قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنها حصلت على وثائق داخلية من شركة غوغل، تُظهر مخاوف محامي ومستشاري وموظفي الشركة من أن يؤدي "مشروع نيمبوس" الذي أبرمته مع الحكومة والجيش الإسرائيليين قبل أكثر من 3 سنوات إلى استخدام تقنياتها في انتهاك حقوق الإنسان، وما قد يُلحقه ذلك من أضرار بسمعتها، لكن ذلك لم يُثنها عن المضي قُدما في المشروع.

وذكرت الصحيفة في تقرير لمراسلها في سان فرانسيسكو، نيكو غرانت، أن الصفقة تعود إلى مايو/ أيار 2021 عندما أعلنت غوغل موافقتها على المشاركة في عقد مع الحكومة والجيش الإسرائيليين لتقديم خدمات حوسبة سحابية بقيمة 1.2 مليار دولار، وأعلنت حينها أنها "سعيدة باختيارها للمساعدة في التحول الرقمي" في إسرائيل.

لكن قبل 4 أشهر من ذلك الإعلان، كان المسؤولون في الشركة قد شعروا بالقلق من أن توقيع الصفقة التي أُطلق عليها "مشروع نيمبوس" سيضر بسمعتها، وفقا لتوصيات وجّهها محامون ومستشارون إلى المديرين التنفيذيين في غوغل.

مع ذلك، استمرت الشركة في الدفاع عن المشروع باعتباره موجها للاستخدامات المدنية، مما يعكس -وفق تعبير الكاتب- التحديات التي تواجهها الشركة في تحقيق التوازن بين التوسع التجاري والمسؤولية الأخلاقية.

إعلان مخاطر الصفقة

أوضح التقرير أن محامي غوغل وموظفي فريق السياسات بالشركة ومستشارين خارجيين – طُلب منهم تقييم مخاطر الصفقة – أكدوا أنه نظرا لوجود "عملاء حساسين" مثل وزارة الدفاع الإسرائيلية وجهاز الأمن الإسرائيلي في العقد، فإن "خدمات غوغل السحابية يمكن استخدامها أو ربطها بتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية".

وتُظهر الوثائق التي يُكشف عنها لأول مرة، أنه بالرغم من دفاع غوغل في العلن عن "مشروع نيمبوس" على مدار السنوات الثلاث الماضية، إلا أن الشركة كان لديها مخاوف بشأن الصفقة، وهي المخاوف ذاتها التي عبّر عنها موظفو غوغل في فترة سابقة، معتبرين أن العقد يجرّ غوغل إلى التورط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وأشار الكاتب إلى أن الوثائق تقدم نظرة جديدة حول تقييم عملاق التكنولوجيا للعقد الذي تم الترويج له كبوابة دخول إلى سوق الحوسبة السحابية في إسرائيل، فرغم أن قيمة الصفقة كانت ضئيلة مقارنة بمبيعات الشركة في 2021 التي بلغت 258 مليار دولار، فإنها شكّلت عقدا مهمّا لقسم الحوسبة في غوغل في ظل المنافسة مع أمازون ومايكروسوفت (توفر أمازون أيضا خدمات حوسبة لإسرائيل بموجب "مشروع نيمبوس").

وتابع الكاتب أن الوثائق أظهرت أن غوغل زودت إسرائيل بالقدرات اللازمة لتشغيل التطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تكنولوجيا تحليل الصور ومقاطع الفيديو للكشف عن الأجسام، كما قدمت أيضا خدمات لتخزين وتحليل كميات كبيرة من البيانات، إلى جانب برامج أكثر بساطة مثل نظام غوغل لعقد المؤتمرات عبر الفيديو.

وقال الكاتب إن تلك الصفقة كانت مقدمة لمزيد من الشراكات بين عمالقة وادي السيليكون والجهات العسكرية والاستخباراتية، وضمن ذلك السياق منح البنتاغون في 2022 عقدا بقيمة 9 مليارات دولار لتوفير القدرات السحابية في الأنشطة الحربية لكل من غوغل وأمازون ومايكروسوفت وأوراكل.

إعلان

غير أن صفقة نيمبوس كانت مختلفة وأثارت جدلا داخل غوغل منذ توقيعها، وقد تفاقم الأمر مع بداية الحرب على غزة العام الماضي، واحتج عدد من موظفي الشركة على تورّط غوغل في الصراع، لكن المسؤولين قالوا إن مشروع "نيمبوس ليس موجها لأعمال ذات حساسية بالغة أو سرية أو عسكرية أو ذات صلة بالأسلحة أو أجهزة الاستخبارات".

من جهتها، قالت متحدثة باسم وزارة المالية الإسرائيلية في بيان إن "نيمبوس" سيساعد إسرائيل على ترسيخ مكانتها كقطب تكنولوجي رائد وتحسين الحياة اليومية للإسرائيليين، مضيفة أن استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي سيدعم التقنيات الجديدة والشركات الناشئة، ورفضت التعليق على استخدام الجيش الإسرائيلي لهذه التكنولوجيا.

معارضة الموظفين لـ"مشروع مافن" دفع شركة غوغل إلى وضع لائحة مبادئ حول مجالات الاستفادة من ذكائها الاصطناعي (رويترز) نقاشات حادة واحتجاجات

وذكر الكاتب أن منتديات غوغل الداخلية شهدت نقاشات حادة بين الموظفين حول الصفقة، وأن عددا من الموظفين نظّموا اعتصامات في مكتبين من مكاتب غوغل في أبريل/ نيسان الماضي، واعتقلت الشرطة 9 منهم، بينما فصلت الشركة حوالي 50 موظفا لمشاركتهم في الاحتجاجات.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، منعت الشركة الموظفين من كتابة رسائل دون إذن مسبق على اللوحات البيضاء أو تعليق أي لافتات في المكتب، وفقا لرسالة داخلية اطلعت عليها نيويورك تايمز. وقالت الشركة إنه سيتم إزالة اللافتات والملصقات والمواد التي لا تتعلق بأحداث ومبادرات ترعاها غوغل، أو تلك التي لا تسهم في توفير "بيئة آمنة ومنتجة"، مضيفة أنها قد تتخذ "إجراءات تصحيحية" بحق الموظفين.

ونقل الكاتب عن روبرتو غونزاليز، الأستاذ بجامعة سان خوسيه الذي كتب عن ارتباط شركات التكنولوجيا بالأنشطة العسكرية، قوله إن شركات التكنولوجيا الكبرى أصبحت تشعر براحة متزايدة في السنوات الثلاث الماضية تجاه عقد صفقات مع الجهات العسكرية والاستخباراتية.

إعلان

وأوضح غونزاليز أنه "في الآونة الأخيرة، برزت معارضة لهذا النوع من العقود، خاصة مع اندلاع الحرب في غزة والانتقادات الموجهة للجيش الإسرائيلي بشأن حقوق الإنسان".

عسكرة التكنولوجيا

وأكد الكاتب أن غوغل لها سوابق في معارضة موظفيها لما يعتقدون أنه عسكرة للتكنولوجيا، ففي عام 2018، احتج موظفو الشركة على "مشروع مافن"، وهو اتفاق لمساعدة البنتاغون في التعرف على الأشخاص من خلال مقاطع فيديو الطائرات المسيرة، وأوقفت غوغل هذا المشروع في العام التالي عندما انتهت مدة العقد.

وقد دفعت معارضة الموظفين لـ"مشروع مافن" شركة غوغل إلى وضع لائحة مبادئ حول مجالات الاستفادة من ذكائها الاصطناعي، وتضمنت اللائحة عدم استخدام تقنيات الشركة لدعم الأسلحة أو المراقبة أو انتهاكات حقوق الإنسان.

وذكر الكاتب أن مستشاري غوغل اقترحوا قبل 3 أشهر من توقيع "مشروع نيمبوس"، حظر بيع واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي الخاصة بالشركة للجيش الإسرائيلي وغيره من العملاء الذين يعملون في مجالات حساسة، وقد طبقت غوغل هذا النهج في تعاملها مع الدول الأخرى لكنها لم تطبّقه مع إسرائيل وفقا للوثائق التي حصلت عليها "نيويورك تايمز".

وقالت المتحدثة باسم غوغل إن الشركة "فخورة بأن لديها عددا كبيرا من عملاء الخدمات السحابية في القطاع العام حول العالم"، وإنها اتبعت "نهجا موحدا لمراجعة هذه العقود وإبرامها"، بما في ذلك الامتثال للوائح استخدام الذكاء الاصطناعي وسياسات الشركة الأخرى.

الخبراء يرون أن شركات التكنولوجيا الكبرى أصبحت تشعر براحة متزايدة في السنوات الثلاث الماضية تجاه عقد صفقات مع الجهات العسكرية والاستخباراتية (رويترز) توصيات بلا تطبيق

وتُظهر الوثائق أن غوغل استعانت بشركة استشارات حقوق الإنسان التابعة لها، وهي شركة "بيزنس فور سوشل ريسبونسابليتي"، أثناء مضيها قدما في "مشروع نيمبوس"، وقد قدمت الشركة توصية لغوغل بعدم تزويد الجيش الإسرائيلي بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

إعلان

كما تكشف الوثائق عن مخاوف المستشارين من أن غوغل قد لا يكون لديها فهم كافٍ لكيفية استخدام عملائها الإسرائيليين لتقنيات نيمبوس، وأوصوا بأن تبذل الشركة "العناية الواجبة" لضمان استخدام الخدمات على النحو المنشود.

كما أوصت الشركة الاستشارية بأن تدمج غوغل لائحة مبادئ استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن العقد، بما من شأنه أن يُلزم إسرائيل بعدم استخدام نيمبوس للمراقبة أو في العمليات المسلحة أو إلحاق الضرر بالآخرين.

لكن غوغل لم تحصل على مثل هذا الالتزام من الحكومة الإسرائيلية -وفقا للوثائق- بينما ورد في العقد أن غوغل لها الحق في وقف التعامل مع العملاء إذا انتهكوا شروط الخدمة وسياسة الاستخدام، التي تحظر على العملاء استخدام التكنولوجيا لتقويض الحقوق القانونية للأفراد أو خرق القانون أو نشر فيروسات الحاسوب.

وبموجب شروط الصفقة، تتوقع غوغل الحصول على 525 مليون دولار من وزارة الدفاع الإسرائيلية بين عامي 2021 و2028، مقابل 208 ملايين دولار من الحكومة الإسرائيلية.

ويرى غونزاليز أن غوغل أثبتت لهذا النوع من العملاء أنها "منفتحة على التعاون، وأن مخاوف الموظفين أو احتجاجاتهم لن تقف عائقا أمام الشركة في إبرام مثل هذه الصفقات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی نیویورک تایمز مشروع نیمبوس حقوق الإنسان الشرکة فی الکاتب أن غوغل فی أن غوغل

إقرأ أيضاً:

إيران تصدر أحكاما بالسجن على فرنسيين بتهمة التخابر لصالح إسرائيل وفرنسا

أصدرت السلطات القضائية الإيرانية، اليوم الثلاثاء، أحكاما مطوّلة بالسجن على مواطنين فرنسيين اثنين، بعد إدانتهما بتهم خطرة، أبرزها التجسس لصالح إسرائيل وفرنسا والتآمر على الأمن القومي الإيراني، وذلك وفق ما أفاد به موقع "ميزان أونلاين" التابع للسلطة القضائية في إيران.

وتم اعتقال الفرنسيين في مارس/آذار 2023 دون الكشف عن هويتهما رسميا، لكن مصادر مطلعة على القضية أكدت للصحافة الفرنسية "أن الأمر يتعلق بجاك باري (72 عاما) وسيسيل كولير (40 عاما).

وسبق أن اعتقل باري وكولير في 7 مايو/أيار 2022 في ختام عطلتهما داخل إيران، وهما يواجهان الآن اتهامات بالتجسس لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي.

ورغم المخاوف الأولية من إمكانية صدور حكم بالإعدام عليهما، فإن المحكمة قضت بالسجن لفترات طويلة، حيث جاءت الأحكام كالآتي:

المتهم الأول:

6 سنوات بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات الفرنسية. 5 سنوات بتهمة التآمر لارتكاب جرائم ضد الأمن القومي. 20 عاما في المنفى بتهمة التعاون الاستخباري مع "النظام الصهيوني".

المتهم الثاني:

10 سنوات بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات الفرنسية. 5 سنوات بتهمة التآمر ضد الأمن القومي. 17 سنة بتهمة المساعدة في التعاون الاستخباري مع إسرائيل.

ويُطبق النظام القضائي الإيراني مبدأ الإدغام، ما يعني أن العقوبة الأشد فقط هي التي تُنفذ فعليا، بينما تبقى بقية الأحكام رمزية. وأفاد موقع "ميزان أونلاين" أن المحكومين لديهما مهلة 20 يوما لاستئناف الأحكام.

بدورها، امتنعت وزارة الخارجية الفرنسية عن التعليق عما إذا كانت الأحكام المعلنة تخص باري وكولير، أم تخص فرنسيين آخرين.

لافتات عليها صورتا سيسيل كولير وجاك باريس على سياج الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس (الفرنسية)تلميحات إلى تبادل محتمل

ويأتي الإعلان عن الأحكام بعد أكثر من شهر على تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، التي كشف فيها عن تقدم كبير في مفاوضات تبادل سجناء مع فرنسا.

إعلان

وأوضح عراقجي أن الاتفاق شبه منجز، ويتضمن إطلاق سراح فرنسيين معتقلين في إيران، مقابل الإفراج عن مهديه إسفندياري، وهي مواطنة إيرانية أوقفتها السلطات الفرنسية في فبراير/شباط الماضي بتهمة "التحريض على الإرهاب" عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعتبر طهران توقيف إسفندياري "اعتقالا تعسفيا"، في حين رفعت فرنسا قضيتها إلى محكمة العدل الدولية في وقت سابق من هذا العام، متهمة إيران بانتهاك اتفاقية فيينا بشأن الوصول القنصلي. لكن باريس سحبت القضية لاحقا عقب تصريحات عراقجي عن قرب التوصل لاتفاق تبادل.

وفي سياق متصل، أفرجت طهران، الأسبوع الماضي، عن المواطن الفرنسي-الألماني لينارت مونتيرلوس (19 عاما)، الذي أوقف في 16 يونيو/حزيران الماضي في بندر عباس، جنوبي إيران بتهمة التجسس، أثناء توجهه نحو الحدود الأفغانية.

مقالات مشابهة

  • نيويورك تايمز: إدارة ترامب تفوض سي آي إيه بعمليات سرية في فنزويلا
  • نيويورك تايمز: حرب ترامب التجارية مع الصين تغير المشهد الاقتصادي بالعالم
  • نيويورك تايمز: فرحة فلسطينية بالإفراج عن الأسرى وسط جراح الحرب الطويلة
  • الوزراء يوافق على إنشاء ميناء جاف بمنطقة العامرية لصالح الشركة الوطنية للتبريدات والتوريدات
  • إيران تصدر أحكاما بالسجن على فرنسيين بتهمة التخابر لصالح إسرائيل وفرنسا
  • إيران.. حكم بسجن فرنسيين مُدانين بالتجسس لصالح إسرائيل
  • تشمل 4700 طرد غذائي ضمن مشاريع قطر الخيرية.. مساعدات قطرية جديدة لصالح مئات الآلاف في غزة
  • موسكو تكشف حقيقة «تسمم الأسد».. الشرع: نعتزم استخدام الوسائل القانونية لملاحقته
  • الاتصالات: مشروع الشركة الوطنية مشروع سيوفر فرص عمل اعتباراً من شباط
  • نيويورك تايمز: هل تستطيع إسرائيل إصلاح علاقاتها مع الأميركيين؟