أبرز 10 تقنيات مثيرة للجدل في عام 2024
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
يُعد عام 2024 أحد الأعوام المصيرية في قطاع التكنولوجيا رغم أنه اتخذ مسارين مختلفين، فمن جهة حقق الذكاء الاصطناعي أكبر قفزة نوعية على الإطلاق، وتطورت التكنولوجيا الذكية وظلت الحوسبة الكمومية في الصدارة كأحد التقنيات التي ستغير حياتنا دون أن يفهمها أحد.
وبالمقابل شهد عام 2024 العديد من الحركات الغريبة في مجال التكنولوجيا، انطلاقا من العملات المشفرة التي صعدت بشكل غير مسبوق إلى مهووس التكنولوجيا إيلون ماسك الذي كان يُنفذ كل فكرة تخطر بباله.
وسنذكر أبرز 10 أحداث تقنية حصلت في عام 2024 سواء أكانت إيجابية واعدة أم سلبية محبطة:
الذكاء الاصطناعي التوليديشهدت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "شات جي بي تي" و"جيميني" و"كوبايلوت" شعبية كبيرة مؤخرا، ولكن عام 2024 كان عام الذكاء الاصطناعي بالواقع.
وقد كان الذكاء الاصطناعي في بداية ظهوره مليئا بالأخطاء مثل إنشاء نصوص غير مفهومة أوغير صحيحة أو حتى إنشاء صور غير منطقية مثل يد تحتوي على 12 إصبعا. ولكن هذا كان من الماضي أما اليوم فقد تجاوز الذكاء الاصطناعي كل هذه العثرات.
واستطاعت خوارزميات الذكاء الاصطناعي تجاوز الاختبارات الطبية والقانونية بنجاح وإنتاج بودكاست كامل من بضع كلمات بسيطة، كما ساعدت الدردشة الآلية على مكافحة مرض التوحد. ولكن كما هو الحال مع أي تقنية جديدة، هناك دائما جوانب سلبية.
إعلانورغم الفوائد الكبيرة التي وفرها الذكاء الاصطناعي، فإن هناك علامة استفهام كبيرة ومخيفة تتعلق بمستقبل العديد من الصناعات، ولا شك أن تأثيره الضخم كان واضحا في عام 2024 من موجه تسريح الموظفين إلى التزييف العميق، ومن المحتمل أن يحمل عام 2025 أحداثا أكثر، خاصة إذا انتشرت الروبوتات والآلات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
شهد عام 2024 قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا المساعدة رغم أنها كانت غير شائعة، وتشمل هذه التكنولوجيا أي أداة ذكية أو روبوت أو جهاز تقني يجعل حياة الأشخاص أسهل وبخاصة ذوي الإعاقة.
وفي معرض "سي إي إس" (CES) لعام 2024 ظهر قفاز يسجل رجفان اليد وحزام يساعد ذوي المشاكل البصرية على التنقل، بالإضافة إلى نظارات يمكنها قراءة اللافتات والقوائم والمعلومات.
ومن جانبه، عملت جامعة كامبريدج مع المصممة داني كلود لإنشاء إصبع اصطناعي يحسن من مرونة اليد، كما أن مختبرات "نوت إمبوسبل" (Not Impossible) ابتكرت سترات ذات مستشعرات لمسية تساعد الصُم على تجربة اهتزازات الموسيقى ضمن الحفلات.
الشرائح الدماغيةكانت الشرائح الدماغية بمثابة خيال علمي في الماضي، ولكن عام 2024 جعل ذلك حقيقة بفضل شركة "نيورالينك" (Neuralink) التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، التي أعلنت أول تجربة ناجحة لزراعة الشريحة الدماغية.
وتعمل هذه الشرائح من خلال تحويل موجات الدماغ إلى إشارات يمكن للحواسيب أو الأطراف الآلية فهمها والاستجابة بناءً عليها.
وتمكن أول مريض زرع شريحة "نيوالينك" من تشغيل الحاسوب ولعب الشطرنج عن طريق التفكير وحده دون استخدام أي أدوات مساعدة.
ومن جانبه ساعدت الشريحة الدماغية رجلا مصابا بمرض التصلب الجانبي الضموري على ترجمة نشاط الدماغ إلى نص يظهر على الحاسوب.
وأنتجت شركة "نيورالينك" زوجا من سماعات الرأس يمكنها مسح موجات الدماغ وترجمتها إلى معلومات قابلة للاستخدام من قبل مرتديها.
وكل هذه التقنيات المتقدمة التي ظهرت مؤخرا ستفتح آفاقا جديدة للتكنولوجيا الطبية في المستقبل.
سلك العديد من الشركات في عام 2024 طريق الأجهزة القديمة الكلاسيكية وقد أحب المستخدمون ذلك، لاسيما الذين كان لديهم ذكريات مع تلك الأجهزة.
إعلانوقامت شركة "كوداك" (Kodak) بإنتاج نسخة حديثة من كاميرتها "سوبر 8" (Super 8) ذات المظهر الكلاسيكي القديم، كما ظهرت مجموعة كاملة من النسخ المحدثة من مشغلات الكاسيت، كما أن بعض أجهزة الألعاب المحمولة مثل "أنالوغ" (Analogue) كانت محظوظة بما يكفي لإعادة هيكلتها بما يتناسب مع العصر الحالي.
ورغم أهمية التفكير في مستقبل الابتكار، فإن من المريح أيضا رؤية الأجهزة الكلاسيكية القديمة تندمج مع وظائف اليوم.
مساعد الذكاء الاصطناعيبعد نجاح الذكاء الاصطناعي في عام 2024، تطلعت الشركات في جميع أنحاء العالم إلى الاستفادة منه، ومن بين المفاهيم العديدة التي ظهرت كان مفهوم "مساعد الذكاء الاصطناعي" هو الأبرز، وهو مفهوم يعبر عادة عن الأجهزة القابلة للارتداء التي وعدت بأنها ستحل محل الهواتف الذكية، ولكن حتى الآن لم يرقَ أي منها إلى مستوى التوقعات.
وقد كان مساعد الذكاء الاصطناعي "إيه آي بين" (AI Pin) من شركة "هيومين" (Humane) أحد التجارب الفاشلة الذي كان من المفترض أن يمسح الأشياء باستخدام الكاميرا ويعرض شاشة مصغرة على اليد ويتحدث باستخدام الذكاء الاصطناعي ولكنه لم ينجح في ذلك.
ومن جانبه فشل جهاز "رابيت آر 1" (Rabbit R1) وهو جهاز محمول يُقال إنه قادر على تشغيل الموسيقى والألعاب، بالإضافة إلى القيام بكل ما يفعله الهاتف الذكي، ولكن كانت هناك مشكلة واحدة فقط، وهي أنه لم يعمل.
واستمرت الأجهزة القابلة للارتداء والأجهزة التي تدعي أنها تحل محل الهاتف في الظهور، لكنها كانت تفتقر إلى الكفاءة.
رغم أن عام 2024 شهد ارتفاعا غير مسبوق بالعملات المشفرة فإنه لم يخلو من بعض الاحتيالات الفاضحة والمشاريع الغريبة، ورغم أن عملة بيتكوين هي الأشهر فإن هناك عملة لفتت الانتباه وهي "وورلدكوين" (Worldcoin) التي أنشأها سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي".
إعلانوتدعم هذه العملة مشروعا يعرف باسم "وورلد" (World)، حيث قدمت الشركة عملة "وورلدكوين" مقابل مسح العين من خلال أجهزة خاصة، فأرسلت العديد من أجهزة المسح حول العالم بهدف تسجيل بصمة العين لدى الناس وإنشاء دليل رقمي للبشر على الإنترنت.
وقد وافق حوالي 17 مليون شخص على إجراء مسح لعيونهم وتسجيله، ويُعد هذا المشروع أحد أغرب مشاريع العملات المشفرة إلى الآن.
روجت شركة تسلا لشاحنة "سايبرترك" منذ سنوات على أنها آلية غير قابلة للتدمير وقادرة على مواجهة أي تضاريس، ولكن لم تظهر مشاكلها حتى عام 2024 عندما قام المستخدمون بتجربتها ووجدوا نتائج مختلفة، فقد علقت الشاحنة في الرمال والثلوج وبدأ الهيكل الخارجي يصدأ بسرعة رغم أنه مصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ.
ومن جهة أخرى، أبلغ أصحاب شاحنات "سايبرترك" عن تحطم النوافذ خلال عواصف البرد وعن خلل في نظام غسل السيارة ومشاكل في دعسة السرعة.
ومن الجدير بالذكر أن شاحنة "سايبرترك" استدعيت 5 مرات في عام 2024 وحده، وآخر مرة كانت بسبب تأخر صورة الكاميرا الخلفية لمدة ثانيتين بعد الانتقال إلى وضع الرجوع للخلف، بالإضافة إلى ظهور شاشة فارغة لمدة 8 ثوان عندما تكون السيارة في وضع الرجوع.
الروبوتات البشريةمن بين أكثر الأمور غرابة التي شهدها عام 2024 كانت الروبوتات البشرية، ورغم أن هذا النوع من التكنولوجيا كان قيد التطوير لسنوات فإن تقدم الذكاء الاصطناعي ساعد في انطلاقها بقوة.
وعلى مدى سنوات حاول العديد من الشركات صناعة روبوتات تحاكي البشر، ولكنها لا تزال مصنوعة من المعادن والأسلاك وهي بعيده لتكون قريبة من البشر، ولكن ثورة الروبوتات باتت أكثر واقعية.
وأحد أشهر الروبوتات البشرية التي أخذت رواجا في عام 2024 كان روبوت "أوبتيموس" (Optimus) من تسلا، الذي يملك مهارات كبيرة في إنجاز الأعمال والتواصل مع الناس، ناهيك عن تصميمه الذي يحاكي الهيكل البشري.
إعلان التزييف العميقكان عام 2024 مليئا بالمعلومات المضللة والصور المعدلة ولكن ظهور تقنية التزييف العميق كان بمثابة سكب الزيت على النار، وتُمكن هذه التقنية مجرمي الإنترنت من إنشاء صور ومقاطع فيديو لإظهار أشخاص يفعلون أشياء لم يقوموا بها في الواقع.
واستخدم مجرمو الإنترنت تقنية التزييف العميق لإنشاء مقاطع فيديو لسياسيين يلقون خطابا ملفقا ومشاهير يروجون لمنتجات معينة، كما استغلوا هذه التقنية لإجراء اتصال مزيف وانتحال شخصية صديق أو أحد أفراد العائلة لطلب المال.
في البداية كان من السهل اكتشاف التزييف العميق ولكن اليوم وبعد انتشار الذكاء الاصطناعي أصبح الأمر أكثر تعقيدا، ومن المؤسف أن هذه التقنية قد تتطور في المستقبل ويصبح لها مجالات عديدة.
النظارات الذكيةانتشرت موضة النظارات الذكية بقوة في بداية عام 2024، وخاصة بعد أن أعلنت شركة آبل عن نظارة "آبل فيجن برو" (Apple Vision Pro) بسعر 3500 دولار التي كانت المنافس الأول لنظارة "ميتا كويست 3" (Meta Quest 3).
ولكن الأسعار الباهظة للنظارات الذكية بالإضافة إلى آلام العين ودوار الرأس أبعدت العديد من المستخدمين عن هذه التقنية، كما أن الناس فقدت الشغف بهذه المنتجات سريعا مما أدى لانخفاض في مبيعاتها.
ولكن في عام 2025 قد تظهر تقنيات جديدة قد تعيد موضة النظارات الذكية إلى الواجهة من جديد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی العملات المشفرة النظارات الذکیة التزییف العمیق بالإضافة إلى هذه التقنیة العدید من فی عام 2024 رغم أن
إقرأ أيضاً:
“شبكة العنكبوت”: الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي
في صورة تعكس لنا كيف أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي والمُسيرات قادرة على تغيير قواعد الحرب، تمكنت أوكرانيا باستخدام عشرات الدرونز زهيدة الثمن من تعطيل قاذفات استراتيجية تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات في قلب العمق الروسي، قاصدة قواعد تبعد آلاف الكيلومترات عن كييف فيما يُعرف بـ”التفوّق الجغرافي البديل”، حيث لا يهم أين يقع الهدف بقدر ما يهم هل يمكن الوصول إليه بأسلوب غير تقليدي. حدث ذلك دون الحاجة إلى إطلاق صواريخ بعيدة المدى أو استخدام طائرات ضخمة، فقط أكواخ خشبية بأسقف قابلة للفتح ذاتياً محملة على شاحنات، انطلقت منها عشرات المسيرات نحو أهدافها متجاوزة أنظمة الدفاع الجوي الروسي.
وعلى الرغم من تفوق روسيا كماً وكيفاً منذ بداية الحرب، وامتلاكها للصواريخ البالستية والفرط صوتية وللقاذفات الاستراتيجية؛ فإن هذه العملية تظهر كيف أن الدرونز والذكاء الاصطناعي قادر على ترجيح كفة الطرف الأضعف والأقل من حيث القوة التدميرية، بما يعيد تعريف مفهوم “الردع”، ليصبح القدرة على استهداف نقاط ضعف العدو بذكاء وتكلفة منخفضة، وليس فقط امتلاك القوة المماثلة؛ فقد أثبتت هذه الحادثة أن روسيا غير قادرة على حماية عمقها الاستراتيجي، رغم تفوقها العددي والتقني.
وراء هذا المشهد المعقد، يقف الذكاء الاصطناعي كمحرّك رئيسي غير مرئي، فبرمجة مسارات الطائرات وتفادي أنظمة الدفاع واستخدام أنظمة تمييز الأهداف داخل القواعد العسكرية، كل ذلك يشير إلى أن الخوارزميات أصبحت الآن جزءاً من مراكز اتخاذ القرار العسكري، لا مجرّد أداة للدعم.
عملية شبكة العنكبوت:
في عملية يُقال إنها استغرقت 18 شهراً من التحضير، تم تهريب عشرات الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى داخل روسيا، حيث خُزّنت في مقصورات خاصة داخل شاحنات نقل، ثم نُقلت إلى ما لا يقل عن أربعة مواقع مختلفة، تفصل بينها آلاف الكيلومترات، لتُطلق لاحقاً عن بُعد من المسافة صفر باتجاه قواعد جوية قريبة، واستطاعت أن تدمر نحو 34% من حاملات صواريخ كروز الاستراتيجية حسب تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وقد استهدفت هذه المسيرات اثنتين من القواعد الجوية، فحسب بيان وزارة الدفاع الروسية: “أدى إطلاق طائرات مسيّرة انتحارية من مواقع قريبة جداً من مطارات منطقتي مورمانسك وإيركوتسك إلى اشتعال النيران في عدد من الطائرات”، وفي خطاب له قال زيلينسكي إن117 طائرة مسيّرة استُخدمت في الهجوم على القواعد الجوية الروسية.
وقد تمت عملية شبكة العنكبوت (Spider’s Web) – كما تمت تسميتها- على عدة مراحل، كانت المرحلة الأولى هي مرحلة تهريب الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى العمق الروسي عبر مراحل زمنية متقطعة، بعيدة عن أي نمط يمكن رصده. ولتفادي أعين الرصد والمراقبة، تم إخفاء هذه الطائرات داخل هياكل خشبية بدائية الشكل على هيئة أكواخ صغيرة تم تحميلها على شاحنات نقل تجارية؛ ما منحها غطاءً لوجستياً يخفي غايتها العسكرية.
وما بدا للبعض أنه مجرد وحدات تخزين متنقلة، كان في الواقع منصات إطلاق هندسية دقيقة، جُهزت بأسقف معدنية يمكن فتحها عن بُعد، وعند لحظة الصفر، انفتحت هذه الهياكل تلقائياً، لتخرج منها الطائرات واحدة تلو الأخرى، وتنطلق نحو أهدافها دون أن تترك مجالاً لرد فعل استباقي. كان الهدف الأول هو مطار أولينيا، ويبعد نحو 1900 كيلومتر من أوكرانيا، والمطار الثاني هو بيلايا ويقع على بعد نحو 4300 كيلومتر من أوكرانيا.
أما الطائرات المسيرة ذاتها، فهي على الأرجح من طراز FPV (First Person View) وهي نماذج مسيّرة صغيرة الحجم، وخفيفة الوزن، ومجهّزة بكاميرات لبث مباشر، تُدار عن بُعد أو تُبرمج مسبقاً، وتُستخدم عادة في ضربات انتحارية محددة الأهداف؛ إذ تُزوّد غالباً برؤوس حربية صغيرة؛ لكنها كافية لإتلاف طائرات أو إشعال حرائق داخل منشآت عسكرية حساسة، ويتراوح مداها الجغرافي بين 5 و20 كيلومتراً؛ لذا فقد تم التغلب على هذا التحدي الجغرافي من خلالها تهريبها مسبقاً إلى قرب القواعد الجوية المستهدفة في الشاحنات.
وبحسب ما ورد في التقارير الإعلامية الأوكرانية، فإن الخسائر الواردة نتيجة عملية “شبكة العنكبوت” قد تكون كبيرة، وعلى الرغم من صعوبة التحقق من دقة حجم الخسائر؛ فإنها تشير إلى استهداف نحو 41 قاذفة استراتيجية من أصل نحو 120 تمتلكها روسيا، منها Tu-95 وهي قاذفة استراتيجية تستخدم في الهجمات بعيدة المدى، وTu-22 وهي قاذفة قادرة على ضرب أهداف برية وبحرية، وطائرات رادار من طراز إيه-50. أما الخسارة الأكبر فتتمثل في القاذفة Tu-160 الأسرع من الصوت، وقد تم تدمير طائرتين منها، وهو ما وصفه أحد المعلقين الأوكرانيين بأنه “خسارة لوحدتين من أندر الطائرات، كأنها أحصنة وحيدة القرن وسط القطيع”، خاصة أن الطائرات Tu-160 وTu-95 لم تعد تُنتج؛ مما يجعل استبدالها شبه مستحيل . من جهته، أعلن جهاز الأمن الأوكراني (SBU) أن الخسائر تُقدّر قيمتها الإجمالية بنحو 7 مليارات دولار .
ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أسهمت في التخطيط لهذه العملية، بدافع الضغط على الرئيس الروسي للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب. ففي أغسطس 2023 تحدثت كاثلين هيكس، نائبة وزير الدفاع الأمريكي، في خطاب بعنوان “الحاجة الملحة إلى الابتكار”The Urgency to Innovate أمام الجمعية الوطنية للصناعة الدفاعية، عن ضرورة تطوير نظم ذكية غير مأهولة ورخيصة نسبياً يمكنها القيام بعمليات عسكرية تكتيكية، وفي خطابها أعلنت عن مبادرة أطلقت عليها اسم “المستنسخ” Replicator، وهي استراتيجية تسعى من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير تقنيات تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن التضحية بها، يشمل ذلك أساطيل من الأسلحة والمعدات غير المأهولة والذكية والرخيصة نسبياً. وقد وصفت هيكس، هذه الأسلحة والمعدات بأنها “قابلة للتضحية”؛ بمعنى أنها يمكن أن تتعرض للتدمير دون التأثير في سلامة المهمة، ودون تكبد خسائر مالية باهظة، وهو ما حدث بالفعل في عملية شبكة العنكبوت، حيث تم إطلاق العشرات من الطائرات المسيرة رخيصة التكلفة للقيام بمهام انتحارية، مكبدة الروس خسائر كبيرة دون تحمل تكلفة مالية كبيرة.
تغير قواعد الحرب:
في المنظورات التقليدية، كان توازن القوى يُقاس بعدد الدبابات والمقاتلات وحجم الميزانيات العسكرية. أما اليوم، فإن الذكاء الاصطناعي يُدخل عاملاً نوعياً جديداً يتمثل في القدرة على إنشاء جيوش آلية من مركبات غير مأهولة رخيصة التكلفة، فضلاً عن قدراته الأخرى التي تتمثل في اتخاذ القرار الأسرع والأدق بناءً على تحليل لحظي للبيانات؛ مما يعني أن الجيوش الأصغر حجماً تستطيع أن تُعادل أو تتفوّق على قوى أكبر إذا امتلكت أنظمة ذكية لتحليل الحركة، والتوجيه، وتحديد الأهداف؛ أي إن توازن القوة لم يعد مرهوناً بمن يمتلك أكثر؛ بل بمن يفهم أسرع ويتصرف أذكى.
فلم تعد الأفضلية في التفوق النوعي وحده؛ بل بات العدد الكبير من الوسائل الذكية والمنخفضة الكلفة يشكل بحد ذاته سلاحاً نوعياً يعجز الخصم التقليدي أحياناً عن احتوائه، فتحولت المُسيرات إلى “صواريخ كروز” الطرف الضعيف، فهي رخيصة ومتوفرة بكثرة مقارنةً بنظم الدفاع الجوي الكفيلة بإسقاطها أو مقارنة بالأهداف القادرة على إصابتها، فإسقاط طائرة مسيّرة تجارية زهيدة الثمن لا يتعدى ثمنها بضعة آلاف من الدولارات باستخدام صاروخ باتريوت بقيمة 3.4 مليون دولار هو معركة استنزاف، وإن لم تسقط فهي قادرة على تخريب مقاتلات وقاذفات استراتيجية ثمنها عشرات الملايين من الدولارات.
هذا الاختلال الصارخ بين “تكلفة التهديد” و”تكلفة الرد عليه” يكشف عن معضلة استراتيجية لم تجد الجيوش الكبرى بعد حلاً جذرياً لها: كيف يمكن مواجهة سلاح بسيط ومنتشر، دون الإفراط في استخدام وسائل دفاع باهظة وغير مستدامة. ومن هنا، يتّضح أن الحرب لم تعد تُخاض فقط على أساس من يمتلك السلاح الأقوى؛ بل أيضاً على من يستطيع الإنهاك بأقل تكلفة وأكبر مرونة، وهو بالضبط ما يجعل الطائرات المسيّرة، حين تقترن بالخوارزميات، سلاح المرحلة المقبلة.
هذا التطور يُعيد تعريف مفهوم “التفوق” من خلال “الكم” و”الضخامة” إلى التفوق النوعي، فحينما يمتلك الخصم المزيد من السفن والمزيد من الصواريخ والمزيد من المقاتلين، في مقابل محدودية الأسلحة والأفراد التي يمتلكها الطرف الآخر؛ تصبح الأسلحة القابلة للتضحية في هذه الحالة فعالة أمام الكتل الضخمة مرتفعة التكلفة. وفي هذه الحالة تستطيع الجيوش الصغيرة زيادة فاعليتها وتأثيرها أمام الجيوش الضخمة عبر أدوات ذكية ورخيصة، وبالمثل تستطيع الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية أن تمتلك ميزة نسبية من خلال هذه التقنيات في مواجهة الجيوش النظامية؛ مما يغير من معادلة التفوق العسكري.
كما أن المفهوم التقليدي للردع تأثر أيضاً بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ لم يعد بمقدور أي خصم أن يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تنفّذه وما هي قادرة عليه، فهي تقنيات مربكة لساحة المعركة ولأدوات القتال التقليدية، كما أنها قللت من فاعلية الردع التقليدي؛ لأنها جعلت كلفة الهجوم منخفضة، فحين تتاح وسائل الضرب بتكلفة زهيدة يصبح من السهل المبادرة فيسقط معها الردع؛ ومن ثم أصبحنا أمام بيئة ردعية جديدة، لم تعد تقوم على وضوح العقوبة؛ بل على ضبابية القدرة وتعدّد سيناريوهات التهديد، حيث الخوف لا يأتي مما نعرفه؛ بل مما لا نستطيع التنبؤ به.
وما حدث في عملية شبكة العنكبوت أثبت مفهوم “شبكية” الحرب؛ أي لامركزيتها، فمجموعة من المسيرات، التي قد يتم تجميعها محلياً، تتحكم فيها مجموعة من الخوارزميات، وتنطلق من شاحنات قد تكون ذاتية القيادة في مناطق متفرقة من الدولة، وتتوجه لضرب قواعد عسكرية شديدة التأمين أو حتى بنية تحتية حرجة أو اغتيال قادة سياسيين وعسكريين، دون الحاجة إلى وجود مقاتلين على الأرض أو إرسال صواريخ عبر الحدود، وبعد كل ذلك قد لا يتبنى هذه العملية أحد ويظل المتهم الرئيسي هو “الذكاء الاصطناعي”.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”