غزة- فوق طريق معبد، تدوس أقدام الفلسطينيين -ولأول مرة منذ 15 شهرا- ما كان يسمى بحاجز نتساريم العسكري، من دون أي وجود إسرائيلي. ينسحب المحتل منه بشكل كامل بعد سيطرة وتشييد وتعبيد، ويرى الغزيون أنه "انسحاب مذل" أُجبر عليه الاحتلال صاغرا رغم أنفه.

بدأ الحاجز بنقطة تفتيش على ممر عبور أجبر الاحتلال الغزيين على النزوح من خلاله جنوبا وادعى أنه آمن، ليتبين خلاف ذلك منذ اليوم الأول لنصبه، فكان مصيدة للقتل والخطف، حيث ارتقى فيه ألف شهيد واعتُقل فيه المئات بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وسّع الاحتلال الحاجز فيما بعد بشكل تدريجي ليكون حدا يقسم به القطاع شطرين جنوبي وشمالي، ثم وسّعه على الحدّين بمنطقة عازلة ليصبح أشبه بقاعدة عسكرية تصل مساحتها إلى 56 كيلومترا مربعا، قضم خلالها قرابة 60% من مساحة حي الزيتون إلى الشمال منه.

نازحون عائدون من شمال القطاع إلى جنوبه بعد زوال حاجز نتساريم (الجزيرة) تدمير شامل

توجهت الجزيرة نت إلى الحي حيث يقع دوار الكويت على شارع صلاح الدين عقب انسحاب الاحتلال من هناك، حيث يشبه الدمار شكل ذلك الذي رصدته مسبقا في محافظة شمال القطاع؛ تدمير شامل للمصانع والمناطق الصناعية، وتجريف للأراضي الزراعية، وجثث لمجهولي الهوية يبدو أنهم كانوا يتسللون لتفقد بيوتهم.

يقول رجل مسن وهو يشبك يديه وراء ظهره ويتأمل حيه: "منذ أشهر نسمع صوت نسف البيوت، اليوم رأينا نتيجة ذلك بأم أعيننا".

جرافة تفتح الطريق بمحور نتساريم لمرور المركبات باتجاه جنوب القطاع (الجزيرة)

على الناحية المقابلة آليات ومعدات ثقيلة وجرافات تابعة لوزارة الأشغال، قام الاحتلال بحرقها وتدميرها وتجميعها فوق ركام البيوت، إتلافٌ يراه الغزيون مقصودا للإمعان في مضاعفة المعاناة وتأخير رفع الأنقاض وإزالة الركام وانتشال الشهداء.

إعلان

وصل المئات من الغزيين إلى بيوتهم في حي الزيتون لأول مرة، التبست عليهم ملامح الحي، مداخله ومخارجه. تقف إيمان خليل، وهي زوجة أسير اختطفه الاحتلال من الحاجز الذي مرت منه قبل عام، حيث نزحت في مركز إيواء في مدينة النصيرات وسط القطاع، وصلت إلى ركام منزلها، غطت وجهها بيديها وانهارت باكية.

يبدو قرار العيش في خيمة فوق الركام عسيرا على سيدة لديها 5 أطفال من دون رجل يعينها، "ماذا ستفعلين الآن؟"، سألتها الجزيرة نت، لتجيب "سأعود إلى مركز الإيواء في النصيرات إلى أن يتحرر زوجي، سأنتظره لنعود معا، لا أطيق العيش هنا وحدي، لن أستطيع".

أعمدة الإضاءة منتشرة في الطريق التي عبّدها الاحتلال قبل انسحابه الكامل منها (الجزيرة) تدفق مستمر

انتقلت الجزيرة نت إلى المنطقة التي عبّدها الاحتلال، تبدو لافتة بكثافة أعمدة الإضاءة التي أنارت الصور المعتمة التي روجت إسرائيل من خلالها للعالم سيطرتها على محور نتساريم، وتباهت بإنشائها قاعدة عسكرية لن تتخلى عنها أو تنسحب منها.

في هذه المنطقة المعبدة يتمركز رجال أمن من لجنة مصرية قطرية لتشغيل ومراقبة عمل جهاز الفحص، يقفون على حاجز دخول المركبات نحو الشمال حيث لا يزال تدفقها مستمرا منذ اليوم الأول لإعلان السماح بعودة النازحين من جنوب القطاع.

جنود مصريون يوزعون على المارة من الغزيين ماء وبرتقالا (الجزيرة)

يحمل جنود مصريون زجاجات من الماء ويحمل آخرون أكياسا من البرتقال، يوزعونها على المارة والمنتقلين بمركباتهم بين الشمال والجنوب، يسأل طفل الجند "لماذا توزعون علينا الماء والبرتقال؟" فيجيب "لأننا منكم يا حبيبي".

انتظر كثيرون تنفيذ هذه الخطوة من اتفاق وقف إطلاق النار ليتمكنوا من الذهاب إلى الشمال والعودة إليه متنقلين عبر مركباتهم في اليوم نفسه من دون عوائق. إسلام الباز زوجة شهيد قضى في حرب الإبادة، كان في شمال القطاع بينما كانت تنزح مع طفلها يحيى عياش في بيت عائلتها جنوبا، قررت زيارة قبر زوجها ثم زيارة ذويه وتفقد منزلها المدمر في محاولة لالتقاط بعض من ذكرياته.

إعلان

تصف إسلام للجزيرة نت مشاعرها وتقول: "لأول مرة أفقد القدرة على التعبير، لا مشاعر تصف القهر الذي يملأ قلبي، كنت أنتظر العودة لاحتضان زوجي لكنني اليوم سأحتضن قبره وأبحث عن فتات ذكرى في منزلنا المدمر".

السواتر الترابية التي أقامها الاحتلال في محور نتساريم (الجزيرة) يوم تاريخي

يجتمع لفيف من الصحفيين في هذه المنطقة يوثقون ما يُجمعون أنه يوم تاريخي بامتياز، يقف الصحفي إسلام بدر أمام الكاميرا يتحضر لبث مباشر لقناته الإخبارية يصف فيه مشاعر الغزيين بانسحاب الاحتلال من نتساريم، سألته الجزيرة نت عن شعوره بوصفه واحدا منهم، فقال: "أقف اليوم على الإسفلت الذي أقام عليه جنود الاحتلال حفلات الشواء، واستعرضوا عليه إنجازاتهم، وقالوا فوقه إنهم لن يغادروه مطلقا".

وأضاف: "إنهم يغادرونه اليوم للمرة الثالثة خلال 20 عاما، قال شارون في إحداها إن نتساريم كتل أبيب، لكنهم في كل مرة يفككون حواجزهم ويرحلون راغمين".

عاش الصحفي إسلام حالة من الإحباط واليأس في مرحلة من الحرب كان عنوانها فصل القطاع إلى شطرين وسيطرة إسرائيلية دائمة ومنع لعودة النازحين، لكن انسحاب الاحتلال اليوم هدم هواجسه التي لازمته شهورا وبددت كل يأس أصابه.

أما الصحفي يوسف فارس الذي اختار تبة رملية عالية يرسم فيها صورته القلمية للمشهد، فيقول للجزيرة نت: "اليوم نجني ثمرة التضحيات التي قدمها الغزيون بدمائهم حيث لا تغيب وجوه شهدائنا عنه، سنكتب عن انتهاء الكابوس الذي نعجز عن وصف شعوره أمام قداسة الحدث العظيم الذي سيظل ملازما لنا طيلة العمر".

الأدهم انتزع الأعمدة الحديدية والأسلاك لتثبيت خيمته فوق ركام منزله المدمر في جباليا (الجزيرة)

وراء السواتر الرملية شرق الحاجز تتجمع عربات تجرها حيوانات محملة بالحديد والأعمدة والأسلاك المعدنية، التي كان الاحتلال قد بنى بها قاعدته العسكرية، اجتازت الجزيرة نت السواتر واقتربت من المواطن محمود الأدهم وقد كانت يداه مجرّحتين تقطران دما، يقول: "انتزعتها نعم وقد وضعوها للتنغيص علينا، نخلعها اليوم لنثبت بها خيمنا التي تقتلعها الرياح فوق ركام بيوتنا".

إعلان

وكان محمود قد عاد إلى بيته في مخيم جباليا، بعد أن نصب خيمته فوق الركام من أغطية مهترئة انتشلها من تحت الأنقاض. يضيف وهو يجر عربته عائدا لخيمته لتثبيتها "انقلب السحر على الساحر، سيزول كيانهم يوما كما زالت حواجزهم ".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات انسحاب الاحتلال الاحتلال من الجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

ما الذي يخطط له الاحتلال في السويداء؟ ممر إنساني أم فخ عسكري؟

 

دعا وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي، المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يوم الأربعاء، إلى فتح ما وصفه بـ"ممر إنساني" لإدخال الغذاء والدواء إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا، بزعم دعم الطائفة الدرزية في المنطقة، وسط تحذيرات من أن هذه الدعوات قد تشكل غطاءً لتدخل عسكري محتمل.

وفي منشور على منصة "إكس"، قال سموتريتش إنه زار غرفة العمليات التي أقامتها الطائفة الدرزية في بلدة جولس شمالي الأراضي المحتلة، برفقة رئيس الطائفة الدرزية لدى الاحتلال موفق طريف، وذلك "لمتابعة أوضاع الدروز في السويداء والتواصل معهم"، حسب تعبيره.

وزعم سموتريتش أن وقف إطلاق النار القائم في السويداء "يخفي وراءه حصاراً على الدروز، وتخريباً ممنهجاً لقراهم، وأزمة إنسانية خانقة"، على حد قوله. ودعا إلى إنشاء ممر إنساني عاجل لإدخال مساعدات غذائية وطبية، مضيفاً أن الاحتلال "يجب أن يكون مستعداً عسكرياً للدفاع عن الدروز، ولفرض ثمن باهظ على النظام السوري وخلق حالة ردع تمنع تجدد الهجمات"، على حد وصفه.

لكن مراقبين شككوا في جدية هذه الدعوة، مشيرين إلى عدم وجود أي حدود مباشرة بين الأراضي المحتلة ومحافظة السويداء، حيث تفصل محافظة درعا بين الجانبين، ما يجعل إنشاء ممر إنساني من طرف الاحتلال غير واقعي ويثير تساؤلات بشأن دوافعه الحقيقية، خاصة في ظل تصعيد الاحتلال لعملياته العسكرية داخل الأراضي السورية مؤخراً.

وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا قد نفى بشكل قاطع وجود حصار على محافظة السويداء، واصفاً الاتهامات بأنها "محض أكاذيب تهدف إلى فتح ممرات لتسهيل عمليات تهريب المخدرات"، وفق ما جاء في بيان رسمي.

 وأكد البابا أن الحكومة السورية تعمل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل السويداء بالتعاون مع منظمات محلية ودولية، في إطار استجابتها للوضع الإنساني الراهن.

وتشهد محافظة السويداء منذ 19 يوليو/تموز الجاري وقفاً لإطلاق النار بعد أسبوع من الاشتباكات بين مجموعات مسلحة من الطائفة الدرزية وأخرى من العشائر البدوية، في ظل أوضاع إنسانية وأمنية متدهورة.

وتحت ذريعة "حماية الدروز"، كثّف الاحتلال الإسرائيلي من عدوانه على الأراضي السورية، حيث شن في 16 يوليو/تموز غارات على أربع محافظات سورية، من بينها دمشق، مستهدفاً مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند ما الذي يخطط له الاحتلال في السويداء؟ ممر إنساني أم فخ عسكري؟ روسيا تعلن سيطرتها على تشاسيف يار في دونيتسك.. والجيش الأوكراني ينفي إيران تشترط تعويضات قبل استئناف المفاوضات مع واشنطن أسعار العملات المشفرة مقابل الدولار أسعار الذهب تتعافى من أدنى مستوى في شهر Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • 12 شهيدا في عدوان الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم
  • ضياء رشوان: تظاهرات «الحركة الإسلامية» بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم
  • عودة الهذالين.. صوت النضال الذي أسكتته إسرائيل
  • ما الذي يخطط له الاحتلال في السويداء؟ ممر إنساني أم فخ عسكري؟
  • سيارة تعبر الطريق وتطيح بأخرى بمحور شنزو آبي في القاهرة.. صور
  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • أكسيوس: ويتكوف يتوجه اليوم إلى إسرائيل لبحث أزمة غزة
  • كيف يفكر الوحش الذي يستخدم التجويع لإخضاع الشعوب؟
  • المقاومة تستهدف قوات الاحتلال شمالي غزة وإسرائيل ترصد تصاعدا بالعمليات النوعية
  • عاجل: غرامتها 5000 ريال.. "اليوم" ترصد فوضى الكتابة على الجدران ومطالبات بعقوبات أشد