الإفتاء: القرآن أمرنا بالرجوع والتوبة عند ارتكاب الخطأ
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
التوبة والرجوع إلى الله.. قالت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد، مفتي الديار، إن النصوص الشرعية الكريمة من الكتاب والسنة المطهرة اتضح أن من ارتكب ذنبًا أو إثمًا عليه أن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، كما عليه أن يكثر من الاستغفار وتلاوة القرآن والصلاة والصدقة: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 39].
وأوضحت الإفتاء أنه ورد أن هذه القربات تمحو الخطايا، داعية الله تعالى قبول التوبة من التائبين وأن يهدينا جميعًا الصراط المستقيم.
حكم التوبة والندم من القرآن الكريم والسنة
قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].
وقال جل شأنه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 133-135].
وقال عز من قائل: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام البخاري: «وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
دعاء التوبة
اللهم أنت وربي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين. اللهم إني أذنبت ذنبًا كثيرًا فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد اغفر لي خطيئتي كلها. استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
دعاء الاستغفار والتوبة
«اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ».
وفي خطبة جمعة سابقة، ألقى فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق خطبة بتاريخ 12-8-2005، تناول فيها أهمية خطبة الحاجة التي استهل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلامه، مشيرًا إلى ما رواه عبد الله بن مسعود: "كان يعلمنا خطبة الحاجة كما يعلمنا القرآن"، دلالة على أهميتها ومكانتها في الإسلام.
الآية العظيمة: دعوة للاستمرار على ذكر اللهاستشهد فضيلة الدكتور بالآية الكريمة من سورة آل عمران:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.
وأوضح أن هذه الآية تعد من أعظم آيات القرآن من حيث العمل؛ إذ تدعو المسلم للبقاء على ذكر الله وطاعته حتى يأتيه الموت وهو على الإسلام. فالإنسان لا يعلم متى يموت، ولذا يجب أن يكون دائم الذكر والعبادة، دون غفلة أو نسيان.
وأشار فضيلته إلى أن الغفلة عن الله سبحانه وتعالى هي عائق بين العبد وربه، وأن هذا النقص البشري يدعو المسلم إلى الاستغفار والتضرع لله ليغفر له هذه الغفلة.
تحويل العادات إلى عبادات: جوهر الإصلاحناقش فضيلة الدكتور أهمية تحويل العادات اليومية إلى عبادات بنية صالحة خالصة لله تعالى، محذرًا من أن تحول العبادة إلى عادة هو أول طريق الفساد. فالصلاة، على سبيل المثال، إذا أداها المسلم دون خشوع أو تركيز، تتحول إلى عادة لا تؤدي وظيفتها التي أرادها الله لها، وهي النهي عن الفحشاء والمنكر كما جاء في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
أشاد جمعة بالسلف الصالح الذين استطاعوا تحويل العادات إلى عبادات من خلال تطبيق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". فكانوا يخلصون النية في جميع أفعالهم وأقوالهم، حتى في أبسط أمور حياتهم اليومية، فصاروا عبادًا ربانيين يستجيب الله لدعائهم.
استعدادًا لرمضان: دعوة للتقوى والإخلاصاختتم الدكتور الخطبة بدعوة المسلمين لاستثمار شهر رجب الفرد كتهيئة روحية لشهر رمضان، وتحقيق معنى التقوى في قوله تعالى:
﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾.
وحثهم على نقل أنفسهم من دائرة الغفلة إلى دائرة رضا الله، وتحويل عباداتهم إلى إخلاص كامل، وعاداتهم إلى عبادات تقربهم من الله سبحانه وتعالى.
إن خطبة الجمعة هذه تحمل دعوة واضحة لإحياء القلوب بالذكر، وتحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى، والسعي لأن تكون كل لحظة في حياة المسلم فرصة للتقرب إلى الله، استعدادًا لمواسم الخير والطاعة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التوبة حكم التوبة دعاء التوبة التوبة والاستغفار الإفتاء سبحانه وتعالى إلى عبادات إلى الله
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 6 من سورة القارعة: ” فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ”.
مما استوقفني في هذه الآية ثلاث مسائل، الأولى: لماذا جاء ثقل الموازين دلالة على زيادة الأعمال الصحيحة، مع أن الميزان واقعيا يوازن بين شيئين، فهو إما أن تضع الشيء في كفة وفي الكفة الأخرى ما يعادله من أثقال مقدرة، فتحسب قيمة الثقل الموازن لتعرف وزن الشيء الموزون، وإما أن تضع الشيئين فتنقص أو تزيد من أحدهما لكي يتعادلا فيصبحا بالوزن ذاته.
في الحالتين يلزم الميزان التوازن، فإن رجحت كفة فلا يعلم مقدار زيادة وزنها إن كان قليلا أو كثيرا إلا بالترجيح وهو إضافة أثقال معلومة وحساب قيمتها.
فإن كانت الحسنات في كفة والسيئات في الأخرى، فلماذ اعتبر الله تعالى ثقل الميزان لصالح الصالح، وأنّ خِفّتَها تعني رجحان السيئات؟، مع أن كفة السيئات من الممكن أن تكون الراجحة، فلم يقل من ثقلت (أي رجحت) كفة أعماله الصالحة، بالمقابل من ثقلت كفة أعماله السيئة؟.
معنى ذلك أنه تعالى لم يقم وزنا للأعمال السيئة!، أليس في ذلك بشارة وطمأنة للبشر؟
إذاً فالعمل الصالح هو المعتبر عنده تعالى، وهو الذي له قيمةٌ وحساب، وتقدير قيمته عائد لعدل الله وكرمه، وتقدير قيمة السيء من العمل عائد لرحمة الله وعفوه.
التساؤل الثاني يتعلق بدلالات استعمال الميزان في التقييم، وهو عنوان العدالة، إذاً فالأمر ليس تقديريا، بل يُحسب بدقة، فكل شيء فعله في الدنيا أحصاه الله، و”لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى” [طه:52]، و”وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا” [الإسراء:13]، لذا فلا يستصغر المرء أعماله التي قصد بها رضا الله تعالى مهما ضؤلت، لأنه لا يهمل الله أمرا كان بقصد نيل رضاه جل وعلا مهما قل، ولا أمرا أغضب الله فيه مهما صغر” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” [الزلزلة:7-8]، وإنه “لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً” [الحجرات:14].
من هنا يتعلم المرء حسن الأخلاق، فليس عمل الخير مقصورا على من يملك المال، بل الكلمة الطيبة والإبتسامة والود في التعامل وحتى في رفع الأذى عن الطريق، كل ذلك رصيد له يوم لا يتمنى المرء غير إثقال الميزان.
كما جاءت لفظة الموازين بصيغة الجمع لأن الصالحات كثيرة التنوع ومتفاوتة في الأثر، فلا تقاس بميزان واحد، فذكر الله يقاس بمقدار ما حققه من تقوى وبعد عن المعاصي وليس بعدد الأذكار، والصدقات بمقدار النفع المتحقق وليس القيمة، ونوافل العبادات بالإخلاص في أدائها وليس بعددها، والجهاد بمقدار صدق النية في التضحية وليس بعدد المعارك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقدار الأثر المتحقق،..الخ.
وأما الثالثة فهي في دلالة استعمال (راضية) والتي هي إسم فاعل، ولم ترِدْ (مرضي عنها)، أي في مقام إسم المفعول، فالمفترض أنّ العبدَ هو الذي يرضى عن العيشة.
إن استعمال اسم الفاعل في مقام اسم المفعول أحد الإعجازات القرآنية الباهرة ، ومثلها قوله تعالى:”جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا” [الإسراء:45]، فالحجاب يكون ساترا أي إسم فاعل فكيف جاء مستورا(اسم مفعول)؟، قال العلماء في تفسير ذلك أنه يكون حجابا مضاعفا بطبقات عديدة تستر بعضها بعضا، وإذاً فتفسير العيشة الراضية أنها ليست مُرضِيةً فحسب، بل هي متعددة الإرضاء، وكأنها هي الراضية بذاتها عن العبد، لأنها محققة لجميع ضروب السعادة والكفاية.
كم من الكنوز النفيسة في قرآننا العظيم، والتي مهما نقب الإنسان سيجد منها الجديد في كل عصر، وبما وسعته مدارك كل زمان، لذلك حض الله على دوام التفكر في كتابه، ولم يقل بالاقتصار في فهمه على ما جاء به الأولون، وذلك لأجل استنباط فهم جديد ينفعهم في حل مشكلات استحدثت بفعل التطور والتغيير على مر الأزمنة.
فالحمد لله على هذه النعمة الدائمة الباقية أبد الدهر، قد تزول أية نعمة لكنها لا تزول.