عندما نطوي عامًا في رحلة أعمارنا القصيرة، فإنه يمضي بذكرياته الأليمة وتفاصيله البائسة ومشاهده العبثية، بانتظار سنةٍ أخرى جديدة، تحمل في طياتها تحقيق آمال وطموحات.. لكنها تظل معلقة بتصحيح المسار وعدم تكرار أخطاء الماضي.
على امتداد سنوات طويلة، كنا نعتقد أننا اقتربنا كثيرًا من فَهْم المعنى الحقيقي للحياة، لكن الواقع البائس، الذي يستعصي على الإدراك، أثبت يقينًا أن نظرتنا ستظل قاصرة، خصوصًا عندما تحاصرنا أفكار سلبية من كافة الاتجاهات، مصحوبة بهبوط حادٍّ في الروح المعنوية.
ورغم أن الحياة تستمر دائمًا، بأوجاعها ومراراتها وقسوتها، ولا تقف لأحدٍ أو عند أحدٍ، إلا أن الكثيرين يخشَوْنَ التقدم في العمر، وهم في ذلك ربما لا يُدركون أن العُمر لا يُقاس بعدِّ السنين، ولكن بعدَّاد المشاعر، وعليهم أن يعيشوا دائمًا بدوافع متجددة، والابتعاد عن الانزواء مع الأفكار المُحْبِطة أو مخالطة المُحْبِطين.
وبما أن العمر ليس سوى مجرد رقم، فإن لكل سنٍّ حكمها وتجاربها.. وفوائدها أيضًا، خصوصًا حين يُدرك الإنسان ـ ولو متأخرًا ـ مدى رغبته في تحقيق ما لم يستطع إنجازه، على مدار أعوام فائتة، واختباره أشياء جديدة، لم تتوفر له فيما مضى من عمره.
لذلك، عندما يتقدم الإنسان في العمر، تنضج خبراته الحياتية بشكلٍ كافٍ، بعد تراكم الذكريات بـ«حلوها ومرها»، ليكتشف بسهولة، كم أن الحياة قصيرة، ولا تستحق كل ما يفعله من أجلها، وعليه أن يحاول جاهدًا الاستفادة منها، بتأمل محطاتٍ لم يستغلها في حياته، وأمنيات لم يحققها يومًا ما.
نتصور أن كل مرحلة من مراحل العُمر، تكون مختلفة في تفاصيلها عمَّا سبقتها من مرحَلَتي «ليس بالإمكان»، و«لو كنتُ أستطيع»، خصوصًا عندما تُلقي بظلالها على الصحة العامة، والفكر والسلوك، والأولويات، أو قابلية المرونة والتغيير، وكذلك القدرة على مواجهة أعباء الحياة، وتحويل الغضب إلى طاقة إيجابية.
اللافت أنه بين فترة وأخرى، ينتاب الإنسان شعور بأن كل شيئ حوله توقف، أو انتهى تمامًا، لكن ذلك الإحساس ربما يكون بداية حقيقية لمرحلة جديدة من حياته، خصوصًا أن قسوة الأيام ومرارتها لن تستمر إلى الأبد.
وبما أن كل مرحلة في العُمْر، تحمل أبعادًا إنسانية واجتماعية وسلوكية مختلفة، إلا أن «السعادة» كمعنى وحالة، تظل أجمل غاية قد يحققها الإنسان، لأنها أهم وأثمن الكنوز، رغم تشابك مفهومها المعقد مع القناعة والرضا والرفاهية.
أخيرًا.. يظل الإنسان نابضًا بالحيوية والشباب، طالما لديه القدرة على أن يحلُم، لكنه يتداعى بالشيخوخة عندما يبدأ مرحلة استحضار الذكريات، وهنا يجب النظر إلى ما مرَّ من العمر، من زاويةٍ أكثر تفاؤلًا، بأنه مجرد رقم، أو بداياتٍ فقط لما هو آتٍ، حتى لا نشعر ببلادة الوقت، ونعيش مرحلة شيخوخةٍ مبكرةٍ، لا علاج لها سوى انتظار الموت.
فصل الخطاب:
يقول «جبران خليل جبران»: «أجمل ما في التقدم بالعمر، أنه كلما كبرت عامًا يجعلك تستصغر أمورًا كثيرة كانت تستهلك طاقتك ومشاعرك يومًا ما، وأن النضوج يجعلك تُعيد ترتيب الأشياء».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مراحل العمر مفهوم السعادة محمود زاهر عيد ميلاد سعيد انتظار الموت ترتيب الأولويات قسوة الأيام خصوص ا
إقرأ أيضاً:
البكوش: حديث المنفي والدبيبة عن استفتاء مجرد شعارات غير قابلة للتنفيذ
ليبيا – البكوش: بيان المنفي والدبيبة يبدو جيدًا نظريًا لكنه لا يعكس إرادة تنفيذية حقيقية
تشكيك في جدية المقترحات الأخيرة
قال المستشار السياسي السابق بالمجلس الأعلى للدولة، صلاح البكوش، إن ما تضمنه اجتماع رئيس حكومة “الوحدة” عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، من نقاط يبدو جيدًا من حيث المبدأ، إلا أن التجربة في ليبيا تُثبت أن الأقوال لا تترجم عادةً إلى أفعال.
الاستفتاء المقترح غير قابل للتنفيذ ضمن الإطار الزمني المحدد
وفي تصريح لقناة “ليبيا الأحرار” التي تبث من تركيا، وتابعته صحيفة المرصد، أشار البكوش إلى أن المقترح المتعلق بإجراء استفتاء بحلول 30 يوليو المقبل لا يعكس دراية كافية بكيفية تنفيذ مثل هذه الإجراءات المعقدة، مؤكدًا أن العملية تحتاج على الأقل إلى ستة أشهر، ما يجعل المقترح غير واقعي.
المجلس الرئاسي عاجز عن أداء مهامه
وأوضح البكوش أن المجلس الرئاسي نفسه أعلن عن تشكيل مفوضية للاستفتاء منذ قرابة عام، وعيّن لها مجلس إدارة، لكنها لم تنجز أي عمل حتى الآن، مضيفًا أن المجلس الرئاسي كُلف منذ عام 2021 بمهمة المصالحة الوطنية، لكنها لم تتحقق حتى اللحظة، ما يؤشر إلى غياب الجدية.
انقسام داخل المجلس الرئاسي وتغييب للأعضاء
وأبدى تساؤله حول مدى توافق أعضاء المجلس الرئاسي على هذه المبادرات، خاصة في ظل غياب عضوي المجلس موسى الكوني وعبدالله اللافي عن الاجتماع، مؤكدًا أن قرارات تصدر باسم المجلس دون وضوح حول آلية اعتمادها الجماعي.
الملف الأمني بيد الرئاسي والدبيبة
ولفت إلى أن معالجة الملف الأمني تقع ضمن اختصاص المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، ووزارة الدفاع التي يرأسها الدبيبة، إلى جانب رئاسة الأركان بقيادة محمد الحداد، موضحًا أن أي خلل في هذا الملف يُعد مسؤولية مباشرة لهذه الأطراف.
غياب الإرادة السياسية الواضحة
وختم البكوش تصريحه بالتأكيد على أن “الجميع موجود على الطاولة”، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل هناك إرادة سياسية فعلية وخطة واضحة لتنفيذ ما تم الترويج له؟ أم أن الأمر سيبقى حبيس التصريحات كما كان في السابق؟