عربي21:
2025-12-12@17:10:14 GMT

الثورة السورية وانعكاساتها على الإسلاميين

تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT

ما من شك أن تاريخ ثورات الشعوب ضد أنظمة الاستبداد والفساد يؤكد أن نجاحها يتحقق بإسقاط النظام وإقامة بديل عنه يحقق العدل ويضمن الحرية والكرامة. وبهذا المعنى فإن الثورة السورية قد قطعت منتصف الطريق بتجاوز مرحلة الهدم إلى النصف الثاني المتعلق  بمرحلة البناء .

ورغم أهمية المرحلة الأولى بمعاناتها ومآسيها وجراحاتها وما خلفته من آثار فإن تحديات مرحلة البناء  ستكون أكثر صعوبة وتعقيدا ولا تعويل فيها إلا على وعي الشعب السوري بكل مكوناته السياسية والعرقية والطائفية ونضج قياداته من كل الأجيال والمراحل الذين طحنتهم عشرية التآمر على الثورات العربية طحنا ذاقوا أثناءه ويلات استبداد البعث أضعافا مضاعفة وجحيم التدخل الأجنبي ومرارة الصراع العرقي والطائفي وعربدة المليشيات جعلت من إمكانية  تشكل قوى مضادة للثورة مثل بعض التجارب الأخرى أمرأ في غاية الصعوبة .



لقد حقق السوريون خطوتهم الثورية الأولى بعد أن نضجت إرادتهم الوطنية للبناء وبدت وكأنها تجاوزت التناقضات وانصهرت في عنوان واحد سوريا أولا وأخيرا على وقع شعار"ارفع اسك فوق أنت سوري حر". وبعد أن سنحت لهم الظروف الإقليمية والدولية بفشل كل محاولات إنعاش نظام البعث. ويبقى الاختبار الأكبر هو بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية يسودها القانون وتتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية لكل مكونات الشعب دون استثناء .

إن تسلسل الأحداث يفضي بالضرورة إلى حقيقة لا يمكن القفز عليها وهي أن الثورة السورية من سلالة الثورات العربية في موجتها الأولى والتي عبرت بوضوح عن مدى رغبة شعوب المنطقة في الحرية وعن ثقتها في الإسلاميين وانتخابها لهم لإدارة الحكم.

لقد حقق السوريون خطوتهم الثورية الأولى بعد أن نضجت إرادتهم الوطنية للبناء وبدت وكأنها تجاوزت التناقضات وانصهرت في عنوان واحد سوريا أولا وأخيرا على وقع شعار"ارفع اسك فوق أنت سوري حر". وبعد أن سنحت لهم الظروف الإقليمية والدولية بفشل كل محاولات إنعاش نظام البعث. ويبقى الاختبار الأكبر هو بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية يسودها القانون وتتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية لكل مكونات الشعب دون استثناء .والظاهر أن كلا التوجهين قد اعتبرتهما دوائر القرار الغربية ووكلائها من الأنظمة العربية خطرين استراتيجيين على مصالحهم ووجودهم ووجود ذراعهم الطولى الكيان الصهيوني في المنطقة. وكان التوجه نحو إسقاط كل تجارب الانتقال الديمقراطي ومن ورائها الإسلاميين.

إلا أن حالة عدم الاستقرار ورياح التحولات الدولية والإقليمية والمحلية قد جرت بما لا تشتهيه سفن  الهيمنة والاستبداد والمشاريع الطائفية المغشوشة وأعادت الأمة وقضاياها المركزية وقواها المتجذرة في عمقها الحضاري إلى صدارة الأحداث وعلى رأسها قضية تحرير فلسطين من خلال معركة طوفان الأقصى، ثم قضية حرية الشعوب وتحرير إرادتها من خلال انتصار الثورة في سوريا وإسقاط حكم البعث.

ومن مكر الله الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (سورة الانفال الاية 30) أن عاد الإسلاميون بنسخ أكثر نضجا وفاعلية من تحت أنقاض فلسطين  وسوريا. وللإشارة فإن معنى مكر الله هو تدبيره الخفي وفق سننه الكونية التي يجري من خلالها  قضاؤه وقدره لإبطال مكر الماكرين وظلم الظالمين واعتداءات المعتدين .

فما هي دلالات هذه العودة وانعكاساتها على عموم  واقع الإسلاميين؟ وما هي آفاقها المستقبلية؟

رغم محدودية عودة الاسلاميين وخصوصيتها  لتصدر المشهد الاقليمي بأبعاده الدولية ومن قلبه النابض  الشام وما لموقعه الجيواستراتيجي من أبعاد قديما وحديثا فإن لها دلالات عميقة  لعل من أهمها :

ـ سقوط الأفكار الكبرى ومحاملها السياسية من أنظمة وأحزاب في معاقلها سقوطا لا رجعة فيه، لعدم جاذيتها وعزلتها المجتمعية آخرها القومية وآخر نظام حكم يستند إليها في المنطقة العربية ومن قبلها الماركسية ولم يبق لحامليها سوى وضع أنفسهم في خدمة أنظمة الفساد الاستبداد في انتظار ما سيؤول إليه أمرهم من اندثار .

ـ أزمة القيم التي تعيشها الإنسانية عموما والغرب خصوصا وحالة الفراغ الروحي والخواء الفكري والسياسي والتناقض الصارخ بين الشعارات والممارسات في علاقة بالحقوق والحريات والعدالة والكرامة التي يتم الكيل فيها بمكيالين زادتها فضائع النظام السورى المنهار وجرائم الإبادة الجماعية في غزة تعرية وجعلت من الإسلام كعقيدة وكمنظومة قيم إنسانية خير بديل حضاري لملء الفراغ وجعل مشاريع الإصلاح المنبثقة عنه رغم ما حصل فيها من انحرافات وتعثرات وانزلاقات أفرغتها أحيانا من أسسها القيمية والأخلاقية هي الوحيدة ذات الجاذبية والقدرة على التجدد وتحقيق الشهود الحضاري للأمة.

لقد فتح انتصار الثورة السورية وصمود المقاومة الفلسطينية آفاقا لقوى الإصلاح والتغيير وبث فيها روحا ستسري عاجلا أم آجلا في جسم الأمة بتلاقح خبرات أجيالها الحالية وطموحات ووعي أجيالها الجديدة الصاعدة.. ـ تكثف الدروس والعبر المستخلصة من التاريخ القديم والحديث ومن مختلف تجارب الثورات العربية وتجارب الإسلاميين بمختلف تشكلاتهم  في التجربتين الفلسطينية والسورية في علاقة بالفكرة الإسلامية  ومحاملها وبالمجتمع وبالدولة وبمنهج الإصلاح دون إغفال للسياقات والخصوصيات.

إن هذه الخلاصات تقود بالضرورة إلى البحث في انعكاسات تطور الأحداث خاصة في سوريا باعتبارها معركة حرية وكرامة على واقع الإسلاميين ما بعد فشل الثورات العربية وانتقالها الديمقراطي ومن ورائها الإسلاميين أنفسهم في نسختهم التقليدية رغم ما حصل فيها من تعديلات في بعض التجارب إلا أنها لم تسعفها بالصمود أمام تحديات الواقع .

أولا ـ ضرورة النقد الذاتي والمراجعات للتأقلم مع متغيرات الواقع والاستجابة لتحدياته تحت سقف المنظومية القيمية الإسلامية المتجذرة في عمق المجتمعات العربية الإسلامية والقائمة على أساسها الدولة الوطنية وفي إطار الجمع بين المبدئية والواقعية والانفتاح دون تشدد أو تحلل.

ثانيا ـ إدراك عمق التحدي الحضاري في التعاطي مع عملية الإصلاح والبناء في علاقة بالمحيط الإقليمي والدولي وبالغرب خصوصا الذي يعتبر أصحاب المرجعية الإسلامية نقيضا حضاريا له بما يدعو للتفكير في صيغ التواجد وعناوين الفعل السياسي الإصلاحي ومراجعتها .

ثالثا ـ إعادة النظر في الرؤية للمجتمع والدولة الوطنية الحديثة ومنهج إصلاحهما والعلاقة بهما بين المرونة والاندماج أو القطيعة والصدام والاجتهاد في دراسة تجارب الإصلاح والتغيير لاستنباط المنهج السلمي المدني المناسب لتحقيق تتطلعات الشعوب للحرية والكرامة .

رابعا ـ جعل الالتزام بالقيم والأخلاق والقانون والديمقراطية والمأسسة الحقيقية ووضوح الرؤية ووحدة الأهداف والوسائل وإعداد البرامج واحترام قواعد الشفافية والإدارة العصرية حجر الزاوية لبناء أي إطار سياسي  بعيدا عن الولاءات  للأشخاص والزعامات  بدل الأفكار والخيارات  .

لقد فتح انتصار الثورة السورية وصمود المقاومة الفلسطينية آفاقا لقوى الإصلاح والتغيير وبث فيها روحا ستسري عاجلا أم آجلا في جسم الأمة بتلاقح خبرات أجيالها الحالية وطموحات ووعي أجيالها الجديدة الصاعدة..

فهل يدرك الإسلاميون بمختلف مكوناتهم وتنوع تجاربهم وخبراتهم خطورة المرحلة ومتطلباتها؟


*كاتب وناشط سياسي تونسي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا التحولات سوريا سياسة رأي تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورات العربیة الثورة السوریة

إقرأ أيضاً:

الوطنية للانتخابات تُعلن نتائج الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى.. والإعادة تحسم مقعد إطسا

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، برئاسة المستشار حازم بدوي، اليوم النتائج الرسمية للمرحلة الأولى من الانتخابات، التي شملت دوائر تم إلغاء نتائجها قضائياً، إضافة إلى نتيجة جولة الإعادة في دائرة إطسا بالفيوم.

أكد المستشار بدوي أن استكمال هذه الجولات، رغم الأحكام القضائية التي فرضت إعادتها، يثبت أن التجربة الديمقراطية المصرية تسير في المسار الصحيح وهي قادرة على مواجهة أي معوقات. وشدد على أن تشكيل البرلمان القادم هو "تجسيد لإرادة المصريين".

وقد صدر القرار رقم 75 لسنة 2025 لاعتماد النتائج، بعد استيفاء جميع الإجراءات القانونية من حصر وعد وتظلمات وإضافة أصوات المصريين بالخارج.

تفاصيل حسم المقاعد والدخول في جولات الإعادةأولاً: الدوائر المحسومة نهائياً

تم حسم مقاعد الفائزين في ثلاث دوائر على النحو التالي:

دائرة إطسا (الفيوم): فاز بها مصطفى عبد اللطيف محمود مصطفى وحسام خليل عبد الرازق أبو بكر.

دائرة مركز الفيوم: فاز بها محمد محمود أحمد عبد القوي وعلي أيوب محمد عبد المجيد عثمان صالح.

دائرة قسم أول الرمل (الإسكندرية): فاز بها أحمد عبد المجيد أحمد محمد عيد وعمر جمال عمر محمد.

دائرة نجع حمادي (قنا): فاز بها محمد أبو الطيب أحمد وفخري أحمد أنديل.

دائرة قسم إمبابة (الجيزة): فاز بها الطيب محمد أحمد عبد العزيز (وسيتم إجراء الإعادة على المقعد المتبقي).

ثانياً: دوائر الإعادة الحاسمة

بينت النتائج أن عدد كبير من الدوائر ستحتاج إلى جولة إعادة لحسم مقاعدها المتبقية، وتشمل أبرزها:

محافظة الجيزة (إمبابة): الإعادة بين وليد محمود فوزي المليجي ونشوى حسن ديب.

محافظة الفيوم (أبشواي): الإعادة بين أربعة مرشحين وهم يوسف أحمد الصاوي، علاء السيد جبلة، مصطفى محمد مؤمن، ومحمد عبد الحميد علب.

محافظة أسيوط (الفتح): الإعادة تشمل سبعة مرشحين من بينهم عصام محمود عثمان، وأماني مصطفى كمال ليسي.

محافظات سوهاج وقنا والبحيرة: أغلب دوائرها، ومنها:

سوهاج: دوائر سوهاج، أخميم، المراغة، طهطا، جرجا، المنشأة، ودار السلام.

قنا: دوائر قنا، قوص، وأبو تشت.

البحيرة: دوائر دمنهور، أبو حمص، وإيتاي البارود.

دعوة أخيرة للناخبين

في ختام البيان، وجه المستشار حازم بدوي دعوة قوية لجميع الناخبين: "أدعو جميع الناخبين إلى المشاركة بفاعلية في جولات الإعادة الحاسمة وتحري الدقة في الاختيار. اطمئنوا، أصواتكم مُحصّنة وإرادتكم نافذة."

مقالات مشابهة

  • في ذكرى 11 ديسمبر.. بن مبارك يشيد بوحدة الشعب ويؤكد دور الذاكرة الوطنية في تعزيز السيادة”
  • بحضور السيدة الأولى.. متحف بيروت يعزز الإبداع والهوية الوطنية عبر الفن والتعليم
  • أبرز الملفات المطروحة باجتماع اللجان الوطنية العربية للقانون الدولي الإنساني
  • الوطنية للانتخابات تُعلن نتائج الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى.. والإعادة تحسم مقعد إطسا
  • الوطنية للانتخابات تعلن نتائج الدوائر المُلغاة في محافظة قنا
  • نتائج 19 دائرة ملغاة اليوم.. الوطنية للانتخابات تعلن الفائزين بـ 43 مقعداً
  • رئيس الأوبرا يتسلم درع تكريم مهرجان الأوبرا العربية الأول بالدوحة
  • مهرجان الأوبرا العربية يكرم الأوبرا المصرية ضيف شرف دورته الأولى 
  • مهرجان الأوبرا العربية يكرم الأوبرا المصرية ضيف شرف دورته الأولى
  • الوطنية للانتخابات: بدء فرز أصوات الناخبين في 31 لجنة بالخارج في انتخابات مجلس النواب