المشرفون بمراجعة هذه النقاشات، مثلا كل 3 أشهر في الدوريات الكبرى وبالتالي يحاولون الوصول إلى قيمة توافقية لكل لاعب".

وأقر لينتز بأن العديد من الأندية ووكلاء اللاعبين يتواصلون مع الموقع اعتراضا منهم على القيم الموجودة أو المحدّثة.

Representing the new world MVP – 17-year-old Lamine Yamal ????????⭐️ pic.twitter.com/wQajZVZgK9

— Transfermarkt.co.uk (@TMuk_news) June 9, 2025

وأوضح "على سبيل المثال، يتم تحديث قيمة لاعب في يوليو/تموز بعد عودته من الإعارة ولكن مع بداية الموسم قد يحقق أداء مبهرا مثل أن يلعب 12 مباراة ويسجل خلالها 7 أهداف فيبدأ الناس بالتساؤل: لماذا لا يتم تحديث القيمة بعد كل مباراة؟".

إعلان

وزاد لينتز "عادة ما نشرح لهم وجهة نظرنا وندعوهم لتقديم حججهم، وإذا كانت مقنعة ندمجها في النقاش".

عدد الأندية التي تعتمد على "ترانسفير ماركت"

لم يحدّد لينتز رقما دقيقا، لكن الكثير من مسؤولي الأندية أكدوا له أنهم يعتمدون على الموقع كنقطة انطلاق عند دراسة ملف اللاعبين.

وشرح لينتز "عند المشاركة في تصفيات دوري المؤتمر الأوروبي ضد ناد غير معروف أو مشهور، يدخل مسؤولو الأندية الأخرى إلى موقعنا لمراجعة القائمة والتعرف على اللاعبين الأكثر مشاركة وأعلى القيم السوقية، من أجل تحديد أكثرهم خطورة"، مشيرا أيضا إلى أن الأندية الاحترافية الكبيرة تعتمد بشكل أكبر على الكشافين.

مقالات مشابهة

  • هل أصبح الدولار كبش فداء لسياسات ترامب؟
  • مزاد إسرائيلي يتفاوض مع سمسار عربي للاستحواذ على تمثال برونزي من آثار اليمن
  • موقع ترانسفير ماركت.. متى بدأ وكيف أصبح مرجعا للأندية وعشاق كرة القدم؟
  • الهلال سفير العرب في المونديال
  • الهلال الصورة الرسمية لمشروع الرياضة السعودية
  • تركيا.. إجلاء 50 ألف شخص من الجحيم الأخضر
  • صورة صادمة من تعز
  • كريمة أبو العينين تكتب: وحش الكون
  • أغلي نسخة بـ170 ألف دولار.. لابوبو النعناعية تحطم الأرقام القياسية بمزاد صيني
  • فرنسا تُصعّد حملتها ضد التدخين.. وتعلن تدابير جديدة