واشنطن- بغض النظر عمّن سيفوز في انتخابات 2024، فهي انتخابات جعلها كل من الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، استثنائية بصورة يصعب تكرارها.

فالناتج عن هذه الانتخابات سيكون:

إما فوز نائبة الرئيس هاريس، لتصبح أول امرأة تشغل منصب رئيس الولايات المتحدة والقائد الأعلى لأكبر وأقوى جيش في العالم.

أو أن يفوز ترامب ويصبح ثاني رئيس في التاريخ يشغل المنصب لفترتين غير متتاليتين بعد الرئيس السابق جروفر كليفلاند، كما سيكون ترامب أول رئيس في التاريخ يفوز بعد إدانته جنائيا بارتكاب العديد من الجرائم الفدرالية وعلى مستوى الولايات.

وتتميز هذه الانتخابات عما سبقها من انتخابات تاريخية، حيث شهدت انسحاب رئيس حالي في البيت الأبيض من السعي لفترة حكم ثانية اضطرارا قبل 3 أشهر فقط من السباق، رغم فوزه بالانتخابات التمهيدية ونيله دعم مؤسسات الحزب الديمقراطي ومؤتمره العام.

وتقليديا، يتردد كل 4 سنوات أن الولايات المتحدة تشهد انتخابات تاريخية، وأنها الأهم في حياة المواطنين، لكن كثيرا من المؤرخين يعتبرون هذه الانتخابات الأهم منذ عام 1860 عندما تم انتخاب أبراهام لنكولن للرئاسة، ومن ثم اندلعت حربا أهلية استمرت لسنوات وأزهقت حياة مئات الآلاف من الأميركيين.

ويرجع الكثير من المعلقين تاريخية هذه الانتخابات إلى انسحاب بايدن، وخلفية هاريس، وطبيعة وإدانة ترامب.

انسحاب بايدن

في أبريل/نيسان 2023، أعلن الرئيس جو بايدن تدشين حملته الانتخابية لفترة حكم ثانية، وفاز بسهولة في انتخابات الولايات التمهيدية، ونال رسميا دعم حزبه في المؤتمر العام الذي انعقد بمدينة شيكاغو في أغسطس/آب الماضي.

ولكن تبعات المناظرة الرئاسية المبكرة التي واجه فيها بايدن خصمه ترامب في أواخر يونيو/حزيران الماضي، والتي شهدت أداء كارثيا، كشفت هشاشته الصحية والذهنية والعقلية بسبب تقدمه في العمر.

وعلى مدى شهور حاول الحزب الديمقراطي التستر على حالة بايدن العقلية والذهنية والتأكيد على لياقته للحكم 4 سنوات إضافية، إلا أن بايدن خذل الجميع مع استمرار تدهور حالته والوقوع في هفوات أثناء أحاديثه ولقاءاته.

وبعد أن خاض بايدن غمار السياسة الأميركية لما يزيد عن نصف قرن، انسحب من السباق في أواخر يوليو/تموز الماضي بعد أسابيع من الضغط من قادة حزبه، مؤيدا على الفور نائبته هاريس لتحل محله.

وصوّت مندوبو الحزب بما يشبه الإجماع، لتصبح مرشحة رسميا بعد عملية تصويت المندوبين عبر الإنترنت في أوائل أغسطس/آب، وهو ما اعتبر أمرا نادرا واستثنائيا، أن يتبادل المرشحون للرئاسة أدوارا معينة وسط السباق الانتخابي، وقبل 3 أشهر من الاقتراع العام.

خلفية هاريس

يعد ترشح كامالا هاريس للرئاسة ووصولها للخطوة الأخيرة في السباق بهذه السرعة والسهولة أمرا تاريخيا في حد ذاته، فهذه السيدة السوداء المولودة لأم مهاجرة من أقلية التاميل الهندية، وأب من جزيرة جامايكا في البحر الكاريبي، تمثل ما تعكسه التغيرات السكانية التي تعصف بالولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، والتي يتراجع معها نسبة المواطنين البيض على حساب المهاجرين الملونين.

وإذا فازت هاريس، فستكسر الحواجز الباقية أمام حق النساء في التصويت منذ عشرينيات القرن الماضي وصولا لانتخاب سيدة سوداء ذات أصول هندية جامايكية لارتقاء المنصب الأعلى والأهم في النظام السياسي الأميركي. لكن، ومن الجدير بالذكر، أن هاريس نفسها لم تجعل من عرقها أو جنسها نقطة محورية في حملتها الانتخابية.

وبسبب طبيعة الحزب الديمقراطي الصارمة وغير الديمقراطية، لم تتعرض هاريس لأي تنافس من قادة الحزب ممن لهم طموحات رئاسية، واختاروا الانتظار للدورات المقبلة، خاصة أنهم لا يزالون صغارا بالمعايير الأميركية، مثل حكام ولايات كاليفورنيا، وميشيغان، وأريزونا، وبنسلفانيا.

وقبل أيام، وجّه سؤال لهاريس عن رأيها في التاريخ الذي قد تصنعه، فأجابت بالقول "أنا مدركة تماما لجنسي وعرقي، وأنا أعلم أنه سيكون مهما للغاية لكسر الكثير من القيود، لكنني لا أتوقع أن يصوت لي أي شخص بسبب جنسي أو عرقي، يجب أن يكون ذلك لأنني أكسب أصواتهم بخطة لجعل حياتهم أفضل".

لكن وفي الواقع، ينتظر ملايين الأميركيين، ومليارات البشر حول العالم، وبشغف، إذا ما كانت هاريس ستستطيع التغلب على قيود التاريخ وكسر التقاليد والوصول للبيت الأبيض.

خصوصية ترامب

تمثل محاولة ترامب الثالثة لدخول البيت الأبيض قصة تاريخية في حد ذاتها، بعدما نجح عام 2016 وفشل عام 2020، وهو الذي جاء مكسرا ومطيحا بكل قواعد التقاليد السياسة الأميركية الراسخة، ونجح في السيطرة المطلقة على الحزب الجمهوري، ولم يكترث مناصروه بمن تحدّوهم في الانتخابات التمهيدية، مع اتفاق أغلبيتهم على أن انتخابات 2020 قد تمت سرقتها منه ومنهم.

ومنذ خروجه من البيت البيض يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، واجه ترامب سيلا من الاتهامات الجنائية، أسفرت إحداها عن حكم بالإدانة من قبل هيئة محلفين في ولاية نيويورك بتهمة تزوير السجلات التجارية فيما يتعلق بمدفوعات مالية سرية لنجمة أفلام إباحية في الأيام الأخيرة من حملة عام 2016، بينما يقول ترامب إنه بريء وقرر استئناف الحكم.

وبعد إعلانه الترشح لانتخابات 2024، واجه ترامب انتخابات تمهيدية داخل الحزب الجمهوري مع أكثر من 10 منافسين، بمن فيهم نائبه السابق مايك بنس، لكن معظمهم انسحبوا قبل المؤتمر الحزبي الذي شهدته مدينة ميلواكي بولاية ويسكونسن في يوليو/تموز الماضي.

وقبل قبول ترشحه رسميا بيومين، نجا ترامب من محاولة اغتيال في ولاية بنسلفانيا بعد إطلاق النار عليه وإصابته في أذنه، وبعد إفشال محاولة اغتيال ثانية خارج منتجع الغولف الخاص به في ولاية فلوريدا، اعتبر الملايين من أنصاره أن هناك "رعاية إلهية تحمي وتبارك مرشحهم".

وإذا استطاع ترامب النجاح، فسيكون أول رئيس سابق يفوز بولاية ثانية غير متتالية، بعد جروفر كليفلاند الذي حكم فترتين منفصلتين، الأولى بين عامي 1885 و1889 ثم 1893-1897، وسيعتبر أنصاره أنه جاء بمشيئة إلهية أيضا.

وهكذا، وبغض النظر عن هوية الفائز في انتخابات الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فإنه سيتم كتابة فصل جديد غير مسبوق من التاريخ الأميركي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هذه الانتخابات

إقرأ أيضاً:

بولتون الذي تجاوزه التاريخ يواصل دعم دعاية البوليساريو

زنقة 20 | متابعة

عاد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في عهد إدارة دونالد ترامب، إلى واجهة النقاش السياسي الدولي بموقف لافت يعيد فيه تأييده لجبهة البوليساريو والجزائر، في وقت تحظى فيه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية بدعم 116 دولة عبر العالم.

وفي مقال رأي نشره مؤخرًا، جدّد بولتون دعوته إلى تنظيم استفتاء لتقرير مصير سكان الصحراء، مستندًا إلى القرار الأممي 690 الصادر عام 1991، الذي أسس لبعثة المينورسو.

واعتبر بولتون أن هذا المسار هو السبيل الأنسب لتسوية النزاع، محذرًا من “تنامي النفوذ الروسي والصيني في منطقة غرب إفريقيا” في حال استمرت الولايات المتحدة في دعم الموقف المغربي.

وفي دفاعه عن البوليساريو، رفض بولتون الاتهامات التي تربط الجبهة بالإرهاب أو بالتعاون مع إيران، مشيرًا إلى تقارير نشرتها صحيفة واشنطن بوست ومصادر أخرى تؤكد نفي كل من الحكومة السورية والبوليساريو لأي علاقة بميليشيات أجنبية دربتها طهران في سوريا.

كما أشار إلى أن هذه “الدعاية”، على حد وصفه، قد أثرت في بعض المشرّعين الأمريكيين، مثل الجمهوري جو ويلسون، الذي قدّم مشروع قانون يصنّف البوليساريو كمنظمة إرهابية.

وأضاف بولتون أن “الصحراويين لم يكونوا يومًا عرضة للتطرف”، معتبرًا أن ربطهم بالدعاية الشيعية الإيرانية لا يستند إلى وقائع، خاصة في ظل وجود طويل الأمد للمنظمات الدينية والمدنية الأمريكية في مخيمات تندوف، والتي تقدّم خدمات إنسانية وتعليمية.

وتجاهل بولتون الوقائع الأمنية التي تشير إلى صورة مغايرة، حيث كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت، في أكتوبر 2019، عن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى القبض على الإرهابي عدنان أبو وليد الصحراوي، وهو عضو سابق في البوليساريو، انضم لاحقًا إلى داعش وقاد عمليات دامية في منطقة الساحل.

كما ذكر روبرت جرينواي، مدير مركز أليسون للأمن القومي التابع لمؤسسة “هيريتيج” المحافظة، بأن جبهة البوليساريو كانت مسؤولة عن مقتل 5 مواطنين أمريكيين في هجوم وقع عام 1988، وهو ما يعزز المطالبات داخل الكونغرس بتصنيفها ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية.

وتأتي مواقف بولتون هذه رغم اعتراف إدارة ترامب، في ديسمبر 2020، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو القرار الذي سبق أن انتقده بولتون بشدة، معتبراً أنه “تخلى عن مسار الشرعية الدولية”.

ويُشار إلى أن دعوة بولتون لإجراء استفتاء تأتي في ظل واقع دولي جديد، حيث تخلت الأمم المتحدة رسميا عن هذا الخيار منذ أوائل الألفية الثالثة، في عهد الأمين العام الأسبق كوفي عنان، الذي قرر حل اللجنة المكلفة بتحديد المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء، لعدم توافق الأطراف.

مقالات مشابهة

  • الجيل الديمقراطي ينظم صالونًا سياسيًا بعنوان «تحديات الانتخابات البرلمانية 2025»
  • دورات انتخابية متلاحقة.. ومقعد الثقة ما زال شاغراً
  • استطلاع جديد يكشف: كامالا هاريس ليست الخيار الأول للديمقراطيين في سباق الرئاسة 2028
  • إعلام تركي: الحزب الحاكم يدرس ترشيح أردوغان لولاية رئاسية ثالثة
  • الزوبية: لايمكن إقامة انتخابات رئاسية بدون دستور  
  • أول تعليق من بايدن حول إصابته بالسرطان
  • رئيس حزب الإصلاح والنهضة يجتمع بلجنة إدارة الانتخابات لمتابعة الاستعدادات البرلمانية
  • بولتون الذي تجاوزه التاريخ يواصل دعم دعاية البوليساريو
  • الخولي: مستقبل وطن مستعد دائما لخوض الانتخابات البرلمانية بخطة منهجية
  • القرار العراقي في أتون انتخابات متعثرة