الحياة مع القرآن الكريم؛ من تلاوة وتدبر وتفكر واستنباط وامتثال لأوامر الله تعالى، كانت وستظلّ نهج العلماء الربانيين وطلاب العلم المخلصين. وقد شاء الله لي أن أَطَّلع على كتاب “التفسير الوسيط لسورة النساء (بث الحياة الإنسانية، وتنظيمها الإلهي الحقوقي، وحماية المستضعفين، وخاصة النساء والأطفال مِن الاضطهاد)” لمؤلفه الشيخ الدكتور عبد السلام مقبل المجيدي اليماني[1]، ضمن موسوعة بصائر المعرفة القرآنية في 256صفحة.

فوجدت فيه تميزًا وإبداعًا واضحين في منهجه، وروحًا متألقة في صياغة العبارات، وتفسير آيات الذكر الحكيم. وبدت كلماته، وكأنها ترافقني خلال القراءة، تُنير لي المعاني، وتقرّبني من أفق الفهم العميق لهذا العلم الرفيع.

بصائر المعرفة القرآنية “التفسير الوسيط لسورة النساء”

في قراءتي، لاحظت أنّ الشيخ حرص فيه على خطابه العالمي لكلّ بني الإنسان، كما هو رسالة القرآن الكريم بلغة سهلة، معبّرة، ممزوجة بالأدب الرفيع، حقّقتْ أهدافها فيما يرمي إليه المفسرّ المجيدي في الوصول إلى العقل، وتحريك المشاعر وملامسة القلب، ورفع الران عن الفطرة، كما أنّ المتبحّر في علم التفسير، يُلاحظ استفادته الكبيرة ممن سبقوه في هذا الفن من المتقدّمين؛ كالطبريّ، وابن كثير، والقرطبي، والزمخشري وغيرهم.. ومن المعاصرين؛ كمتولّي الشعراوي، وصاحب الظِّلال وغيرهم.. فمزج بين معارفهم وبين ما وصل إليه، وأضافه في مقطوعات فنيّة وأدبيّة رائعة، تُسرُّ الباحثين عن بصائر المعرفة القرآنيّة.

وحسب علمي المتواضع؛ فإنّه قد انفرد بعناوين خاصّة به؛ فمثلاً عند تفسيره لسورة النّساء، وضع هذا العنوان على الغلاف: (بث الحياة الإنسانية، وتنظيمها الإلهي الحقوقي، وحماية المستضعفين، وخاصة النساء والأطفال مِن الاضطهاد). والعنوان الطويل يُعبّر عن مضمون السورة، وما وصل إليه من بحث ودراسة حسب اطّلاعه.

وتحدّث الشيخ في كتابه عن السِّياق التَّاريخي لسورة النِّساء، ولم يكن ناقلاً بل ناقداً لمن سبقوه عندما فسّر بعض الآيات الكريمة من خلال أسباب النّزول وعزّز أدلّته بالسّيرة النبويّة، مستخدماً منهج العلماء المتخصّصين في روايات السيرة النبويّة.

وقد ركّز على الأحكام المتعلّقة باليتامى والنّساء، والميراث، وقدّم خريطةً بيانيّة لبصائر سورة النّساء للتَّعبير عن صورتها المتكاملة.

محتوى كتاب “التفسير الوسيط لسورة النساء”

كتب مقدّمة في أهمّ الأسس الحقوقيّة التي تضمن (بثّ الحياة الإنسانيّة) ووضعها في سبعة محاور، وقسّمها على الآتي:

– المحور الأوّل: (بداية الحياة الإنسانيّة – الطفل والمرأة)، وفصّل في هذا المحور من خلال حديث السورة عن اليتامى وحقوق المرأة، والمستضعفين في المجتمع، وحمايتهم من الظلم والجور وفقَ التَّشريعات الربّانيّة التي جاءت في القرآن الكريم.

– المحور الثاني: (نشوء الأسرة المركزيّة)؛ أهمّ قوانين الزواج التي تقيم البناء الأُسريّ وتُحافظ على حقّ الإنسانيّة في الاستقرار والانتشار، وأبحر في الآيات المتعلّقة بذلك فتوسّع في تفسيره الكبير المتكوّن من ثلاثة أجزاء، واختصره في كتاب (العرض الوسيط).

– وفي المحور الثالث: (حصون استقرار الأسرة المركزيّة ليتحقّق بث الحياة الإنسانيّة)؛ وتحت هذا العنوان شرح الآيات الكريمة المتعلّقة بالمحور، فأفاد وأجاد، وتميّز عن غيره في تقسيمه وعرضة واستنباطه، وجزالة أسلوبه وروحه المتدفقة، ومناقشاته العقليّة، وعاطفته الإيمانيّة، وحرصه على هداية الناس. ذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء.

تأملات في الموسوعة والكتاب

إنّ ما قدّمه الشيخ من كتابات رائعة في تفسيره (بصائر المعرفة القرآنيّة)؛ تدلّ على أنّ هذا العالِم الكبير في علم التفسير عاش بمشاعره وأحاسيسه وضميره وقلبه وعقله عقوداً من الزمن لهذا المشروع الكبير، الذي أخذَتْ ثمارهُ تظهر للوجود بفضل الله ومنّه وتوفيقه: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

فهذا التَّفسير (بصائر المعرفة القرآنيّة)، في السورة التي درستها وقرأتها، واستفدت منها، لاحظت أنّه ليس نسخةً من الطبريّ، ولا الرازيّ، ولا القرطبيّ، ولا ابن كثير، ولا الشعراويّ، ولا السعديّ، ولا سيّد قطب، ولا النابلسيّ، ولا الزحيلي، ولا الشنقيطيّ، ولا النسفيّ، ولا النيسابوريّ (رحمهم الله)، ولا غيرهم..

وإنّما هو خاصّ بالمجيدي، بما فتح الله عليه فله طعمه الخاص، ولونه الخاص، ومنهجه الخاص. ونستطيع أن نقول منهجيّته مُبتكرة مباركة بإذن الله، تُعبّر عن روح العصر الذي يعيش فيه الدكتور المفسّر عبد السّلام، من حيث التقسيمات والمنهجيّات، ووسائل الإيضاح، وتوزيع الأفكار، واستخراج الدروس والفوائد، والوقوف على العبر والأحكام، واستخدام الألفاظ والمصطلحات للتّعبير عن المعاني والقيم والجواهر المكنونة في كتاب الله العزيز، فخاطب الفرد والأسرة والمجتمع، ومنظمّات حقوق الإنسان، والمرأة، والمؤسّسات القضائيّة والدوليّة، والإنسانيّة بخطاب الله لها من خلال القرآن الكريم. كما أنّه استخرج الكثير من القوانين من الآيات القرآنيّة، فمثلاً:

قانون نظام الإرث الإسلاميّ القائم على ستّة مقاصد: بثّ الجنس الإنسانيّ، والعدالة والتكافل والحقوق والواجبات وإعانة الوارث حسب المسؤوليّات القائمة والمستقبليّة، فيُمثّل رحمة حقيقيّة بالإنسانيّة، وتكريم لها، وإعانة لها على البثّ الذي يعني الإظهار والاستقرار والانتشار والتكاثر المؤدّي إلى الإعمار، وبيّن من خلال استخراجه لمجموعة من القوانين من الآيات المتعلّقة بالإرث: أنّ نظام الإرث الإسلاميّ تكريم للإنسانيّة، ورحمة بها، وإعانة لها على الاستقرار والانتشار والتكاثر المؤدّي للإعمار.

وفي تفسيره لقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾؛ قال: يجب على الأجيال الحاليّة الاهتمام بالأجيال القادمة، وكلمة (وصيّة) فرض خاص يُشعر بمدى العناية والرعاية للموصي بهم، والمخاطب هنا: الوالدان والأقرباء والمنظمات الأهليّة والحكوميّة.

ففكرة اِستخراج قوانين روحها العدل والحكمة والمصلحة من الآيات الكريمة، فكرةٌ رائعة، وهي نادرة في التَّفاسير الّتي اطّلعت عليها على حسب معرفتي المتواضعة.

كيف أرى مشروع بصائر المعرفة القرآنية؟

إنّ الحديث عن مشروع الشيخ الدكتور عبد السلام المجيدي اليماني (بصائر المعرفة القرآنية) يطول، ولكنّ هذا المشروع في نظري من أعمدة النهوض الحضاري الإسلامي، ويتضمّن مقوّمات ووسائل وبصائر معرفيّة قادرة على المساهمة الجادّة والعظيمة، للتصدّي للمشاريع الغازية التي تجتاح الأمّة الإسلاميّة، وتستهدف ثوابتها العقائديّة والأخلاقيّة والروحية، ومرجعيّتها الكبرى القرآن الكريم والمقام الرفيع لنبيّنا صاحب الخلق العظيم ﷺ، ولأصحابه الميامين (رضوان الله عليهم).

كما استعرض المؤلف في تفسيره نهاية السورة التي تأتي بخاتمة تحمل رسالة شاملة. فخاتمة سورة النساء تقدم إعلاناً عن الدستور الإلهي الذي يدعو الأمم كافة إلى التمسك به بوصفه منهجاً متكاملاً يجمع بين العقل والهداية الإلهية، ويمثل حلاً شاملاً لمشكلات البشرية، وهي دعوة للأمم لتقدير القيم القرآنية واعتبارها رافداً أساسياً لحماية الإنسانية من الضياع.

إن التفسير الذي قدّمه أخي الدكتور عبد السلام المجيدي اليماني، يتميز بعمق التحليل وتركيز واضح على الجوانب الإنسانية والتشريعية في السورة. كما يهدف إلى إبراز كيف أنّ السورة تُعنى بتأسيس مبادئ العدالة الاجتماعية، وحقوق الفئات المستضعفة كالأيتام والنساء، وتفاصيل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تساهم في تعزيز التماسك الأسري والمجتمعي.

في ختام القول

لا يسعني إلا أن أثمّن هذا الجهد المبارك الذي بُذل في تفسير سورة النساء، والبقرة، والأعراف، وغيرها من الكتب، وفيها قَدّم بصائر عميقة توجّه القارئ نحو الفهم الكلي للمفاهيم القرآنية والحقوق الإنسانية. وقد أظهر المؤلف عبد السلام المجيدي هنا فهماً دقيقاً للمعاني والغايات الإلهية التي جاءت في هذه السورة المباركة، وحرصه على تبيان الحكمة الربانية وراء تشريعات الإسلام فيما يتعلق بحقوق المستضعفين من النساء والأطفال وغيرهم.

هذا التفسير ليس مجرد شرح للآيات، بل هو عرض لأبعاد إنسانية واجتماعية بُنيت عليها الآيات، ما يجعله مرجعاً مميزاً لمن يرغب في فهم عميق للقرآن. إنه تفسير يعكس رسالة الإسلام في العدل والرحمة، ويُظهر كيف يمكن للتفسير أن يكون دليلاً عملياً ينير دروب السالكين.

نسأل الله (عزّ وجل) بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى وباسمه الأعظم أن يُسهّل الصِعاب ويُزيل العقبات من أمام شيخنا وأستاذنا الدكتور عبد السلام المجيدي، ويُمدّه بالقوّة الماديّة والمعنويّة، ويهيّئ له من يُعينه على تحقيق هذا الهدف النبيل والمقصد السامي، ليرى النور متكاملاً، ويضع له القبول ممتدّاً عرضاً وطولاً زماناً ومكاناً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن يتولّى ويوفّق كلّ العاملين لنصرة دين الإسلام أينما كانوا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

[1] أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة قطر حالياً.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الدکتور عبد السلام الحیاة الإنسانی القرآن الکریم الإنسانی ة فی تفسیره القرآنی ة من خلال ة التی

إقرأ أيضاً:

قراءة في ،،،، خطّة المليشيا للسيطرة على العاصمة

*قراءة في ،،،، خطّة المليشيا للسيطرة على العاصمة*
( ١_ ٢ )
ضمن الوثائق والمقتنيات ومخازن الأسلحة والذخائر ومنظومات التشويش والطيران المسيّر والوقود التي غنمتها القوّات المسلّحة في معركة الصالحة ( *أم معارك الخرطوم* ) وجدت وثيقة الموقف العام والخطّة المُجازة للسيطرة على عاصمة البلاد، وتنفيذها على وجه الدقّة يضع حدًا حرجًا لحقيقة بقاء السودان على ما كان عليه؛ لأنها جمعت فأوعت من القوّات، والتجهيزات، والإحاطة والإنفتاح على مستوى الخرطوم الولاية، والمواقع العسكرية والقيادة العامة، ومراكز القيادات والأسلحة والمعاهد والمناطق العسكرية، كلّها تحت الرصد والحصار، والقصف ومحاولات الهجوم المتكرّر بغرض السيطرة عليها واحدًا تلو الآخر.
وبإستعراضٍ سريعٍ لقوّات الدعم السريع الموجودة في العاصمة في شهر أغسطس من العام ٢٠٢٣م بعد أربعة أشهر من بداية الحرب كانت كالآتي :
قطاع أم درمان عدد ٨ ألـويـة.
• حصار المهندسين – ٣ ألويـة.
• حصار وادي سيدنا – ٣ ألويـة.
• حصار القوّات الخاصّة – ١ لواء.
• إحـتياطي – ١ لواء
قطاع الخرطوم عدد ١٠ ألويـة + كتيبتين.
• حصار القيادة – ١ لواء
• حصار المدرعات والذخيرة – ٢ لواء.
• حصار جبل أولياء – ٢ لواء
• قوات مقاتلة – ١ لواء.
• مراقبة الطرق – ٢ لواء .
• وسط وشرق الخرطوم – ٢ لواء.
• حماية الكباري ٢ كتيبة .
قطاع بحري عدد ٩ ألوية.
• حصار الإشارة وجهاز المخابرات – ٢ لواء.
• حصار سلاح الاسلحة – ٢ لواء.
• حصار العليفون – ١ لواء.
• قوات مقاتلة طريق الكدرو – ١ لواء.
• الطريق الدائري – ١ لواء.
• تأمين الكباري – ١ لواء.
• المناطق المبنية – ١ لواء.
القوات الأخرى المخصصة للهجوم:
• عدد ١٨٠٠٠ مقاتل للهجوم على القيادة العامّة وحدها.
• قطاع بحري عدد ٨٠٠٠ مقاتل.
• قطاع أم درمان عدد ٩٠٠٠ مقاتل.
• للواجبات الأخرى عدد ١٧٠٠٠ مقاتل.
هذه الأرقام مستقاة من وثيقة الخطّة المُجازة على مستوى قيادة الدعم السريع وبتوقيع اللواء عبد الله أبكر محمد باشا.
لمزيدٍ من الشرح حتى يسهل الإحصاء والتدقيق في العدد الكُلي لقوّات المليشيا في الخرطوم ساعتئذٍ علينا أن نراجع ( *نظام المعركة* ) للدعم السريع، وهو التنظيم والتسليح بالشدّة الكاملة للمستويات القيادية المختلفة، لنجد أنَّ المليشيا تعتمد نظام القطاعات وهو المسمى ( *لواء* ) الوارد في الخطة، حيثُ يتكوّن كل لواء من ٤ مجموعات وهي تعادل مُسمى ( *كتيبة* )
تتكون كل مجموعة كالآتي :
• ٥٠ عربة قتالية
على كُل عربة ١٠ أفراد
تسليحهم كلاش أو m16
قرنوف + آر بي جي
ومدفعية مكونة من:
• ٢ كاتيوشا .
• ٦ مدافع ٢٣ ملم .
• ٦ مدافع ١٤،٥ ملم .
• ٢ مدفع م/د
أي عربة مكتفية من التعيينات، والوقود، ومرتّب الذخائر لمدة إسبوع.
لكل قطاع ( *لواء* ) الآتي :
• منظومة تشويش .
• طيران مسيّر.
• مدفعية إسناد راجمات ١٢٢ ملم – ١٥٥ ملم – مدافع هاوتزر ١٣٠ ملم – هاونات مختلفة من كلينكيت وإلى ١٢٠ ملم.
هذا إجمال لنظام المعركة للدعم السريع، وبتوقيعه على محتويات الخطّة نخلص لإجمالي القوة المحتفزة في ذلك التاريخ للإنقضاض على عاصمة البلاد التي لم تكٌن فيها القوّات المسلّحة في تمام قوّتها، ولا إستعدادها.
لتكون الإحصائية كالآتي :
• قطاع الخرطوم ٢٠٠٠ عربة عليها ٢٠٠٠٠ رجل.
• قطاع أم درمان ١٦٠٠ عربة عليها ١٦٠٠٠ رجل.
• قطاع بحري ١٨٠٠ عربة عليها ١٨٠٠٠ رجل.
وعدد المُشاة المقاتلة المحمولة على عربات نقلٍ عادية، وعربات مواطنين مدنية مشفشفة، والمواتر.
• الخرطوم ١٨٠٠٠.
• بحري ٨٠٠٠.
• أم درمان ٩٠٠٠.
• مهام أخرى ١٧٠٠٠.
المجموع ٥٢٠٠٠ مقاتل، لتكون الحصيلة الكلية كالآتي :
العربات القتالية المتنوّعة ( *٥٤٠٠* ) عربة قتالية.
عدد المقاتلين ( *١٠٦٠٠٠* ) مقاتل.
ومن هُنا يُمكن لأي أحد أن يتصوّر مآلات القتال بين هذه القوّة الهائلة الجبّارة وما تهيأت به من تربّصٍ وترصّد، وما إنطوت عليه من حقدٍ لتجتاح العاصمة وتطويها تحت سنابك التاتشرات، وتحقّق الصدمة والمفاجأة في قيادات الجيش ومعسكراته التي تقطّعت بها السُبل، وتمّ عزلها عن بعضٍ بالسيطرة على الطُرق والكباري مما يؤثر على قُدرتها على الصمود، وإزدياد حاجتها للإمداد، خاصّةً الذخائر، والإخلاء للجرحى.
نعم قد يبدو الأمر في ظاهره قد قُضي تمامًا وما هي إلّا أيام أو أسابيع بالكثير لتقتحم المليشيا مقار الجيش، وترفع رايات الدعم السريع ( *الصفراء* ) في سارية القيادة العامة، كما ذكر ذلك ( *حميدتي البعاتي* ) لوفدٍ من جنوب السودان.
تحرّكت كُل هذه القوّات بكُل حماسة المليشيا في أيامها الأوائل، وأفرغت أطنان الذخائر المتنوّعة على أهدافها وقصفت بكل عنفوان المدافع والراجمات، وهجمت مئات المرات بحشودٍ كالجراد المنتشر، ولكن صخرة الصمود لمواجهات الجيش لم تلين، وعزم الرجال الماضي لا تثلمه صروف الغدر، وثبات الجبال الراسيات لا تهزه الرياح، والنصل بالغًا ما بلغ في عمق الجرح لن ينتزع
التنازل عن شرف الجندية الموروث.
كأني بالجنجويد وقد طال بهم الأمد، وإمتدت أيام الوعد بإستلام العاصمة، أصابهم اليأس، وتساءلوا عن حقيقة هؤلاء ( *الأبلداي* ) كما يسمونهم، من أين يستمدون هذا الصمود؟
من أين لهم الأكل والشُرب والذخائر، ونحنُ نحيط بهم من كل جهة؟
فالجنجويد معذورون لأنَّ نصيبهم من معارف القتال هو قتال اللحظة، بالهجوم الأحمق على الأهداف التي غالبًا ما تكون قُرى غافلة في دارفور، أو جماعات من المشتركة وتكتيكاتها السيالة المتحركة، ولذلك أصابتهم الصدمة من قُدرات القوّات المسلّحة وهي تُطور مراحل القتال من الدفاع الصرف للدفاع العدائي، والعمليات النوعية، ثم الهجوم على أهداف مختارة لإستنزاف قُدرات العدو، ثم حرمان العدو من أهم موارده، وعزل تجمعاته ثم التقدم للقتال بصورةٍ واسعة في المناطق المبنية في آخر ما شهدته العاصمة من عملياتٍ ناجحة.
وهذا الذي أفقد الجنجويد صوابهم، وأربك حساباتهم، وأجبرهم على التراجع المستمر تحت الضغط حتى وصلت شراذمهم ديار المسيرية بعدما وصل الجيش ديار الحوازمة، وما بقي غير ديرة الرزيقات التي تضطرب بها الأحوال الآن، إضطراب الغصون اللينة تحت وطأة العواصف الهوجاء.
والسؤال في خواتيم هذه المقالة الأولى من قراءة في خطّة الدعم السريع للسيطرة على العاصمة الخرطوم:
أين ذهبت كل هذه القوات ؟؟
مالذي حدث لها ؟؟
*بارك الله فيكم ناس الجيش*
*لكم الفضل بعد الله تعالى في انقاذ الوطن التهلكة*
*{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ}*

لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • قراءة في ،،،، خطّة المليشيا للسيطرة على العاصمة
  • ومضة الشرارة التي تغير مجرى حياتك
  • صور| 1000 حاج يتنافسون بمسارات التحفيظ القرآنية في رحاب المسجد الحرام
  • ما حكم قراءة الأبراج ومتابعتها؟.. الإفتاء تجيب
  • الفوركس Neex.. لماذا ينضم المزيد من المتداولين إلى هذا الوسيط العالمي؟
  • من هم أصحاب الدعاء المستجاب؟.. اعرف الفئات التي لا تُرد دعواتهم| فيديو
  • مشروع لدعم النساء في لبنان.. هذه تفاصيله
  • شروط صحة الأضحية والعيوب التي يجب أن تخلو منها.. تعرف عليها كاملة
  • دعاء سورة يس .. يقضي جميع حاجتك ويفك كربك
  • هل تجوز قراءة سورة يس بنية قضاء الحاجات وتيسير الأمور؟.. الأزهر يُجيب