قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، في تصريحاته خلال مناقشات ميزانية البرلمان التركي، إن “إسرائيل تساهم في خلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة من خلال هجماتها في سوريا”.

وأكد أن هذه الهجمات تعكس بشكل واضح “عقلية الاحتلال” لإسرائيل، مشيرًا إلى أن تركيا لن تسمح ل‍ـ”منظمة بي كا كا/واي بي جي” الإرهابية الاستفادة من الفوضى في سوريا.

اقرأ أيضا

تم اتخاذ القرار.. “جسر جوي” من أوروبا إلى تركيا…

الجمعة 13 ديسمبر 2024

غولر أكد أن الجيش الوطني السوري حقق نجاحًا كبيرًا في مناطق تل رفعت، و جنوب الباب ومنبج، حيث أُجبر التنظيم الإرهابي على الانسحاب من تلك المناطق بعد العمليات العسكرية الناجحة.

وفيما يتعلق بالمستقبل السياسي لسوريا، شدد غولر على أن تركيا ستواصل جهودها من أجل ضمان انتقال سياسي آمن، قادر على حل القضايا الحالية في البلاد.

المصدر: تركيا الآن

كلمات دلالية: تركيا اخبار تركيا اسرائيل بي كا كا وزارة الدفاع التركية

إقرأ أيضاً:

هل تدفع حرب إيران وإسرائيل سوريا إلى بناء عقيدة دفاعية ذكية؟

قبل ساعات من اشتعال الحرب الإسرائيلية الإيرانية، اجتمع كبار قادة الجيش الإيراني في مبنى آمن في إحدى ضواحي طهران. كان من المفترض أن يكون الاجتماع روتينيا لتقييم مؤشرات التصعيد، لكن ما لم يعرفه الحاضرون هو أن المبنى تحت المراقبة وعلى وشك الاستهداف.

وفي ساعات الفجر، أصابت صواريخ دقيقة المكان الذي يضم رئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري ومساعديه، وعددا من القادة العملياتيين، فحوّلت غرفة القيادة إلى حفرة صامتة. وتزامن ذلك مع حملة اغتيالات طالت قائد الحرس الثوري حسين سلامي وعددا من المسؤولين الأمنيين والعلماء النوويين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تخرج إيران من طوق النيران أم تنزلق المنطقة في هاوية سحيقة؟list 2 of 2في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرائيلend of list

في لحظة واحدة، فقدت إيران عصبها القيادي، وتعطلت قنوات التنسيق بين وحدات الجيش والحرس، وانشغلت منظومة الردّ في تأكيد أخبار نجاة أو مقتل القادة بدل التخطيط لأي تحرك فعّال.

وقد كتب المُنظّر الإستراتيجي كولن غراي في أحد أشهر تأملاته أن "القيادة المركزية التي تُصاب في الضربة الأولى ليست ضحية الصاروخ، بل ضحية الغرور التنظيمي"، في إشارة إلى خطأ الدول التي تضع كل مفاتيح قرارها في غرفة واحدة، ثم تفترض أن الحرب ستمنحها وقتا لإعادة الترتيب.

أصابت صواريخ دقيقة المكان الذي يضم رئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري ومساعديه (الجزيرة)

وفي اليوم العاشر، جاء الدور على المنشآت النووية التي راهنت عليها طهران لتثبيت ميزان الردع. ثلاثة مواقع حساسة في عمق إيران تشمل مفاعلات نطنز وأراك وفوردو تعرضت لضربات أمريكية مباشرة.

لم يكن الهجوم سريًا أو موكلاً إلى حلفاء، بل جاء بإعلان رسمي من الرئيس ترامب، مما يمثل فصلًا جديدًا في الحرب، حيث انتقلت الولايات المتحدة من الدعم السياسي والاستخباري إلى الفعل العسكري الصريح. وكما جرت عملية إسرائيلية لشل القيادة في طهران فجر الحرب، نُفذت عملية أميركية للقضاء على المشروع النووي ومنعه من البقاء على قيد الحياة.

لم يكن ما حدث انتصارا لإسرائيل بقدر ما كان انكشافا لطبيعة الحرب الحديثة، ضربة دقيقة، تُطيح بالقيادة وتستهدف المواقع الاستراتيجية. والدرس الأثقل لا يخصّ طهران وحدها، بل يخصّ كل دولة قد تجد نفسها في مواجهة مشابهة.

وفي دمشق، حيث تتولى قيادة جديدة برئاسة أحمد الشرع مسؤولية إعادة تأسيس الدولة السورية من تحت ركام الحرب، تبرز المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية مرآةً يجب النظر فيها بعناية، إذ لا يمكن لسوريا الجديدة أن تستمد أمنها من محاكاة نماذج مهزومة، ولا أن تؤسس دفاعاتها على أوهام الاستعراض.

إعلان

فالحرب كشفت أن التماسك المؤسسي والجاهزية الفكرية والإستراتيجية أهم من وفرة الصواريخ أو خطابات التهديد. كما كشفت أن الخطابات الدبلوماسية، والمفاوضات، والجلسات الأممية، قد لا تعني منهجا إستراتيجيا يتبناه الغرب للاحتواء، بل قد تعني مرحلة تكتيكية تنتظر الظروف المناسبة لشن الهجمات المباغتة.

وصحيح أن في هذه الحرب دروس وعبر لدول كثيرة، إلا أن سوريا تبرز كمنوذج فتيّ تعرض في أيامه الأولى لهجمات إسرائيلية سعَت لرسم قواعد وخطوط اشتباك جديدة مفادها أن إسرائيل لن تتسامح بظهور أي مؤشر قد ترى فيه تهديدا، ولو في المستقبل على أمنها.

ضربة افتتاحية تسقط القيادة

من بين أبرز دروس المواجهة الإيرانية الإسرائيلية ذلك الذي تجلّى في الساعات الأولى من الصدمة: لم تستهدف إسرائيل منظومات الدفاع الجوي فحسب، بل ركزت على "العقول"، لا "العضلات".

فقد شملت الضربات الافتتاحية مقار القيادة والسيطرة، ومنازل القادة العسكريين، ومراكز الاتصال العملياتي للحرس الثوري، ما أحدث ضربة عميقة في جسد المنظومة القيادية وأربك الخطط الدفاعية الإيرانية.

إن هذا النمط من الضربات الاستباقية لا يستهدف فقط تقليل الفعالية العسكرية للخصم، بل يُحدث فجوة نفسية وتنظيمية تضرب في عمق البنية السياسية العسكرية، بهدف جعل طهران تحتاج إلى فترة لاستعادة توازنها المؤسسي، وقد حاول مرشد الثورة علي خامنئي سد الفراغ قدر الإمكان في اليوم ذاته عبر تعيين قادة بدلاء، لكن بعضهم تعرضوا للاستهداف مجددا خلال أقل من أربعة أيام.

بالنسبة لسوريا الجديدة التي لا تملك لا البنية المدنية ولا العسكرية الدفاعية بعد عقود من حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، فإن هذه التجربة تُمثِّل إنذارا واضحا لقيادة سوريا الجديدة: مركزية القيادة، رغم كونها مُغرية من حيث التحكم، تُعرض الدولة لشلل تام إذا ضُرب الرأس.

والقيادة التي تقوم على نمط مرن من القيادة الشبكية، التي تُوزّع الوظائف القيادية على وحدات مستقلة نسبيا، قادرة على مواصلة العمل في حال انهيار المركز. هذا لا يعني تفتيت القرار، بل ضمان استمراريته تحت الضغط.

حاول مرشد الثورة علي خامنئي سد الفراغ الذي تم إثر استهداف القادة العسكريين في اليوم ذاته عبر تعيين قادة بدلاء (الفرنسية) التوزيع والتمويه والتناوب

الضربات الإسرائيلية لم تقتصر على القيادات، بل امتدت إلى قواعد إطلاق الصواريخ، ومنشآت الطائرات بدون طيار، والمستودعات اللوجستية الكبرى، وهي بنية دشنتها إيران على مدار سنوات في قواعد معروفة وثابتة.

كانت الحسابات الإيرانية قائمة على الردع عبر الحشد والتهديد، لكن الحسابات الإسرائيلية كانت مختلفة تماما: ضربة واحدة مركّزة على النقاط الحساسة تكفي لتحييد خطر كبير.

وقد أظهرت هذه التجربة هشاشة الدفاع حين تتركز القدرات في مواقع رمزية أو إستراتيجية، دون أخذ سيناريو الضربة المباغتة بعين الاعتبار. فما ضُرِب لم يكن فقط مواقع عسكرية، بل كان تصوّرات إستراتيجية عن الردع، قوامها تراكم الأدوات في أماكن محددة.

وبالنسبة لسوريا ليس المطلوب امتلاك أدوات عسكرية ضخمة، بل أن تكون لديها القدرة على نشرها بطريقة تجعل ضربها كلها دفعة واحدة مستحيلا. التوزيع، والتمويه، والتناوب، والنشر المتنقل، هي مفردات مهمة يجدر أن يُنتبه لها في القاموس العسكري السوري، بدلا من التمركز الثابت الذي يغري العدو ويدمر الدفاع من الضربات الأولى.

لم تكن الضربات التي تلقتها إيران محصورة في الجانب الصلب من الحرب، بل رافقتها موجة من الهجمات السيبرانية (غيتي) صعود الحرب السيبرانية والمعلوماتية

لم تكن الضربات التي تلقتها إيران محصورة في الجانب الصلب من الحرب، بل رافقتها موجة من الهجمات السيبرانية، استهدفت أنظمة الاتصال، وبعض المنصات الإعلامية، ما زاد من ضبابية الموقف لدى الجمهور الإيراني، بل حتى لدى القيادات الميدانية.

إعلان

فالحرب الحديثة لم تعد فقط اشتباكا بين منصات إطلاق الصواريخ، بل هي صراع على المعلومات، وتدافع بين شبكات، حيث تتقدم الحرب السيبرانية والاستخباراتية لتضاهي في الأهمية ساحة المعركة.

في هذا السياق، من المهم أن تعي دول المنطقة وسوريا المستقبل ألا تهمل بناء قدرات الأمن السيبراني، ومواجهة التضليل، وتحصين شبكات القيادة والسيطرة، بل والتفكير في بنى مزدوجة يمكنها امتصاص الصدمة ثم مواصلة العمل.

كما أن أحد المسائل الهامة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، هي أهمية توافر الحساسية الأمنية العالية لدى قطاعات واسعة من العاملين في مجال الأمن والدفاع والقطاعات الحساسة في الدولة، فالعمل الرئيسي لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لا يكون في أوقات الحرب، بل في أوقات "الهدوء"، وهو ما يتيح لها تشكيل قاعدة بيانات واسعة، على مستوى الأفراد والمنشآت، يسهل توظيفها لاحقا حينما تقرر الهجوم.

ففي غزة أيضا، تواردت التقارير الصحفية التي لا تتحدث فقط عن استهداف جيش الاحتلال للقيادات الأمنية والعسكرية، بل واستهداف المؤثرين في القطاعات المدنية، وذلك بغرض تفكيك النسيج الاجتماعي عبر ضرب قيادات المجتمع والأصوات المؤثرة فيه.

وعلى ذلك فإن زخم الانتصار بسقوط نظام الأسد، لا بد ألا يُنسي الأخطار المحدقة بها، وأن مرحلة التعبئة، والاستعداد، والسرية في التجهيز والبناء، كلها عوامل ينبغي استمرارها بمستويات متفاوتة، لمواجهة الأخطار المستقبلية الرابضة بجوار الجغرافيا السورية.

إضافة لما سبق، يعد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ونظم الإنذار المبكر، وأدوات تحليل البيانات، قضايا هامة يجب أن تُدرج ضمن أولويات العقيدة الدفاعية، فالحرب تبدأ حين يفقد الخصم قدرته على الرؤية لا فقط على الحركة.

الجاهزية العالية

إحدى أكثر المفارقات وضوحا في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية كانت سيطرة إسرائيل الكاملة على المبادأة. فبينما استغرقت طهران عدة ساعات لبلورة ردٍّ منضبط، كانت تل أبيب قد أنهت موجتها الأولى. لقد جعلت إسرائيل من الضربة الأولى عقيدة قائمة بذاتها، ونسجت تفوقها من التوقيت والدقة والمفاجأة.

وهنا مكمن المفارقة: الدولة الأضعف ديمغرافيا وجغرافيا تفوقت لأنها بادرت، وخططت، وجمعت المعلومات، ونفذت في اللحظة الحاسمة، بينما الدولة ذات الامتدادات الجغرافية والوكلاء والإمكانيات ظلت حبيسة خطاب الردّ في الوقت المناسب، وهو توقيت قد لا يأتي أبدا بالصورة المرجوة والرادعة.

إن أرادت الدولة السورية الجديدة أن تنجو في محيط شديد الاضطراب، وعين إسرائيل التي تراقب عن كثب، فعليها أن تتبنى نمطا جديدا في التفكير الأمني: الاستباق لا الرد.

والاستباق لا يعني اشتراط المبادرة الهجومية بل الجاهزية العالية، والقدرة على الإنذار المبكر، وتحديد نِيَّات العدو في اللحظة الحرجة. الدولة التي تنتظر الضربة الأولى لكي تتحرك ميدانيا تكون قد سلّمت جزءا كبيرا من سيادتها للخصم، وهو ما حدث مع مصر وسوريا في عام 1967.

حين هاجمت الولايات المتحدة العراق عام 2003، انهارت القيادة العسكرية والسياسية العراقية سريعا (رويترز) مركزية السلطة مقتل إستراتيجي

في تحليل بنية الإخفاق في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، نجد تكرارا لصورة عراقية سابقة، لكن بشكل مختلف هذه المرة. فحين ضربت الولايات المتحدة العراق عام 2003، انهارت القيادة العسكرية والسياسية العراقية سريعا، لأن صدام حسين كان قد أسس دولة ذات بنية قيادية مفرطة في المركزية، خالية من المرونة، قائمة على الولاء الشخصي لا الكفاءة المؤسسية، مما حدّ من القدرة على التقدير الموضوعي للمخاطر، وأفضى إلى تهميش الكفاءات المهنية.

وحين نُعيد قراءة الدرس الإيراني حول مركزية القيادة التي حاولت تل أبيب شلها بالضربة الأولى، نجد صدى مباشرا لتحذيرات كولن غراي في كتابه "قرن دموي آخر: حرب المستقبل"، حيث قال: "في الحروب الحديثة، لم يعد بوسع أي قائد أن يحتكر الفهم أو السيطرة، فالشبكية التنظيمية صارت ضرورة وجودية، لا خيارا إداريا".

إعلان

بهذا المعنى، فإن سوريا ما بعد الانهيار مطالبة ببناء نمط قيادي لا يتمحور حول الزعيم الفرد أو مركز القرار الواحد، بل يقوم على منظومة قيادة موزعة، تضم قادة ميدانيين مدرَّبين على المبادرة، ومخوّلين بسلطة تنفيذية مرنة، تُمكّنهم من اتخاذ القرارات الحاسمة في اللحظات الحرجة دون انتظار توجيهات مركزية قد تتعطل أو تُستهدف.

إن الدولة التي تضع كامل ثقلها في مركز واحد، سرعان ما تفقد قدرتها على الاستمرار إذا أُصيب الرأس.

ومن ثم فإن توزيع الوظائف القيادية، وإنشاء بنيات "قيادة خلفية" في مناطق متفرقة قادرة على استيعاب الصدمة واستئناف الأداء، لم يعد ترفا تنظيميا أو خيارا إداريا، بل هو حجر الأساس لضمان استمرارية الدولة تحت الضغط، لا سيما في بيئة إستراتيجية تُدار فيها الحروب بضربات استباقية تستهدف البنية القيادية أولا.

الحاجة إلى جهاز استخبارات فاعل

من أبرز مظاهر الإخفاق الإيراني في هذه الحرب هو قصور المنظومة الاستخباراتية عن توقع طبيعة الضربة الإسرائيلية الأولى، وتحديد أهدافها، والتعامل مع موجاتها التالية. فالاستخبارات الإيرانية انشغلت بعمليات خارجية ودعائية، دون أن تمتلك منظومة تحليل إستراتيجي حقيقية تُمكّن صانع القرار من تقدير الموقف بناءً على مؤشرات موضوعية، وظهر أن الاستخبارات الإيرانية متخمة بالأدوات، لكنها فاقدة للرؤية.

يجادل كولن غراي بأن الاستخبارات ليست مجرد أداة مساندة في الحرب، بل أحد الأعمدة الأساسية للإستراتيجية نفسها. ففي كتابه "الإستراتيجية الحديثة"، يكتب بوضوح أن الإستراتيجية الجيدة تتطلب معرفة دقيقة بعدوّك، بمثل ما تتطلب وضوحا في أهدافك وواقعية في أدواتك.

وحين تفشل الاستخبارات، تفشل كلّ منظومة التقدير، ومن ثم تنهار قرارات الحرب أو السلام. ويُشدّد غراي على أن الفارق بين المفاجأة والانكشاف يُقاس بقدرة الدولة على تحويل المعلومات إلى معرفة، والمعرفة إلى قرارات فعّالة تُترجم في الزمن المناسب.

انطلاقا من هذا التصور، فإن الدولة السورية الجديدة لا تحتاج فقط إلى أجهزة رصد، بل إلى منظومة استخبارات قادرة على جمع وتحليل المعلومات من الميدان إلى المركز، وربط التقدير الأمني بالقرار السياسي، وتغذية الإستراتيجية بالديناميات المتغيرة في البيئة الإقليمية، وبذلك لا يكون عمل الاستخبارات مقتصرا على الداخل، بل ويمتد إلى رصد وتتبع واستشراف التهديدات التي تحيط بالجغرافيا السورية.

فكما ينبّه غراي، الحرب ليست فقط صراع وسائل، بل اختبار للوعي، ومَن لا يرى ما يحدث، لا يستطيع أن يواجهه.

خريطة سوريا (الجزيرة) ضرورة المشروع الشامل

يشدد كولن غراي على أن الإستراتيجية ليست علما محضا، بل ممارسة ذات طابع سياسي وأخلاقي وتاريخي. ويشدد على أن قدرة الدولة على خوض الحرب أو تفاديها لا ترتبط فقط بقدراتها المادية، بل بقدرتها على فهم الحرب بوصفها امتدادا للسياسة، والتفكير الإستراتيجي بوصفه وظيفة شاملة للدولة غير محصورة في الجنرالات.

وبالتالي يرى غراي أن "النصر لا يُنتَج في ميدان القتال فحسب، بل في طريقة إدارة الحرب من غرفة القرار السياسي".

وهذا ما بدا جليًّا في الفارق بين إسرائيل وإيران خلال الأيام الأولى من الحرب، فتل أبيب تدير المعركة ضمن إستراتيجية كبرى، وتضبط ردودها وفق أهداف واضحة. أما إيران، فقد دخلت الحرب بخطاب ثوري، لكنها لم تمتلك هندسة واضحة لإدارة الحرب، فكانت ردودها متأخرة، لكنها استطاعت امتصاص آثار الضربة الأولى ، ومن ثم أعادت توجيه أجهزتها العسكرية نحو نهج مدروس.

وعلى ضوء ذلك، فإن الدولة السورية الجديدة لا تحتاج فقط إلى إعادة تشكيل أجهزتها الأمنية والعسكرية من الناحية التنظيمية، بل أن تُعيد تموضع هذه المؤسسات داخل مشروع سياسي-وطني أوسع، تتكامل فيه السلطة المدنية مع البنية الدفاعية، وتُمارس فيه الإستراتيجية بوصفها وظيفة حكومية عليا، لا اختصاصا تقنيا محصورا في ثكنات الجيش.

فكما ينبّه غراي، لا يمكن للدولة أن تنجح في الحرب إن لم تكن قد نجحت أولا في فهم طبيعتها، وربط أدواتها بوظيفتها السياسية، ضمن تصور واقعي لموقعها في النظام الإقليمي والدولي.

خاتمة: سوريا بعد الحرب – خيار بين دولتين ساقطتين

إن سوريا الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، أمامها فرصة لإعادة بناء الدولة من خلال فهم عميق لطبيعة التهديد، وتأسيس بنية أمن قومي حديثة تستفيد من تجارب الدول المجاورة دون أن تستنسخها.

وإن الدرس الأبرز من الحرب الإيرانية الإسرائيلية هو أن الردع لا يُصنع بالأسلحة وحدها، بل بتماسك القرار، وتوزيع القيادة، ومرونة المؤسسات. وإذا كانت إسرائيل قد تفوقت بالمعرفة والمبادأة والتكنولوجيا الفائقة، فلتكن سوريا الجديدة دولة لا تلاحق الأحداث، بل تُبادر، وتُكيّف أدواتها، وتبني جيشا لا يُفاجأ، وقادة لا يُشلّون.

إعلان

قد لا تستطيع سوريا مجاراة إسرائيل في التكنولوجيا أو النفوذ الدولي أو الهيمنة الجوية، لكنها تستطيع أن تتفوق في شيء آخر: في تأسيس عقيدة دفاعية ذكية، ومؤسسات مترابطة، وإستراتيجية بقاء مرنة لا تقوم على العاطفة أو التمحور حول القائد الرمز، بل على الفهم المتراكم لتجارب المنطقة، وعلى إرادة واعية لبناء دولة تتعلّم من حروب غيرها قبل أن تُختبر في حربها القادمة.

مقالات مشابهة

  • هل تدفع حرب إيران وإسرائيل سوريا إلى بناء عقيدة دفاعية ذكية؟
  • إعلام عبري: اتصالات "مباشرة" بين سوريا وإسرائيل
  • أردوغان: تركيا ستواصل دعم استقرار سوريا
  • وزير الداخلية التركي يعلن إجراءات جديدة للسوريين في تركيا
  • إعلام عبري: اتصالات "مباشرة" بين سوريا وإسرائيل
  • مندوب وزارة الداخلية التركية يزور الإدارة العامة للدعم المركزي في طرابلس
  • S-400 والغموض المستمر.. إليك آخر تطورات الدفاع الجوي التركي
  • هل ستندلع حرب بين تركيا وإسرائيل؟
  • جيش الاحتلال يرفض التعليق على تصريح ترامب بوقف إطلاق النار مع إيران
  • جيش الاحتلال يرفض التعليق على تصريح ترامب بوقف إطلاق النار مع إيران - عاجل