الخطر الصامت الذي يهدد صحة الأجيال القادمة!
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
شمسان بوست / متابعات
تسلط دراسة جديدة الضوء على أهمية التغذية الصحية خلال السنوات الأولى من حياة الطفل لحمايته من مخاطر صحية مستقبلية، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
وأوضحت الدراسة أن الأطفال يتعرضون لكميات كبيرة من السكر من خلال نظام غذائي يشمل ما تأكله الأم أثناء الحمل والرضاعة الطبيعية، وكذلك أغذية الأطفال.
وبهذا الصدد، استفاد باحثو جامعة جنوب كاليفورنيا من تجربة طبيعية جرت في المملكة المتحدة، تتعلق بتقنين استهلاك السكر والحلويات الذي استمر لعقد بعد الحرب العالمية الثانية، وانتهى في عام 1953.
وخلال فترة التقنين، كان يُسمح للبالغين عادة بالحصول على 8 أونصات من السكر أسبوعيا، و12 أونصة من الحلويات كل 4 أسابيع.
ومع انتهاء التقنين، شهدت البلاد زيادة فورية في استهلاك السكر، حيث تضاعف تقريبا بين عشية وضحاها.
وحلل الباحثون البيانات الصحية للأشخاص الذين عاشوا أول 1000 يوم بعد الحمل إما خلال فترة التقنين أو بعدها.
وكشفت النتائج أن التعرض خلال هذه الفترة لتقنين السكر كان له فوائد صحية طويلة الأجل، حيث انخفض خطر الإصابة بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم بنحو 35% و20% على التوالي بحلول الخمسينيات والستينيات من العمر.
كما تأخر ظهور هذه الأمراض بأربع سنوات بالنسبة لمرض السكري، وسنتين بالنسبة لارتفاع ضغط الدم.
وأفاد الباحثون أن استهلاك السكر اليومي لدى البالغين ارتفع بشكل حاد من 41 غراما في عام 1953 إلى حوالي 80 غراما بحلول عام 1954. كما زاد استهلاك السكر لدى الأطفال بأكثر من الضعف بعد انتهاء التقنين، ما أثر سلبا على صحة الفم لديهم.
وقالت الدكتورة هيلدا مولروني، أستاذة التغذية والصحة في جامعة لندن متروبوليتان: “هذه ورقة بحثية مثيرة للاهتمام، خاصة في ظل الارتفاع الحالي في استهلاك السكر في المملكة المتحدة وانتشار الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري من النوع 2 وارتفاع ضغط الدم. لقد تم التعرف منذ فترة طويلة على تأثير النظام الغذائي في الرحم على المخاطر الصحية طويلة الأمد، وهناك آليات معقولة لتفسير ذلك”.
وأضافت: “من خلال مقارنة الأفراد المعرضين وغير المعرضين لتقنين السكر في مراحل الحمل والطفولة المبكرة، لوحظ تأثير كبير”.
نشرت الدراسة في مجلة Science.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: استهلاک السکر ضغط الدم
إقرأ أيضاً:
تعاقب الأجيال
قبل منتصف القرن العشرين، كان مفهوم تعاقب الأجيال بسيطًا ومحدودًا في ثلاث مراحل عمرية رئيسية هي: الطفولة، والشباب، والكهولة. لم يكن الناس بحاجة إلى مزيد من التفاصيل لتوصيف الفوارق بينهم، فالحياة كانت أبطأ إيقاعًا، والقيم أكثر استقرارًا، والتغيرات أقل حدة. ومع تطور العلوم الإنسانية، خصوصًا علم الاجتماع، بدأت تتشكل نظرة جديدة للإنسان داخل مجتمعه، وبرزت الحاجة إلى تصنيفات أدقّ تعكس التحولات الثقافية والاجتماعية والقيمية التي باتت تميز كل جيل عن الآخر.
من هنا وُلدت فكرة تقسيم الأجيال وتسميتها، فظهرت مصطلحات باتت مألوفة اليوم مثل الجيل الصامت (من عشرينيات إلى أربعينيات القرن الماضي)، وجيل الطفرة السكانية في الخمسينيات، ثم جيل إكس في السبعينيات، وجيل الألفية في الثمانينيات، وجيل زد الذي نشأ في بدايات الألفية الجديدة، وهو الجيل الرقمي بامتياز الذي وُلد مع الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال، وأخيرًا جيل ألفا، أول جيل يولد كليًا في القرن الحادي والعشرين.
بهذا التدرج والمفهوم الجديد لفكرة التعاقب، لم تعد الأجيال مجرد فترات زمنية، بل أصبحت علامات تعكس ملامح الإنسان في كل مرحلة من مراحل تطوره الاجتماعي والثقافي. ومع ذلك، فإن هذه التسميات رغم انتشارها قد لا تعني الكثير في ظاهرها، وإنما هي رموزٌ تقريبية لفهم اختلاف الأزمان.
ما حثني على البحث في فكرة تعاقب الأجيال، ما قرأته وسمعته خلال الأسبوع الفائت من كثرة الحديث عن «صراع الأجيال أو الفجوة بين الأجيال» والعلاقات المعقدة بين جيل وآخر، مع تركيز لافت على جيل التقنية جيل زد الذي أصبح محور الأحاديث والتحليلات في ميادين السياسة والاقتصاد والصحة وعلم النفس حيث بات يُنظر إلى هذا الجيل بوصفه جيلًا استثنائيًا نشأ في قلب الثورة التقنية، حيث الإنترنت بين يديه منذ الطفولة، والشاشات جزء من تفاصيل حياته اليومية، والمعلومة تصل إليه قبل أن يبحث عنها. غير أن هذه الميزة الرقمية التي ميزت ذلك الجيل جاءت بثمنٍ باهظ؛ فجيل زد، رغم وعيه وسرعته في التعلّم والتكيّف، يُتّهم بالانعزال وضعف التواصل الواقعي، وكثرة التقلّب في المواقف والاهتمامات، والانشغال المفرط بصورته على المنصّات الاجتماعية. وفي بيئة العمل، يُقدَّم على أنه جيل طموح يبحث عن التوازن بين الحياة والمهنة، لكنه لا يحتمل الروتين ولا يؤمن بالولاء المؤسسي الطويل. أما في الأسرة، فهو أقرب للتعبير عن مشاعره لكنه أكثر عرضة للقلق والاكتئاب.
قد أتفق مع كثير من هذا التوصيف النظري لسمات ذلك الجيل وما يُقال عن مميزاته وعيوبه، لكنني أرى الصورة من زاوية مختلفة، أقرب إلى الواقع منها إلى الورق. فأنا لا أكتب عن هذا الجيل بصفتي قارئًا أو محللًا فقط، بل بصفتي أبًا يعيش بينهم ويلاحظهم يومًا بيوم. بعض أبنائي من هذه الفئة، وأزعم بثقة أنني أصبحت خبيرًا بهم من واقع التجربة لا من التنظير. وأقولها عن قناعة: هذا جيل قوي، يمتلك من الوعي والجرأة والقدرة على التعبير ما لم نكن نمتلكه في أعمارهم. جيل منفتح على العالم، لكنه في الوقت ذاته متمسك بالكثير من القيم والمعتقدات التي تمثل جذوره وهويته.
في رأيي، هم جيل أفضل من جيلنا في جوانب كثيرة، وقد يكونون كذلك أفضل حتى من الجيل القادم، جيل ألفا، الذي يبدو أكثر هشاشة أمام الإغراءات الرقمية وسرعة التغيّر في أنماط الحياة. حين أنظر إلى أبنائي أراهم امتدادًا لنا في مرحلة ما، حين كنا نُوصف ببساطة بأننا «جيل الشباب»، قبل أن تُنمط الأجيال وتُختزل في رموز وأحرف. كنا نختلف عن آبائنا في طموحاتنا وأسلوب حياتنا، تمامًا كما يختلف أبناؤنا عنا اليوم. إنها الدورة ذاتها التي تتكرر جيلاً بعد جيل؛ فجوةٌ تتسع وتتبدّل ملامحها، لكنها تظل جزءًا طبيعيًا من حركة الحياة، فجوة لا أظن أنها ستُردم يومًا، لأنها ببساطة ما يجعل لكل جيل صوته وملامحه الخاصة. وربما كان الأجدر بنا أن ننظر إلى تعاقب الأجيال لا بوصفه صراعا أو فجوة، بل كحوار متجدد بين زمنين؛ زمن يسلم خبرته وآماله، وزمن يلتقط الشعلة ليواصل المسير بطريقته الخاصة. فكل جيل يحمل في جوفه ما يميّزه، وما يكمل به من سبقه، وما يمهّد به لمن يأتي بعده.
عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»