اختبار الجزيرة.. قياس مشاعر الإعلام حول الانتخابات الأميركية بالذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
في عالم السياسة، لطالما كان الإعلام جزءا حيويا في تشكيل الرأي العام وتوجيه اهتمامات الناخبين. تُعرف نظرية ترتيب الأولويات (Agenda-Setting Theory) بقدرتها على تفسير هذه الظاهرة، إذ تلعب وسائل الإعلام دورا مهما في إبراز قضايا معينة وتجاهل أخرى، مما يجعل الجمهور يراها على أنها الأكثر أهمية.
ومع صعود وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الألفية، أصبح للأفراد والمنظمات إمكانية غير مسبوقة للوصول إلى الجماهير، وتوجيه النقاشات العامة بطريقة أكثر تأثيرا مما كانت تفعله وسائل الإعلام التقليدية وحدها.
هذا دور الإعلام المعروف منذ زمن، ولكن السؤال المهم متى بدأ التحالف بين الإعلام والتكنولوجيا في مجال الانتخابات، وكيف أصبحت التكنولوجيا هو البعبع الذي يخاف منه الجميع في مجال تغيير مسار الانتخابات، من أخرج هذا المارد وجعله يتكلم بمصائر ملايين الناخبين ويوجه الحملات الانتخابية؟
أوباما أم المارد؟.. من ساعد الآخر لدخول البيت الأبيض؟في عام 2008 صُدم العالم بدخول أول رئيس من ذوي البشرة السمراء للبيت الأبيض، بعد أن أصبح باراك أوباما الرئيس الـ44 للولايات المتحدة وأول رئيس من أصول أفريقية يتولى هذا المنصب.
حصل أوباما في تلك الانتخابات على 365 صوتا في المجمع الانتخابي، متجاوزا الحد الأدنى المطلوب للفوز وهو 270 صوتا، بينما حصل منافسه الجمهوري جون ماكين على 173 صوتا.
في التصويت الشعبي، نال أوباما 52.9% من الأصوات، مقابل 45.7% لماكين. وأظهرت النتائج أن أوباما تمكن من الفوز في ولايات كانت تقليديا تميل للجمهوريين، مثل أوهايو وفرجينيا، مما ساهم في تحقيقه لهذا الانتصار الكبير.
بعد إعلان النتائج، ألقى أوباما خطاب النصر في شيكاغو أمام حشد كبير من مؤيديه، مؤكدا أن "التغيير قد أتى إلى أميركا".
والحقيقة أن التغيير هذا اليوم لم يأت إلى أميركا فحسب، بل أتى أيضا للعملية الانتخابية بحد ذاتها فقد تميزت هذه الانتخابات بإقبال كثيف من الناخبين، إذ بلغت نسبة المشاركة نحو 64.1%، وهي من أعلى النسب منذ الستينيات.
وأيضا تميزت هذه الانتخابات باستخدام حملة أوباما الانتخابية منهجية وتكنولوجيا جديدة لم تكن تستخدم سابقا في الانتخابات بهذا الشكل وهي تكنولوجيا "تحليل المشاعر" (Sentiment Analysis) التي أدخلها أوباما لعالم الانتخابات، وكانت السبب الأكبر في دخوله البيت الأبيض.
ما منهجية تحليل المشاعر وكيف تستخدم الذكاء الاصطناعي؟تقوم منهجية "تحليل المشاعر" على استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية وتحليل النصوص لتحديد وتقييم المشاعر والآراء الواردة في البيانات النصية، مثل المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو المقالات، أو التعليقات.
ويهدف هذا التحليل إلى فهم إذا ما كانت المشاعر إيجابية، سلبية، أو محايدة، مما يساعد في تقييم توجهات الرأي العام.
بناء على هذا الفهم، يعمل القائمون على الحملات الانتخابية بتغيير رسائلهم للتماشي مع التحليل الذي حصلوا عليه من هذه المنهجية.
سوف نأخذ مثال حملة أوباما 2012 التي استخدمت الذكاء الاصطناعي ومنهجية تحليل المشاعر لتحليل ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات العامة حول القضايا الساخنة، مثل الرعاية الصحية والاقتصاد.
وبمجرد ملاحظة تغير في استجابات الجمهور، كانت الحملة تقوم بتعديل رسائلها لتستجيب للاهتمامات المتزايدة أو المخاوف الجديدة.
فمثلا إذا لاحظت الحملة زيادة في المخاوف الاقتصادية، فكانت تزيد من الإعلانات والمحتوى الذي يركز على إنجازات أوباما الاقتصادية وخططه لتقليل البطالة.
اختبار الجزيرة لتبسيط مفهوم منهجية تحليل المشاعر وأدواتهالتبسيط مفهوم منهجية تحليل المشاعر التي استخدمها أوباما في حملته الانتخابية عامي 2008 و2012، أنشأت صفحة تكنولوجيا بمساعدة باحثين مستقلين في مجال الذكاء الاصطناعي صفحة تستخدم الذكاء الاصطناعي في عملية تحليل المشاعر لتحليل انتخابات الرئاسة الأميركية القائمة حاليا بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس.
تحليل مشاعر الإعلاماستندت هذه التجربة في مصادرها على التغطية الإعلامية وليس على نتائج الاستطلاع أو المحللين ومراكز الأبحاث ولا على المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي لذلك يمكن اعتبارها أنه تحليل "مشاعر التغطية الإعلامية" للانتخابات الأميركية 2024.
ومع أنه يمكن استخدام هذه المنهجية على جميع ما ذكر إلا أن هدف صفحة الجزيرة تكنولوجيا من وراء هذه الصفحة هو إظهار دور التكنولوجيا في مجال الإعلام وتأثيره على الانتخابات لذلك ركزنا على تحليل مشاعر الإعلام حول الانتخابات.
لماذا 8 مواضيع لاختبار مشاعر الإعلام حولها؟
استندنا في اختيار المواضيع التي يتناولها الإعلام في مجال الانتخابات على نظام "13 مفتاحا للبيت الأبيض" وهو نظام توقع سياسي وضعه المؤرخ الأميركي ألان ليكتمان.
يعتمد النظام على مجموعة من 13 "مفتاحا" أو مؤشرا يُستخدم لتوقع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. كل "مفتاح" هو عبارة عن عامل مرتبط بوضع البلاد بشكل عام وليس بأداء مرشح معين، مثل الوضع الاقتصادي والأحداث الاجتماعية والسياسية.
يعمل النظام على مبدأ أن الانتخابات الرئاسية الأميركية تُعتمد بشكل أكبر على أداء الحزب الحاكم والأوضاع العامة في البلاد، وليس على مواقف المرشحين أو برامجهم الانتخابية.
إذا كان الحزب الحاكم يحتفظ بأغلبية المؤشرات الإيجابية وفقا للنظام، فمن المرجح أن يفوز بالانتخابات، وإذا فقد أغلبها، فإن الحزب المنافس يكون الأقرب إلى الفوز.
قمنا في الاختبار باختيار ثماني مواضيع هم (الشخصية، نزاهة الانتخابات، السياسة، الاقتصاد، الهجرة، البيئة، القضايا الاجتماعية، الرعاية الصحية) حيث وجدنا أن المواضيع الأخرى تهم مرشح الحزب الحاكم فقط.
منهجية موقع اختبار مشاعر الإعلام في انتخابات 2024يقوم الموقع المطوَّر بواسطة باحثين مستقلين وبمساعدة محررين من صفحة تكنولوجيا في الجزيرة بجمع المقالات التي تناولت الانتخابات الأميركية منذ يناير/كانون الثاني 2024 من 5 مصادر، منها موقعا الجزيرة العربي والإنجليزي.
بعد جمع المقالات تتم معالجتها من قبل محرك الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي"، الذي يستطيع بفضل نموذج التعليم الآلي الذي يحتويه على معالجة اللغة المكتوبة في المقالات واستخراج ما تحويه من مؤشرات وتصنيفها على مقياس المشاعر إلى إيجابية سلبية أو طبيعية.
نظرة على كيفية عمل الموقع:قسم النسبة النهائية:
في أعلى هذا القسم سيكون المؤشر العام، الذي يقوم بحساب كل المجالات ويظهر النسبة المئوية للتغطية الإعلامية إذا كانت في صالح المرشح الجمهوري أم الديمقراطي.
آلية حساب النسبة النهائية كالتالي: نحسب احتمال فوز كل مرشح بعدّ المقالات الإيجابية والسلبية عن كل من المرشحين، إذ تعكس هذه المقالات تأثير الإعلام على الرأي العام.
ثم نحسب درجة كل مرشح بإضافة عدد مقالاته الإيجابية إلى عدد المقالات السلبية عن منافسه. وأخيرا، نحسب احتمال الفوز كنسبة مئوية لعدد المقالات الإيجابية للمرشح والمقالات السلبية عن منافسه من إجمالي المقالات الإيجابية والسلبية.
قسم الفلترة الزمنية:
يبدأ المستخدم رحلته من القسم العلوي، حيث يمكنه القيام بالبحث بواسطة التاريخ خلال فترة زمنية حول التغيرات في التغطية الإعلامية خلال سنة 2024 وتتبع التغطية الإعلامية ودورها في تغيير مشاعر الرأي العام.
قسم تحليل المشاعر:
في القسم الثاني من الصفحة وبعد أن يكون المستخدم قد اختار الفترة الزمنية في القسم الأول، تظهر قائمتان للمرشحين ترامب وكامالا تحويان المجالات الثماني التي يغطيها المشروع (ملاحظة: تعتمد ظهور المجالات على التغطية الإعلامية، فعلى سبيل المثال إذا اختار المستخدم شهرا معين ولم يكن هناك مقالات في هذا الشهر حول موضوع البيئة في الانتخابات فربما لا يظهر هذا الموضوع في هذا القسم لعدم وجود معلومات).
عند كل موضوع للمرشح، يظهر رسم عمود بياني يمثل 3 مشاعر "الإيجابي" بالأخضر، و"السلبي" بالأحمر، و"الطبيعي" باللون الرمادي الفاتح.
عند وضع مؤشر الفأرة على أحد الأعمدة سيظهر عدد المقالات التي تعبر عن الحالة التي يظهرها العمود والنسبة المئوية لمجموع المقالات في هذا الموضوع.
قسم خريطة الخط الزمني:
في القسم الثالث، يتم رسم خط زمني يظهر كيف تتغير التغطية الإعلامية في المجالات الثمانية، وكيف يقوم الإعلام في فترة زمنية معينة على التركيز على مجال معين بشكل كبير مما يخلق شعورا بأهمية هذا الموضوع، ويتناسى المواضيع الأخرى سواء بقصد أم من دون قصد.
مثال:
الهدف من هذه الصفحة بالإضافة للتغطية الإعلامية التي تقوم بها الجزيرة للانتخابات الأميركية 2024 هو توضيح المفاهيم التقنية التي نسمعها يوميا حول تدخل التكنولوجيا في الانتخابات والإجابة عن مخاوف الجمهور حول هل أصبحت الانتخابات حول العالم بيد الإعلام والتكنولوجيا بطريقة علمية وواقعية.
في النهاية، ربما يكون أوباما من أخرج مارد التكنولوجيا من القمقم وعرّفه على عالم الانتخابات عام 2008، ولكن ما لا يمكن تخيله هو ما فعله المارد بعد ذلك في انتخابات 2016 عندما جلب هذا المارد دونالد ترامب لرئاسة أكبر ديمقراطية في العالم، بل وما يمكن أن يفعله الآن في انتخابات 2024.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات التغطیة الإعلامیة التواصل الاجتماعی الذکاء الاصطناعی تکنولوجیا فی الرأی العام فی مجال
إقرأ أيضاً:
تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهكذا يغيّر الذكاء الاصطناعي مستقبل الأخبار
كشف تقرير الأخبار الرقمية لعام 2025 الصادر عن معهد رويترز للصحافة عن استمرار التحولات الكبرى – التي رصدها في تقرير 2024 أيضا- في كيفية استهلاك الجمهور للأخبار حول العالم. فقد تراجع الإقبال على المصادر الإخبارية التقليدية – مثل التلفزيون والصحف والمواقع الإلكترونية – مقابل تنام ملحوظ للاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو وتطبيقات التجميع الإخباري.
بدأ مستخدمو منصات الذكاء الاصطناعي (روبوتات الدردشة)، وخصوصا الشباب منهم، يستعينون بها كأدوات إخبارية، وتقول مديرة معهد "رويترز" لدراسة الصحافة ميتالي موخيرجي، في مقدمة تقريرها لعام 2025 بشأن الأخبار الرقمية، "تُستخدم روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمرة الأولى كمصدر للأخبار".
ورغم قتامة التحديات، يشير خبراء معهد رويترز إلى أن التجربة الصحفية الإنسانية لا تزال تمتلك عناصر قوة يمكن الرهان عليها. فالجمهور، برغم كل شيء، لا يقول إنه يريد المزيد من الأخبار الآلية أو الخوارزمية البحتة؛ بل على العكس، يشعر كثيرون بالإرهاق من التخمة المعلوماتية ولا يرغبون في محتوى استغلالي مصمم فقط لجذب النقرات أو مناسب لخوارزميات المنصات. وهذا تذكير بأن الجودة والمصداقية والتحرير البشري تظل قيما مطلوبة. وربما تعول المؤسسات الإعلامية على هذا الجانب المهني فيما تتخذ قراراتها للموازنة بين تبني التقنيات الحديثة والمحافظة على جوهر الرسالة الصحفية.
يُعدّ التقرير الذي يصدر سنويا عن هذا المعهد التابع لجامعة أكسفورد البريطانية، مرجعا لتحليل التحوّلات التي تطال وسائل الإعلام. ويستند إلى استطلاعات رأي إلكترونية تجريها شركة "يوغوف" على 97 ألف شخص في 48 دولة.
يظهر تقرير معهد رويترز للأخبار الرقمية 2025 مشهدا إعلاميا عالميا شديد الديناميكية والتغير. فالعادات الرقمية للجمهور تتبدل باستمرار مدفوعة بالتقنية والمنصات الجديدة، والثقة في الإعلام تمر باختبار عسير، فيما يحاول الصحفيون توظيف الأدوات الحديثة كسلاح ذو حدين. وبين صعود الفيديو والمحتوى الاجتماعي، وتحديات التمويل والذكاء الاصطناعي، يتبلور أمامنا عقد جديد حافل بالفرص والمخاطر للصحافة. والمؤكد أن قدرة المؤسسات الإعلامية على الابتكار والتكيف مع هذه الاتجاهات – مع الحفاظ في الوقت نفسه على جوهر المهنة المتمثل في المصداقية والخدمة العامة – ستكون العامل الحاسم في تحديد مكانتها ومستقبلها في المشهد الرقمي القادم
في الوقت الحالي، يُعدّ إجمالي عدد المشاركين الذين يقولون إنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي أسبوعيا للحصول على الأخبار "منخفضا نسبيا" (7%)، بحسب التقرير. لكن هذه النسبة "أعلى" لدى الشباب، إذ تصل إلى 12% لدى من تقل أعمارهم عن 35 عاما و15% لدى من هم دون الخامسة والعشرين.
إعلانمن بين هذه الأدوات، كان برنامج "تشات جي بي تي" (شركة "اوبن ايه آي" الأميركية) الأكثر استخداما كمصدر للأخبار، متقدّما على "جيميناي" من شركة "غوغل" و"لاما" من "ميتا".
يرى المشاركون في الاستطلاع أن هذه الأدوات مفيدة لتلقّي كل مستخدم الأخبار التي تهمّه وتتناسب مع متطلباته.
ويتضمّن ذلك مثلا تلخيص مقالات لتسهيل قراءتها (27% من المشاركين في الاستطلاع)، وترجمتها (24%)، وتقديم توصيات (21%)، وحتى الإجابة على أسئلة بشأن الأحداث الجارية (18%).
على الرغم من هذا الاستخدام الناشئ، لا يزال المشاركون عموما "متشككين في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأخبار، ويفضّلون مواصلة البشر تأدية دورهم". ويخشون أن تكون المعلومات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي "أقل شفافية" و"أقل جدارة بالثقة".
لا يزال المشاركون عموما "متشككين في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأخبار، ويفضّلون مواصلة البشر تأدية دورهم". ويخشون أن تكون المعلومات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي "أقل شفافية" و"أقل جدارة بالثقة"، ويقدّم التقرير في نحو مئتي صفحة الاستنتاج العام نفسه الذي توصّل إليه في السنوات السابقة: تراجع تأثير وسائل الإعلام التقليدية (التلفزيون، الراديو، الصحف المطبوعة، مواقع الإنترنت…) لصالح وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو
تستند نماذج الذكاء الاصطناعي على البيانات الموجودة عبر الإنترنت، بينها المحتوى الصحافي، لإنتاج نصوص أو صور بناء على طلب بسيط بلغة شائعة.
لتحقيق عائدات، اختارت بعض وسائل الإعلام إبرام اتفاقيات مع الشركات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي. في المقابل، رفعت أخرى دعاوى قضائية بسبب انتهاك هذه البرامج حقوق الطبع والنشر.
على نطاق أوسع من مسألة الذكاء الاصطناعي، يقدّم التقرير في نحو مئتي صفحة الاستنتاج العام نفسه الذي توصّل إليه في السنوات السابقة: تراجع تأثير وسائل الإعلام التقليدية (التلفزيون، الراديو، الصحف المطبوعة، مواقع الإنترنت…) لصالح وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو.
بالإضافة إلى تقويض الجدوى الاقتصادية لوسائل الإعلام، يُشير التقرير إلى أن هذا "التحوّل" له عواقب سياسية، إذ سمح "لسياسيين شعبويين" مثل "دونالد ترامب في الولايات المتحدة وخافيير ميلي في الأرجنتين، بتجاوز وسائل الإعلام التقليدية والتوجّه إلى المؤثرين ومُنشئي البودكاست ومُستخدمي يوتيوب المُؤيدين لهم"، مثل الأميركي جو روغان.
وعلى غرار السنوات السابقة، يلفت التقرير إلى تصاعد أهمية الصيغ القائمة على الفيديو، إذ أصبحت المنصات ومواقع التواصل المصدر الرئيسي للأخبار بالنسبة إلى 44% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما. ونتيجة لذلك، يجذب "أهم مُستخدمي يوتيوب وانستغرام وتيك توك" قاعدة متابعين أوسع في دول مثل "الهند والبرازيل وإندونيسيا وتايلاند".
في أوروبا، "انخفض عدد منشئي المحتوى الذين نجحوا في اكتساب مكانة، رغم وجود استثناءات"، وفق التقرير الذي يذكر أوغو ديكريبت في فرنسا. ويصل محتواه الذي ينتشر بشكل رئيسي على يوتيوب وتيك توك، إلى 22% من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما.
يؤكد المعدّ الرئيسي للتقرير نيك نيومان أن ازدهار نموذج عرض الأخبار ضمن مقطع فيديو مع تولّي شخصية مشهورة تقديمها، يمثّل "تحدّيا كبيرا" لوسائل الإعلام التقليدية. ويوضح أن مقاطع الفيديو "تقدّم فوائد تجارية محدودة لوسائل الإعلام، إذ ان استهلاك الأخبار يتم بشكل أساسي عبر المنصات بدل مواقعها الإلكترونية" التي تشكل مصدر دخلها.
ازدهار نموذج عرض الأخبار ضمن مقطع فيديو مع تولّي شخصية مشهورة تقديمها، يمثّل "تحدّيا كبيرا" لوسائل الإعلام التقليدية؛ فمقاطع الفيديو "تقدّم فوائد تجارية محدودة لوسائل الإعلام، إذ ان استهلاك الأخبار يتم بشكل أساسي عبر المنصات بدل مواقعها الإلكترونية" التي تشكل مصدر دخلها
منظومة إعلامية بديلةارتفعت نسبة من يحصلون على الأخبار عبر الشبكات الاجتماعية في الولايات المتحدة إلى 54%، متجاوزة ولأول مرة نسبة متابعي الأخبار عبر التلفزيون (50%) والمواقع الإخبارية (48%). ويعزى ذلك إلى بروز ما يوصف ب"منظومة إعلامية بديلة" يقودها صناع المحتوى والمدونون ومؤثرو منصات مثل يوتيوب وتيك توك، الأمر الذي بدأ يضعف بريق المؤسسات الإخبارية التقليدية خاصة لدى الجمهور الأصغر سنا. ولم يشهد الإعلام التقليدي في الولايات المتحدة ما سمي سابقا ب"أثر ترامب" الإيجابي على نسب المشاهدة، حيث لم يؤد تغيير الإدارة السياسية هذا الدور هذه المرة، بل اقتصر النمو على المنصات الاجتماعية والفيديو.
إعلانوفي سياق متصل، بات استهلاك الأخبار عبر الفيديو آخذا في الازدياد عاما بعد عام. تشير بيانات التقرير إلى ارتفاع نسبة من يتابعون مقاطع الفيديو الإخبارية على المنصات الاجتماعية من 52% في عام 2020 إلى 65% في 2025. وإجمالا، أصبح ثلاثة أرباع الجمهور تقريبا (75%) يشاهدون نوعا من المحتوى الإخباري المرئي أسبوعيا على الأقل. وفي بعض الدول مثل تايلاند والهند وكينيا والفلبين، يفوق عدد من يفضلون مشاهدة الأخبار عدد من يفضلون قراءتها، ما يشجع المؤسسات الإعلامية والمبدعين على تبني صيغة الفيديو القصير والتركيز على الأخبار بلمسة شخصية. ولمواكبة هذا التحول، أضافت شركات تقنية مثل غوغل قسما خاصا بمقاطع الفيديو القصيرة في نتائج البحث، كما كثفت العديد من غرف الأخبار إنتاج المحتوى المرئي وعرضه بشكل بارز في مواقعها وتطبيقاتها.
وبالنسبة للمنطقة العربية، يتوفر في التقرير بيانات محدودة لكنها كاشفة للاتجاهات العامة. فالمغرب هو أحد الأسواق المشمولة في الدراسة، ويظهر التحول نفسه نحو الرقمنة: نحو 78% من المستطلعين في المغرب يحصلون على أخبارهم عبر الإنترنت، مع لعب شبكات التواصل وتطبيقات التراسل دورا رئيسيا. تتصدر منصتا يوتيوب وفيسبوك قائمة وسائل التواصل الأكثر استخداما للأخبار هناك (بنسبة وصول أسبوعي تقارب 49% و47% من الجمهور على التوالي)، تليهما إنستغرام (32%) وتيك توك (24%). كما تنتشر مجموعات واتساب الإخبارية (30%) على نطاق واسع كمصدر للأخبار وتبادلها، إلى جانب تنام ملحوظ في استخدام تطبيق تيليغرام. وترافق هذا التحول الرقمي تحديات واضحة، إذ سجلت المغرب أحد أدنى مستويات الثقة في الأخبار عالميا بمعدل لا يتجاوز 28% فقط.
ويعزو التقرير ذلك إلى شعور الكثير من المغاربة بأن الإعلام المحلي يخضع للتأثيرات الحكومية ويفتقر للاستقلالية. وتعاني الساحة الإعلامية هناك من انتشار الأخبار الزائفة؛ فقد أعرب 54% من المشاركين عن قلقهم من صعوبة التمييز بين الأخبار الصحيحة والمعلومات الكاذبة على الإنترنت. ويلفت النظر أن المستطلع آرائهم اعتبروا المؤثرين عبر الإنترنت والشخصيات الاجتماعي المصدر الأكبر لخطر المعلومات المضللة في المغرب بنسبة 52%، متفوقين بفارق كبير على السياسيين (30%) وحتى على وسائل الإعلام نفسها (28%). هذه المعطيات تعكس صورة مصغرة لما يحدث عالميا، حيث يؤكد التقرير أن انتشار الأخبار المضللة بات هاجسا يتشارك فيه أكثر من نصف الجمهور المستطلع حول العالم (58%).
تأثير الذكاء الاصطناعي على إنتاج واستهلاك الأخباريحظى الذكاء الاصطناعي هذا العام باهتمام خاص في تقرير معهد رويترز، نظرا لتزايد حضوره في عمليتي إنتاج الأخبار واستهلاكها على حد سواء. فعلى صعيد غرف الأخبار، شرعت العديد من المؤسسات الإعلامية في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لأتمتة بعض المهام الصحفية. يستخدم صحفيون تلك الأدوات في مجالات مثل البحث والأرشفة ونسخ المقابلات وصياغة العناوين والتلخيصات، بل وبدأت بعض المواقع في نشر قصص مكتوبة تلقائيا بواسطة الذكاء الاصطناعي.
على سبيل المثال، طورت إحدى أكبر شركات النشر الإقليمية في بريطانيا أداة تدعى «Gutenbot» لإعادة تحرير القصص بشكل آلي ونشرها عبر مواقعها المتعددة ، فيما استخدمت صحيفة ألمانية روبوت تحرير باسم «كلارا» أسهم في كتابة 1500 مقال وأنتج 10% من إجمالي القراءات للموقع. كذلك ظهرت تجارب في آسيا مثل اعتماد قناة إخبارية إندونيسية على مذيعين افتراضيين بتقنية الذكاء الاصطناعي لتقديم المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إطلاق صحف هندية قنوات يوتيوب مؤتمتة بقدر كبير باستخدام مقدمي أخبار من إنشاء الذكاء الاصطناعي.
الجمهور ما زال متحفظا حيال فكرة الأخبار المنتجة آليا دون تدخل بشري كامل. أظهر الاستطلاع أن غالبية الناس غير مرتاحين للاعتماد على المحتوى الإخباري إذا كان من إنتاج الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي، رغم تقبل أعلى (نسبيا) للأخبار التي تنتج بشكل أساسي من قبل صحفيين مدعومين بأدوات الذكاء
إلا أن الجمهور ما زال متحفظا حيال فكرة الأخبار المنتجة آليا دون تدخل بشري كامل. أظهر الاستطلاع أن غالبية الناس غير مرتاحين للاعتماد على المحتوى الإخباري إذا كان من إنتاج الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي، رغم تقبل أعلى (نسبيا) للأخبار التي تنتج بشكل أساسي من قبل صحفيين مدعومين بأدوات الذكاء. وعموما، يبدي الشباب مستوى راحة أعلى قليلا مع أخبار الذكاء الاصطناعي مقارنة بكبار السن، كما أن التشكك في المحتوى المؤتمت يبرز أكثر في أوروبا مما هو عليه في الولايات المتحدة أو آسيا. ففي أوروبا على سبيل المثال تنخفض نسبة من يشعرون بالارتياح لأخبار مكتوبة بمعظمها بواسطة آلة إلى نحو 10-15% فقط في دول كفنلندا والدنمارك ، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 37% في إندونيسيا و44% في الهند حيث يتقبل الجمهور التقنيات الجديدة بشكل أسرع.
بدأ عدد محدود من الناس يلجأ فعليا إلى روبوتات المحادثة القائمة على الذكاء الاصطناعي للحصول على الأخبار أو التحقق من المعلومات. ووفقا للتقرير، قال نحو 7% فقط من العينة العالمية إنهم استخدموا أدوات مثل "تشات جي بي تي" للحصول على الأخبار الأسبوع الماضي – ترتفع النسبة إلى 15% بين من هم دون 25 عاما. هذه الأرقام وإن كانت صغيرة إجمالا، إلا أنها تبرز فجوة جيلية وتقنية بين الدول
على مستوى سلوك المستخدمين، بدأ عدد محدود من الناس يلجأ فعليا إلى روبوتات المحادثة القائمة على الذكاء الاصطناعي للحصول على الأخبار أو التحقق من المعلومات. ووفقا للتقرير، قال نحو 7% فقط من العينة العالمية إنهم استخدموا أدوات مثل "تشات جي بي تي" للحصول على الأخبار الأسبوع الماضي – ترتفع النسبة إلى 15% بين من هم دون 25 عاما.
إعلانهذه الأرقام وإن كانت صغيرة إجمالا، إلا أنها تبرز فجوة جيلية وتقنية بين الدول. ففي الهند مثلا أفاد 18% من المشاركين بأنهم يتصفحون الأخبار أسبوعيا عبر روبوتات دردشة ذكاء اصطناعي (مثل "تشات جي بي تي" وجيميني)، كما عبر 44% عن شعورهم بالراحة في استخدامها. وعلى النقيض، في بريطانيا لم تتجاوز نسبة مستخدمي هذه الأدوات للأخبار 3% فقط، مع مستوى ارتياح متدن بلغ 11%. ويرجع التقرير هذا التباين إلى اختلاف مستويات الاهتمام التقني والتغطية الإعلامية للذكاء الاصطناعي بين البلدان، مما يؤثر على درجة تقبل الجمهور له.
بالرغم من الحذر العام، يظهر الجمهور بعض التفاؤل إزاء الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة الأخبار إذا استخدم بطريقة صحيحة. فهناك تأييد ملحوظ لفكرة تلخيص الأخبار عبر الذكاء الاصطناعي (27% من المشاركين مرحبون بها)، وكذلك ترجمة الأخبار للغات مختلفة (24%) وتقديم توصيات إخبارية مخصصة (21%) وحتى إمكانية التحاور مع روبوت دردشة للإجابة عن أسئلة حول الأخبار (18%). هذه المؤشرات تدل على أن شريحة من المستخدمين ترى جوانب إيجابية في توظيف التقنية لجعل المحتوى أكثر وصولا وفهما. لكن في المقابل، ما يزال هناك تخوف واسع من تأثير الذكاء الاصطناعي على جودة ومصداقية الأخبار. وتبين نتائج الاستطلاع أن الناس يتوقعون من الأخبار المنتجة بالذكاء الاصطناعي أن تكون أرخص تكلفة وأسرع في التحديث، إلا أنهم يرجحون أيضا أن تكون أقل شفافية وأقل دقة وأقل جدارة بالثقة بشكل عام. ولا شك أن حوادث معروفة لخطأ المحتوى التوليدي – مثل اختلاق معلومات أو مصادر غير صحيحة – أسهمت في تغذية هذه الشكوك.
ومن اللافت أن "تشات جي بي تي" برز كأكثر منصة ذكاء اصطناعي يستخدمها الناس للحصول على الأخبار حتى الآن، إذ أفاد 4% من المشاركين عالميا أنهم استعملوه للأخبار في الأسبوع السابق للاستطلاع. وتراجع استخدام النماذج المنافسة مثل خدمة غوغل جيميني التجريبية أو أدوات ميتا (المعتمدة على نموذج LLaMA) إلى حوالي 1-2% فقط. هذه الأرقام المحدودة تشير إلى أن تأثير هذه التقنيات ما زال في بداياته لدى الجمهور العادي. ومع ذلك، يتوقع التقرير أن يتسارع دمج الشركات التقنية الكبرى لميزات الأخبار اللحظية في خدمات الذكاء الاصطناعي التابعة لها، مما قد يزيد إقبال المستخدمين على هذه الطرق غير التقليدية للحصول على الأخبار مستقبلا.
انخفاض الثقة وتحديات التمويليرسم التقرير صورة شاملة لتحولات المشهد الإخباري، تجمع بين تغير مصادر الأخبار وتراجع الثقة وأزمة نماذج التمويل بالاشتراكات، إلى جانب صعود المحتوى الذي يصنعه المؤثرون. أحد أبرز الاستنتاجات هو تراجع نفوذ الإعلام التقليدي لصالح المنصات الرقمية الجديدة. فخلال العقد الماضي، فقدت التلفزيونات والصحف والمواقع الإخبارية جزءا متزايدا من جمهورها، بينما استمرت شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو في اكتساب المزيد من المستخدمين للأخبار. واليوم، يتنوع المشهد الرقمي بشكل غير مسبوق: هناك ست منصات رقمية مختلفة على الأقل تصل كل منها إلى أكثر من 10% من الجمهور أسبوعيا كمصدر للأخبار – مقارنة بمنصتين فقط قبل عشر سنوات.
أحد أبرز الاستنتاجات هو تراجع نفوذ الإعلام التقليدي لصالح المنصات الرقمية الجديدة. فخلال العقد الماضي، فقدت التلفزيونات والصحف والمواقع الإخبارية جزءا متزايدا من جمهورها، بينما استمرت شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو في اكتساب المزيد من المستخدمين للأخبار
فعلى الصعيد العالمي، ما يزيد عن ثلث المشاركين يتصفحون الأخبار عبر فيسبوك (36%) أو يوتيوب (30%) كل أسبوع، ويستخدم حوالي خمسهم إنستغرام (19%) أو واتساب (19%) في متابعة الأخبار أيضا. كما تقدم تيك توك سريعا ليصل استخدامه للأخبار إلى 16% متجاوزا منصة تويتر (التي غيرت علامتها إلى "X") والتي بلغت 12%. ويعد تيك توك الأسرع نموا بين الشبكات، حيث زاد اعتماده كمصدر إخباري بمقدار 4 نقاط مئوية هذا العام ليصل إلى نصف الجمهور تقريبا في بعض الدول الآسيوية (49% في تايلاند و40% في ماليزيا). لكن المفارقة أن هذه المنصة نفسها ينظر إليها – إلى جانب فيسبوك – كأحد أكبر بؤر القلق من انتشار المعلومات الزائفة في تلك الأسواق.
إلى جانب تغير القنوات، يشهد نمط المحتوى الإخباري تحولا نحو الشخصنة وقيادة الأفراد للمشهد. يظهر التقرير أن شخصيات الإنترنت والمؤثرين بات لهم تأثير متزايد خصوصا لدى الأجيال الشابة. في الولايات المتحدة، مر واحد من كل خمس أشخاص (22%) على الأقل على محتوى أو تعليق إخباري من مقدم البودكاست الشهير جو روغن خلال أسبوع واحد فقط عقب الانتخابات الأخيرة – وغالبية هذا الجمهور من فئة الشباب الذكور. وفي فرنسا، تمكن الصحفي الشاب هوغو ترافرس (صاحب قناة HugoDécrypte) من الوصول إلى 22% من الجمهور تحت سن 35 عبر محتوى يقدمه أساسا على يوتيوب وتيك توك. كذلك الحال في عدة دول آسيوية كتايلاند، حيث يشكل المبدعون الشباب على المنصات الاجتماعية مصدرا رئيسيا للأخبار للكثيرين.
الاعتماد المتزايد على المؤثرين كمصادر للأخبار يثير إشكاليات تتعلق بالدقة والموثوقية. فبحسب استطلاع هذا العام، ينظر إلى المؤثرين الإلكترونيين والشخصيات الإعلامية المستقلة على أنهم أخطر المصادر فيما يتعلق بنشر المعلومات المضللة والكاذبة عالميا (بحصة 47% من الآراء، متساوية مع السياسيين)
هذه المنظومة الإعلامية البديلة اكتسبت زخما لأنها نجحت في جذب شرائح من الجمهور طالما واجهت المؤسسات الإخبارية صعوبة في الوصول إليها. ومع ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على المؤثرين كمصادر للأخبار يثير إشكاليات تتعلق بالدقة والموثوقية. فبحسب استطلاع هذا العام، ينظر إلى المؤثرين الإلكترونيين والشخصيات الإعلامية المستقلة على أنهم أخطر المصادر فيما يتعلق بنشر المعلومات المضللة والكاذبة عالميا (بحصة 47% من الآراء، متساوية مع السياسيين). وقد أعرب معظم المستطلعين في إفريقيا عن هذا القلق (حيث ارتفعت النسبة إلى 58% في نيجيريا و59% في كينيا)، في حين برزت الولايات المتحدة وإسبانيا ضمن البلدان التي يعتبر فيها الجمهور السياسيين الوطنيين التهديد الأكبر لدقة الأخبار. وحتى في سياقاتنا العربية، رأينا كيف تفوقت مخاوف تأثير المؤثرين على مخاوف الرقابة الرسمية في حالة المغرب المذكورة آنفا. باختصار، يجلب صعود المحتوى الذي ينشئه المستخدمون فرصا للوصول والتنوع، لكنه يصاحبه قلق عالمي بشأن جودة المعلومات في غياب المعايير التحريرية التقليدية.
إعلانأما فيما يتعلق بثقة الجمهور في الأخبار، فيظهر التقرير استقرارا هشا عند مستويات منخفضة نسبيا. فقد بقي متوسط الثقة في الأخبار حول العالم عند 40% للعام الثالث على التوالي ، بعد أن كان قد ارتفع مؤقتا أثناء جائحة كورونا قبل بضع سنوات. هذا الاستقرار لا يخفي التفاوت الكبير بين الدول؛ فبعض الأسواق الإخبارية في شمال أوروبا ما زالت تتمتع بثقة أعلى نسبيا، بينما تسجل نسب متدنية جدا في دول أخرى كما ذكرنا (مثل 28% فقط في المغرب). ويرجع خبراء المعهد تدني الثقة في عدة حالات إلى شعور الجمهور بانحياز وسائل الإعلام أو خضوعها للتأثير السياسي والاقتصادي.
تستمر ظاهرة تجنب الأخبار لدى نسبة من الجمهور الذي يشعر بالإرهاق من كثرة المحتوى أو الإحباط من سلبيته، ما يفاقم تحدي تفاعل المؤسسات الإعلامية مع القراء والمشاهدين. ومع أن التقرير رصد بعض العلامات الإيجابية – مثل بقاء الثقة العامة مستقرة وعدم تراجعها أكثر، واعتماد الناس على المؤسسات الموثوقة للتحقق – إلا أن استعادة ثقة الجمهور تبقى مهمة صعبة. ويلفت التقرير إلى أن المؤسسات الإخبارية الموثوقة، وبخاصة هيئات الخدمة العامة، لا تزال الوجهة الأكثر ذكرا من قبل الناس عند رغبتهم في التأكد من صحة خبر ما
إلى جانب ذلك، تستمر ظاهرة تجنب الأخبار لدى نسبة من الجمهور الذي يشعر بالإرهاق من كثرة المحتوى أو الإحباط من سلبيته، ما يفاقم تحدي تفاعل المؤسسات الإعلامية مع القراء والمشاهدين. ومع أن التقرير رصد بعض العلامات الإيجابية – مثل بقاء الثقة العامة مستقرة وعدم تراجعها أكثر، واعتماد الناس على المؤسسات الموثوقة للتحقق – إلا أن استعادة ثقة الجمهور تبقى مهمة صعبة. ويلفت التقرير إلى أن المؤسسات الإخبارية الموثوقة، وبخاصة هيئات الخدمة العامة، لا تزال الوجهة الأكثر ذكرا من قبل الناس عند رغبتهم في التأكد من صحة خبر ما. إذ قال غالبية المشاركين إنهم سيلجأون إلى مواقع الأخبار المعروفة ذات المصداقية أو المصادر الرسمية الحكومية للتحقق إذا ساورهم الشك في معلومة على الإنترنت. ويصدق ذلك على كل الفئات العمرية، رغم أن الشباب أكثر ميلا من كبار السن لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي – وحتى أدوات الذكاء الاصطناعي – للتحقق من الأخبار المثيرة للريبة.
وفي مواجهة هذه التحولات، تجد المؤسسات الإعلامية التقليدية نفسها أمام تحديات تمويلية وضغوط اقتصادية متصاعدة. و سعت العديد من المنظمات الإخبارية خلال السنوات الأخيرة إلى تنويع مصادر دخلها لمواجهة تراجع عائدات الإعلانات المطبوعة والاعتماد المتزايد على المنصات الخارجية. أحد أبرز هذه المصادر كان نموذج الاشتراكات الرقمية المدفوعة، لكن التقرير يظهر أن نمو هذا النموذج تباطأ بشكل ملحوظ. فعلى مستوى 20 دولة من الأكثر ثراء، استقرت نسبة من يدفعون مقابل أي محتوى إخباري عبر الإنترنت عند 18% فقط من السكان، وهي النسبة ذاتها في العام السابق. بعبارة أخرى، ما زال حوالي أربعة أخماس الجمهور يكتفون بالمحتوى المجاني ولا يجدون دافعا للاشتراك المدفوع. ورغم نجاح بعض الأسواق ذات التقليد الصحفي العريق في دفع شريحة أكبر للدفع – مثل النرويج (42%) والسويد (31%) والولايات المتحدة (20%) – إلا أن النسب تنخفض إلى خانة الآحاد في دول أخرى (7% في اليونان وصربيا، 6% فقط في كرواتيا). هذا الواقع يسلط الضوء على صعوبة إقناع الجمهور بقيمة الدفع مقابل الأخبار في عصر تتوفر فيه بدائل مجانية لا حصر لها. وقد أدى ذلك ببعض المؤسسات إلى البحث عن نماذج إيرادات بديلة: كإطلاق خدمات بث صوتي وبودكاست، أو تقديم محتوى متميز في مجالات أخرى كالتعليم والترفيه ضمن باقات اشتراك موحدة، أو حتى الدخول في شراكات تجارية بعيدة عن الصحافة. ومع ذلك، يقر التقرير بأن كثيرا من وسائل الإعلام التقليدية ما زالت تكافح لإثبات جدارتها للجمهور الرقمي وإقناعه ليس فقط بمنحها ولاءه وانتباهه، بل وباستعداده للدفع من أجل محتواها.
الفيديو القصير وصناعة المحتوى والتمويليطرح معهد رويترز عددا من الاتجاهات المستقبلية التي يرجح أن تشكل ملامح المشهد الإخباري الرقمي خلال السنوات القليلة القادمة. أول هذه الاتجاهات هو:
الصعود المتواصل للفيديو القصير كوسيلة مفضلة لاستهلاك الأخبار، لا سيما بين الأجيال الشابة. فقد رأينا بالفعل كيف نما استخدام المنصات المرئية مثل يوتيوب وتيك توك بسرعة، ويتوقع أن يستمر هذا المنحى مع استثمار الشبكات الاجتماعية أكثر في خصائص الفيديو والبث المباشر. وربما نشهد منافسة محتدمة بين المؤسسات الإعلامية على إنتاج محتوى مرئي جذاب وقصير يناسب الشاشات الصغيرة ويمتاز بسرعة الوصول والإيقاع السريع الذي اعتاده مستخدمو المنصات. ولم يعد مستغربا أن نرى كبرى غرف الأخبار التقليدية تخصص فرقا لإنتاج فيديوهات لوسائل التواصل، أو أن تظهر منصات جديدة تماما ترتكز فقط على الفيديو الإخباري القصير لتلبية هذا الطلب المتزايد.
التوجه الثاني يتمثل في ازدهار المحتوى المنتج من قبل المستخدمين واستمرار بروز المؤثرين كمصدر من مصادر الأخبار والمعلومات. فمع تراجع حواجز النشر وانخفاض ثقة بعض الجمهور بالإعلام المؤسسي، سنجد مزيدا من الأشخاص العاديين وصناع المحتوى المستقلين يقدمون تغطياتهم ورؤاهم للأحداث عبر الإنترنت. هذه الظاهرة سلاح ذو حدين كما أشار التقرير: فمن جهة، توفر صوتا متنوعا ويمكن أن تساهم في دمقرطة الإعلام وكسر احتكار المؤسسات التقليدية للمعلومة – خصوصا في البيئات التي تكبلها الرقابة، حيث يفتح المحتوى الرقمي البديل مجالا للتعبير الحر وإسماع أصوات جديدة. ومن جهة أخرى، يثير هذا المحتوى غير الخاضع لمعايير تحريرية موحدة تحديات فيما يخص جودة المعلومات ودقتها. ويتوقع أن تستمر المنصات الكبرى (فيسبوك، إكس/تويتر، يوتيوب، تيك توك وغيرها) في لعب دور الحكم والمنسق لهذا الفيض من المحتوى، سواء عبر خوارزميات التوصية أو عبر سياسات الإشراف وحذف المنشورات المضللة.
ويبقى السؤال إلى أي مدى ستنجح تلك المنصات في تحقيق توازن بين حرية التعبير من جهة وسلامة المحتوى الإخباري من جهة أخرى، وهي قضية ستستقطب بلا شك اهتمام المشرعين والجمهور على حد سواء في المستقبل.
التوجه الثالث يرتبط بنموذج الأعمال وتمويل الصحافة. يوضح التقرير أن المؤسسات الإعلامية ستواجه استمرار الضغوط المالية مع انحسار عوائد الإعلانات التقليدية وصعوبة توسيع قاعدة المشتركين. هذا يعني أن البحث عن مصادر دخل مستدامة سيزداد إلحاحا. من المرجح أن نشهد تجارب أكثر جرأة في نماذج التمويل، مثل الدفع مقابل محتوى حصري أو حملات تمويل جماعي من القراء، بالإضافة إلى تعزيز استراتيجيات تعدد المنصات حيث تحاول المؤسسات كسب إيرادات من الفيديو والصوت والأحداث المباشرة والخدمات الاستشارية وغيرها. كما قد تتجه بعض وسائل الإعلام للتحالف مع بعضها أو مع شركات تقنية لتشكيل منصات مشتركة تقدم حزم خدمات مغرية للمستخدمين. لكن معهد رويترز ينبه إلى أن أيا من هذه الحلول ليس عصا سحرية بحد ذاته، بل قد تكون جزءا من مزيج أوسع من الخيارات لإعادة بناء الصلة مع الجمهور وإثبات قيمة الصحافة الاحترافية.
برز اتجاه لدى بعض الناشرين للتفكير خارج الصندوق، مثل دمج المحتوى الإخباري مع خدمات ترفيهية أو معرفية ضمن اشتراك واحد، أو إعادة تغليف المحتوى بطرق جديدة تتلاءم مع عادات الاستهلاك الحديثة. كذلك يدرس آخرون إمكانية ترخيص المحتوى لصالح منصات وشركات تقنية كبرى – بما فيها منصات الذكاء الاصطناعي – كسبيل للحصول على عائد مادي مقابل استخدام منتجاتهم الخبرية.
وأخيرا، يبرز في الأفق رهان قانوني وتشريعي حول الذكاء الاصطناعي وحقوق النشر الخاصة بالأخبار. فمع تنامي اعتماد نماذج الذكاء الاصطناعي على محتوى الإنترنت – وبين ذلك المحتوى الإخباري الذي تنتجه المؤسسات الصحفية – ازدادت المخاوف بشأن انتهاك هذه النماذج لحقوق الملكية الفكرية واستغلال عمل الصحفيين دون مقابل. يشير التقرير إلى بوادر تحرك في عدة دول لمعالجة هذه الإشكالية. ففي كوريا الجنوبية مثلا، قامت كبرى شبكات التلفزة برفع دعاوى قضائية ضد عملاق الإنترنت المحلي (شركة Naver) متهمة إياه باستخدام مقالاتها الإخبارية في تدريب أنظمة ذكاء اصطناعي دون إذن، في سابقة هي الأولى من نوعها هناك. وفي أوروبا، جرت مفاوضات بين دور النشر وشركات التكنولوجيا الكبرى (غوغل، ميتا، وأوبنAI) للمطالبة برسوم مقابل استخدام أرشيف الأخبار لتدريب النماذج الذكية.
مسألة حقوق النشر في عصر الذكاء الاصطناعي ستكون من أهم ساحات التفاعل بين الإعلام والتقنية والقانون في المستقبل القريب
وبعد تعثر المفاوضات، تدخلت بعض الجهات الرسمية لفرض إجراءات تصالحية أو تشريعات تلزم عمالقة التقنية بدفع مقابل مادي للمحتوى الإخباري سواء في شكل معاينات الروابط الإخبارية أو خلاصات تنتجها روبوتات الدردشة. وفي الولايات المتحدة أيضا طرح مشروع قانون في مجلس النواب يهدف إلى إلزام شركات الذكاء الاصطناعي بدفع تعويضات لناشري الأخبار إذا استخدمت موادهم في تدريب نماذجها.
هذه التطورات وغيرها تؤكد أن مسألة حقوق النشر في عصر الذكاء الاصطناعي ستكون من أهم ساحات التفاعل بين الإعلام والتقنية والقانون في المستقبل القريب. وسيكون على المؤسسات الإخبارية أن تراقب عن كثب هذه الرهانات القانونية، دفاعا عن ملكيتها للمحتوى من جهة، وانخراطا في رسم ملامح بيئة تنظيمية عادلة تضمن حيوية الصحافة واستمرارها من جهة أخرى.