حسن القصبي: السيرة النبوية تطبيق عملي لأوامر الله عزّ وجلَّ في شخص النبي
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
قال د. حسن القصبي، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، إن السيرة النبوية ليست سردًا تاريخياً تؤخذ منه العبر والعظات، وإنما هي تجسيد عملي لما جاء به النبي ﷺ عن الله عزّ وجلَّ، فهي تطبيق عملي لأوامر الله عزّ وجلَّ في شخص النبي محمد ﷺ، وترسخ في الأذهان ما جاء على لسان النبي ﷺ وما جاء في القرآن الكريم، كما أنها توضح لنا كيف نطبق الأوامر والمعاملات والأحكام، وهي بمفهومها الدقيق تجسيد عملي لحياة النبي ﷺ انطلاقاً من القرآن الكريم ومما أخبر به رسولنا الكريم ﷺ عن الله عز وجل.
وشدد القصبي، خلال الملتقى الأول للسيرة النبوية الذي عقده الجامع الأزهر، على ضرورة الالتفات إلى السيرة النبوية، لأنه أمر واجب كالالتفات إلى السنة النبوية والقرآن الكريم لأنها تجسيد عملي به تقوم المجتمعات وتتقدم وتزدهر، مبينًا أن دراسة السيرة النبوية تساعد على فهم شخصية النبي ﷺ، وأن ما جاء به وحي من عند الله سبحانه وتعالى، مؤكدًا على أنها تقدم للفرد القدوة في جميع الأحوال والحركات والسكون، والأفعال والآداب، والمعاملات والأخلاق من رسول اللّه ﷺ في جميع تعاملات الحياة وفي شتى مجالاتها.
وأضاف أن السيرة النبوية تعين على فهم كتاب الله عزّ وجلَّ، حيث أشار القرآن الكريم إشارة وتلميحاً فقط إلى الغزوات التي قام بها النبي ﷺ، لكن التفصيل جاء في سيرة النبي محمد ﷺ، وعلى من يريد أن يحصل على أكبر قدر من الثقافة في جميع المجالات والأحكام، والعقيدة والأخلاق، والآداب والمعاملات عليه أن يبحث في سيرته ﷺ لينهل منها الكثير.
وختم حديثه بأنه يمكننا أن نستقي من السيرة النبوية بأن نأخذ من أصولها ومصادرها الصحيحة وهي: القرآن الكريم الذي ذكر لنا أحوال النبي ﷺ، ومن أحاديث رسولنا الكريم ﷺ، التي كان يتلفظ بها، وكانت فيها الأحكام والأخلاق والآداب، فهذا مصدر قوي نأخذ منه سيرته ﷺ، كما يمكننا أن نستقي مما نقله صحابة رسول الله ﷺ الذين عايشوه في حياته وفى غزواته.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السیرة النبویة القرآن الکریم النبی ﷺ الله عز
إقرأ أيضاً:
الحكمة من مشروعية الرفق ودعاؤه بالأحاديث النبوية
الرفق.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الرفق خلق جميل حثَّ عليه الإسلام ورغَّبَ فيه أتباعه ودعاهم للتمسك به، وهو خلق ينشر بين الناس المحبة، ويوثق بينهم الأواصر والروابط، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» رواه البخاري.
حكم الرفق:ومن حكمة الله البالغة أن جعل الرفق قرينًا للتشريعات والعبادات، وهو ما جعل الفقهاء يقررون قاعدة "المشقة تجلب التيسير"، ونضرب مثلًا على ذلك بقوله تعالى في أحكام القصاص في القتل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178]، فعلى االرغم من بشاعة الجريمة وعِظَمِ وقعها على نفس أهل القتيل، فإنَّ الله تعالى بعد أن قرَّرَ عقوبة القصاص، سمح بالعفو عنه، ووجَّه إلى اتِّباعه.
الرفق:
وعند وقوع المشقَّة في أداء عبادة من العبادات نجد التشريع الإسلامي جاهزًا بالبديل الذي يخفِّفُ من أداء العبادة أو يعفو عن أدائها؛ يقول تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]، وقال عن صيام شهر رمضان: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].
وقد كان في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين مدد فيَّاض بمظاهر الرِّفق واللِّين في المعاملة حتى مع غير المسلمين، فهو الذي قال الله سبحانه وتعالى في حقِّهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
الرفق في الأحاديث النبوية:
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ: «فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» رواه البخاري.
وقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» رواه مسلم.
وكان من توجيهه صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم، يقول الإمام النووي: [وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» عامٌّ في كل قتيل من الذبائح، والقتل قصاصًا، وفي حدٍّ ونحو ذلك. وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام] اهـ.
وكان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» رواه مسلم.
الرفق
إدراك هذه المعاني المتعلقة بالرفق يجعل منه سمتًا عامًّا في شخصيَّةِ المسلم، ومختلف أحواله وما يتعرض له من مواقف، فالرِّفق مطلوب في كل أمورنا، سواء مع النفس، حتى يقدر المرء على سياستها وترويضها من أجل تأهيلها لطاعة الله وتحمل الصعاب والمشاقِّ والرضا بقضائه وقدره سبحانه وتعالى؛ قال تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، أم مع الآخرين؛ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال جل شأنه: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْـحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]، وذلك كالرفق في التعامل مع الفقراء
الرفق بالمحتاجين والضعفاء
كما أرشدنا الله تعالى بقوله عن صفات الأبرار: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]، والرفق في التعامل مع الناس كافة كما ورد في الأدلة السابقة، بل إن الله سبحانه وتعالى حين أرسل سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام إلى فرعون قال لهما: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44].