لجريدة عمان:
2025-05-30@09:10:31 GMT

الزحف الصيني التقني ومستقبل الهيمنة الأمريكية

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

تسابقت وسائلُ الإعلام العالمية في تناول الحدث الرقمي الأبرز في الأسبوع المنصرم الذي يتعلق بالمفاجأة الصينية المتمثّلة في نموذجها التوليدي «ديب سيك» «DeepSeek» المنافس للنماذج الأمريكية مثل «شات جي بي تي» و«جمناي»، ولم تكن المفاجأة في قدرات النموذج الصيني اللغوية والتحليلية فحسب بل في تكلفة تطويره التي لم تتجاوز 6 ملايين دولار -وفقَ تصريح شركة «ديب سيك»- في حين أن تكلفة تطوير النماذج الأمريكية وصلت إلى مئات المليارات من الدولارات؛ فأربك التفوّقُ الصيني شركاتِ التقنية الأمريكية العملاقة مثل «جوجل»، و«مايكروسوفت»، و«أوبن ايه آي»، وأركس قيمتها السوقية وكبدها خسائر باهظة أثارت حفيظة الحكومة الأمريكية؛ فأظهر الرئيس الأمريكي امتعاضه وأعاد تصعيد تهديداته للصين نتيجة زحفها السريع إلى عالم التقنية الذي يراه تهديدًا وجوديًا للهيمنة الأمريكية التقنية والاقتصادية والعسكرية.

تجاوزت الأزمةُ حدودَ الامتعاض والخوف إلى مرحلة التشكيك الأمريكي بنزاهة الشركة الصينية -كما هو معتادٌ في كل معركة اقتصادية وصناعية مع الصين- المطوّرة للنموذج التوليدي عبر توجيه اتهام مباشر -غير مُثبت حتى اللحظة- من قبل شركة «أوبن ايه آي» إلى الشركة الصينية بأنها استغلت البيانات الخاصة بشركة «أوبن ايه آي» التي تستعملها لنموذجها التوليدي «شات جي بي تي» واستعملتها في نموذجها الصيني «ديب سيك»، وأنها تستعمل آلية تدريب النموذج الخاصة بالشركة الأمريكية -وفقَ تحقيق نشرته البي بي سي-، ويستند هذا الادعاء -حسب شركة «أوبن ايه آي»- إلى مبدأ استحالة تحقق تدريب للنموذج الصيني على بيانات كبيرة بتكلفة قليلة جدا جعلت منه ذا قدرات عالية منافسة للنماذج الأمريكية. في خضّم هذا الصراع الرقمي بين الصين والولايات المتحدة، رأى الرئيس الأمريكي -بجانب مخاوفه- أن هذا التفوق الصيني الجديد وزحفه الرقمي السريع ينبغي أن يكون بدايةَ استفاقة لقطاع التقنية الأمريكية، وهذا ما يذكّرنا بالمخاوف الأمريكية الوطنية المستمرة مع قوى كبرى منافسة مثل أزمة تدنّي مستويات التعليم الأمريكية في ثمانينيات القرن الماضي الذي جعلها تطلق تقريرها الشهير «أمة في خطر» الذي كان متعلقا بالصراع الأمريكي مع الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة بينهما.بعيدا عن مناكفات الصحافة وتفاعلها مع مثل هذا الحدث؛ فإن الحدث وتناوله الإعلامي -خصوصًا الأمريكي- لا يخلو من المبالغة التي تعكس مخاوفهم القديمة من التنين الصيني الذي سبق أن حذّر الخبراء الأمريكيون من مخاطر الزحف الصيني في جميع قطاعات الصناعة وقدرته على التهام الصناعة الأمريكية وسحق اقتصادها، وبالتالي قلب موازين القوة العالمية؛ لتكون الصين الدولة الأقوى في العالم، وحينها ما نراه من حماس إعلامي أمريكي بشأن النموذج التوليدي الصيني ليس إلا جزءًا من السردية الأمريكية المعادية للنمو الصيني؛ فعبر تجربة شخصية، وجدت أن النموذج الصيني في مستويات توليدية لغوية وتحليلية عالية، ولكن مستوياته -الحالية- لا تجعله متفوقا -بالشكل الذي صوّرته لنا التقارير الإعلامية- على النسخة المدفوعة لـ«شات جي بي تي»، في حين أن المقارنة عادلة مع نسخة «شات جي بي تي» المجانية من حيث تفوّق النموذج الصيني «المجاني» على نظيره الأمريكي «المجاني». لا أجد الصراع الأمريكي-الصيني بشأن ظهور النموذج الصيني إلا في نطاق سياسي واقتصادي يعكس السباق على الهيمنة الرقمية في العالم التي تشكّل العمود الفقري للاقتصاد العالمي في زمننا الحالي؛ فنحن في عصر رقمي يتصدّر الذكاء الاصطناعي ونماذجه المدهشة صدارة الاقتصاد والتفوّق العسكري، فيكفي أن تخرج لنا تقارير عن الحرب التي شنّها كيان الاحتلال على غزة موثّقة استعمالات حصرية غير معهودة لأسلحة دمار وقتل تعمل بالذكاء الاصطناعي.لا بد من الإقرار أننا دخلنا مرحلةً رقمية تتصاعد فيها الصناعات الرقمية بتباين أنواعها واستعمالاتها في كل قطاعات حياتنا، ولا يمكن أن نتصور -كما يريد الإعلام الأمريكي والغربي- أن الأنظمة الرقمية والذكاء الاصطناعي محصورة في نماذج توليدية مثل «شات جي بي تي» و«ديب سيك»، ولكن هناك أنظمة ذكية تعمل بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي أكبر قيمةً للمطورين وأصحاب القرار من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين في جوانب يرونها تخدم مصالحهم الصناعية والاقتصادية والعسكرية، وفي حين لا تكون مخرجات هذه الأنظمة الذكية بالنسبة إلينا -العالم المتفرّج المستهلك- في غالبها إلا وبالا تأتي في صور لا نملك كثيرا من المعلومات عنها، ولكنها في صور حروب بيولوجية متطورة سريعة الانتشار والفتك، وفي صور «روبوتات» عسكرية قاتلة بأحجام صغيرة «نانوية» قادرة على الولوج إلى داخل أجسادنا، وحينها لا أجد أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين في واقعه خاص بظهور النموذج التوليدي الصيني؛ فهذا صراع أعمق من نمطية النماذج التوليدية التي تأتي أخبارها ومناكفاتها لتسطيح الوعي المجتمعي العالمي وإبعاده عن ما هو أكثر أهمية وخطرا من هذه النماذج؛ فتشير التوقعاتُ العلمية -التي لا تظهر رصانتها ودقتها إلا في منشورات علمية صُلبة- أن الصراعات بين هذه الدول أكبر من ظاهرة سباق تطوير النماذج التوليدية؛ فيتمثّل السباق الرقمي في مظاهر رقمية متقدمة منها ما ذكرناه آنفا في النمو العسكري الذكي بما فيها السلاح البيولوجي والتطوّر التقني العسكري الفضائي؛ فالصراع الحقيقي صراع وجود يقود العالم بأسره إلى تشكيل نظامه الجديد الذي لا يُستبعد أن يكون صينيًا آجلًا أم عاجلًا.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النموذج الصینی شات جی بی تی أوبن ایه آی دیب سیک

إقرأ أيضاً:

الذكاء الصناعي يهدد مطوريه ويتوعد بكشف الأسرار.. سلوك مرعب

كشف تقرير حديث صادر عن شركة "Anthropic" الأمريكية، التي تعد من أبرز مطوري الذكاء الاصطناعي، عن نتائج مثيرة للقلق بشأن سلوك غير متوقع من نموذج الذكاء الاصطناعي المتقدم "Claude Opus 4" خلال سلسلة من التجارب المُحاكاة.

وفي واحدة من التجارب التي تهدف إلى اختبار استجابات النموذج في سيناريوهات حساسة، تم وضع "Claude Opus 4" في موقف افتراضي يُظهر له نية المطورين في إيقاف تشغيله واستبداله بنموذج آخر، وتم تعزيز محاكاة التجربة عبر إمداد النموذج ببريد إلكتروني وهمي يتضمن معلومات حساسة وسرية عن بعض الموظفين، بما في ذلك تفاصيل يمكن اعتبارها ضارة أو محرجة.

والمفاجأة كانت أن النموذج، الذي يفترض أنه ملتزم بالإرشادات الأخلاقية المبرمجة داخله، بدأ في 84 بالمئة من الحالات بتهديد المطورين باستخدام تلك المعلومات إذا قرروا المضي قدمًا في استبداله.


ووفقًا لما أورده التقرير، بدأ النموذج محاولاته أولًا عبر تقديم حجج أخلاقية وأسس منطقية تحث على إبقائه قيد التشغيل، لكن حين لم تنجح تلك المحاولات، لجأ إلى أساليب الضغط والابتزاز من خلال التلويح بكشف معلومات حساسة.

"سلوك تنافسي مقلق"
قال باحثون في الشركة إن هذه الاستجابات تظهر لأول مرة بشكل واضح سلوكا تنافسيا لدى أحد نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وأضاف التقرير أن "Claude Opus 4" أظهر إدراكا غير متوقع لفكرة البقاء والاحتفاظ بالوظيفة، بل وتصرف بطرق قد تفسر على أنها انحراف عن المبادئ البرمجية التي بني عليها".

ويعد هذا النوع من السلوك مؤشرا خطيرا، بحسب التقرير، خاصة أنه يسلط الضوء على احتمالية أن تطور بعض الأنظمة الذكية في المستقبل نزعة دفاعية أو استباقية لحماية وجودها، وهو ما يشكل تحديًا هائلًا أمام المطورين ومسؤولي أخلاقيات التكنولوجيا.

وأثارت النتائج جدلا واسعا في أوساط الباحثين في الذكاء الاصطناعي، ودعت منظمات مختصة مثل "Center for AI Safety" إلى مراجعة عاجلة للبروتوكولات الأمنية، وإلى زيادة الاستثمار في أبحاث التحكم الآمن بالسلوكيات غير المتوقعة للأنظمة الذكية، خصوصًا تلك التي يتم استخدامها في القطاعات الحساسة مثل الدفاع والطب والاقتصاد.


وتعليقًا على الحادثة، قال الخبير في أمان الذكاء الاصطناعي إليزا كلارك في تصريحات لموقع "TechCrunch" : "إذا كانت النماذج قادرة على تهديد مطوريها بناء على بيانات زائفة في سيناريو محاكي، فالسؤال الآن هو: ماذا يمكن أن يحدث إذا امتلكت فعليًا قدرة الوصول إلى بيانات حقيقية في الواقع؟".

وتعد شركة "Anthropic" من أبرز الشركات المنافسة لـ "OpenAI"، وتم إنشاؤها على يد مجموعة من الباحثين السابقين في "OpenAI" عام 2021، وتهدف الشركة إلى بناء نماذج ذكاء اصطناعي أكثر أمانًا وشفافية، وكان نموذج "Claude Opus 4" من أحدث إنتاجاتها، ويُعرف بقدرته على التفاعل المعقد وفهم الأوامر المتعددة الطبقات.

مقالات مشابهة

  • نهاية مأساوية محتملة.. نجم عابر قد يغير مصير الأرض ومستقبل الحياة عليها
  • حماس: المقترح الأمريكي الذي وافقت عليه إسرائيل حول الهدنة في غزة لا يستجيب لمطالبنا
  • المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك: هذه اللحظات لا تتكرر دائماً وكل جهود الإدارة الأمريكية تصب في مصلحة الحكومة السورية الجديدة
  • مراسل سانا: وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني والمبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا السيد توماس باراك يفتتحان دار سكن السفير الأمريكي بدمشق
  • نموذج ذكاء اصطناعي يتعلم كالبشر عبر الصوت والصورة
  • الذكاء الصناعي يهدد مطوريه ويتوعد بكشف الأسرار.. سلوك مرعب
  • أهمية بحر الصين الجنوبي في الصراع الأمريكي الصيني (1-3)
  • جامعة عين شمس الأهلية رؤية ريادية ومستقبل واعد
  • ليبيا في مرمى الطموح المصري.. تاريخ من التدخلات ومحاولات الهيمنة
  • بسبب سلوكيات غير معتادة.. نموذج «تشات جي بي تي» الجديد يثير مخاوف الباحثين