حذيفة عبد الله: سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
قال حذيفة عبد الله الناطق باسم التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية إنه سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
لا بُدَّ من منفى
الكتابة عن عُمان من خارج عُمان حلم يراودني منذ زمن. لا بدَّ من منفى وإن طال الوطن! ليس لأن المنفى هو المنتجع الرومانسي للحنين إلى الفردوس المفقود؛ بل لأن الإحساس بالمواطَنة المطمَئنة في الوطن قد يجعل من حضوره وحضورنا فيه بداهةً منسية مع الوقت، فلا نكاد نتذكره إلا حين تتعرض هذه البداهةُ للتهديد.
يُعرّف الوطن نفسه نقيضًا للمنفى، ولأن الوطن بالتالي يصبح أكثر وضوحًا خارج الوطن، حين نرسل إليه النظر من شرفة نقضيه البعيد، حيث يصبح المنفى أسلوبًا حرًا لإعادة اكتشاف المكان الأول، ومجالًا حيويًا لاختبار الهوية الفردية في فضاء جديد، بعيدًا عن مصادرها الأولى وعن عناصر تكوينها الأصلية.
عُمان هاجسٌ في كتابتي، لم يتحقق بعدُ كما ينبغي للمثول بالنصّ الذي أكتبه أمام الاشتراطات الصارمة لإثبات المحلّية، هاجسٌ لم ينل استقلاله الواضح بعد كموضوعَ كتابة وتفكير وتأمل ونقاشٍ واضحَ العناصر والمعالم، وإنما يسطعُ ويخفت من وراء أغشية اللغة وتضاعيف الكلام في علامات متفرقة، إذ يصعب العثور على الموضوع داخل الموضوع، تحت ضغط شرطه السياسي والاجتماعي.
أسوق ما أقوله هنا من باب النقد الذاتي المُذاع على الملأ، لعلة يمكن تعليلها بوجهين: تارةً بالقصور ومرةً بالتقصير. فما زال وطني المُعاش لا ينتشر في كتابتي إلا هاجسًا أَعبُر منه إلى مواضيع أخرى، تنأى أو تقترب منه، وربما تدلُّني على أوطان متخيَّلة. كم تساءلت: هل يمكنني الكتابة عن فلسطين من خارج موقعي الوطنيّ كعُماني؟ هل يمكنني الإجابة على سؤال «أين تقع فلسطين» قبل أن أجيب على سؤالي «أين تقعُ عُمان»؟
أعترف بأنني كثيرًا ما أشعر باضطرابٍ في إحداثيات صوتي عند التعبير عن القضايا العربية العامة التي تشغلني وتشغل مساحة أكبر من مدونتي، اضطرابٍ ناجمٍ عن عدم وضوح تموضُعي المكانيّ في تعبيري عن قضاياي القومية. ولعلّي أسجل أيضًا بأن الكتابة نفسها تغريني بممارسة التغييب المتعمد لإحداثياتِ موقعي على الخريطة كطريقةٍ للتماهي الكامل مع تلك القضايا من دون رادعٍ يذكرني به قيدُ الموقع المحلّي، التماهي الذي يغويني بتضييع الذات في الجماعة. هذا على النقيض من يقيني الواقعي باستحالة الموقع القوميّ العام، العروبيّ المطلق، العابر للحدود العربية ووثائق السفر ونقاط التفتيش، والذي لا يعدو كونه موقعًا أسطوريًا في ظل واقع سياسي يتمركز على تفوق الهويات الفرعية وتصارعها على حساب الهويات الكُلية. ربما كان المتنبي آخر مثقف عربي بهذا المعنى الأسطوري.
المنفى زاوية نظر ضرورية للإجابة على سؤال «ما هو الوطن» خارج رقابة الوطن. هكذا أحلم بالكتابة عن عُمان من خارجها كما يحلم الشخص بالخروج من صورته، لا لشيء إلا لكي يتفقد صورته في الصورة.
إن تخيُّل المنفى المؤجل يوفر لي حيلة متطرفةً للتهرُّب من سؤال دائري وجودي (جارح على نحو ما) حين يحاصرني به الأصدقاء: لمَ لا أكتب عن عُمان كما يُتوقع، أو كما ينبغي لأي شاعر أو كاتب عُماني؟ لم لا تنتشر البلاد على مساحات أوسع من نصي الشعري والنثري لتدلَّ عليَّ، ولتؤكد على الأقل أنني من هنا، تأكيدًا شعريًا سياسيًا في آن؟ أو بطريقة مباشرة أكثر، وليست بالبريئة دائمًا: لمَ أكتب عن بيروت أكثر من مسقط؟
في عُمان لا أشعر بالوحدة أمام أسئلة من هذا النوع، وهذا مصدر عزاء من جهة، لكنه مصدر قلق جماعي أيضًا، يستدعي فتح النقاش على دائرةٍ أوسع من صُنَّاع الكتابة في عُمان. فلا بدَّ أن آخرين ممن يكتبون في بلادي، ممن أعرفهم أو لا أعرفهم، يؤاخونني في مواجهة السؤال عن عُمان، محجر الكتابة الشاق، والسؤال السياسي غير المطروح، والتاريخ الشارد في المكان، العصي على القبض في النص. وسيلتحقُ بنا بالطبع عدد أكبر فأكبر من القراء الباحثين عن مكانهم المُعاش، الغائب عن جغرافيا الأدب الذي يتناولونه.
لا بدَّ من منفى وإن طال الوطن!
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني