أنواع الصدقات.. انشر الخير في جميع جوانب حياتك
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
الصدقة مفهوم إسلامي يعكس روح التضامن والعطاء، وهي ليست مقتصرة على تقديم المال للفقراء والمحتاجين، بل تتجاوز ذلك لتشمل كل ما يمكن أن يقدمه الإنسان من خير للآخرين أو حتى لنفسه، ويؤكد الإسلام على تنوع الصدقات وامتداد أثرها ليشمل العديد من الأفعال اليومية التي قد يغفل الإنسان عن قيمتها.
الصدقة على النفس وأفراد الأسرة
في الحديث الشريف الذي رواه المقْدَام بن معدي كرب رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ» [رواه أحمد].
يوضح هذا الحديث النبوي الشريف أن الإنفاق على النفس وأفراد الأسرة، بما في ذلك الأبناء والزوجة والخدم، يُعد صدقة يحتسب أجرها عند الله. فالطعام الذي يقدمه الإنسان لنفسه أو لأسرته، والذي قد يُنظر إليه على أنه مجرد واجب أو عادة يومية، يتحول في الإسلام إلى عبادة وقربة.
الصدقة في المال والعمل والكلمة الطيبة
لا تقتصر الصدقة على الأمور المادية مثل تقديم المال، بل تشمل أيضًا الأعمال الحسنة والكلمات الطيبة. ففي الحديث الشريف: «كلُّ سُلامَى من الناس عليه صدقة كل يومٍ تطلع فيه الشمسُ: تعدلُ بينَ اثنينِ صدقةٌ، وتعينُ الرجلَ في دابَّتهِ فتحملُه عليها أو ترفعُ له عليها متاعَه صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ» [متفق عليه].
يتضح من هذا الحديث أن الإصلاح بين الناس، وتقديم المساعدة للآخرين، والتعامل بالكلمة الطيبة، كلها أشكال للصدقة. فالعمل الخيري يمكن أن يكون بأبسط الوسائل، مثل الابتسامة أو تقديم النصيحة.
الصدقة الجارية: أجر مستمر لا ينقطع
من أبرز أنواع الصدقات في الإسلام الصدقة الجارية، وهي ما يستمر نفعها حتى بعد وفاة صاحبها. وقد قال النبي ﷺ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» [رواه مسلم].
تشمل الصدقة الجارية بناء المساجد، حفر الآبار، إنشاء المدارس، أو أي مشروع يستمر في تقديم النفع للناس. وهي فرصة عظيمة لكل مسلم يسعى إلى ترك أثر طيب يمتد حتى بعد رحيله.
أهمية الصدقة في بناء المجتمع
تلعب الصدقة دورًا محوريًا في تحقيق التكافل الاجتماعي، حيث تُسهم في تخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين، وتعزيز روح المحبة بين أفراد المجتمع. كما أنها وسيلة لتطهير النفس من البخل والأنانية، ونيل رضا الله ومغفرته.
الصدقة في الإسلام ليست مجرد التزام مادي، بل هي نمط حياة يُعبر عن الرحمة والإنسانية. من خلال الأفعال البسيطة، مثل الإنفاق على الأسرة، أو الكلمة الطيبة، أو العمل الخيري المستدام، يستطيع المسلم أن يحوّل كل تفاصيل حياته إلى طاعة وقربة لله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصدقة الصدقة الجارية الصدقات الصدقة في الإسلام
إقرأ أيضاً:
عبيد الله لا عبيد البشر.. كتاب عن الإسلام وتمرد المستعبَدين في العالم الجديد
شكّلت العبودية في الأمريكيتين واحدة من أبشع الظواهر في التاريخ البشري، حيث تم اقتلاع الملايين من الأفارقة من أوطانهم ونقلهم قسراً إلى العالم الجديد للعمل في ظروف لا إنسانية. في قلب هذا الظلام، برزت قصص مقاومة وصمود، كان من أبرزها دور المسلمين من غرب إفريقيا الذين لم يحملوا معهم فقط أجسادهم المقيدة بالسلاسل، بل أيضاً تراثاً دينياً وثقافياً غنياً. فقد أسهم هؤلاء المسلمون، رغم القمع والعزل، في إذكاء روح التمرد وقيادة حركات مقاومة ضد نظام الاستعباد، مستندين إلى قيم الإسلام وتقاليده الجهادية التي شكلت مصدر إلهام وأداة تنظيم في وجه الظلم. هذه المقدمة تمهد لفهم أعمق للعلاقة بين الدين، والهوية، والتحرر، كما يستعرضها داود عبد الله في دراسته المعمقة.
في كتابه الجديد "الإسلام، العِرق والتمرّد في الأمريكيتين: أصداء الجهاد في غرب إفريقيا عبر الأطلسي"، "Islam, Race and Rebellion in the Americas: Trans-Atlantic Echoes of the West African Jihads"، يقدم الباحث داود عبد الله قراءة معمقة وجديدة لتاريخ العبيد المسلمين في الأمريكيتين، ويفتح نافذة على جانٍ تاريخي ظلّ مهمّشاً، وهو دور الإسلام وجهاد غرب إفريقيا في تحفيز التمردات والثورات ضد نظام العبودية القاسي.
تبدأ مقدمة الكتاب بتسليط الضوء على فظاعة العبودية من نوع العبودية المطلقة (Chattel Slavery) التي شهدتها الأمريكيتين والكاريبي، حيث تم اعتبار الأفارقة عبيداً بأبشع صور التجريد من الإنسانية، حيث وُصفوا بألقاب مهينة مثل "حمير السكر" و"عبيد القطن". ويبرز الكتاب كيف أن التاريخ الثقافي والفكري لحركات الجهاد في غرب إفريقيا أثر بعمق على العبيد المسلمين الذين تم نقلهم إلى العالم الجديد، مؤكداً أن الأفكار والصراعات التي كانت سائدة في مجتمعات غرب إفريقيا انتقلت معهم عبر الأطلسي.
يرى المؤلف أن الإسلام في الأمريكيتين لم يكن مجرد بقايا ثقافية أو طقوس عابرة، بل كان حركة فكرية وسياسية متواصلة، دافعاً مركزياً للمقاومة والتمرد، حافظ على هوية السود في مواجهة الاستعباد والاضطهاد، وأسهم في تغيير مجرى التاريخ نحو الحرية.يناقش الكتاب جدلية مركزية في الدراسات المتعلقة بالعبودية، بين من يرى أن العبودية كانت نتاجاً اقتصاديًا في المقام الأول، كما قال إريك ويليامز، وبين من يعتبر العبودية ظاهرة عنصرية بحتة كما ترى الصحفية الأمريكية نيكول هانا-جونز، ويبين أن الإسلام لم يكن مجرد دين بل أداة ثقافية وسياسية عززت مقاومة العبيد وواجهت نظام العبودية الظالم.
يتناول الكتاب كذلك الخلفية التاريخية للعبودية عبر الأطلسي، حيث كانت البرتغال أول من استخدم العبيد من غرب إفريقيا في أوروبا، مستندة إلى مبررات دينية وسلطوية عبر وثائق بابوية، مستعرضاً كيف استمرّ الصراع بين المسيحية والإسلام حتى في المستعمرات الجديدة، مع وجود مشاعر عداء عميقة لدى البرتغاليين تجاه المسلمين، تم نقلها إلى البرازيل وأماكن أخرى.
يبرز دور العبيد المسلمين في الثورات التي شهدتها مناطق مثل باهيا البرازيلية (1835)، حيث قادوا تمرداً مسلحاً مستوحى من تعاليم الإسلام، مستعينين بالعربية والمساجد كوسائل تعبئة، في دلالة واضحة على التماسك الثقافي والروحي رغم القسوة.
ويُبيّن الكتاب أن العلاقة بين العبيد وأسيادهم في الأمريكيتين كانت توتراً مستمراً، تغذيه جذور تاريخية تعود إلى الحروب الصليبية والصراعات الإسلامية–المسيحية في العصور الوسطى. وأن المسلمين الذين تم استعبادهم لم يستسلموا أبداً، بل حافظوا على هويتهم الدينية والثقافية، وكانوا مستعدين للموت في سبيل الحرية، معتمدين على فكرة الشهادة في الإسلام.
تستعرض الفصول المتقدمة جذور الجهاد في غرب إفريقيا، وكيف ألهمت حركات مثل جهاد الشيخ عثمان دان فوديو في نيجيريا الثورات في الأمريكيتين، وتناقش الاختلافات الدقيقة في ممارسات العبودية بين المستعمرات الإسبانية والإنجليزية، لا سيما في كيفية تعاطي العبيد مع اللغات والثقافات الأوروبية، حيث حافظ المسلمون على تعلمهم للعربية كأداة تواصل سرية.
يؤكد الكتاب أيضاً على أن أثر هذه الثورات لم يتوقف عند مجرد مقاومة العبودية، بل شكل الأساس لنشوء حركات العودة إلى أفريقيا، ومهد لظهور حركات البان أفريقي والعودة إلى الجذور، وظهور تيارات إسلامية جديدة في الشتات الأمريكي في القرن العشرين، مثل "معبد العلوم الموريسكي" و"أمة الإسلام" والحركات الحقوقية.
ويرى المؤلف أن الإسلام في الأمريكيتين لم يكن مجرد بقايا ثقافية أو طقوس عابرة، بل كان حركة فكرية وسياسية متواصلة، دافعاً مركزياً للمقاومة والتمرد، حافظ على هوية السود في مواجهة الاستعباد والاضطهاد، وأسهم في تغيير مجرى التاريخ نحو الحرية.