فرضيات انهيار دول الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
د. عمرو محمد عباس محجوب
منذ ١٩٥٦ عندما أمم جمال عبد الناصر قناة السويس وبدأ مشروعه الوطني في بناء السد العالي المائي للتحكم في الزراعة وتوسعها وزيادة الإنتاج الكهربائي وانجز الإصلاح الزراعي. حدث العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ في قناة السويس وكانت اول مواجهة تحذيرية في وجه بناء الدولة المستقلة من اكبر الدول العالمية من إنجلترا وفرنسا واسرائيل.
عندما نتحدث عن دول الرؤية التي استطاعت تحويل هزيمتها إلى نجاح واستقلال من ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وهكذا، فقد كانت مصر الناصرية احد هذه الدول. لكن الفرق بين تلك الدول التي وقعت تحت سيطرة الولايات المتحدة (في شكل وجود عسكري وتدخلات سياسية) لكن سمحت لها بالتطور العلمي والتكنولوجي ضمن السياق الامبريالي. هكذا نرى ان مصر تمت تصفية قدرتها وقوتها على ان تتطور وتصبح دولة زراعية صناعية مستقلة، وأصبح عليها فيتو ووضعت حولها كمية من الفخاخ والشراك من الإمبريالية والقوى الغربية واسرائيل ومن دول الخليج الغنية مع وجود التهديد الدائم من الاخوان المسلمين المتحالفين مع الإمبريالية واسرائيل.
في الشرق الأوسط ودولها التي ارادت النهوض من مصر، الجزائر، العراق، ليبيا، السودان وسوريا وايران كانت أسباب التدخلات والتعويق مختلفة عن باقي العالم. لكل الدول التي ارادت بناء دولتها المستقلة منذ الخمسينات تم زرع دولة وتنظيم. منذ نهايات القرن الثامن عشر بدات نقاشات إنشاء وطن اليهود، ١٩١٧ صدر وعد بلفور وفي ١٩٢٢ أسقطت الدولة العثمانية وفي ١٩٢٨ انشأ تنظيم الاخوان المسلمين تحت رعاية الإنجليز وفي ١٩٤٨ انشات دولة اسرائيل. هذه الدولة والتنظيم هي التي تقف ضد بناء أي دولة مستقلة تنموية وقد افشلت المشروع الناصري والمشروع البعثي وبدايات مشاريع أخرى.
في كل الدول التي رغبت في بناء الدولة والاستقلال في الشرق الأوسط فقد أصبحت تواجه اماً باسرائيل مباشرة في مصر، سوريا، لبنان، العراق، ايران او غير مباشر في ليبيا والسودان. وفي كل الدول تم إنشاء تنظيم الاخوان المسلمين لكي تعمل ضد بناء الدولة المستقلة، بل اثبتت أنها في السودان قد دمرت كل مأتم بنائه من سكك حديد ومشروع الجزيرة وخدمة مدنية وجيش وشرطة وفصلت الجنوب وغيرها.
منذ ١٩٧٩ بدات امريكا والغرب دعم المنظمات الجهادية في افغانستان واستمرت حتى الآن، وبالتعاون بين امريكا ونتنياهو تم وضع لستة السبعة دول التي يجب تدميرها عن طريق دعم الإسلام المتطرف والسياسي للتدخل. ومن محمد مرسي في مصر ومحمد الجولاني في سوريا فقد مدت يدها للكيان الصهيوني وجرت معها تنظيم حماس التي سحبها خالد مشعل - بعد استشهاد يحي السنوار وهنية- المتحالف مع الدول العربية المطبعة التي خلعت مفاهيم القوة البناء والتنمية والاستقلال.
لقد تغيرت موجبات الرؤية من العمل المفهومي إلى التخلص من أسباب الخزي والخذلان والتعويق التي زرعت في العالم العربي. ان الاتجاه العام الهابط للإمبريالية في اقتصادها وسياستها وهيمنتها (أي ضعف الأمة الأمريكية كما أشار بوتين كعامل مهم لقيام روسيا قوية)، عامل مشجع على العمل في تغيير معادلات وجود اسرائيل في فلسطين (٢٤٪ فقط في اسرائيل يرون إسرائيل قوية) ضعيفة او قابلة للعيش مع الفلسطينيين او نهايتها بالكامل. العامل الثاني هو اجتثاث تنظيم الاخوان المسلمين فكرياً وتنظيمياً واتحاد الشعوب حول موقفها. جزء من هذا هو تفكيك الظاهرة الأردوغانية التي بنت مجدها وقوتها من تبني تنظيمات الاخوان المسلمين وضخت فيها أموالها المنهوبة تحت دعاوي اعادة الإمبراطورية العثمانية.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الاخوان المسلمین دول التی
إقرأ أيضاً:
نفط الشرق الأوسط بين نيران إسرائيل وإيران.. تهديد حقيقي لأمن الطاقة في العالم
يتحول التوتر في الشرق الأوسط من صراع إقليمي إلى تهديد مباشر لأمن الطاقة العالمي، مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، إثر شن الأخيرة هجوما واسعا ومتواصلا استهدف المنشآت النووية والعسكرية والاقتصادية، وحتى المدنية داخل الأراضي الإيرانية.
ولا تعيد المواجهات رسم الخرائط الجيوسياسية فحسب، بل تصيب ركائز استقرار أسواق النفط والغاز، وتفتح الباب أمام واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية المحتملة في القرن الـ21.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جني أرباح في الذهب وتقلبات بالنفط على وقع مواجهة إسرائيل وإيرانlist 2 of 2مقايضة السلع خيار أهل غزة لمجابهة التجويع الإسرائيليend of listويعد الشرق الأوسط حجر الزاوية في منظومة الطاقة العالمية، ليس فقط لوفرة موارده، بل لأنه يضم عددا من أكبر منتجي ومصدري النفط والغاز في العالم، فالسعودية وإيران والعراق والإمارات والكويت وقطر من أكبر موردي الوقود الأحفوري في العالم، مما يجعله الشريان الحيوي الذي يغذي الاقتصاد العالمي، لا سيما في آسيا وأوروبا.
ومع تزايد هشاشة الإمدادات، وتحول منشآت الإنتاج وحقول النفط والغاز وخطوط الأنابيب إلى أهداف عسكرية، إثر مهاجمة إسرائيل عددًا من منشآت النفط والغاز الإيرانية، بات العالم مهددا بعودة سيناريوهات أزمات الطاقة الكبرى كأزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي، ويؤدي أي اضطراب في هذه المنطقة إلى ارتفاع حاد في الأسعار، وارتباك في الأسواق، وقلق عميق في العواصم العالمية.
كبار المنتجينالشرق الأوسط منطقة مركزية لعمل أسواق الطاقة العالمية ويضم 5 من أكبر 10 منتجين للنفط في العالم (السعودية، والعراق، والإمارات، وإيران، والكويت)، و3 من أكبر 20 منتجا للغاز (إيران وقطر والسعودية) وقد شكلت المنطقة أكثر من 4 من كل 10 براميل من صادرات النفط العالمية في عام 2022، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ويبرز تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل وحرب روسيا المستمرة في أوكرانيا استمرار مخاطر أمن الطاقة التي يواجهها العالم، وأي تأثير أو نقص على إمدادات النفط والغاز القادمة من المنطقة سيكون له تأثير اقتصادي هائل، خاصة على الاقتصادات الناشئة في آسيا، إذ سترتفع حصتها من واردات النفط الخام العالمية من 40% حاليا إلى 60% عام 2050 في سيناريو يُلبي الأهداف الوطنية لهذه الدول، وتلعب المنطقة دورا كبيرا في الأسواق العالمية بوصفها منتِجا للنفط والغاز بتكلفة منخفضة، وفقا لتقرير آخر لوكالة الطاقة الدولية.
إعلان نصف احتياطات العالمتمتلك دول المنطقة 871.18 مليار برميل من احتياطات النفط الخام المؤكدة في العالم، وهو ما يشكل أكثر من 55% من احتياطات النفط المؤكدة في العالم كله والبالغة 1569.52 مليار برميل، وفقا لبيانات منظمة أوبك.
كما تمتلك المنطقة 41% من احتياطات الغاز العالمية المؤكدة، إذ تمتلك إيران 42% من هذه الحصة الإقليمية، تليها قطر بنسبة 32%، وتبلغ حصة السعودية 10%، ثم الإمارات 8%، وفقا لبيانات الجمعية الدولية لمنتجي النفط والغاز.
في عام 2023، صدّرت منطقة الشرق الأوسط نحو 17.24 مليون برميل من النفط يوميا، من إجمالي الصادرات العالمية البالغة 43.83 مليون برميل يوميا في ذلك العام، مما يجعلها أكبر منطقة مُصدرة للنفط في العالم، وفقا لبيانات منظمة أوبك، الأمر الذي يؤكد الدور المحوري الذي تلعبه المنطقة في تأمين إمدادات الطاقة للأسواق العالمية.
تحتل السعودية موقع الصدارة بالمنطقة بإنتاج يبلغ نحو 9 ملايين برميل يوميا، وهو أقل من طاقتها الإنتاجية القصوى، ويعود هذا الانخفاض إلى قرار خفض الإنتاج الذي دخل حيز التنفيذ في يوليو/تموز 2023، وتم تمديده حتى نهاية الربع الثاني من عام 2024، وذلك بالتنسيق مع تحالف أوبك بلس.
كما تُسيطر المملكة على 17.2% من احتياطات النفط العالمية المثبتة، مما يجعلها موردا رئيسيا في سوق الطاقة العالمي، وفقا لمجموعة "جت غلوبال غروب" .
وفي مجال الغاز الطبيعي، تُعد قطر وإيران من أهم الدول في المنطقة وتستحوذان معا على حصة كبرى من سوق الغاز المسال العالمي، وتضم قطر حقل الشمال، أكبر حقل غاز في العالم، بينما تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطات غاز مؤكدة عالميا بعد روسيا. وتواصل صادرات قطر من الغاز ازدهارها، مدفوعة بتزايد الطلب العالمي.
الممرات البحريةللمنطقة أهمية خاصة كذلك، لأنها تضم الممرات البحرية التي تنقل عبرها الطاقة إلى الأسواق العالمية، خاصة مضيقي هرمز وباب المندب.
ماذا لو أغلقت إيران مضيقي هرمز وباب المندب؟
مضيق هرمز
يقع مضيق هرمز بين سلطنة عُمان وإيران، ويُشكل بوابة إستراتيجية تربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، ويُعد أهم ممر نفطي في العالم، وتعبر من خلاله كميات ضخمة من صادرات النفط يوميا.
ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، بلغ متوسط تدفق النفط عبر المضيق في عام 2022 نحو 21 مليون برميل يوميا، أي ما يعادل حوالي 21% من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط، مما يعكس أهميته الحيوية لأمن الطاقة العالمي.
وذكرت وكالة رويترز -في تقرير لها أول أمس- أن خُمس استهلاك النفط والمكثفات والوقود العالمي (نحو 20 مليون برميل يوميا يمر عبر المضيق).
باب المندب
يعد مضيق باب المندب حلقة وصل إستراتيجية بين الخليج العربي وقناة السويس المصرية والبحر المتوسط، ويُشكل ممرا حيويا لصادرات النفط والغاز المتجهة إلى أوروبا، وفي عام 2024، بلغ متوسط كمية النفط العابرة للمضيق نحو 4 ملايين برميل يوميا، بانخفاض حاد مقارنة بـ8.7 ملايين برميل يومي عام 2023، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويُعزى هذا التراجع الكبير إلى تقلص حركة ناقلات النفط عبر البحر الأحمر نتيجة الهجمات المتكررة التي شنتها جماعة الحوثي اليمنية على سفن متجهة إلى إسرائيل أو تابعة لتحالف يستهدفهم، مما زاد من اضطرابات سلاسل الإمداد وأثار مخاوف جدية بشأن أمن الطاقة العالمي.
إعلانوأي تهديد لأي من مضيفي هرمز أو باب المندب، كما لوحت إيران مرارا، يُنذر بشللٍ اقتصادي عالمي وانفجار في أسعار الطاقة.
توقعات أسعار النفطتهدد إيران حاليا بإغلاق مضيق هرمز بعد الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق وغير المسبوق عليها، وهي قادرة أيضا بمساعدة حلفائها الحوثيين في اليمن على إغلاق مضيق باب المندب، وهو ما يجعل إمدادات الطاقة العالمية في خطر شديد.
ورغم أن إنتاج إيران من النفط يبلغ نحو 3.3 ملايين برميل يوميا فقط، أي ما يعادل حوالي 2% من الإنتاج العالمي وفقا لتقديرات "ستاندرد آند بورز"، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في حجم إنتاجها، بل في قدرتها على تهديد حركة الشحن البحري عبر مضيق هرمز، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز.
ووفقا لتحليل شركة "آي إن جي بارينغز"، فإن أسوأ سيناريو محتمل يتمثل في إغلاق المضيق لفترة طويلة، مما قد يؤدي إلى مضاعفة أسعار النفط لتصل إلى مستويات قياسية تُقدر بـ 150 دولارا للبرميل، كما نقلت صحيفة فايننشال تايمز.
وختاما، ومن بين الحقول المشتعلة والأسواق المرتبكة، تؤكد المواجهات بين إيران وإسرائيل أن أمن الطاقة العالمي لم يعد مجرد مسألة اقتصادية، بل أصبح رهينة لصراعات إقليمية متفجرة في أكثر مناطق العالم حساسية. ومع اعتماد الاقتصاد العالمي، خاصة في آسيا وأوروبا، على نفط وغاز الشرق الأوسط، فإن أي تصعيد عسكري جديد يهدد بتحويل التوتر السياسي إلى أزمة اقتصادية عالمية كبرى.
لا يزال الشرق الأوسط يحتفظ بموقعه كالمصدر الأول للطاقة، لكن هذا الدور الإستراتيجي يزداد هشاشة مع كل طلقة نار، وفي ظل غياب حلول سياسية دائمة، وتغول إسرائيلي توسعي لا يعرف حدودا ولا يعترف إلا بشرعية القوة، يبقى أمن الطاقة عرضة للتقلبات والمخاطر، ويظل الاقتصاد العالمي في حالة تأهب دائم لأي شرارة جديدة قد تندلع في قلب هذه المنطقة الحيوية التي هي قلب العالم كله.