تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

«لى من دمشق حبيب بالشخص عنى بعيد.. فنهر دمعى للوجد فى دمشق يزيد».. ابن الخيمى

شعراء سوريا رسل الفكر والجمال.. وبنوا الجسور بين القلوب والعقول

مس من الجنون.. من الحكايات والملاحم الشعبية وحكايات الملوك إلى شعراء العصر الحديث

رحلة ممتدة من أبى العلاء المعرى فيلسوف الشعر وقبلة الشعراء والبحترى وأبو تمام إلى نزار قبانى شاعر الحب والنضال وأدونيس أحد أيقونات الشعر العربى المعاصر ورواده

 

 

إنه ليس شعرًا بل مس من الجنون لوحة جدارية كبيرة خلدها شعراء سوريا عبر التاريخ، عرفوا الكتابة وحروفها حملت الجداريات كتاباتهم لتكون وثيقة عبر التاريخ، فهل الشعر والشعراء يستطع أن يخطوا بنا نحو المستقبل وهل سيموت الشعر وقوافيه بعدما حمل معه رياح وعطر الماضي العتيق.

 

 

فدمشق لم تكن مجرد مدينة تجسد الحكم، بل كانت قبلة لكل الباحثين عن الأمان والحب والحياء فذهب إليها المتنبي في قديم الزمان ينجو بداخلها بعد رحلة طويلة في الصحراء، فرحل المتنبي إلى الشام بعدما كان غير آمن في بغداد، ويشدو بها أعظم الأبيات الشعرية فهناك الشعر الذي أخرجه في شمال الشام والشعر الذي كُبت في سيف الدولة، فيقول المتنبي عن دمشق :« مَبيتي مِن دِمَشقَ عَلى فِراشِ، حَشاهُ لي بِحَرِّ حَشايَ حاشِ، لَقى لَيلٍ كَعَينِ الظَبيِ لَوناً، وَهَمٍّ كَالحُمَيّا في المُشاشِ، وَشَوقٍ كَالتَوَقُّدِ في فُؤادِ، كَجَمرٍ في جَوانِحَ كَالمِحاشِ...........» وقال أيضًا «فَإِنَّ الفارِسَ المَنعوتَ خَفَّت ،لِمُنصِلِهِ الفَوارِسُ كَالرِياشِ،..... وَقَد نُسِيَ الحُسَينُ بِما يُسَمّى، رَدى الأَبطالِ أَو غَيثَ العِطاشِ».

هذا ما فعلته دمشق بالغرباء فماذا فعلت في أبنائها الشعراء.. الذي أثروا المشهد الثقافي العربي منذ فجر التاريخ.. بدءً من أسطورة جلجامش التي تغنى بها الشعراء وباتت مصدر إلهام للأدباء.. ومرورًا بالحكايات الشفاهية التي تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل وإذا ذكرنا شعراء سوريا نجد وان لكل اسم قد أخرج مئات الألوف من الأبيات الشعرية بين الحب والحرب والفلسفة والصور الشعرية الباحثة عن الوجودية وحملت معها الرؤى الفلسفية العميقة.. فليس غريباً أن تهدينا الحضارة السورية شاعرً كأبي العلاء الذي جمع بين الفلاسفة والفكر ناسجًا  خليطًا من السرد الشعري ليكون قبلة العاشقين والشعراء والفلاسفة والمفكرين، ولما لا فقد كتب فيه عميد الأدب العربي ثلاث كتب من أهم الكتب والإصدارات التي تناولت حياة أبي العلاء والعصر الذي ولد فيه وفلسفته وثورته على الأوضاع، باعتباره أحد نوابغ العصر العباسي الثاني.

عودة إلى وثائق والجداريات 

من أبجدية أوغاريت والتي كشفتها اللقى الأثرية، والتي تبناها العالم وأجمع عليها علماء الغرب، هذا لخلق المفاجئ الذي أعطى البشرية أعظم ما يمكن في حقل الكتابة والتدوين، كانت المعاني تتجسد عبر اللوحات متجسدة في شكل ملاحم شعرية ونثرية وكتابات تتعلق بالطقوس الدينية والنصوص الأدبية، وقد كشفت عمليات التنقيب في «ايبلا» التي تبعد قرابة الستين كيلو متر عن حلب فوق تل مرديخ، إذ كشفت البوابة الجنوبية لسور المدية عن العديد من المعابد والمساكن والقصر الملكي الذي تم اكتشافه بين عامي 1974 و1975، ويعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حاملاً معه صفحة من صفحات التاريخ، إذ عُثر يحوي على حكاية أخرى من حكايات التاريخ. 

فكان لابد وأن نتحدث عن اللقى الاثرية التي وجدت في القصر حيث عُثر في مكتبة القصر على ما يقرب من 15000  «لوحة» أو رقيم ، تنوعت موضوعاتها ما بين الاقتصادية والتاريخية والمعجمية والأدبية أيضًا. 

حملت النصوص الأدبية معم لفظي بين اللغتين الأشورية واللغة السومرية والتي كانت تستخدم في العلاقات الدبلوماسية، فكان الشعر هو الوسيلة التي حُكي بها التاريخ ففي عصر الملك سرجون والذي تشبه قصته قصة سيدنا موسى فألقت به أمه إلى النهر ويجسدها أحد الشعراء الأشوريين في القرن السابع قبل الميلاد قائلا :«أمي كانت المتقلبة.. ووالدي لم أعرفه، أعمامي أحبو التلال وسكنوها، (أزوبيراتو) مسقط رأس تقع على الفرات، حبلت بي أمي المتقلبة وبالسر ولدتني، في سلة القصب وضعتني وبالقبر غلفتني، وفي النهر ألقت بي ومياهه لم تبتلعني بل حملتني، بل حملني وإلى (آكي) البستاني اتخذني، ثم جعلني (آكي) البستاني لديه بستانيا، وأنا بستاني منحتني عشتار المحبة والنعمة، فمارست الملك تلك السنين» ليعود أحد الشعراء الآشوريين مجسدًا بطولات وفتوحات «سرجون»، قائلاً: «أنا شاروكين ملك أكاد القوى، حكمت ذوي الرءوس السود وملكت عليهم، ببلطات البرونز قهرت الجبال العظيمة، تسلقت السلاسل العليا، وعبرت السلاسل الواطئة، قبضت على (دلمون) بيدي وإلى (دير) العظيمة صعدت، وأبي ملك يأتي من بعدي، فليحكم ذوي الرءوس السود ويملك عليهم».

ومن الملاحم والحكايات التي حملتها اللوحات واللقى الأثرية، لتخلد تاريخ الملوك والأمراء ونضالهم وبحثهم عن الوجودية والخلود إلى الشعراء عبر العصور .. ومنهم الفلاسفة فخرجت لنا أشعار الفيلسوف بيتاغور الذهبية أو الآيات الذهبية كما أطلق عليها من قبل فقد جمعت بين التأمل والحكمة والعدالة والمساواة والتفاعل مع الطبيعة والبحث عن الحقيقة ، فتكمن أهمية «الأشعار الذهبية» في قدرتها على تجاوز حدود الزمان والمكان، وتقديم إرشادات صالحة لكل زمان ومكان، فهي ليست مجرد مجموعة من الأبيات الشعرية، بل هي دليل عملي للحياة الروحية والأخلاقية، وقد ألهمت هذه الأشعار العديد من المفكرين والفلاسفة والقادة الروحيين على مر العصور، فهي  بمثابة الإرث الذي قدم لنا  رؤية متكاملة للحياة الفاضلة .

من قلب الشعراء «لوحة زاهية الألوان»

فكان لابد حينما نتحدث أن الشعر والشعراء منذ الحضارة السومرية القديمة مرورًا بالعصور الزمنية المتعاقبة والمختلفة ومع التغيرات السياسية والاجتماعية وتغيير بنية المجتمع، من حقبة زمنية لأخرى، نجد أن الشعراء عبر العصور استطاعوا أن ينهموا من التاريخ ومن هذا الإرث الغني بالمعاني والفكر والعمق الفلسفي .

فعندما نتأمل تاريخ الشعر السوري، نجد أنفسنا أمام لوحة زاهية الألوان، تتداخل فيها الأزمان وتتراكم فيها التجارب الإنسانية الغنية، وهو ما وجدناه في اللقى الأثرية وعلى الجداريات والوثائق، ما يؤكد على أن سوريا هي موطن من مواطن الإبداعات الشعرية الخالية، فمن نهر الفرات للجبال والوديان ألهمت الشعراء والملوك والفلاسفة لتنطق ببديع الكلمات في نسج لوحة من لوحات الطبيعة، يصنع فيها كل شاعر من شعرائها لونًا متفردًا لا يضاهيه غيره، فمن البحتري وأبي العلاء وأبي تمام إلى نزار قباني وعمر أبو ريشة وأدونيس، وغيرهم الكثير والكثير ، فاستطاع شعراء سوريا بعبقريتهم وحسهم المرهف وقدرتهم على نج الكلمات في قوالب شعرية تدخل إلى القلوب، ليبنوا منها جسورًا تعبر بين القلب والعقل ويتركوا بداخلنا أثرًا لا يمكن محوه.

إن الشعراء السوريين، بعبقريتهم وإبداعهم، لم يكونوا مجرد كتاب للكلمات، بل رسل للفكر والجمال، استطاعوا من خلال قصائدهم أن يبنوا جسوراً بين القلوب والعقول، وأن يتركوا أثراً لا يُمحى في ذاكرة الثقافة العربية.  

البحتري وسحره الخاص

استطاع البحتري أن يخلد اسمه بين كبار الشعراء السوريين، فهو الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي، أبو عبادة البحتري وصف بـ صاحب «سلاسل الذهب»، وهو أحد  الثلاثة شعراء من أبناء عصره وهم المتنبي، وأبو تمام، والبحتري، حينما سُئل أبي العلاء المعري.. عن أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر هو البحتري.

فقد عُرف بقدرته على المزج بين الحقيقة والخيال، ما أضاف على الشعر العربي سحرًا خاصًا، يلامس القلب والوجدان، فخلق عالم من الأبيات الشعرية التي تثير المشاعر ، كما كانت أشعاره تحمل في طياتها ثوره مخفية فنجده يقول: «.. قُل لِلإِمامِ الَّذي عَمَّت فَواضِلُهُ، شَرقاً وَغَرباً فَما نُحصي لَها عَدَدا، اللَهُ وَلّاكَ عَن عِلمٍ خِلافَتَهُ، وَاللَهُ أَعطاكَ ما لَم يُعطِهِ أَحَدا، ..... أَمّا دِمَشقُ فَقَد أَبدَت مَحاسِنَها، وَقَد وَفى لَكَ مُطريها بِما وَعَدا...».

وقال عن الدهر: «طَلَبتُكِ يا دُنيا فَأَعذَرتُ في الطَلَب ......فَما نِلتُ إِلّا الهَمَّ وَالغَمَّ وَالنَصَب» .. ويقول أيضًا «.... إِذا اِقتَصَرتَ عَلى حُكمِ الزَمانِ فَقَد، أَراكَ شاهِدُ أَمرٍ كَيفَ غائِبُهُ، كَلَّفتَني قَدَراً غَلَّت ضَرورَتُهُ، عَزيمَتي وَقَضاءً ما أُغالِبُهُ.... ».

ونستطيع أن نقول أن أشعار البحتري استطاعت أن تلامس القلب والوجدان في ليال الهجر الطوال فنجده يقول في شكوى الفؤاد والشوق: «فُؤادٌ مَلاهُ الحُزنُ حَتّى تَصَدَّعا، وَعَينانِ قالَ الشَوقُ جودا مَعاً مَعا، لِمَن طَلَلٌ جَرَّت بِهِ الريحُ ذَيلَها، وَحَنَّت عِشارُ المُزنِ فيهِ فَأَمرَعا، لِلَيلاكَ إِذ لَيلى تُعِلُّكَ ريقَها، وَتَسقيكَ مِن فيها الرَحيقَ المُشَعشَعا، كَأَنَّ بِهِ التُفّاحَ غَضّاً جَنَيتُهُ، وَنَشرَ الخُزامى في الصَباحِ تَضَوَّعا، وَهَيَّجَ شَوقي ساقُ حُرٍّ أَجابَهُ، هَديلٌ عَلى غُصنٍ مِنَ البانِ أَفرَعا». 

أبو العلاء وفلسفة الشعر

كانت ولاتزال التساؤلات كثيرة عن أبي العلاء وسره العجيب هذا المفكر والفيلسوف الثوري الغامض والغاضب الذي راح عنه بصره لكن لم تبعد عنه البصيرة يومًا قط، فأبا العلاء وبما اوتي من بلاغة شعريه ما جعل البعض  يطلقون عليه فيلسوف الشعراء، والبعض الآخر لقبوه بشاعر الفلاسفة، فهل هو شاعر أم فيلسوف، أم زاهدًا من متع وزينة الدنيا، ما يجعلك تشعر بانه أحد المتصوفة المتأملين في بديع الخلق، مع جعل أشعاره تمزج بين الحكمة والبلاغة مع الرؤى الفلسفية التي تحدت قيود الفكر ، ما جعله يقدم للإنسانية وللإبداع العربي شعرًا غاية في الروعة والتناقض أيضًا، ما جعل عمدي الأدب العربي طه حسين أن يستعدي صوت أبي العلاء ويتحدث معه ويعله يدافع عن نفسه أمام من ألقوا به في السجن، ومن بنيته الشعرية المتفردة التي جعلت من أشعاره لها معجم ومفردات تخص أبي العلاء عن غيره ، فكان أبي العلاء يرى في الشعر أداة للتفكير والتأمل وساحة من ساحات مناقشة القضايا الوجودية والبحث عن الذات ، فقد تفرد أبي العلاء بأسلوبه ولغته المتفرده وهو ما ظهر في قوله "نديمتي جارية ساقية، ونزهتي ساقية جارية"  هذا التجانس والتكرار جعل لأبي العلاء معجمه الخاص وهو ما نجده في قوله : «سِرْ إِنِ اسْطَعْتَ فِي الْهَوَاءِ رُوَيْدًا، لَا اخْتِيَالًا عَلَى رُفَاتِ الْعِبَادِ، رُبَّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْدًا مِرَارًا، ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الْأَضْدَادِ، وَدَفِينٍ عَلَى بَقَايَا دَفِينٍ، فِي طَوِيلِ الْأَزْمَانِ وَالْآبَادِ، فَاسْأَلِ الْفَرْقَدَيْنِ عَمَّنْ أَحَسَّا، مِنْ قَبِيلٍ وَآنَسَا مِنْ بِلَادِ..» ويقول أيضًا: «تَحَمَّل ثِقلَ نَفسِكَ وَاِحفَظَنها ، فَقَد حَطَّ المُهَيمِنُ عَنكَ ثِقلي، أَلَم تَرَ عالَماً يَمضي وَيَأتي، سِواهُ كَأَنَّهُ مَرعيُّ بَقلِ، هِيَ الأَفهامُ قَد صَدِئَت وَكَلَّت، وَلَم يَظفَر لَها أَحَدٌ بِصَقلِ، أَتَعقُلُ ساعَةً فَتَرومَ عَقلاً، لِعَنسِكَ أَم خُلِقتَ بِغَيرِ عَقلِ، وَكَيفَ أُجيدُ في دارٍ بِناءً، وَرَبُّ الدارِ يُؤذِنُني بِنَقلِ» والمتأمل في شعر أبي العلاء يجد هذا الإنسان الباحث والمفكر والثورى والفيلسوف الزاهد في الحياة فكان يرتدي خشن الثياب وعرفت أشعاره ومعجمه الخاص باللزوميات، والتي تجسدت في الكثير من أشعاره لكنه كان متأملاً في الحياة والموت ونجده يقول : « أَلَم تَرَ أَنَّني حَيٌّ كَمَيتٍ، أُداري الوَقتَ أَو مَيتٌ كَحَيِّ، أُحاذِرُ عالَمي وَأَخافُ مِنّي، وَأَلحى الناسَ بَلَهَ بَني لُحَيِّ، وَهُم لي مِثلُ ما كانَت قَديماً، لِقَيسِ بنِ الخَطيمِ بَنو دُحَيِّ». 

نزار وكلماته 

ومع العصر الحديث نجدنا أمام روح من أروح شعراء سوريا القدامي الذين تغزلوا في الحياة والحب والعقل تغزل في المرأة وفي دمشق وفي الحب، رسم بألوانه شعر يظل بداخل الوجدان فيقول عن دمشق :«هذي دمشق.. وهذي الكأس والراح، إني أحب.. وبعـض الحـب ذباح، أنا الدمشقي.. لو شرحتم جسدي، لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح، و لو فتحـتم شراييني بمديتكـم، سمعتم في دمي أصوات من راحوا، زراعة القلب.. تشفي بعض من عشقو، وما لقلـبي –إذا أحببـت جـراح، مآذن الشـام تبكـي إذ تعانقـني، و للمـآذن.. كالأشجار.. أرواح، للياسمـين حقـوقٌ في منازلنـا.. وقطة البيت تغفو حيث ترتـاح». 

وقطه البيت تغفو حيث ترتاح هكذا تغزل في دمشق والتي كانت بالنسبة له الراحة والأمن والأمان، فتغزل نزار فيها وكأنها الحبيبة التي كان ينتظرها لينام ويهدأ في أحضانها، فهنا في هذا المنزل حتى لو كان متهالكًا أستطيع أن أغفو وارتاح، ويقول نزال عن الشعر: «الشعر هو أن تخلق من الحلم واقعاً» .

فهو نزار بن توفيق القباني دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس عام 1923 من أسرة دمشقية عريقة، إذ يعتبر جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي. انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلاً بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أثارت قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.

أدونيس صوت التغيير والانفتاح 

«الشعر هو تلك اللحظة التي تُعيد الإنسان إلى نفسه، إلى طبيعته الأولى»

الكثيرون يتساءلون لماذا لا يأخذ شاعرنا أدونيس جائزة نوبل في الآداب على الرغم من أشعاره التي تمتاز بعبق التاريخ وفي الوقت ذاته تمثل نموذجًا للتغير والانفتاح فيعتبره النقاد أحد أهم أيقونات الشعر العربي المعاصر ورواده، فتاريخ الشعر السوري يحمل معه قصة من الإبداع والتجدد، وأدونيس جزء لا يتجزا من قصة هذا الإبداع إذ استطاع أن يتحدى الزمن ويستشرف المستقبل . فاستحق بالفعل عدة جوائز عالمية، كان آخرها حتى الآن جائزة جون مارجريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية، وذلك عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، وتسلمها منذ نحو أسبوعين فى باريس. 

ونجد أعمال «أدونيس» تتسم بالجرأة والتجديد، حيث سعى إلى كسر القيود التقليدية والانطلاق نحو آفاق جديدة، مما أكسبه شهرة واسعة في الأوساط الأدبية العالمية. يقول أدونيس: «الشعر هو تلك اللحظة التي تُعيد الإنسان إلى نفسه، إلى طبيعته الأولى».

 المشاغب المتسائل 

ويخطو بنا «أدونيس» أو الاسم المستعار للشاعر السوري علي أحمد سعيد، أحد أبرز الأصوات الشعرية في العصر الحديث إلى عوالم التساؤلات حينما وجهها لنا على لسان طفل إذ يقول :«وجه يافا طفلٌ هل الشجَرُ الذابل يزهو؟ هل تَدخل الأرض في صورة عذراء؟ من هناك يرجّ الشرق؟، جاء العصف الجميلُ ولم يأتِ الخرابُ الجميلُ صوتٌ شريدٌ... «كان رأسٌ يهذي يهرّجُ محمولاً ينادي أنا الخليفةُ»، هاموا حفروا حفرةً لوجهِ عليٍّ، كان طفلاً وكان أبيضَ، أو أسودَ، يافا أشجارُه وأغانيه ويافا. تكدّسو، مزّقوا وجهَ عليٍّ، دمُ الذبيحة في الأقداحِ، قولوا: جبّانةٌ، لا تقولوا: كان شعريَ وردًا وصار دماءً، ليس بين الدماءِ، والورد إلا خيط شمسٍ، قولوا: رماديَ بيتُ، وابنُ عبّادَ يشحذ السّيفَ بين الرأس والرأسِ، وابنُ جَهْورَ ميْتُ.

فهو أكثر شعراء جيله جدلاً فهو مفكر ومثقف ثوري، سعى إلى تجديد الشعر العربي وتجاوز قوالبه التقليدية، من خلال تبني أساليب حديثة في الكتابة والتعبير، والتعمق في قضايا الوجود والهوية والتاريخ.

وهو ما جعله يبحث من خلال أبياته وأشعاره ودواوينه بسؤاله حول الوجود والبحث عن التراث وفي الوقت ذاته الابتكار والتجديد ولهذا وصفه النقاد بالثوري المتمرد الثائر حتى على القوالب الشعرية التقليدية، بل امتد تمرده إلى الموضوعات التي يعالجها الشعر ليرسم لنفسه خطًا متفردًا في لوحه الشعر السوري ويكتب اسمه بحروف من الذهب بجوار من سبقوه من شعراء، فما بين التجريب والتجديد والبحث عن قوالب وموضوعات شعرية مغايريه عما هو سائد يخرج لنا بمزيج شعري يجمع بين كل المتناقضات بين التراث والمورث والتساؤلات الوجودية، ليخرج لنا بمزيج شعري يجمع بين الصورة الشعرية الرمزية، واللغة الموحية، والتجريب في الأوزان والقوافي. 

يرى أدونيس أن الشعر يجب أن يكون مرآة تعكس الواقع، وتعبر عن هموم الإنسان وتساؤلاته، وأن يكون وسيلة للتغيير والتنوير، فهو لا يكتب من أجل الكتابة فقط وانما يطرح من خلال تساؤلاته قضايا إنسانية ووجودية عميقة وكأننا أمام شاعرًا من شعراء الزمن القديم ولكن بوجه جديد ومتجدد فيرى أن التراث ليس مجرد ماضٍ يجب استعادته، بل هو مادة يجب إعادة قراءتها وتأويلها، وأن التاريخ ليس مجرد أحداث وقعت في الماضي، بل هو عملية مستمرة من التشكيل والتغيير.

يقول أدونيس:

«نقدرُ، الآنَ، أن نتساءلَ كيف التقينا

نقدرُ، الآنَ، أن نَتَهجّى طريقَ الرّجوعْ

ونقولَ: الشواطىءُ مهجورةٌ،

والقلوعْ

خَبَرٌ عن حُطامٍ.

نقدر، الآن، أن ننحني، ونقولَ: انْتَهَيْنا»

فهل نحن انتهينا؟ سؤال يطرحه أدونيس في إحدى قصائده والتي تعتبر من القصائد الاستشرافية رأي فيها المستقبل.. فهل سنستعيد تلك الشواطىء المهجورة ونعيد بناء ما خلفه الإعصار الغاشم؟!. 

أدونيسأدونيسأدونيسنزار قبانىنزار قبانىالبحترىأبو العلاء المعرى

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: دمشق أبي العلاء أبو تمام نزار قباني أدونيس والبحث عن الشعر هو من خلال وهو ما التی ت ما جعل شاعر ا یقول أ

إقرأ أيضاً:

الزمن المفقود.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني

الأدب مرآة مجتمعه، فلا يوجد أدب قوي في دولة ضعيفة، والعكس صحيح. لقد كان انعكاسا حقيقيا لنهضة السوفيات ومعبرا عن نهضة الروس، ليصبحوا واحدة من أكبر القوى العالمية في القرن العشرين. ثم جاء الأدب الأميركي ليكون ترجمة طبيعية لقوة الدولة وصورة حقيقية عن تفوقها، وما زال الأدب الأوروبي معبرا عن تفوق الغرب وتقدمه. وكان أدب أميركا اللاتينية الحديث مقدمة لتحرير دول هذه المنطقة من عقال الهيمنة والفساد إلى الديمقراطية وإصلاح الدولة.

والآن يشهد العالم نهوضا صينيا عظيما، ويواكب هذه النهضة الاقتصادية ارتقاء أدبي رفيع. ولأن دول العالم الثالث ما زالت تدور في فلك الغرب المعادي لكل ما هو شرق، مقتفية آثار غبار "الميديا" الغربية لطمس العيون فلا ترى حقيقة تقدم الأدب الصيني واعتلائه ربى سامقة في الآداب الإنسانية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"فيلة صغيرة في بيت كبير" لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميلlist 2 of 2الدكتور حلمي القاعود فارس الهوية والأصالةend of list

وحديثا جاء الاعتراف بالأدب الصيني من الغرب نفسه، اعترافا بجدارته وحيويته وعمق محتواه، وهناك سباق شرس لترجمة الأدب الصيني إلى كل لغات العالم.

ورغم الصلات والعلاقات العربية الصينية القديمة على طول التاريخ، التي أدت إلى احتضان الصين الدين الإسلامي في مناطق كثيرة من ربوعها، فإن ترجمة الآداب الصينية لم تكن على نفس مستوى العلاقات البينية. ومع النهضة الحديثة له، تولدت حركة ترجمة كبيرة للأدب الصيني في البلاد العربية.

ولن يتسع المجال هنا لرصد كل الترجمات العربية للأدب الصيني، ولكن في العام الماضي كانت رواية "الزمن المفقود" للصيني وانغ شياو بو الأكثر قراءة في العالم العربي على تطبيق "أبجد". وهي من الروايات القليلة التي كسرت حاجز الرهبة بين القارئ العربي والثقافة الصينية.

وتحقق في تلك الرواية مجموعة من السمات رفعت من إقبال المتلقي العربي عليها، أبرزها: أن الحدوتة فيها قوية، وفكرة الجنون أو فلسفة الصعاليك موجودة، وأبطالها من أبناء الشعب العاديين، ومن الممكن للمتلقي العربي أن يتخيل أنه أحدهم. وكل هذه العوامل أو السمات ساعدت المتلقي العربي على أن يعيش داخل أجواء الرواية.

الدكتور أحمد السعيد الخبير في الشأن الصيني الرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الحكمة للثقافة (الجزيرة) ضد الثورة الثقافية

رواية "الزمن المفقود" موضوعها سنوات الثورة الثقافية في الصين -منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات- أو ما يطلق عليها "سنوات الصين السوداء" في العصر الحديث. وهي تحكي عن الزمن المفقود للرجل الذي يحاول أن يكون بطلا لكنه يسقط في النهاية بلا بطولة أو إنسانية. وتجري الأحداث لما بعد الثورة الثقافية حيث تمزج الرواية بين البطولة الفردية والقومية.

إعلان

ويعد الروائي الصيني وانغ شياو بو أشهر من كتب عن الحب والسياسة في الأدب الصيني، وبحسب الأرقام فهو من أكثر كتاب العالم تأثيرا. وهو أيضا الملهم والملك المتوج بالصين على قلوب الشباب ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وقد توقف قلبه فجأة وهو بالأربعينيات من عمره سنة 1997، وبرغم رحيله المبكر فهو ينافس الأحياء من الأدباء على لافتات الأكثر مبيعا في الصين.

ويعد الصينيون وانغ أعظم من كتب سردا ونثرا وشعرا بالصينية في العصر الحديث، وهو من اقتحم الدروب السرية للنفس البشرية ففضحها بلطف ثم عالجها بعنف. ويكتب عن الحب فيجبرك على التفكير في السياسة، ويكتب عن العلاقات الإنسانية فتفكر في مغزى الحياة وتناقضاتها.

وأنت تقرأ الرواية تشعر أنها ليست بعيدة عنك، مثلها مثل رواية 100 عام من العزلة، تستطيع أن تتخيل نفسك واحدا من شخصيات ماكوندو، وتعيش نفس أجوائها. وقد منعت الرواية في البداية ثم نشرت في هونغ كونغ، ثم نشرت بعد وفاة المؤلف بالصين، وحتى الآن لا تنقطع إعادة طباعتها عدة مرات في العام الواحد.

ورواية الزمن المفقود نزلت إلى الشارع الصيني المزدحم تعبر عن أبناء الشعب في أدق تفاصيلهم الحياتية، محتفظة في ذات الوقت بالعمق السردي، بعد أن تخلصت من إيثار الحكمة والغموض الفلسفي الذي تتميز به الرواية الصينية.

وعلى العكس، عندما تقرأ رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" للكاتب مو يان، الحائز جائزة نوبل عام 2012، التي يسرد فيها لمحات من تاريخ الريف الصيني في ظل الغزو الياباني للصين من عام 1937-1945، تشعر وأنت تقرأها كأنك خارج أجواء الرواية، وهذه صفة يتسم بها الأدب الصيني بشكل عام.

ومع أن رواية "الزمن المفقود" منعت بعض الوقت في الصين، فإنها كانت تباع في تايوان، ومؤلفات وانغ شياو بو هي الأكثر تأثيرا على مواليد الثمانينيات والتسعينيات في الصين. وبرغم رحيله المبكر عام 1997 وهو دون الـ45 من عمره، فأعماله تطبع كل عام وتباع بأرقام خرافية، ومقالاته مؤثرة جدا، منها كتاب "الأغلبية الصامتة" الذي يعتبر "إنجيل الصينيين".

الرواية الأكثر تأثيرا على مواليد الثمانينيات والتسعينيات بالصين (الجزيرة) الذائقة التابعة

ورواية "الزمن المفقود" من ترجمة الدكتور أحمد السعيد الخبير بالشأن الصيني، والأستاذ الزائر بجامعة الاتصالات الصينية، والرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الحكمة للثقافة الذي التقيناه لنحلق معه في الوضع الثقافي الصيني ونعرف من خلاله أين العرب من الثقافة الصينية، وكيف عبرت الثقافة عن طموحات ومستقبل الشعب الصيني.

لماذا لا نرى الأدب الصيني في المنطقة العربية مقارنة بانتشاره بالغرب وبقية أنحاء العالم؟

– ما يحدد معايير انتشار الأدب المترجم في المنطقة العربية هو الذائقة الغربية، وليست الذائقة العربية. ولما يكون الكاتب مشهورا في اللغة الإنجليزية، تكون فرصته أكبر في الانتشار بالعربية أو اللغات الأخرى، التي هي لغات المفعول به، وليست لغات الفاعل. وأضرب لك مثالا بالكاتب الياباني هاروكي موراكامي، فلأنه يكتب بالإنجليزية أصبح مشهورا في بريطانيا، ونحن في مصر وفي المنطقة بالكامل لم نعرفه على أنه ياباني، بل عرفناه لأنه مشهور في الغرب.

إعلان

والأمر الآخر لعدم انتشار الأدب الصيني كما ينبغي هو القطيعة الثقافية التي حدثت بين الصين والعالم بعد الثورة الصناعية أواخر السبعينيات، ثم بدأت الصين تركز على البناء الاقتصادي للدولة، فلم تهتم بإحياء حركة جيدة للأدب الصيني، فضلا عن أن الأدب الصيني شديد العمق لأنه أدب فلسفي، والقارئ العادي المعتاد على قراءة "سوشيال ميديا" ستكون درجة تلقيه للأدب الصيني غير مريحة.

وأيضا هو أدب مثقل بكثير من الأحداث التاريخية والسياسية والثقافية بالنسبة للصين، فتشعر أنه محتاج إلى كتالوج لكي تفهمه. فمثلا، الكاتب الصيني مويان الفائز بجائزة نوبل عام 2012، قليلون هم من قرؤوا أدبه وفهموه. ولأن الأدب الصيني ثقيل، فهو يحتاج قبل ترجمته إلى عين كاشفة لانتخاب ما هو مناسب للترجمة إلى اللغات الأخرى، أو أن ينشأ في كل عمل مترجم كتالوج يشرح من خلاله المقصود ومرامي الأدب الصيني.

ومن ناحية أخرى، تجد أن الأدب الصيني المترجم إلى العربية بدأ مع انتشار الآداب الروسية التي غزت العالم، ثم انتقلت الذائقة الأدبية العالمية إلى الأدباء الأميركان، ثم انتقلت الموجة إلى أدب أميركا اللاتينية بالطفرة التي طفت على سطح العالم مع الواقعية السحرية، وكل هذه المراحل استغرقت سنوات من البناء.

ولهذا تأتي اختيارات دور النشر بناء على شهرة الكاتب أو العمل في أوروبا أو أميركا. فعندما تقول "واشنطن بوست" هذه قائمة أشهر 100 رواية في العالم، تتسابق كل دور النشر لشراء حقوقها وترجمتها، وأكيد لن تختار عملا صينيا، لأن القوى الناعمة الغربية دائما تظهر نفسها على أنها الأفضل، وتنتقي لنفسها ما يخدم أهدافها. فمثلما ترى أن الأعمال العربية المترجمة في الغالب ما يخدم الرؤية الغربية عن العرب.

والأدب الصيني صعب على الذائقة العربية، لأننا في الأصل ثقافة "حواديت": ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة. أما الصين، فهي ثقافة فلسفة، ولهذا الحبكة السردية ليست أصل الرواية، والأصل هو قراءة واعية لما بين السطور. والكاتب يبعث برسالة، وعلى القارئ أن يكون واعيا لما يقول الكاتب لأن هذه هي الطريقة الصينية في التعبير: الاقتضاب والاستعارات الكثيرة. والموجة الإنسانية في أدب "التنين الأصفر" هي المقابل الحقيقي لإرهاب راعي البقر.

هذه الرواية وصفها النقاد بأنها بمثابة "إعلان تمرّد أدبي" على القيم المحافظة (الجزيرة) أدب إنساني

– وهناك روايات مثل "العصر الذهبي" لـ"وانغ" وكذلك "الربع الأخير من القمر" للكاتبة تشيه زيه جيان، قال عنها النقاد إنها "100 عام من العزلة الصينية" فعالمها مليء بالسحر، لكن البطلة ترويه لنا وكأنه شيء عادي.

وهي أعمال مؤثرة في الصين جدا، إنما ثقافة المتلقي مغايرة لثقافة الأصل، والأدب لا يمكن نشره بالدولار والدينار، لأنه من قوى التأثير الناعمة التي من ميزاتها أنها تقنع المتلقي بأنها اختياره وليس بالضغط والجبر من قوى أجنبية.

من هم الأدباء الصينيون الأكثر شهرة على الساحة العربية وعالميا بعصرنا الحالي؟

– الكاتب ليو جين يون هو الأكثر ترجمة ومبيعا على الساحة العربية، ومن أعماله المعروفة: "طلاق على الطريقة الصينية"، "تاريخ آخر للضحك" و"1941″، و"جهة العمل"، "رب جملة بعشرة آلاف جملة".

ويأتي الكاتب الثاني في المبيعات ليو خوان، وهو الأشهر داخل الصين، وكل أعماله لا تتجاوز 7 روايات، وجميعها مترجمة إلى العربية. ورواية "نهر الزمن" طبعت 4 مرات، والإقبال عليها في تزايد.

كما يأتي مو يان الفائز بجائزة نوبل عام 2012، وأعماله كلها ترجمت إلى العربية، ومبيعاتها جيدة رغم صعوبة فهمها إلى حد ما.

ومن أشهر الكتاب في الصين أيضا الروائي شيو تسي تشين، الذي فاز بجائزة ماو دون الأدبية المحلية، وهي تعادل نوبل في قيمتها المعنوية والمادية داخل البلاد.

إعلان

ونحن نترجم لحوالي 30 أديبا صينيا هم الأكثر تأثيرا وانتشارا ومبيعا داخل الصين، وشيو تسي تشين كاتب شاب، وكتاباته كلها عن الشباب، ولهذا التلقي عنه سهل.

وتتحدث روايته الأكثر شهرة المترجمة إلى العربية "رحلة إلى الشمال" عن مجموعة من العائلات التي تواجه تحديات مختلفة في بكين، إلى جانب رواية "بكين" التي تتناول حياة المهاجرين من المناطق الريفية إلى العاصمة، وروايتي "لقاء في بكين" و"حكايات ضاحية بكين الغربية".

ويضاف إليهم الروائي الذي رحل شابا، وانغ شياو بو. وهؤلاء الخمسة هم الكتاب الأكثر تعبيرا عن الأدب الصيني، وهم الأكثر انتشارا، والجمهور في المنطقة العربية مهتم كثيرا بأعمالهم.

أما الكاتب يان لي، فهو كل عام موجود على ترشيحات جائزة نوبل، وله أعمال لم يسمح بنشرها في الصين، مع أنه يعيش هناك مرفها ويشغل منصبا حزبيا كبيرا. وأعماله تباع بسلاسة كبيرة، لأن الصين لا يوجد لديها سياسة المنع.

الكاتب يجسد صراع الإنسان الصيني البسيط مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة (الجزيرة) كيف تتعامل الدولة في الصين مع السياسة الثقافية؟ وهل لديها خطة لنشر ثقافتها بالخارج؟

– تلتزم الدولة الصينية بالدعم الكامل لترجمة ونشر الأدب الصيني بالخارج، وبدون توجيه سياسي مباشر. والناشر الأجنبي هو من يختار الرواية أو الكتاب المراد ترجمته، ويتقدم به للمشروع الموجه بالدعم من وزارة الثقافة أو وزارة الإعلام أو اتحاد الكتاب أو من دار النشر نفسها، ويحصل على الدعم اللازم للترجمة طالما انطبقت عليه الشروط.

ما أثر النهضة الثقافية على الإنسان الصيني في الوقت الحالي؟

– النهضة الثقافية أدت إلى أن أكثر 10 أدباء دخلا في الصين في السنوات العشر الأخيرة ولا يوجد لديهم كتاب واحد مطبوع، فكلهم يكتبون أدبا رقميا على المنصات. ومعنى ذلك أنهم شباب، وأن الأجيال الشابة والصغيرة هناك تقرأ بشغف. والأهم من ذلك أن هؤلاء الكتاب يكتبون عن أحداث اجتماعية تهم الناس، فهم عيونهم ومشاعرهم على نبض المجتمع وأين تكمن مشكلاته.

هذه الرواية أكثر ترجمة وانتشارا عربيا (الجزيرة) لا رقابة على الأفكار كيف تتم الرقابة على الأفكار داخل الصين؟ وهل تختلف فكرة الرقابة عما هي عليه بالغرب أو الدول العربية؟

– فكرة الرقابة المتخيلة لدينا غير موجودة لدى الصينيين. وأضرب مثالا على ذلك: كنت مرافقا للكاتب مو يان، الحائز على جائزة نوبل عام 2012، في معرض الكتاب بالجزائر 2019، وكانت الصين ضيف الشرف. وفي الندوة سأله أحد الحضور: هل تعتقد أن في الصين حرية للإبداع الأدبي؟

ورد الكاتب بسؤال: ماذا تقصد بالحرية؟ وما تعريفك للحرية؟

فأجاب السائل: الحرية المطلقة.

فقال مو يان: يعني لو كتبت رواية عن البوذية في الجزائر، التي دينها الإسلام، هل الحكومة الجزائرية ستتركني أفعل ما أشاء؟ هل أستطيع أن أهاجم الإسلام أو أهاجم العادات والتقاليد الجزائرية داخل الجزائر؟

فما أقوله هنا إنه لا توجد حرية مطلقة. أنا لا أستطيع أن أذهب إلى ألمانيا وأكتب رواية في مدح النازية وأدعي أن هذه حرية. وبنفس الإطار، في الصين، المجتمع هناك هو من يقرر حدود الحرية التي يتحرك فيها الأفراد، وفي الإطار المسموح به أنا حر جدا.

ويود بالصين نقد مجتمعي واضح. فمثلا، رواية "طلاق على الطريقة الصينية" للروائي ليو جين يون هي نقد مباشر للمسؤولين حتى نائب رئيس الدولة. ولنفس المؤلف رواية "سرير الغرباء" التي تحكي قصة فساد حاكم مقاطعة على درجة وزير. والروائي مو يان يكتب رواية "الضفادع" التي تمثل نقدا شديدا جدا لسياسة الدولة في سياسة الطفل الواحد. كذلك وانغ شياو بو يكتب وينتقد "الإيمان الأعمى" بالحزب الشيوعي، وينتقد الأغلبية الصامتة التي لا تفكر.

ويكاد لا يوجد عمل أدبي صيني لا يوجه انتقادات للمجتمع، ولكن على الطريقة الصينية. ولن تجد كاتبا صينيا يكتب عن الجنس أو السياسة بشكل مباشر، فالكتابة دائما غير مباشرة، والقراءة عملية وعي وإدراك لما يرمي إليه الكاتب.

الطلاق بهذه الرواية مدخل لفضح الفساد الإداري والتعقيدات البيروقراطية (الجزيرة) في ظل النهضة الاقتصادية الحديثة بالصين، هل تواكب الثقافة هذا النهوض؟ وهل للثقافة والأدب أثر في هذه النهضة؟

– ما يحكم الصين ليس السياسة، بل الثقافة، لأنها بالنسبة للإنسان الصيني هي الدين. ومنظومة الدين عند الشرق أو الغرب بديلها في الصين الثقافة. ووضع الثقافة في هذا البلد يشبه أو يوازي وضع الدين في المنطقة العربية.

إعلان

والثقافة عند الصينيين موضوعها وإطارها أشمل من فهمنا نحن، فالثقافة ليست أدبا وفنونا فقط بل أسلوب الحياة وطريقة العيش، وسلوك الفرد في المجتمع، وهي تعليم أسس الكونفوشيوسية والطاوية، وتعليم الماركسية على الطريقة الصينية.

ولهذا (فالرئيس الصيني) شي جين بينغ في كل أحاديثه لا بد أن يرفق بها اقتباسات من أمهات الكتب الصينية التي تدرس للطلبة في كل مراحل التعليم، مثل: كتاب "الأغاني"، "حوليات الربيع والخريف"، "السندات التاريخية"، "حلم المقصورة الحمراء"، "حوارات كونفوشيوس"، كتاب "الطاو".

ولديهم ما يسمى "الأربعة كتب المقدسة"، و"الخمسة كتب الكلاسيكية"، مثل كتاب "التعليم الكبير" وكتاب "التغيرات". وكلها مؤثرة في الثقافة وتترك أثرها في كل شخص في الصين.

ولكي تفهم الصين لا بد من فهم ثقافتها، حتى تدرك كيف ستكون تحركاتها. وهناك حملات في الصين حاليا تدعو لإحياء الكونفوشيوسية لأنها تدعو للبر والتراحم واحترام الكبير للصغير، وطاعة أولي الأمر واحترام الآخر.

وكذلك هناك دعوات لإحياء الطاوية التي تدعو إلى التجانس بين الإنسان والطبيعة وتجنب الصراعات.

وماو تسي تونغ (مؤسس الصين الحديثة) أديب وناقد وله مؤلفات في النقد الأدبي.

مقالات مشابهة

  • في خطوة تهدف لتعزيز التكامل الإعلامي العربي.. اتحاد إذاعات الدول العربية يُفعّل نشاطه الإعلامي في سوريا
  • وزير العمل يتفقد أولى نقاط انتظار عمال التراحيل بباب الشعرية.. صور
  • السيطرة على حريق داخل ورشة فى باب الشعرية
  • إخماد حريق محدود بـ ورشة في باب الشعرية
  • فوائد الكركم: الذهب الأصفر في خدمة الصحة والجمال
  • الفرق بين علامات يوم القيامة الصغرى والكبرى .. علي جمعة يوضح
  • الزمن المفقود.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
  • الضّب العربي.. من الكائنات البرية التي تسهم في التوازن البيئي بمنطقة الحدود الشمالية
  • إسرائيل تلوّح بحرب ممتدة مع إيران وترامب يستبعد الضغط لوقف الهجمات
  • قناع طبيعي مذهل يمنح شعركِ الترطيب واللمعان من أول استخدام