حين تفقدُ الدراما الأردنيّةِ لغةَ الحكايةِ وتغيبُ: أزمةُ الغيابِ الفنيّ
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
د. مارغو حداد
كمْ تُشبهُ الدراما الأُردنيَّةُ تلكَ الشجرةَ في الرِّيحِ، لا تَكُفُّ عنِ الميلِ، ولا تَجدُ جذراً يُعينُها على البقاءِ. كانتْ يوماً حديثَ المدى، صوتَ الصَّحراءِ حينَ تَهُبُّ، وضوءَ القمرِ على جبينِ القُرى، لكنَّها اليومَ غائبةٌ كأنَّها لمْ تَكُنْ. أينَ هيَ الحكايةُ التي كُنَّا نُعلِّقُ عليها أمانينا؟ أينَ فرسانُ الشَّاشةِ الذينَ جَسَّدوا وُجوهَ النَّاسِ وصَخَبَ الحياةِ؟
مسلسلُ “الدَّوَّارِ العاشِرِ” كانَ وعداً، لكنَّهُ صارَ دَهشةً ضائعةً.
هلْ تَعرفونَ معنى أنْ يَضيعَ صوتُ الأرضِ؟ أنْ تُصبحَ الحكايةُ غريبةً بينَ أهلِها؟ الدراما الأُردنيَّةُ لمْ تَفقدْ جمهورَها، بلْ فقدتْ موقعَها بينَ المُشاهدينَ. غابتْ عنِ الشَّاشاتِ كما تَغيبُ المُدنُ في الغروبِ، بينما تَتصدرُ الشَّاشاتِ أصواتٌ لا تحملُ ذاكرةَ المكانِ.
مقالات ذات صلة Made in Israel?/conspiracy theory – د. عمر النقرش 2024/12/28مَنْ يُعيدُ لهذا الفَنِّ وجهَهُ؟ مَنْ يقولُ لهُ: قُمْ، فأنتَ ابنُ هذا التُّرابِ؟ نحنُ بحاجةٍ إلى مَنْ يَروي قِصَّتَنا، إلى مَنْ يَنسُجُ منْ وُجوهِنا ملامحَ البطولةِ، ومِنْ حكاياتِنا مرآةً نَرى فيها أنفسَنا.
لكنْ مَنْ المسؤولُ؟ أَهُوَ الصَّمتُ الذي يَسكُنُ الدَّوائِرَ الرَّسميَّةَ؟ أَمْ هوَ الغيابُ الطَّوعيُّ لِمَنْ امتلكوا أَدواتِ النُّهوضِ؟ أَمْ هيَ الرِّياحُ التي لا تَستقرُّ، فتتركُ الشَّجرةَ مُعلَّقةً بينَ انحناءةٍ وحيرةٍ؟
هاجسي يَسكنُ في تُرابِ بَلَدي، حيثُ الأكاديمياتُ تَنبتُ أَحلاماً، والشَّبابُ يُضيئونَ دُروبَ السِّينما، لكنَّ الدراما الأُردنيَّةَ غائبةٌ، كغيمةٍ لمْ تُمطرْ بعدُ.
أنا مَهمومةٌ بالفَنِّ، ليسَ لأنَّهُ حِرفةٌ، بلْ لأنَّهُ حياةٌ، وأَرى بِلادي تَستحقُّ أكثرَ، دراما تَحملُ وجهَها، وصوتَها، ونبضَ ناسِها.
أَحلمُ بيومٍ تَعودُ فيه الشَّاشاتُ لِتروي حكاياتِنا نحنُ، أَنْ تُصبحَ الدراما لُغةً، نَكتُبُ بها وَجعَنا وفَرَحَنا، لِنقولَ للعالمِ:
هذا نحنُ، وهذا هوَ صوتُنا.
نحتاجُ إلى مَنْ يُعيدُنا إلى ذواتِنا. نَحتاجُ إلى صُراخٍ جديدٍ في وجهِ الصَّمتِ. الحكايةُ لمْ تَمُتْ، لكنَّها في نُومةٍ طويلةٍ. مَنْ يُوقظُها؟
رُبَّما ما زالَ هناكَ وقتٌ. وقتٌ لكي تَعودَ الحكايةُ. وقتٌ لكي تَخرجَ الدراما الأُردنيَّةُ من عُزلتها، لا كضيفٍ على الشَّاشةِ، بل كصوتٍ يَحملُ الأرضَ في نبرةِ الإنسانِ. د : مارغو حداد
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. عبدالبديع العربي من الريف إلى قمة الدراما المصرية (تقرير)
تحل اليوم، الخميس 26 يونيو، ذكرى وفاة الفنان الكبير عبدالبديع العربي (1912–1996)، أحد أعمدة المسرح والدراما في مصر، والذي خلّد اسمه بأدوار مركبة ومؤثرة، أبرزها شخصية تاجر المخدرات في فيلم “العار”، التي لا تزال محفورة في ذاكرة المشاهدين.
الفنان القدير عبد البديع العربيمن بين الحقول إلى خشبة المسرحوُلد عبدالبديع العربي في 22 يوليو 1912 بإحدى قرى محافظة كفر الشيخ، ونشأ وسط أسرة بسيطة، كان فيها الابن الوحيد بين ثلاث شقيقات. وقد لعبت والدته “ستيتة” دورًا محوريًا في توجيه مصيره، برفضها أن يعمل في الزراعة، وإصرارها على تعليمه، حيث نال شهادة البكالوريا من مدرسة الخديوي إسماعيل عام 1938، ثم التحق بالعمل الحكومي، بدايةً في مصلحة الطب الشرعي ثم في وزارة المعارف، إلا أن نقطة التحول في حياته جاءت بعد مشاركته في مسرحية مدرسية بعنوان “الهاوية”، قُدمت على مسرح عماد الدين، ومنها بدأت رحلته مع الفن.
مؤسس المسرح العسكري وبصمة خالدة
بدأ العربي مسيرته الفنية مبكرًا، إذ التحق بالإذاعة المصرية عام 1936، وساهم لاحقًا في تأسيس المسرح العسكري، حيث أبدع في أول أعماله “أحمد عرابي”، بمشاركة جنود أصبحوا لاحقًا نجومًا، منهم إبراهيم الشامي ورشدي المهدي.
عمل أيضًا كرقيب فني في وزارة الإرشاد (وزارة الثقافة حاليًا) بين عامي 1954 و1959، وكان له دور تربوي مهم حيث درّس التمثيل والإلقاء، وقدّم دعمًا فنيًا لعدد من النجوم في بداياتهم، من أبرزهم عبدالمنعم مدبولي، الذي عرّفه بدوره بالفنانة فاطمة رشدي.
علاقات إنسانية وفنية
جمعت عبدالبديع العربي صداقات قوية بعدد من نجوم الفن، بينهم زوزو نبيل التي رحلت قبله بفترة قصيرة، وصفية المهندس التي شاركها العديد من الأعمال الإذاعية، وكذلك الفنان حسن يوسف الذي كان جاره في حي السيدة زينب، وشريكه في البدايات.
إرث فني وعائلة تحت الأضواء
رغم تعدد أعماله، يبقى دوره في فيلم “العار” (1971) من أبرز محطاته الفنية، حيث جسد شخصية مركبة ببراعة تحسب له. وقد ترك العربي إرثًا فنيًا غنيًا امتد أيضًا إلى أسرته، التي دخل عدد من أبنائها الساحة الفنية.
وداع هادئ لفنان كبير
رحل عبدالبديع العربي في 26 يونيو 1996، إثر أزمة قلبية مفاجئة، تاركًا وراءه مشوارًا فنيًا امتد لعقود، تميّز فيه بالحضور القوي، والأداء الصادق الذي جمع بين عمق الشخصية وأصالة الروح الريفية.
ولا يزال يُذكر كواحد من الفنانين القلائل الذين أثروا المسرح والسينما والإذاعة بعطاء لا يُنسى.