14 شهرا من الاعتداء الهمجي على غزة.. لماذا تبدو فكرة إيقاف الحرب مستحيلة؟!
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
ثمّة حروب أخذت وقتا طويلا ومرهقا للمتحاربِين استنزفت قدراتهم البشرية والعسكرية وأكلت مواردهم الطبيعية وأحالت حياة شعوبهم إلى عذاب، وقد صُنف البعض من تلك الحروب على أنها الأطول في التاريخ، مثل تلك التي جرت بين المسلمين في الأندلس من جهة والأسبان والبرتغاليين من جهة أخرى والتي استمرت أكثر من 700 عام كاملة!
لكن الحرب التي تشنها دولة الاحتلال، أو بتعبير أدق الاعتداء الوحشي الذي يشنه الصهاينة منذ ما يزيد على 14 شهرا مدعوما من كل جيوش الغرب بالأسلحة والذخائر والمعلومات السخية من أجهزتهم الاستخباراتية، ليست حربا متكافئة بين قوتين متناظرتين، بل هو اعتداء همجي مفتول العضلات مدجج بأحدث الأسلحة الفتاكة للإجهاز على شعب أعزل، معبرا بلسان الحال والمقال عن إرادته في الهدم والتدمير والتخريب لكافة صور العمران لديهم.
الحرب التي تشنها دولة الاحتلال، أو بتعبير أدق الاعتداء الوحشي الذي يشنه الصهاينة منذ ما يزيد على 14 شهرا مدعوما من كل جيوش الغرب بالأسلحة والذخائر والمعلومات السخية من أجهزتهم الاستخباراتية، ليست حربا متكافئة بين قوتين متناظرتين، بل هو اعتداء همجي
ولا يتوانى هؤلاء الصهاينة بعقيدتهم التلمودية المنحرفة عن قتل الحياة في غزة المحاصرة منذ ما يزيد على 17 عاما في ظل تواطؤ غربي وعربي، بل وفلسطيني من أشاوس السلطة التابعة لعباس! لسحق هؤلاء المقاومين ممن شذوا عن القاعدة العريضة المنبطحة لأمريكا -إمبراطوار العالم- وللغرب الأوروبي، ليس ذلك فحسب بل الوقوف خلف الاحتلال من أجل الفت في عزيمة الشعب الفلسطيني وإنهاء وحدته وتماسكه..
لقد تخلت البشرية عن إنسانيتها واصطفت خلف البرابرة في اعتداءاتهم على شعب أعزل عقابا له على رفضه للقهر والذل الذي ارتضاه السيد الأمريكي بارا بعقيدته الصهيونية، وباتت دولة الاحتلال في ظل الحماية الدولية والعجز العربي في حالة من الفُجر والعربدة لا مثيل لها في التاريخ، لا تتوقف عن جرائمها وسيكوباتيتها وتلذذها بإحراق كل كائن حي في غزة، وتدمير كل وسائل الحياة من محطات طاقة ووقود وسيارات إسعاف، ولا تهدأ طائراتهم ومسيّراتهم حتى تُركت الجثث في الشوارع تنهشها الكلاب الضالة في مشهد مؤلم ومروّع تخطى في ضراوته ما كنا نقرأه عن مأسي الحروب في العصور الوسطى!
وثمة أسباب جوهرية فرضت تساؤلات هامة عن قوة الدفع التي تحرك حكومة "بنيامين نتنياهو" والتي تحملها على الاستمرار في تلك الحرب رغم خسائرها البشرية والاقتصادية المهولة، ولماذا يبدو إيقاف الحرب أمرا مستحيلا على الأقل في الأفق القريب؟!
1- وقوف الولايات المتحدة الأمريكية بكل طاقتها خلف الاحتلال ودعمه بكافة وسائل الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي، وسيُخيّل للمتابع للتحركات المكوكية للإدارة بدءا برئيسها مرورا بوزير خارجيتها مع باقي المتنفذين داخلها بأن المعركة بين أمريكا وبين الفلسطينيين! حتى وُجهت الاتهامات من قِبل الأمريكان أنفسهم لحكومتهم بسبب التراخي في معالجة كارثة الإعصار الذي ضرب ولاية فلوريدا، وقالوا إن الإدارة لم تقم بالمجهود والدعم للإعصار مثلما تفعل في دعمها لإسرائيل!
ثمة أسباب جوهرية فرضت تساؤلات هامة عن قوة الدفع التي تحرك حكومة "بنيامين نتنياهو" والتي تحملها على الاستمرار في تلك الحرب رغم خسائرها البشرية والاقتصادية المهولة، ولماذا يبدو إيقاف الحرب أمرا مستحيلا على الأقل في الأفق القريب؟!
2- سيطرة اليمين من غلاة المتطرفين أعضاء الحكومة الإسرائيلية على الأغلبية في الكنيست الإسرائيلي، مما يعطي الحماية والحصانة ضد أي محاولات سحب للثقة من حكومة نتنياهو، وابتزازهم لرئيس الحكومة بذلك لحمله على المضي قدما في الحرب رغم رفض الشارع الإسرائيلي واحتجاجاته المستمرة لانهاء الحرب وعقد صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية..
3- انتقال العرب من خانة العجز إلى خانة التواطؤ والتحريض على إنهاء المقاومة، وهو ما فضحه "دينيس روس"، الدبلوماسي الأمريكي السابق والمستشار في معهد واشنطن حاليا، قائلا: إن الرغبة في القضاء على حماس والمقاومة ليست رغبة أمريكية أو إسرائيلية فقط ولكنها رغبة عدد من الزعماء العرب!
4- الدور الشيطاني للإعلام العربي في تحميل المقاومة مآلات ما يحدث في القطاع، متجاهلا كافة الأسباب المتعلقة بالاحتلال والخطط التي كشفت رغبته في مهاجمة القطاع قبل انطلاق الطوفان، ونظرته للضفة الغربية التي يسكن فيها حليفه "محمود عباس" بأنها الجائزة الكبرى! وهذه الميديا من محطات فضائية ومواقع وصحف ومراكز للدراسات؛ لا تكف عن النواح مثل البوم! ولا تكف عن الغمز واللمز في رموز المقاومة وفي النيل من ذمتهم وكرامتهم واتهامهم بأبشع الأوصاف التي يعرفون براءتهم منها، كما حدث مع قائد المقاومة الشهيد "إسماعيل هنية" وأسرته التي ارتقى أغلبها بالقصف والقتل داخل قطاع غزة..
5- ضعف المنظمات العربية والإسلامية وعدم قدرتها عن الخروج من حظيرة الحكام، بخلاف اعتلاء سدة تلك المنظمات من بعض الشخصيات المعروفة بكراهيتها وعداوتها للمقاومة الفلسطينية، والكيل بمكالين الذي يحسنه المتحدثون باسم تلك المنظمات ممن لا يقدمون حلولا ولا تسمع لهم قولا يشفي الصدور ولو على مستوى بيانات وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة السيد "أنطونيو جوتيريش"!
ختاما.. هل ستمضي الحرب إلى ما لا نهاية وهل أصبح أمر إيقافها مستحيلا؟!
الأمر بيد الله وحده يُقلّب الموازين، ويفضح المتآمرين، ويقوّي ساعد المقاومين للذل والهوان نيابة عن أمتهم وعن العاجزين من شعوبنا العربية والإسلامية، ولربما اختل توازن المحتل وانفرط عقد اللُحمة بين شركاء الغدر والخيانة كما انفرط عقد الأحزاب ممن تجمعوا لاستئصال شأفة المسلمين والقضاء على دولتهم في المدينة..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة المقاومة احتلال مقاومة غزة جرائم مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
“غزة الصغيرة”.. مشروع التصفية الكبرى؟
حين أطلق الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، ضمن ما سُمّي بـ”السيوف الحديدية”، لم يكن الهدف مجرد الرد على عملية عسكرية نفذتها المقاومة.
الأيام الأولى للعدوان، ثم ما تلاها من قصف وتجويع ونزوح، كشفت ملامح مشروع أكبر: خطة لتفكيك غزة وتصفية القضية الفلسطينية، بما بات يُعرف اليوم اختزالًا باسم “غزة الصغيرة”.
هذا المقال لا يتعامل مع “غزة الصغيرة” كمجرد سيناريو عسكري، بل كمخطط استراتيجي إحلالي، يُعيد إنتاج النكبة بشكل ممنهج. فما هي معالم هذا المشروع؟ وما أهدافه؟ وهل يمكن أن ينجح رغم كل التعقيدات؟
أولًا: ما هو مشروع “غزة الصغيرة”؟ “غزة الصغيرة” هو الاسم الرمزي لخطة تهدف إلى تقليص القطاع إلى شريط ضيق في أقصى الجنوب (رفح وخان يونس)، وتحويله إلى كتلة بشرية منهكة، مقطوعة عن الامتداد الفلسطيني الطبيعي، ومحاصَرة بجدران أمنية وأطواق تجويع. يقوم المشروع على خمس مراحل متداخلة:
1. تفريغ الشمال عبر القصف المستمر وتدمير البنية التحتية لتهجير السكان جنوبًا.
2. إنشاء منطقة عازلة بطول القطاع تُمنع العودة من خلالها ويُفرض واقع أمني دائم.
3. حصر السكان في جيب جنوبي مكتظ يُدار بغطاء إنساني أو دولي، دون سيادة وطنية.
4. فصل غزة عن الضفة الغربية سياسيًا وجغرافيًا، لنسف وحدة المشروع الوطني.
5. فرض واقع إنساني كارثي يدفع باتجاه قبول حلول مذلة: التهجير، التوطين، أو الحكم الذاتي المشوّه. ما نراه ليس فقط تدميرًا ماديًا، بل هندسة سكانية – جيوسياسية لإعادة تعريف غزة وظيفيًا وجغرافيًا.
ثانيًا: البعد السياسي – غزة الصغيرة كنواة لتصفية القضية منذ عام 1948، لم يجرؤ الاحتلال على تهجير جماعي بهذا الحجم وبهذا العلن. العدوان الحالي تجاوز منطق الحرب، ليتحول إلى معمل تفكيك سياسي للوجود الفلسطيني، حيث تُستبدل الهوية المقاومة بـ”النجاة” الفردية.
أهداف الخطة السياسية أعمق من ظاهرها: إخراج غزة من المعادلة الوطنية كمركز للمقاومة والتمثيل السياسي. فرض كيان فلسطيني هش تُشرف عليه جهة وظيفية لا تملك الأرض ولا القرار. تفكيك وحدة الجغرافيا الفلسطينية ومن ثم وحدة الذاكرة والهوية. تهيئة البيئة الإقليمية لشرق أوسط جديد، تُنفى منه فلسطين، وتُجرّم فيه المقاومة.
تسريبات من مراكز أبحاث إسرائيلية (مثل مركز “بيغن–السادات”) تؤكد أن خطة ما بعد الحرب تهدف إلى خلق “واقع دائم بلا حماس، وبلا تهديد استراتيجي”، ما يعني قضم غزة سياسيًا، لا فقط عسكريًا.
ثالثًا: الواقع الميداني – غزة تحت المقصلة حسب تقارير الأمم المتحدة: 1.9 مليون فلسطيني نزحوا قسرًا داخل قطاع غزة. 90% من البنية التحتية في الشمال والوسط مدمرة. 85% من المستشفيات خارج الخدمة. أكثر من مليون ونصف فلسطيني محاصرون في رفح، بلا مياه أو كهرباء أو دواء.
رفح لم تعد مدينة، بل تحولت إلى أكبر مخيم لاجئين على وجه الأرض. لكنها، رغم القهر، لم تتحول إلى قبر للهوية؛ بل إلى فضاء جديد للعناد الفلسطيني.
رابعًا: العوائق الكامنة – لماذا قد تفشل الخطة؟ رغم البطش الإسرائيلي، يواجه مشروع “غزة الصغيرة” خمسة عوائق استراتيجية:
1. بقاء المقاومة: فصائل المقاومة ما زالت تنشط من قلب مناطق يزعم الاحتلال أنه “طهّرها”.
2. الرفض الشعبي الفلسطيني: الناس، رغم النزوح، يصرّون على العودة ورفض أي حلول بديلة.
3. الانكشاف الدولي غير المسبوق: الاحتلال يُحاكم اليوم أخلاقيًا وقانونيًا بتهم الإبادة الجماعية.
4. الفيتو المصري: القاهرة ترفض التهجير إلى سيناء، لإدراكها خطورته على أمنها القومي.
5. اليقظة العربية المتصاعدة: رغم هشاشة الأنظمة، تعود الشعوب العربية لتبني فلسطين قضيةً أولى.
خامسًا: المأساة الإنسانية – غزة بلا قلب ولا مأوى “في النكبة مشينا حفاة من المجدل إلى غزة، واليوم نمشي حفاة من غزة إلى الموت”، تقول أم فادي، وهي عجوز هجّرتها الحرب.
ما يجري هو كارثة إنسانية كاملة الأركان: الطفل يفتش عن ماء في الركام، والأم تلد فوق التراب، والمُقاتل يدفن رفاقه ثم يعود لموقعه.
لكن ما لا يراه الاحتلال: أن هذا الألم لم يُنتج استسلامًا، بل عنادًا وجوديًا. فاللاجئ يكتب على خيمته: “سنعود، ولو من رمادنا”.
سادسًا: السيناريوهات المحتملة – ماذا بعد الدم؟
1. نجاح مؤقت للخطة: قد يُفرض واقع ميداني، لكنه هش، وسرعان ما ينهار بفعل المقاومة أو انفجار شعبي.
2. فشل تراكمي تدريجي: عودة السكان، وفشل الإدارة البديلة، يُعيد غزة إلى المعادلة الوطنية.
3. تفجير إقليمي واسع: أي تهجير نحو سيناء سيشعل المنطقة، ويغيّر قواعد الاشتباك الإقليمي.
ختامًا: غزة لا تُصغّر.. بل تتسع فينا يريدون حشر غزة في خيمة، لكنها تسكن قلب كل حرّ. يريدون اختزالها في أزمة إنسانية، لكنها تحيا كرمز للكرامة. يريدون تصغيرها، فكبُرت بدم شهدائها.
“غزة الصغيرة” ليست مجرد مشروع احتلالي، بل اختبار للضمير العالمي: هل يُسمح بإبادة مدينة على الهواء مباشرة، دون عقاب؟ وهل يبقى الحق حيًا في عصر الصمت المُصور؟ غزة تعيد تعريف النكبة كواقع مستمر، لكنها أيضًا تعيد تعريف الكرامة كمقاومة لا تموت.
إذا أرادوا تصغير فلسطين، فإن دماء غزة تُكبرها.. تُكبرها حتى تُعيد رسم خريطة الحرية. غزة لن تُهزم، لأنها تشبهنا في لحظتنا الأصدق: لحظة الصمود، مهما عظمت الكلفة.
الدستور الجزائرية