في ليلةٍ من ليالي الإبداع التي يتعانق فيها الشعر مع الروح، احتضن صالون قبس للإبداع للشاعر الدكتور محمود جمعة، أمسيةً شعريةً متميزة، استضاف فيها الشاعر محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة، ليضيء فضاء الكلمة بشذى قصائده العذبة، في حضرة محاوريه الشاعرين إيهاب البشبيشي و محمد عبد الوهاب، وسط جمهور من الشعراء والإعلاميين والمبدعين ومحبي الشعر، تفاعلوا مع كل بيت وكل صورة شعرية تشكّلت على شفتيه.

افتتح الشاعر محمد البريكي أمسيته بقصيدة “همٌّ تغادره الحقيبة” وقد ارتقى بحزنه حتى السماء، فجعل الدمع طريقًا للسمو، لكنه لا يرضى بأن يكون أسيرًا لوهمٍ أو مستشارًا لمن خان، معترفا بأنه خان الهمَّ ذات يوم، فاكتشف أن في تلك الخيانة خلاصًا، فهو المسافر الذي يحمل في حقيبته تعبًا يتخفّى بين ثنايا الملابس، وكأن الأمتعة نفسها ترهقها الرحلة، موضحا ذلك في قوله:أطأُ السماءَ بدمعتيَّ فتركعُوأسيرُ عنكَ إلى الطموحِ وترجِعُما كنتَ مؤتَمَناً عليَّ فكيفَ بيأن أستشيرَكَ في الذي بيَ تصنعُيا همُّ خنتُكَ مرّةً فكرهتَنيوعلمتُ أنَّ خيانتي بكَ تنفعُفأنا المسافرُ حاملاً بحقيبتيتعباً بأفئدةِ الملابسِ يقبَعُتعِبَتْ خُطاكَ وأنتَ تلهثُ.. والمدىسرجي وأحصنةُ الخيالِ تُوَدِّعُعُدْ.. لن تطولَ غبارَ من فرشوا لهُسَجّادةً.. وأتوا إليهِ ليسمعوايستدعي الشاعر “نهر النيل” بوصفه كينونةً حيّةً تنبضُ بالرموز والمعاني، فالنهر لا يكون مجرد مجرى مائيّ، بل يتحوّل إلى فضاءٍ شعريّ يفيض بالحبّ والذاكرة والتاريخ، وشاهدا على العشق، ورمزًا للوصال الذي تُسوَّر به القصيدة كما يُسوّر الحبّ بعهوده، بل يصبح محاورًا يسأله عن إرث العشاق، عن مدينته الأولى، وعن قيسٍ الذي تكسّر قلبه على صخرة ليلى، يتجسد ذلك في قوله:وقلـــتُ لــــهُ: يا نيلُ، مصرُ صباحُهامعي قهــــوةٌ أخرى بشعري مزعفَرَة“ولمّا طلبتُ الوصلَ منها” تـزَنْبَقَـــتعلى الماءِ أشعاري فغارَت صَنَوْبَـرَةفهــــل أنــــتَ فيمـــــا مرَّ تبني بفكرةٍمدينتَـــــكَ الأولى لعبلـــــةَ عنتــــرَةْوتذكـــــرُ قيســــاً، هل تريـــــدُ خليلةًكليلــــى، وليلـــــى قـَـد غوتْهُ لِتَكْسِرَهْلكــــلِّ امْرئٍ منـّـا سمــــاءٌ وأنجـُـــــمٌوكــــــونٌ لـَــهُ، لا تبلغُ الأرضُ مخبَرَهْومن أجــــلِ هـــذا، قد أعافُ وسادتيوأوقِـــظُ ليلــــي في خيالي لأسهَـــرَهْ“أُقَسِّـــمُ جسمي في جســـــومٍ كثيرةٍ”كما فعـــلَ “ابنُ الوردِ” فعلًا وسطَّرَهْفَخُـــذْ ما ترى مني، جنوني، غوايتيشعــــوري بـــــأنَّ الماءَ يُخفي تَوَتُّرَهْوقل لي متـــى يا نيـــــلُ ألقاكَ وادعاًلأغفِــرَ ذنبَ الحبِّ، والنيلُ مغفِـــــرَةْوحين يصبح الطريق إلى الخلاص موحشًا، يمضي الإنسان بين جوعٍ لا يُشبع، وظمأٍ لا يُروى، يتكئ على الصبر، ويكتب بالحبر آخر ما تبقى من أنفاسه، تأتي قصيدة “في الطريق إلى عرفة” حاملة ًأسئلة الإنسان الباحث عن الخلاص، العابر في دروب الحياة المثقلة بالجوع والخذلان، حيث يجسد الشاعر معاناة الإنسان الذي يلوذ بالصبر، لكنه لا يساوم على كرامته، فيسير وسط الظلام متلمسًا بريق الفجر، غير أن طريقه يظل موحشًا، يحيطه الألم وتكتنفه الخيبات، ويظهر ذلك في قوله:كَمَنْ يجوعُ ولا يلقى سوى حَشَفَةْيلوذُ بالصَّخْرِ لكنْ لَمْ يَبِعْ شَرَفَهْمضى بِهِ الليلُ.. لا يدري بِهِ أحَدٌودمْعُهُ رُغْمَ طولِ الليلِ ما عَرَفَهْوكانَ بينَ صباحٍ مُظْلِمٍ غَدُهُوبينَ ليلِ الرجا مُسْتَوْطِناً أسَفَهْيُقَدِّمُ الحِبْرَ للأوراقِ منْفَعَةًلكي يَخُطَّ عليها فكرةَ الأنَفَةْوَهَيّأَ الجَوَّ والأفكارَ ثُمَّ بدايُكاشِفُ الوقْتَ لكِنْ غابَ ما كَشَفَهْوقالَ: رُبَّ ظلامٍ ينجلي بِضِياكَيْ يَتْرُكَ الجائعُ المهمومُ مُعْتَكَفَهْوقَدْ تَذَكَّرَ أنَّ الحقْلَ يَطْلُبُهُفجاءَ بالقمحِ لكِنْ لَمْ يَجِدْ كَتِفَهْأما ختام الأمسية، فقد جاء بنفَسٍ ملحمي مع قصيدته “رحلة أخرى إلى القيصر” فينسج الشاعر محمد عبدالله البريكي نسيجًا شعريًا مترعًا بالرمز والتأمل، حيث يتخذ من الصحراء مسرحًا لرحلةٍ وجودية تتداخل فيها الأسطورة مع التاريخ، وينبعث فيها الماضي ليحاور الحاضر، ويقف الشاعر على أطلال القيم المتهاوية، مستعيدًا صدى الفرسان العظام الذين خطوا مآثرهم في رمال الزمن، فالقصيدة ليست مجرد تأمل في الخراب، بل هي ارتحالٌ بين الوجع والرجاء، حيث يضيء الشعر الطريق نحو أفقٍ أكثر إشراقًا، نحو حقلٍ لا تزال جذوره تمتد في عمق الطموح، رغم ركام الحاضر وتصدعاته، مبينًا ذلك في قوله:لَـنْ تستقـِــــرَّ إذا ذَهَبْــــتَ لِقَيْصرافاعبُـــرْ خفيفــــاً في الفَـلاةِ مُبَشِّراوارجـِــعْ إلى أهْلِ الخيامِ ولُذْ بهمأو دونَـــكَ الصَّحْراءُ كي تَتَشَنْفـــراقَــــدْ آنَ للرّملِ الذي سُفِكَـت عليـــــــــــــــــــــهِ دِمــــاءُ بعضِ الخَلْقِ أن يتطهَّراما زالَ فينــــا حاتَـــمٌ.. ولضيفِــــهِذَبَـــحَ الحِصـــــانَ ولَمْ يَنَمْ مُتَكَدِّرامازالَ فينـــــا من إذا حَمِــيَ الوطيـــــــــسُ يَهُــبُّ لِلْهَيْجــا ويُصبحُ “عَنْترا”مازالَ فينـــــا الدَّمْــــعُ شفّافـــاً إذايَبْكــــي على السّجّــادِ يُصبحُ كَوْثَراأتَــــرى مَعــــي هذي المَضاربَ كلَّمااخْتَلفَت يَضِـجُّ بها الفَناءُ.. ألا تَرى؟وأنا رَفيقُــــكَ في المَدى أَخْفَيْتُ عنــــكَ الدَّمْــــعَ كي تخطــو ولا تَتَعثَّراوعَدَوْتُ في الصَّحْراءِ، صرتُ أخاً لهاومَشَيْـــتُ فَـــوْقَ رمالِهـــا مُتَبَخْتِراوحفلت الأمسية بنقاشات عميقة قادها الشاعرين إيهاب البشبيشي ومحمد عبد الوهاب، حيث استكشفا مع البريكي مكامن الإبداع في نصوصه، وتوقفا عند جماليات اللغة والصورة الشعرية، كما ناقشا تأثير التجربة الإماراتية في الشعر العربي، وأثر بيت الشعر في الشارقة في إثراء المشهد الشعري.انتهت الأمسية، ولكن صدى القصائد ظل معلقًا في الأذهان، كأنها ضوء لا ينطفئ في دروب العاشقين للشعر، لقد كانت ليلةً تجلّى فيها الإبداع بأبهى حلله، وأثبت فيها الشاعر محمد البريكي أن الشعر ما زال قادرًا على ملامسة الروح، وأن القصيدة يمكنها أن تكون جسرًا بين الذاكرة والحلم، بين التراث والتجديد.وكما أن للنهر مجراه، فإن للشعر مجراه الذي لا يعرف التوقف، يتجدد مع كل إلقاء، ويبعث الحياة في القلوب الظامئة إلى الجمال.صحيفة عمون إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الشاعر محمد ذلک فی قوله

إقرأ أيضاً:

حكاية انتحال قصيدة تتغنى بالتراب العُماني

محمد بن سليمان الحضرمي -

إنها ليست مجرد قصيدة، بل أنشودة عذبة المشرب، سالت من قريحة الشاعر الكويتي أحمد السقاف (ت: 2010م)، وعلقت في قلوب العمانيين، يوم أن كانوا يتوزعون في مدن الشتات خارج الوطن، باحت بها قريحة الشاعر وهو ينظمها، محبة لعمان الأرض والوطن، عمان الماضي العريق، والتاريخ العميق، عمان الانسان الطيب حيثما يكون، وأينما ساقته أقداره، وتبدأ القصيدة بهذه المطلع الذي ألهب المهج:

كُلُّ شِبْرٍ مِنَ التُّرابِ العُمَانِي

هُوَ قلبِي وَمُهْجَتِي وَكَيَانِي

أفتديهِ وَكُلُّ حَبَّةُ رَمْلٍ

منهُ أغلى عِندِي مِنَ العِقْيانِ

أهلهُ مَعْشَرِي فأنَّى تَوَجَّهْتُ

وَجَدْتُ الوِجْدانَ مِنْ وِجْدانِي

ومع أن الشاعر السقاف لم يرَ عُمان بأم عينيه، ولم يطأ أديمَها الذي هو كل شبر منها، بمثابة قلبه ومهجته وكيانه، لكنه رآها في عيون أصدقائه العمانيين، الذين زاملهم في سنوات الدراسة ببغداد، وتعرَّف عليهم، ورأى فيهم عمان الجميلة، فجاءت أنشودته هذه التي نشرتها مجلة «العربي»، مارس 1968م، قطعة غنائية باحت بها مهجة الشاعر، تتضمن رُوحًا صادقة، ومحبة لعمان وأهلها، ولكن على ما يبدو فإن القصيدة أغْرَت أحد الشعراء في عمان فانتحَلها، مشاركًا بها في أول مسابقة شعرية، نظمتها وزارة «الإعلام» مطلع السبعينات، ظنًا منه أن القصيدة مجهولة، وأن لا أحد سيعرف انتحاله لها، ولعله لم يكن يدري أن «العربي» كانت ديوان العرب الحديث، وفي يد كل قارئ عربي، يتابعونها عددًا بعد آخر.

وقبل أن أسرد حكاية انتحال هذه القصيدة، التي حدثني عنها الأديب أحمد بن عبدالله الفلاحي أكثر من مرة، واستأذنته في الكتابة عنها، فسمح لي مشكورًا، مع وعد بعدم ذكر اسم الشاعر المنتَحِل، كما أني لا أكتب عنها لغمز منتحلها أو لمزه، إنما لتوثيق حدث ثقافي عاشته الساحة الثقافية في عمان، مع بدايات أعوام السبعين، بدايات النشر والكتابة والاطلاع على المعرفة والثقافات، من خلال المجلات كمجلة العربي، وهو حدث كتَبَتْ عنه الصحافة العُمانية، ممثلة في «جريدة عُمان»، ورئيس تحريرها آنذاك الوقت الشاعر هلال بن سالم السيابي، وكان في لجنة التحكيم أدباء وفقهاء كبار، من أمثال الشيخ سالم بن حمود السيابي (ت: 1993م)، والشيخ ابراهيم بن سعيد العبري (ت: 1973م)، المفتي السابق لعمان، والشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام الحالي للسلطنة، ولأن اللجنة لم تكن على اطلاع بمجلة ذائعة الصيت كالعربي، ولا بما يُنشَر في الصحف والمجلات، فقد أجازتها ومنحتها المركز الأول، وكيف لا تحصد قصيدة كهذه على المركز الأول!، فقد أصبحت بعد نشرها في مجلة العربي، أنشودة العُمانيين المغتربين، وروحهم التي حلَّقت في أرجاء الوطن العربي، وسفيرتهم الشعرية لعُمان.

وقبل أن أسرد ما تبقى من تفاصيل حكاية الانتحال الطريفة هذه، أتحدث عن الشاعر الكويتي أحمد محمد زين السقاف، بحسب ما نشر عنه من دراسات، من بينها دراسة أعدها الدكتور خليفة الوقيان، بعنوان: «أحمد السقاف حياته ومختارات من شعره»، قدَّمها بمناسبة مهرجان ربيع الشعر الرابع، الذي نظمته مؤسسة جائزة عبدالعزيز بن سعود البابطين للإبداع الشعري، في الكويت عام 2011م، ولد السقاف عام 1919م عمل في عدة وظائف تخدم الجانب التعليمي والثقافي في الكويت، ومنجزاته الثقافية في الكويت كثيرة، أهمها ميلاد مجلة العربي عام 1958م علي يديه، وأشرف على طباعة معجم «تاج العروس»، وعاش الشاعر عمرًا طويلا إلى أن توفي بتاريخ 14 أغسطس 2010م، بعد مسيرة حافلة، ومنجزات ستظل ذكرى خالدة لشخصية ثقافية وأدبية، تركت في الحياة بصمة أدبية مهمة.

أما مناسبة كتابته للقصيدة، فكما كتب مؤلفها في هامش القصيدة بديوانه المطبوع، وكذلك في الكتاب الذي أعده الوقيان: (القصيدة رد على مطالبة شاه إيران بالبحرين)، ومن إيران إلى البحرين حيث مطالبة الشاه بها، ليخرج شاعر من الكويت، فيبدأ قصيدته بالتغني بعُمان: (كلُّ شِبْرٍ مِنَ التُّرابِ العُمانِي)، وبعد أبيات ثمانية من مطلع القصيدة، نقرأ هذين البيتين:

أيُّ فَرْقٍ تَرَاهُ بَيْنَ كَرِيْمٍ

مِنْ عُمانٍ وَمَاجِدٍ بَحْرَانِي

نَحْنُ عُرْبٌ وَلَنْ نَكُونَ لِدَى الجَدِّ

سِوَى الأكْرَمينَ فِي المَيْدانِ

حتى قال الشاعر متحدثا عن الشعب العُماني:

والأناسِيُّ كلُّهم ذلكَ الشَّعْبُ

المُصَفَّى مِنْ خالِصِ الإيمانِ

دَوَّخُوا البُرْتَغَالَ في البَرِّ وَالبَحْرِ

وَكانُوا في الحَرْبِ كالطَّوْفانِ

أتكون قصيدة السقاف، نداء استغاثة كويتية بعُمان، لنصرة البحرين من تهديد إيران؟، أم أشبه بإشارة أحمد شوقي لعُمان، في قصيدته التي ألقاها يوم تكريمه أميرًا للشعراء:

قد قَضَى اللهُ أنْ يُؤلَّفَنا الجُرْحُ

وأنْ نَلتَقِى على أشْجَانِه

كُلَّما أَنَّ في العِرَاقِ مَريْضٌ

لَمَسَ الشَّرْقُ جَنْبَهُ في عُمانِه

ولم يكن السقاف قد زار عُمان من قبل، إنما تعرَّف عليها من أصدقائه العمانيين، في أول بعثة دراسية أوفدتها الحكومة، في عهد السلطان سعيد بن تيمور للدراسة في بغداد، وكان السقاف زميلا لهم، وكانت محبته لأصدقائه العمانيين، تسمح له أن يقرأ جمال عُمان فيهم، فكتب هذه القصيدة بعنوان: «عُمان والخليج العربي»، وكتب الباحث الدكتور محسن بن حمود الكندي قراءة فيها، ضمن مشروعه النقدي: «كتابات عمانية مبكرة، بأقلام عربية»، نشرها في الصفحة الثقافية بجريدة عُمان، ونقرأ في تقديمه للقصيدة: (تمثل قيمةً كبيرةً في نفوس العُمانيين والعرب جميعًا، وهي في جانبِها الخاص انعطافة نفسيةُ وروحية للعُمانيين، الذين تغنوا بها كثيرًا ووجدوا فيها معززًا روحيًّا لنفوسهم الثكلى، المليئة بالإحباطات والهزائم النفسية، جرَّاء ما وقع بوطنهم، من خذلان في ذلك الفترة العصيبة، من ستينيات القرن العشرين وما قبلها، فكانت أنشودتهم المُفضَّلة، وملاذهم الشعري الحالم بالأمل).

وعودة الى حكاية الانتحال هذه، فإنه بعد فوز القصيدة بالمركز الأول، نشرتها جريدة عُمان، وتلقفتها ذائقة الشاعر هلال بن سالم السيابي، وحينها كان رئيس التحرير للجريدة، فكتب فيها مقالة، يؤكد فيها أن القصيدة ليست لهذا الشاعر العماني، وإنما لمؤلفها الكويتي أحمد السقاف، وبعد أن نشر مقالته تلك، وشاع خبر الانتحال، لجأ الشاعر المنتحل الى تقديم شكوى برئيس التحرير، بحجة أنه تجنَّى عليه بهذه التهمة، وأنه مؤلف القصيدة وصاحبها، فبلغ الخبر للأستاذ حفيظ بن سالم الغساني، الذي كان يسيِّر أعمال وزارة الاعلام خلال تلك الفترة، وطلب من الاستاذ هلال الدليل على صدق اتهامه، ولكن الدليل يحتاج إلى تقديم ذلك العدد من مجلة العربي، كمؤكِّد على نسبة القصيدة لشاعرها السقَّاف.

ولم يكن العدد في يد الأستاذ هلال كاشف الانتحال، فقد مضى على نشره خمس سنوات، فتذكر الأستاذ أحمد الفلاحي أن الشيخ علي بن جبر الجبري (ت: 1995م) يحتفظ بكامل أعداد المجلة، وذهبا إليه في منزله بضاحية «الميابين» بمسقط، للبحث عن ذلك العدد، الذي نشرت فيه العربي قصيدة السقاف، بعنوان «عُمان والخليج العربي»، وبعد بحث دؤوب في كراتين ورقية غير منظمة، تمكنا من الحصول عليه، وحملا العدد ليقدماه دليلا على الانتحال، الذي أصبح قضية شغلت بال المسؤولين في وزارة الاعلام، والمنظمين للمسابقة، ولجنة التحكيم التي لم تكن على اطلاع بالقصيدة المنشورة في العربي.

يقول الأستاذ أحمد الفلاحي، إنه من المؤسف جدًا، أن ينتحل شاعر عماني قصيدة كهذه، وهي لشاعر كبير معروف، فقد نشرتها مجلة العربي من قبل، وهي من أكثر المجلات انتشارًا في أرجاء الوطن العربي، وحين نشرت القصيدة في مجلة العربي عام 1968م، وكانت تمجِّد عمان، وتعلي من مكانتها، تهافت العمانيون على شراء ذلك العدد، خاصة أولئك الذين كانوا خارج الوطن، مبهورين بهذا النداء العذب لمطلع القصيدة:

كلُّ شِبْرٍ مِنَ التُّرَابِ العُمَانِي

هُوَ قلْبِي وَمُهْجَتِي وَكَيَانِي

والمؤسف أن الشاعر السقاف لم تستضفه إحدى مؤسساتنا الثقافية، في الفترة التي كان فيها على قيد الحياة، ولم يكن ضمن الشعراء الذين استضافتهم السلطنة ممثلة حينها في وزارة التراث القومي والثقافة، للمشاركة في «الندوة الأولى لشعراء دول الخليج العربية»، التي أقيمت في شهر مارس 1982م، وانما كان حظ الاستضافة من نصيب الشاعر الكويتي الكبير محمد الفائز (ت: 1991م)، وقد تغنى بعمان هو الآخر، بأجمل ما كتب، وقصيدته «يا ساحل الرَّيحان» شاهد على ذلك، ومثل السقاف جدير بالتكريم، وأن توثق لهم زيارات كريمة لوطن أحبَّه، وهام فيه شعرًا، وكتب فيه قصيدة لم يكن لشاعر من أبناء الوطن أن يكتب مثلها.

مقالات مشابهة

  • شاعر الحب والألم والصحافة الذكية.. ذكرى ميلاد كامل الشناوي| فيديو
  • هشام الجخ: الأهلي يتجاوز الرياضة ليُصبح رمزًا وطنيًا إلى جانب الفن والمسرح والأوبرا
  • نانسي صلاح تكشف أسرار و كواليس شريفة في مسلسل اتنين قهوة| خاص
  • حكاية انتحال قصيدة تتغنى بالتراب العُماني
  • أيمن بهجت قمر : محظوظ بـ أبويا وبـ أمي وبـ جوز أمي
  • حصريًا.. عرض فيلم "فيها إيه يعني" على يانجو بلاي الخميس المقبل
  • بورسعيد حزينة.. أول صورة للطفل زياد الذي توفي بعد اصطدام باب المعدية بالرصيف
  • محمد شريف باشا.. الرجل الذي كتب دستور مصر الحديث
  • آخر إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" في شباك التذاكر
  • 2 قهوة يتصدر نسب المشاهدة في مصر .. تفاصيل