تعتبر القوات البحرية أحد أبرز رموز الهيبة العسكرية لأي دولة، إذ تمثل قوتها البحرية مقياسا لسلطتها العالمية وقدرتها على حماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية عبر المحيطات والبحار.
منذ العصور القديمة، كانت السيطرة على البحار والمحيطات تعد رمزا للقوة والنفوذ، وأي تراجع في قدرة البحرية على فرض سيطرتها يعكس تآكلا في هيبة الدولة نفسها.


في هذا السياق، نجد أن القوة البحرية لا تقتصر على الأسطول والسفن الحربية فقط، بل تشمل أيضا قدرة الدولة على الردع العسكري وحماية خطوط التجارة والمصالح الدولية.
مع مرور الوقت، شهدت العديد من القوى البحرية الكبرى تراجعا في هيبتها نتيجة لمجموعة من العوامل، منها تقنية واقتصادية وعسكرية، هذا ما حدث مع البحرية البريطانية في القرن العشرين، ويبدو أن ما يمر به الأسطول الأمريكي اليوم يعكس نفس المسار نحو تآكل هيبته البحرية.
سقوط هيبة البحرية البريطانية
لطالما كانت البحرية الملكية البريطانية رمزا للقوة والهيمنة البحرية، وشكّلت العمود الفقري للإمبراطورية البريطانية التي وُصفت بأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس منذ القرن السابع عشر، وحتى القرن العشرين برزت البحرية البريطانية كإحدى أعظم الأدوات الاستراتيجية التي مكّنت بريطانيا من فرض سيطرتها على البحار والمحيطات، وفتح طرق التجارة العالمية، وبسط نفوذها الاستعماري في قارات العالم.
احتفظت البحرية الملكية بمكانة لا تُضاهى لعقود، حيث كانت أكبر أسطول بحري وأقواه عالميا، مما جعل بريطانيا تتمتع بفترة طويلة من السلام والازدهار عُرفت بـ”السلام البريطاني”.
لكن هذا التفوق لم يكن أبديا مع بداية القرن العشرين، بدأت هيبة البحرية البريطانية تتعرض للتآكل نتيجة مجموعة من العوامل الحرب العالمية الأولى كانت أول اختبار جديّ لهذه القوة، إذ شهدت البحرية الملكية اشتباكات كبيرة مع البحرية الألمانية، أبرزها معركة جوتلاند عام 1916م، التي أظهرت أن الهيمنة البحرية البريطانية لم تعد مطلقة، ورغم انتصار بريطانيا في الحرب، إلا أن الخسائر البشرية والمادية كانت هائلة، مما أثّر على اقتصادها وقدرتها على الحفاظ على أسطول بحري ضخم.
خلال الحرب العالمية الثانية، تلقت البحرية الملكية ضربة موجعة عندما نجحت البارجة الألمانية “بسمارك” في إغراق الطراد البريطاني “هود”، وهو ما شكّل ضربة معنوية كبيرة لبريطانيا عصفت بهيبتها البحرية.
تشترك تجربة سقوط هيبة البحرية البريطانية مع ما يحدث اليوم للبحرية الأمريكية في عدة عوامل هامة، حيث تكشف كلتا الحالتين عن كيفية تأثير مجموعة من العوامل الاستراتيجية والتقنية والجيوسياسية والاقتصادية في تراجع القوة البحرية لقوتين عظيمتين.
بالنسبة للبحرية الأمريكية، فإنها اليوم تواجه تهديدات مشابهة، حيث استطاع الجيش اليمني ضرب هيبتها البحرية وتحدي قدرتها على فرض السيطرة في مناطق استراتيجية.
البحرية الأمريكية تواجه تحديات مماثلة ولكنها تتعلق بتطورات تقنية جديدة الجيش اليمني، الذي يمتلك قدرات صاروخية وطائرات مسيرة متطورة، استطاع استهداف حاملات الطائرات الأمريكية بنجاح ولعدة مرات، ومن أبرز هذه الهجمات استهداف حاملة الطائرات “آيزنهاور”، “روزفلت”، و”ترومان”.. الهجمات اليمنية كانت غالبا استباقية، وتهدف إلى إضعاف قدرة البحرية الأمريكية شن هجمات جوية ضد اليمن، بل ووصل الأمر إلى تحدي التقنيات الأمريكية التي استطاع الجيش اليمني أن يجعلها غير فعالة من خلال استغلال الثغرات ونقاط الضعف في البحرية الأمريكية التي لم تعد تميز بين الأهداف المعادية والصديقة وهو ما حدث في العملية الهجومية اليمنية قبل الأخيرة عندما قامت إحدى المدمرات الأمريكية بإسقاط إحدى طائرات الأسطول من نوع f18.
هذا بالإضافة إلى الهجمات المباشرة التي تعرضت لها الفرقاطات والمدمرات الأمريكية، والتي أدت إلى انسحابها من مسرح العمليات البحرية في البحرين الأحمر والعربي، واليوم أصبحت تلك المنطقة الاستراتيجية الممتدة من الأحمر إلى العربي محرمة على البحرية الأمريكية وبقرار يمني، آخر هذه الهجمات كانت خلال الساعات الماضية، حيث تمكنت القوات اليمنية من استهداف حاملة الطائرات “ترومان” بينما كانت تستعد لعملية هجومية كبرى ضد اليمن، الحاملة كانت تتواجد في المياه السعودية بين ينبع وجدة، وهو ما يظهر عجز البحرية الأمريكية عن الحفاظ على هيبتها في وجه هذه التهديدات غير التقليدية حتى في مناطق خارج المياه اليمنية.
هذه الضربات أثبتت أن قوة البحرية الأمريكية التقليدية لم تعد قادرة على ضمان السيطرة البحرية في مناطق استراتيجية، بل وأظهرت أيضا عجزها عن حماية سفنها التجارية، حيث فرضت القوات اليمنية حظرا على مرور سفنها التجارية، ما يعزز هذه المقارنة هو فشل الولايات المتحدة في مواجهة قدرات الجيش اليمني في مختلف المجالات، سواء كان ذلك في مجالات الصواريخ أو الطائرات المسيَّرة.
علاوة على ذلك، فشلت البحرية الأمريكية في تحييد القدرات العسكرية للجيش اليمني أو تشكيل تحالفات فعالة، وهو ما يعكس انهيار هيبتها لدى الدول الغربية، على الرغم من علاقتها العسكرية الوثيقة مع الولايات المتحدة، رفضت الانضمام إلى تحالفات ضد اليمن، مما يعكس عدم ثقتها في قدرة البحرية الأمريكية على النجاح في أي حملة بحرية ضد هذا التحدي الجديد.
وكما سقطت هيبة البحرية البريطانية نتيجة للتغيرات في القوى البحرية العالمية بعد الحربين العالميتين، فإن البحرية الأمريكية تشهد اليوم نفس التآكل في هيبتها بسبب تصاعد تهديدات جديدة وغير مسبوقة.
في كلتا الحالتين، لم تكن التهديدات التقليدية من أساطيل بحرية أخرى هي العامل الرئيس في هذا التراجع، بل كانت الهجمات المفاجئة والصواريخ الدقيقة والطائرات المسيَّرة هي ما أبرز ضعف الأساطيل البحرية الكبرى في مواجهة تحديات جديدة.
وفي حالة بريطانيا، تراجع هيبتها كان ناتجا عن التغيرات التقنية والعسكرية والاقتصادية والاستراتيجية بعد الحربين العالميتين، أما اليوم، فإن سقوط هيبة البحرية الأمريكية يعود إلى صعود الجيش اليمني الذي يبرز كقوة إقليمية.
إذن، يمكن القول إن سقوط هيبة البحرية البريطانية في الماضي وسقوط هيبة البحرية الأمريكية اليوم يشتركان في عوامل مشابهة، تتعلق بتغير موازين القوة البحرية في العالم ورغم الفوارق الزمنية والتقنية بين الحالتين، فإن التحديات التي تواجه البحرية الأمريكية اليوم تشير إلى أن التاريخ البحري لا يتكرر بالضبط، لكن التشابه بين العوامل التي أدت إلى سقوط هيبة البحرية البريطانية وتلك التي تهدد هيبة البحرية الأمريكية اليوم واضح إلى حد بعيد.
ففيما كانت البحرية البريطانية في يوم من الأيام القوة البحرية المهيمنة على المحيطات، أصبحنا نشهد اليوم تراجعا في هيبة البحرية الأمريكية أمام تحديات غير تقليدية، تمثلها الهجمات الدقيقة والمتطورة التي شنها الجيش اليمني.
باختصار، لم تعد البحرية الأمريكية قادرة على فرض هيبتها أو حماية مصالحها البحرية ومصالح حلفائها في مواجهة التحديات المتزايدة، وما كان يُعتبر في السابق أسطولا لا يقهر، أصبح اليوم عرضة للتهديدات التي تعجز عن صدها، مما يعكس تراجعا كبيرا في مكانتها العسكرية العالمية.
وما حدث للبحرية البريطانية في الماضي يبدو اليوم وكأنه تكرار لتاريخ مشابه، حيث فقدت القوة البحرية العظمى مكانتها لصالح قوى جديدة قادرة على تحدي هيمنتها، وها هي البحرية الأمريكية كما ترون بلا حول ولا قوة.

صحفي متخصص في الشأن العسكري

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم السبت 31-5-2025

يقدم موقع صدى البلد أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم السبت 31-5-2026
سعر الأسماك اليوم:
البلطي: من 94 إلى 100 جنيه للكيلو

البلطي المتوسط: من 89 إلى 95 جنيه للكيلو

المكرونة السويسي: من 83 إلى 155 جنيه للكيلو

السبيط والكاليماري: من 223 إلى 365 جنيه للكيلو

الكابوريا: من 43 إلى 185 جنيه للكيلو

الجمبري الجامبو: من 603 إلى 705 جنيه للكيلو

جمبري النوع الأول: من 523 إلى 585 جنيه للكيلو

جمبري النوع الثاني: من 403 إلى 505 جنيه للكيلو

البوري: من 123 إلى 165 جنيه للكيلو

فيليه البلطي: من 53 إلى 255 جنيه للكيلو

قشر البياض: من 183 إلى 305 جنيه للكيلو
المكرونة السويسي:

سعر الجنيه الذهب اليوم السبت 31-5-2025البورصة المصرية تربح 44.8 مليار جنيه خلال أسبوع

تراوحت الأسعار بين 80 إلى 150 جنيهًا للكيلو حسب الحجم والجودة.
الجمبري:

يعتبر الجمبري من الأصناف الراقية، حيث يتراوح سعر الجمبري الجامبو بين 600 و700 جنيهات للكيلو، أما النوع الأول فيتراوح بين 520 و580 جنيهًا، والنوع الثاني بين 400 و500 جنيه للكيلو.

طباعة شارك أسعار الأسماك الأسماك سعر الأسماك البلطي الجمبري

مقالات مشابهة

  • الزعابي يستقبل قائد القيادة الوسطى للقوات البحرية الأمريكية
  • إيكونوميست: حمائية ترامب تخنق الاقتصاد الأميركي والتاريخ يعيد نفسه
  • البحرية الأمريكية ستنشر صاروخ "توماهوك" مضاد للسفن "مُغير لقواعد اللعبة" بحلول سبتمبر
  • أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الأحد 1-6-2025 في محافظة قنا
  • وزير المكتب السلطاني يستقبل قائد القيادة الوسطى لقوات البحرية الأمريكية
  • انقلبت شاحنة كانت تنقلها.. تحذيرات للسكان بمدينة ليندن الأمريكية من هجمات النحل عقب فرار 250 مليون نحلة من خلاياها
  • الشيباني: عقد ليبيا انفرط.. فهل من فارس يعيد لها هيبتها؟
  • أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم السبت 31-5-2025
  • سعر الأسماك والمأكولات البحرية اليوم 30-5-2025
  • فشل الآلية الأمريكية في توزيع المساعدات بغزة .. و10 شهداء برصاص الاحتلال