وافق مجلس النواب على مدار جلساته الماضية على عدة مواد بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية.

أحد المواد التي تمت الموافقة عليها بمجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، هي المادة 290 والتي بدورها حددت التعامل مع النسيان أو تعارض الشهادة في المحكمة.

وفي هذا الصدد نصت المادة (290) إذا قرر الشاهد أنه لم يعد يذكر واقعة من الوقائع يجوز أن يتلي من شهادته التي أقرها في التحقيق أو من أقواله في محضر جمع الاستدلالات الجزء الخاص بهذه الواقعة.

وكذلك الحال إذا تعارضت شهادة الشاهد التي أداها في الجلسة مع شهادته أو أقواله السابقة.

فيما نصت المادة (291) على انه يجوز للمحكمة أن تأمر، ولو من تلقاء نفسها أثناء نظر الدعوى، بتقديم أي دليل تراه لازمًا لظهور الحقيقة.

ونصت المادة (292) على أنه يجوز للمحكمة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم أن تعين خبيرًا واحدًا أو أكثر في الدعوى.

ونصت المادة (293) على انه يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب الخصوم، أن تأمر بإعلان الخبراء ليقدموا إيضاحات بالجلسة عن التقارير المقدمة منهم في التحقيق الابتدائي أو أمام المحكمة.

ونصت المادة (294) على أنه إذا تعذر تحقيق دليل أمام المحكمة، جاز لها أن تندب أحد أعضائها أو قاضيا آخر لتحقيقه.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مجلس النواب الإجراءات الجنائية قانون الإجراءات الجنائية المزيد

إقرأ أيضاً:

النسيان.. نعمة أم نقمة؟

 

 

صالح بن سعيد الحمداني

 

 

"النسيان" هذه الكلمة البسيطة التي تحمل من التعقيد ما يكفي لإشعال حروبٍ داخلية، وإخماد نيرانٍ كانت تحرق القلوب، وفي دهاليز الذاكرة حيث تختبئ اللحظات وتُخزّن التفاصيل يقف النسيان كحارسٍ غامض لا تعرف إن كان يحميك من نفسك، أم يسلبك ذاتك.

نقف في كثير من الأوقات لنسأل أنفسنا سؤالا، هل النسيان نعمة تهبنا الحياة من جديد؟ أم نقمة تجردنا من تاريخنا؟

وهذا سؤال محير للكثيرين، وهذا السؤال رغم بساطته الظاهرة يقف على تقاطع فلسفي عميق، تتجاذبه مشاعر البشر من شتى المشارب من الحزن، الندم، الحنين، الألم، وحتى الرغبة في الخلاص، والواقع أن النسيان لا يخضع لتعريفٍ واحد، ولا يمكن حصره في إطار الخير أو الشر، فهو كالسيف، يمكن أن يقطع الألم، ويمكن أن يبتر الحقيقة.

علميًا، النسيان ليس خللًا؛ بل وظيفة ضرورية للدماغ، فلو احتفظ الإنسان بكل ما مرَّ به من تجارب دون أي انتقاء، لاختنق عقله بمليارات التفاصيل غير المهمة، ولما استطاع اتخاذ قرار واحد؛ إذ نجد أن النسيان أداةُ بقاء إنساني. والنسيان بحسب علماء النفس هو آلية دفاعية تمكّن الإنسان من التكيف مع الواقع والتخلص من الأعباء العاطفية الثقيلة.

خذ مثلًا من فقدوا أحبابهم أو نجوا من حروبٍ وكوارث أو تعرّضوا لخذلان عاطفي عميق كيف كان بإمكانهم الاستمرار في الحياة دون تلك المساحة التي يهبها لهم النسيان؟ النسيان هنا يصبح فعلا رحمة، يمنح النفس فرصة للشفاء وللقلب فسحة لنبضٍ جديد، وكم من شاعر أو أديب بكى في أول سطر وابتسم في آخره بفضل ما نسي!

ولكن في المقابل هل يمكننا تجاهل الوجه الآخر؟ النسيان حين يصبح وسيلة للهروب من الذات، أو حين يمحو التاريخ والثقافة والهوية؟ في المجتمعات كما في الأفراد، الذاكرة عنصر جوهري للبقاء، والتقدم لا يكون ممكنًا دون الاعتراف بالماضي، حتى وإن كان مؤلمًا، فحين ننسى جذورنا نفقد توازننا وحين نمحو من ذاكرتنا معاناة الشعوب نُكرّر الأخطاء نفسها وربما بشكلٍ أبشع، لذا نجد أن النسيان والهُوية الثقافية مرتبطان بذات الإنسان.

في هذا السياق، يصبح النسيان نقمة، فالمجتمعات التي تنسى شهداءها، لا تلد أبطالًا، والأمم التي تنسى مآسيها، لا تُحسن صناعة السلام، وهنا يكمن التحدي الإنساني: كيف نوازن بين التذكّر الذي يبني، والنسيان الذي يرحم؟

على المستوى الشخصي ربما لا شيء يختبر قدرتنا على النسيان أكثر من العلاقات. الحب الذي ينكسر، الصداقة التي تخون، الأمل الذي يخيب، وفي كل مرة نظن فيها أننا نسينا نكتشف بقايا مشاعر تتسلل كظلال في زوايا الذاكرة فهل ننسى حقًا؟ أم أننا فقط نرتب الرفوف الداخلية ونطفئ الضوء؟

يقول البعض: "أن تنسى هو أن تُسامح"، وهنا لنا وقفة جوهرية مع النفس ونطرح سؤلًا جديدًا: هل النسيان هو فعل تسامح حقيقي، أم مجرد تبلُّد شعوري؟ في العمق النسيان لا يعني بالضرورة الغفران، كما إن التذكّر لا يعني الحقد، الإنسان الناضج لا يخاف من الذاكرة؛ بل يتصالح معها، ويعرف متى يتذكّر ليستفيد ومتى ينسى ليعيش.

في الأدب.. النسيان مادة ثرية للكتابة وميدان يتقاطع فيه الشعور مع الفكر تتردد أصداؤه في قصائد نزار قباني حين قال:

"أنسى؟ وهل أنسى عيونك لحظةً… وقد أغرقَتْني في الضياعِ وفي البكاء!".

ففي الشِعر النسيان قد يبدو خيانة للذاكرة، أما في الرواية فهو أداة للغموض؛ بل وحتى النجاة. أبطال دوستويفسكي أو كافكا أو ماركيز كثيرًا ما يعانون من ذكريات لا تموت تُثقل أرواحهم وتمنعهم من المضي قدمًا.

ربما الأدب هو المجال الوحيد الذي يحتفي بالذاكرة والنسيان معًا، يكتبهما كصراع داخلي ويقدّمهما للقارئ ليفكر ما الذي أحتاج نسيانه؟ وما الذي عليّ تذكّره رغم الألم؟

ويتسلل للخاطر ما يبحث عن جواب وهو سؤال يتردد كيف نفهم النسيان؟ نجد إجابات تارة نفهم النسيان أنه ليس خيانة، لكنه أحيانًا هروب، وهو ليس دائمًا نعمة لكنه قد يكون طوق نجاة.

وفي النهاية السؤال هل النسيان جيد أم سيئ؟ بل: متى يجب أن ننسى؟ ومتى يجب أن نتذكّر؟

الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى وعي، لا إلى وقت فقط، فالنضج الحقيقي ليس في أن تنسى؛ بل في أن تختار ماذا تنسى، ولماذا تنساه؟ كما قال الشاعر محمود درويش: "النسيان شكل من أشكال الحرية".

عالُمنا اليوم تتسارع فيه الذاكرة الرقمية، وتخزن كل شيء، ربما يكون النسيان أحد آخر أفعالنا الإنسانية الخالصة.

نلخص كل ما كان في سياق طرحنا بأن النسيان ليس ضعفًا؛ بل فنٌ عميق لا يتقنه إلا أولئك الذين تعلموا أن يحتفظوا بما يمنحهم الحياة، ويودّعوا ما يسرقها منهم. هو ليس فقدًا؛ بل اختيارٌ راقٍ لما يبقى في الذاكرة وما يُودَع في صندوق النسيان بإرادتنا، في زمنٍ تُغرقنا فيه التفاصيل، وتثقل أرواحنا الذكريات، يصبح النسيان شجاعة... أن تختار الحياة رغم ما فاتها لنقف مع عبارة لمحمود درويش "النسيان تدريب الخيال على احترام الواقع"، وقال طه حسين: "النسيان لا يُشفى منه الإنسان، إنما يتأقلم معه كمن يتعايش مع ألمٍ مزمن"، وذكر جبران خليل جبران "النسيان شكل من أشكال الغفران، ولكنه الغفران الذي لا يُقال".

إنَّ الإنسان الذي يتعلّم كيف ينسى، هو نفسه الذي يتقن كيف يحب من جديد، وكيف يسامح، وكيف يصنع سلامه الداخلي دون أن يتنكر لماضيه، وكما نحتاج إلى التذكر لنكون بشرًا نحتاج إلى النسيان لنظل أحياء، كما أشار غابرييل غارسيا ماركيز عندما قال: "الحياة ليست ما عِشناه؛ بل ما نتذكره منها لنرويه".

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ضوابط التعيين في الوظائف الحكومية .. وفقاً للقانون
  • “هند رجب” تلاحق قتلة الصحفي أنس الشريف وزملائه في المحكمة الجنائية الدولية
  • المركزي يضع ضوابط التعامل بالنقد الأجنبي للشركات ومكاتب الصرافة
  • النرويج تتعهد باعتقال نتنياهو إذا وطأت قدماه أراضيها تنفيذًا لمذكرة المحكمة الجنائية الدولية
  • تصاريح سنوية وكميات محدودة للجامعات.. ضوابط استخدام المواد شبه الكيميائية
  • حساب المواطن.. المادة 20 تحمي الدعم من المتحايلين بهذه الإجراءات النظامية
  • كيف واجه قانون الإجراءات الجنائية المتهم بالإخلال بالنظام خلال جلسة المحاكمة؟
  • ضوابط وأخلاقيات التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.. مفتي الجمهورية يوضحها
  • النسيان.. نعمة أم نقمة؟
  • كيف يتم الاستئناف على الأحكام الصادرة في قضايا الجنح؟.. قانون الاجراءات الجنائية يجيب