جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-18@20:11:50 GMT

ترامب.. والعودة إلى سدة الحكم

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

ترامب.. والعودة إلى سدة الحكم

 

 

علي بن سالم كفيتان

قد يستغرب الكثيرون في العالم كيف يحصل رجل مثل دونالد ترامب على ثقة الناخب الأمريكي ويعود للسلطة مع أغلبية في مجلس النواب والشيوخ الأمريكي، إذا ما نظرنا إلى شخصيته المُتحرِّرة من البروتكولات الرئاسية، وتعامله العفوي مع القضايا، وصراحته في الإعلان عن سياساته الاقتصادية والاجتماعية ونزعاته السياسية التوسعية لأمريكا، بعد إعلان نيته السعي لتغيير اسم خليج المكسيك ليكون "خليج أمريكا"، أو الحديث عن استعادة السيطرة على قناة بنما، وضم جرينلاند وكندا كنجمتين جديدتين في العلم الأمريكي.

كل هذا قد يبدو ضربًا من الجنون للساسة في العالم، ومع كل ذلك، صوَّت الأمريكيون لترامب لأنه وعدهم بتحسين الاقتصاد وتوفير الوظائف وفرض الهيمنة على الأعداء والمنافسين مثل الصين والاتحاد الأوربي، والتقارب مع روسيا، وإنهاء حرب أوكرانيا وحرب غزة، ليس لأن الرجل مُحب لهذه الدول أو تلك الشخصيات؛ بل لكون الأمر يستنزف الكثير من الأموال من الخزينة الأمريكية، حتى زياراته للدول تعتمد على مقدار الأموال التي ستحصل عليها أمريكا عقب كل زيارة؛ فالأجندة مالية بامتياز، وعلى العالم أن يعي ذلك تمامًا.

نتوقع أن يخضع الشرق الأوسط لابتزاز غير مسبوق من أجل العودة لـ"اتفاقيات إبراهام" مع إسرائيل؛ حيث إنَّ رحيل بشار الأسد وعودة الاستقرار إلى سوريا، وتحييد "حزب الله" في لبنان وعودة الحياة السياسية إلى لبنان، وإنهاء حرب غزة بسرعة غير متوقعة وإجبار نتنياهو على القبول بوقف إطلاق النار والتفاوض مع حماس، كل هذه الأمور عبارة عن مُقدِّمات للنسخة المُعدَّلة من "صفقة القرن" التي فشلت نسختها الأولى. وبعودة راعي المبادرة، أصبح أمر التعامل معها حتميًا في ظل المُعطيات على الساحة السياسية. وهذا السيناريو نجح في تقديم أحمد الشرع كزعامة إسلامية معتدلة في سوريا غير معادية لإسرائيل، والأمر ذاته في لبنان بانتخاب رئيس جمهورية ورئيس وزراء لا يوليان اهتمامًا يُذكر بمواجهة إسرائيل، في ظل التوجه نحو تحسين الاقتصاد والمستوى المعيشي للبلدين، بدعم غربي وعربي غير مسبوق. وستكتمل الصورة بعودة سلطة الرئيس محمود عباس لحكم غزة، وإبعاد حماس وفصائل المقاومة عن المشهد السياسي، ولن تسلم الدول التي أبعدت نفسها عن مسار التطبيع من الضغط؛ مما قد يوقعها في خيارين أحلاهما مُر؛ إما السير عكس سفينة ترامب وتحمل العواقب، وأما الإبحار معها.

استفادت الدول النفطية من خروج ترامب 4 سنوات من السلطة، فازدهرت الأسعار وعالجت الكثير من الحكومات مديونياتها، وحسَّنت من مستوياتها الاقتصادية ورفعت تصنيفها الائتماني العالمي، وكل ذلك كان مدفوعًا بالصراعات التي نشبت في العالم؛ مما أدى لارتفاع قيمة الطاقة في ظل الخوف من تبعات الحروب. وكان المستفيد الأول الدول المنتجة للنفط، فهل إطفاء الحروب الذي يتبناه ترامب سيهوي بأسعار النفط مجددًا ويُعيدنا إلى سقف منخفض لقيمة البرميل؟ هذا متوقع جدًا إذا ما عدنا إلى سياسة ترامب في ولايته الأولى (2016- 2020)، فقد عمِل على الاستعانة بالمخزون الاستراتيجي الأمريكي والضغط على منظمة "أوبك" لإغراق السوق بالمعروض؛ مما هوى بالأسعار إلى مستويات متدنية انعكست كسادًا وتضخمًا وديونًا على أرباب النفط في العالم، وأكبر المتضررين كانت الدول الخليجية بلا شك.

من ضمن قرارات ترامب التي وقَّعها في اليوم الأول قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وهو نفس القرار الذي اتخذه في ولايته الأولى، قبل أن يعود بايدن للاتفاقية. ترامب كرجل أعمال ينظر إلى الاتفاقية من زاوية تحجيم الاقتصاد الأمريكي القائم على الصناعة، التي تستهلك الوقود الأحفوري، ومن هنا- ومن وجهة نظره- أنه ليس من المنطقي أن يُقيِّد اقتصاد أمريكا الذي يتربع على عرش العالم بأفكار قادمة من مؤتمر باريس للمناخ الذي عُقد في 2015، ويرى فيه ترامب فلسفة أوروبية غير حميدة لإبطاء السيادة الاقتصادية الأمريكية للعالم، وتُقيِّدها بحبال المناخ، والتوجه نحو مصادر بديلة للطاقة غير النفط والغاز، اللذين يُبقيان أمريكا على عرش العالم. لذلك يتوجه ترامب دائمًا للتنصل من اتفاقية المناخ، ويتوجه لفرض ضرائب عالية على المنتجات الأوروبية، ويرفع قيمة النفط الأمريكي إلى أوروبا، ويُساوِم دول حلف شمال الأطلسي على زيادة مساهمتها في ميزانية الحلف بما يصل إلى 2% من دخلها القومي؛ فهو يرى أن الحلف يحمي أوروبا بالدرجة الأولى، وهي لا تدفع ما يكفي لتلك الحماية، وهو ذات الابتزاز لدول الخليج النفطية.

بوصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى الحكم، ستنتهي الحروب، ولن يدخل في مواجهة مع الصين أو روسيا، لكن على الجميع أن يستعد لتقديم ما يكفي من الإتاوات في هيئة أموال مباشرة أو استثمارات أو ارتهان القرار السياسي على أقل تقدير، ولا شك أننا مقبلون على تراجع في أدائنا الاقتصادي في عهد ترامب إذا صدقت النبوءة!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ما العامل الحقيقي الذي حقق به ترامب صفقة غزة؟

ترجمة: أحمد شافعي

كثرت الإشادات بدبلوماسية الرئيس ترامب في وساطته لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتركز أغلبها على كيفية إقناعه بنيامين نتنياهو بقبول الاتفاق. فافترض كثيرون أن الرئيس ترامب هدد بسحب الولايات المتحدة لدعمها من إسرائيل أو أنه ضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بطريقة أخرى من أجل التسليم.

لكن نجاح الرئيس ترامب له تفسير آخر أكثر إقناعا. فبعيدا عن محض تهديد نتنياهو بعواقب الأمور، جاء تدخل الرئيس الأمريكي أساسا بإعطاء شريان حياة سياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي ذي الشعبية الضئيلة بشدة. فكان سر نجاح الرئيس ترامب مع نتنياهو يكمن في عرضه جزرات في السياسة الداخلية، لا عصيًا في السياسة الخارجية.

ثمة عوامل خارجية مهمة بطبيعة الحال هي التي وضعت الأساس للاتفاق. فقد انتهت إسرائيل وحماس كلتاهما أخيرا إلى أن استمرار الحرب طرح خاسر. فبالنسبة لحماس، كانت عمليات إسرائيل على مدار العام الماضي مهلكة؛ إذ تعثرت قدرة الحركة على المناورة وإعادة تزويد نفسها بالإمدادات، وانقطعت مصادر تمويلها، فضلا عن القضاء على كبار قادتها، وخارج غزة، ضعف أنصار حماس في محور المقاومة أيضا بسبب غارات إسرائيل على لبنان وسوريا واليمن وإيران نفسها، ووجدت حماس نفسها معزولة في المنطقة ورأت شعبيتها ماضية في التراجع داخل غزة.

وبالنسبة لإسرائيل، بلغت الحرب نقطة القشة التي تقصم ظهر البعير. فلم تعد مكاسبها من العمليات العسكرية تغلب انهيار مكانة إسرائيل الدولية، وتآكل الدعم الأمريكي من الحزبين بسبب وفيات المدنيين في غزة أو الضغط على الجيش الإسرائيلي المنهك بسبب الحرب. وجاءت مرحلة الحرب الجديدة التي أعلنها نتنياهو في الصيف ـ وسعت منها إسرائيل إلى السيطرة على أغلب قطاع غزة وإخلاء شمال غزة مرة أخرى من حماس ـ فألزمت القوات الإسرائيلية باستنزاف لا يمكن احتماله للذخيرة والقوة البشرية.

وكانت الضربة التي نفذتها إسرائيل في وضح النهار لقادة حماس السياسيين في الدوحة لتمثل فرجة هي الأخرى. فقد كان غضب العالم الإسلامي المتصاعد منذ عامين بسبب آلام غزة يفرض بالفعل ضغطا على القادة في أرجاء الشرق الأوسط. وكان الكثير يناصرون سرا تفكيك حماس لكنهم ما كانوا ليخاطروا بردة فعل محلية إذا ما ظهر أنهم يدعمون حملة إسرائيل العسكرية. ثم جاءت ضربة إسرائيل للدوحة فجلبت الحرب عليهم، مهددة بإلغاء العقود غير المكتوبة بين الحكم والمحكومين. وأصغى ترامب لقادة دول الخليج المستائين، فاستغلوا ذلك.

يمضي بنا هذا إلى دور الرئيس ترامب الذي لم ينصب إسهامه المهم على الضغط على نتنياهو بقدر ما غاص عميقا في مستنقعه السياسي. لم يتردد الرئيس بايدن قط في دعمه لحملة إسرائيل الرامية إلى تفكيك حماس بعد أهوال السابع من أكتوبر. لكن فريق الرئيس بايدن مارس أيضا ضغوطا ـ من قبيل منع ذخائر معينة والشجب العلني لبعض جرائم الحرب الإسرائيلية ـ ليدفع إسرائيل إلى حماية المدنيين وزيادة المساعدات الإنسانية. وعندما رجع الرئيس ترامب إلى السلطة، أنهى أي حالة من الوضوح مع نتنياهو بشأن غزة. فلم يعترض الرئيس ترامب حينما أوقفت إسرائيل جميع المساعدات الإنسانية لغزة في مارس. ولم يهدد بسحب الدعم الأمريكي، برغم مؤشرات تنذر بمجاعة في قطاع غزة وتكاثر التقارير عن وفيات المدنيين.

افترض كثير من المحللين أن نتنياهو ـ المعرض للضغط من ائتلافه اليميني المتطرف ـ لن يقبل أي إنهاء للحرب دونما استسلام تام من حماس. فأي تسوية تستطيع بها حماس إعادة تأكيد وجودها قد تؤدي إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل، وتكلف نتنياهو رئاسة الوزراء وتنزع عنه أسلحته في مواجهة محاكماته في قضايا الفساد.

ونقض الرئيس ترامب هذا السيناريو. فقد أغدق الرئيس الأمريكي الثناء على نظيره، موفرًا له الحماية السياسية الناجمة عن شعبية الرئيس ترامب الطاغية في إسرائيل. وفي المقابل، وافق نتنياهو على مقترح الرئيس ترامب بإطلاق سراح الرهائن والسماح لحماس بالنجاة في الوقت الراهن.

وفي يونيو، ظهرت بادرة مبكرة لهذا التدخل السافر في السياسة الداخلية الإسرائيلية، حينما نشر ترامب على موقع «تروث سوشيال» منشورًا عن اتهامات الفساد التي يواجهها نتنياهو واصفًا إياها بأنها «مطاردة ساحرات سياسية» وداعيًا إلى إلغاء هذه المحاكمات. وبعد أسابيع، في خطوة غير معهودة إلى حد كبير، حضر السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هوكابي إحدى جلسات محاكمة نتنياهو.

وبعد الفتح الذي تم الأسبوع الماضي، جلس مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر عن يمين نتنياهو وشماله في اجتماع بمجلس الوزراء الإسرائيلي، منخرطين انخراطًا مباشرًا في جدال داخلي حول الموافقة على اتفاقية وقف إطلاق النار. ومضى ويتكوف وكوشنر إلى الثناء على نتنياهو في مسيرة بميدان الرهائن بتل أبيب، برغم صيحات الاستهجان من الجموع المشاركة. وأخيرا، وفي الواقعة الأشد غرابة، توقف الرئيس ترامب خلال خطبة الانتصار التي ألقاها أمام الكينيست الإسرائيلي وحث الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوج على العفو عن رئيس الوزراء في اتهامات الفساد الجاري محاكمته بسببها.

هذا هو العامل الحقيقي الذي استعمله ترامب في اتفاق غزة: الضغط بالإبهام الرئاسي على ميزان العملية الانتخابية والقانونية في إسرائيل.

وثمن المنجز الذي تحقق اليوم سوف يكون السبب في الاضطراب غدا. فمن أجل الحفاظ على دعم القادة العرب والمسلمين لاتفاق وقف إطلاق النار، سوف تحتاج إسرائيل إلى ضبط النفس حينما تواجه مقاومة حماس الحتمية لنزع السلاح. لقد تحدت حماس وقف إطلاق النار في غضون ثمان وأربعين ساعة فقط من إبرامه بإطلاق النار على مقربة من خط الانسحاب الإسرائيلي بما جعل الجيش الأمريكي يصدر تحذيرًا مقتضبًا.

سيكون الواقع الجهم متزايد القسوة على نتنياهو خلال موسم الحملة الانتخابية القادم إذ يستمر الهجوم عليه لقبوله الاتفاق الذي يبقى حماس في موضعها. وقد يستدرج الرئيس ترامب إلى موضع أعمق في السياسة الإسرائيلية في ظل سعيه إلى حماية نتنياهو من حصار اليمين في مجلسه الوزاري ويمنع انهيار وقف إطلاق النار الهش.

كل هذا يجعل السلام مضطربا. فالرئيس ترامب يربط الولايات المتحدة بزعيم ضئيل الشعبية قاوم حتى الآن أي محاسبة له على دوره في كارثة السابع من أكتوبر وعواقبها. ويبدو أن نجاة نتنياهو السياسية الآن تعتمد على الرئيس ترامب شخصيا برغم الشكوك المتزايدة من اليمين واليسار الأمريكيين في دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وفي الوقت الذي يمضي فيه كلا البلدين إلى انتخابات تشريعية تشهد الكثير من المنافسة والاستقطاب والضراوة في العام القادم، فقد يجد الرئيس ترامب عما قريب أن اللعب في سياسات غيره أمر محفوف بالخطر.

دانا سترول مديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ونائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابقة لشؤون الشرق الأوسط.

الترجمة عن نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • ما العامل الحقيقي الذي حقق به ترامب صفقة غزة؟
  • رفع الجلسة الأولى لمجلس الشيوخ والعودة للانعقاد 26 أكتوبر الجاري
  • ياسر جلال: الرئيس السيسي لا يخاف أحدًا.. والشعب واعٍٍ ومدرك حجم التحديات التي تواجه الدولة
  • مدان بالإباحية والسرقة.. ترامب يخفف الحكم بحق نائب كونجرس
  • حطين الثانية.. قصة الأشرف الذي حطّم أحلام الصليبيين في العالم الإسلامي
  • جواز السفر الأمريكي يهبط من القمة بعد 20 عاما
  • في ذكرى رحيله.. يوسف وهبي أيقونة الفن العربي وصوت المسرح الذي لا ينضب
  • في ذكراه الأولى.. يحيى السنوار القائد الذي جعل من الأسر مدرسة للحرية
  • تراجع غير مسبوق لجواز السفر الأمريكي عن قائمة الأقوى عالميًا والإمارات ضمن الـ10 المتصدرين
  • وزير الجيش الاسرائيلي”يأمر بإعداد خطة لتدمير حماس والعودة للحرب “