عادة ما يؤدي الطلاب الفلسطينيون في قطاع غزة امتحاناتهم في شهر يونيو/حزيران بعد اجتهادهم طيلة عام كامل، ليستكملوا بناء أحلامهم في حياة أفضل لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم. وكان من المفترض أن يجلس 88 ألف طالب وطالبة في غزة هذا العام لأداء الامتحانات كي يحتفلوا بعد ذلك بتخرُّجهم، لكن حرب الإبادة الجماعية التي شنها جيش الاحتلال على القطاع منذ أكثر من سنة حالت دون دخولهم الامتحانات والانخراط في العملية التعليمية المنظّمة.
بعيدا عن التدمير المُروِّع الذي تعرضت له جامعات غزة ومكتباتها، فإن الكثير من هؤلاء الطلاب أنفسهم قد سقطوا شهداء وجرحى، وفقدوا عائلاتهم، وتبدَّدت أحلامهم. هُنا نلقي الضوء بالتفصيل على عملية الإبادة التعليمية المُمَنهَجة التي تتبعها دولة الاحتلال في حربها الأخيرة على القطاع.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إبراهيم المقادمة مفكر المقاومةlist 2 of 2كيف كشف طوفان الأقصى "كذبة الصهيونية" الكبرى؟end of list الدراسة قبل الحربعانى القطاع التعليمي في فلسطين قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من أزمات كبيرة، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية (تحديدا في المنطقة "ج" التي تُشكِّل 61% من الضفة المحتلة)، فقد شهدت الضفة نقصا حادا في المدارس والبنية التحتية التعليمية، وتعرَّض بعضها لخطر الهدم بسبب الاحتلال.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أزمة القيود اليومية المفروضة على رحلة الكثير من الطلاب والمُعلمين الفلسطينيين إلى مدارسهم وجامعاتهم، وعبورهم من نقاط تفتيش الاحتلال الإسرائيلي، التي تؤخرهم وتحتجزهم أحيانا، فضلا عن تحرشات المستوطنين.
إعلانوفي حالة قطاع غزة، عانت المؤسسات التعليمية بوضوح من الحصار وتدمير مرافقها في كل حرب مع الاحتلال منذ عام 2009 إلى يومنا هذا، فضلا عن أزمات الكهرباء والإنترنت المتكررة، التي أثَّرت سلبا على مسيرة الطلاب التعليمية.
ورغم كل تلك التحديات سابقة الذكر، لعب أساتذة الجامعات ومعلمو المدارس والطلاب الفلسطينيون دورا بارزا في بناء المجتمع الفلسطيني وتثقيفه وتنميته ودعم حياته الوطنية، وربما كان ذلك من أسباب الاستهداف الممنهج للمؤسسات التعليمية الفلسطينية من قِبَل جيش الاحتلال في الحرب الأخيرة.
وتؤرخ "أورديب" في بحث لها، وهي منظمة فرنسية من الأكاديميين تعمل على إرساء احترام القانون الدولي في فلسطين، لوضع التعليم في غزة قبل حرب 2023، وكيف حاول جيش الاحتلال دائما خنق البيئة التعليمية في القطاع، وتؤكد أن القطاع شهد اهتماما محليا متصاعدا بالتعليم رغم الظروف القاسية فيه.
فبعد أن كان هناك سبع مؤسسات للتعليم العالي فقط في قطاع غزة عام 1994، وبحسب الإحصاء السنوي الذي نشرته وزارة التعليم العالي عام 2022، بات هناك 18 مؤسسة في القطاع من بين 53 مؤسسة مُسجلة ومُعترف بها في فلسطين للتعليم العالي.
لكن مع ذلك، ووفقا للبحث، فمنذ عام 2008، استهدفت إسرائيل مؤسسات التعليم العالي في القطاع، وفعلت ذلك عبر مسارين، الأول هو القرارات السياسية، والثاني هو التدمير المباشر.
فمن ناحية التدمير المباشر، دمَّرت القوات الجوية لدولة الاحتلال ستة مبانٍ جامعية أثناء حرب 2008-2009، وفي حرب 2014 تكبَّد القطاع التعليمي خسائر تُقدَّر بين 10-33 مليون دولار، إذ عانت ثلاث جامعات من تخريب وتدمير كبير، هي جامعة الأزهر التي دُمِّرت لها ثلاثة مبانٍ، والجامعة الإسلامية التي تعرَّض مبنيان فيها لأضرار كبيرة، وكلية العلوم التطبيقية التي طال التدمير فصولها الدراسية ومكتبتها ومختبرها العلمي ومركز الحاسب الآلي بها.
أما الكارثة الأكبر فكانت في الحرب الأخيرة، حيث استُشهِد 407 من الطلاب الفلسطينيين في غزة، و9 من أعضاء هيئة التدريس من الأكاديميين والموظفين، وأُصيب 1128 طالبا.
من جهة أخرى، كان الحصار وسيلة إسرائيلية فعَّالة لإعاقة مسار تطوير التعليم في القطاع، حيث تسبَّب الحصار في الحيلولة دون حصول "الغزاويين" على معدات وأدوات تعليمية حديثة، فضلا عن أزمة إمدادات الكهرباء المحدودة والقيود على المعاملات المالية.
إعلانوبالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن الطلاب والأكاديميون في غزة من السفر وتبادل الخبرات التعليمية، بل انقطع التواصل حتى بين المؤسسات التعليمية في غزة ونظيراتها في الضفة بسبب صعوبة التنقُّل.
وفرضت دولة الاحتلال قيودا على توظيف الأكاديميين الأجانب في جامعات غزة، وفرضت سقفا على عددهم وقيَّدت مدة عملهم بخمس سنوات فقط، كما رفضت دولة الاحتلال منذ عام 2000 معظم طلبات سفر طلاب القطاع من أجل مواصلة تعليمهم في الخارج، وطبَّقت حظرا على استيراد المواد الأساسية الضرورية للتعليم، مثل معدات المختبرات والكتب.
وبحلول السنوات الأخيرة قبل الحرب، لم تتمكن إلا نسبة صغيرة من سكان القطاع، تتراوح بين 20% إلى 40%، من دفع رسوم التعليم، وهي رسوم تعتمد عليها المؤسسات التعليمية لاستكمال مَهامِها. وبحلول عام 2019، أصبح متوسط ديون الجامعات في القطاع 30 مليون دولار، ومن ثم اضطرت إلى استبدال رواتب الأكاديميين بمكافآت غير مستقرة.
ولم يتمكن 30 ألف خريج من الحصول على شهاداتهم عام 2023 لأسباب مادية، ومن ثمَّ اضطرت المؤسسات التعليمية إلى إلغاء العديد من الدرجات والأقسام بسبب المشكلات المادية التي أنتجها الحصار.
كان ذلك هو الوضع قبل السابع من أكتوبر 2023، حيث دأبت إسرائيل من خلال السلاح والسياسة على تحطيم القطاع التعليمي في قطاع غزة، لكن الأمر بعد عملية "طوفان الأقصى" تحوَّل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إذ لم يعُد الأمر متوقِّفا على محاولات تدمير المنظومة التعليمية في القطاع، وإنما أصبحت المسألة الآن هي الإبادة التعليمية بالكامل، وهي حلقة أصيلة من مسلسل حرب الإبادة الكلية الذي تنتهجه إسرائيل منذ عام 2023، ومحاولة تدمير أي فرصة لبناء المستقبل على تلك الأرض التي أبَت الانصياع للاحتلال.
الاحتلال وسياسة الإبادة التعليمية
في أثناء حرب الإبادة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، دُمِّرَت كل جامعات القطاع، وأُصيب 92.9% من المدارس بأضرار واضحة، في حين يحتاج 84.6% من المدارس إلى إعادة بناء كامل حتى تستأنف مهمتها.
إعلانوقد استُهدفت أكثر من 50% من منشآت الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، ومن ضمنها العديد من المدارس، وفقا لما قاله فيليب لازاريني المفوض العام للوكالة، إذ إن ثلث المدارس التي دُمِّرت في القطاع تحت إدارة الأونروا.
بحلول يوم 30 يوليو/تموز الماضي، فقد 625 ألف طالب -هم جميع الطلاب المسجلين في غزة- عاما دراسيا كاملا من حياتهم، كما غاب 39 ألف طالب عن امتحان التوجيهي لأول مرة منذ عقود، مما يعني أن دفعة كاملة كان من المفترض أن تنتقل إلى التعليم العالي لن تتمكن من فعل ذلك هذا العام.
ويُرجِّح المراقبون أن العديد من هؤلاء الشباب لن يعودوا إلى المدرسة مرة أخرى بعد كل الدمار الذي حلَّ بالقطاع، على الأقل في المستقبل القريب. أما الطلاب الذين استُشهدوا فأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في 30 يوليو/تموز الماضي أن عددهم 9211 طالبا، و397 من كوادر هيئة التدريس، علاوة على إصابة 14237 طالبا و2246 معلما.
وبحسب المؤسسة الأميركية الإخبارية غير الربحية "تروث أوت" في تقرير حديث لها، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمدت هدم المدارس تحديدا، إذ قصفتها أكثر من أي مبانٍ أخرى.
وقد ذكرت المؤسسة بحسب أرقام الأمم المتحدة أن 63% من مباني قطاع غزة أُصيبت منذ بداية الحرب، لكنها تقول إن هذه نسبة مذهلة، وإن كانت تتضاءل إذا ما قورنت بكمِّ الدمار الذي لحق بالمدارس دون غيرها (تعرَّض أكثر من 90% من مدارس غزة للدمار).
ولم تتوقف الإبادة التعليمية عند هدم المدارس على هذا النحو الاستثنائي، أو عند استهداف الجامعة الإسلامية بغزة بعنف مفرط، أو تفجير مباني جامعة الإسراء وتحويل أنقاضها إلى قاعدة عسكرية، أو إشعال النار في مكتبة جامعة الأقصى ورفع مشاهد الحرق على الإنترنت بواسطة جنود الاحتلال، بل يبدو أن دولة الاحتلال تستهدف الأكاديميين المتميزين الذين يُمكنهم تنوير وتطوير الأجيال القادمة، وكأنها حرب إبادة ضد المستقبل الفلسطيني بحد ذاته.
إعلانفقد استهدف الاحتلال الإسرائيلي الأكاديمي الدكتور رفعت العرعير، أستاذ الأدب الإنجليزي والشعر في جامعة غزة، وصاحب الشهرة الواسعة التي اكتسبها بفضل شعره وقدرته الفائقة على توصيل المعلومات للطلاب، الذين تمتَّعوا بدروسه وأسلوبه على نحو استثنائي، كما أنه اشتهر بتعليم الطلاب معاني الحرية الأكاديمية، إذ كان يشجعهم على الكتابة بلا خوف، وكان مكتبه مفتوحا لهم دائما.
بحسب تصريحات محمد العرعير، ابن عم الدكتور رفعت، التي أدلى بها لموقع "972"، فإن الاحتلال استهدف رفعت مُتعمِّدا نظرا لإجادته اللغة الإنجليزية تماما ونشاطه السياسي، فهو من أقدر الناس على تعليم الطلاب وترسيخ حقوق الفلسطينيين في أذهانهم، ومن أفضل مَن شرح القضية الفلسطينية للعالم.
وقد تعرَّض رفعت لتهديدات إسرائيلية مباشرة عبر الإنترنت والهاتف تُحذِّره من استمراره في النشر والكتابة عمَّا تتعرض له غزة.
ووفقا لمحمد العرعير، تعرض أستاذ الأدب الإنجليزي للتهديد عبر مكالمة تليفونية عرَّف فيها المتحدث نفسه بأنه ضابط في الجيش الإسرائيلي، وقال لرفعت إن جيش الاحتلال يعرف مكان وجوده بالضبط، وإنه لو استمر في الكتابة فسيُغتال، مما دفع رفعت لوضع أطفاله وزوجته في مدرسة الأونروا في حي التفاح شمالي شرق غزة.
تكرَّر الأمر نفسه مع الفيزيائي الدكتور سفيان عبد الرحمن تايه، الذي شغل سابقا منصب رئيس الجامعة الإسلامية في غزة، واستُشهِد في غارة جوية على جباليا في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع زوجته ووالديه وخمسة أطفال، وهو الذي اشتهر بشدة حبه لعمله وعلمه، واختير ضمن أهم 2% من الباحثين على مستوى العالم في مجال الفيزياء النظرية والرياضات التطبيقية.
وقد فازت أبحاثه في المُوجِّهات الضوئية وأجهزة الاستشعار البيولوجية بالعديد من الجوائز والأوسمة، مثل جائزة البنك الإسلامي الفلسطيني للبحث العلمي، وجائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشباب، وجائزة الجامعة الإسلامية للبحث العلمي، كما حصل على كرسي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونِسكو" لعلوم الفلك والفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء يوم 28 مارس/آذار 2023.
إعلانوقد استُهدِف الدكتور سفيان في ديسمبر/كانون الأول 2023، وكان يتوقع بالفعل قُرب استشهاده بحسب شهادة شقيقه، وخاصة بعد ما جرى من استهداف علماء كثيرين قبله، وأبرزهم عميد كلية الطب بالجامعة الإسلامية عمر فروانة.
وبالمثل استُشهِدَت الدكتورة ختام الوصيفي، رئيسة قسم الفيزياء في الجامعة الإسلامية ونائبة عميد كلية العلوم فيها، والحائزة على الكثير من الأوسمة الرفيعة، فقد ارتقت مع زوجها الأستاذ في الجامعة نفسها ومع أطفالهما. وكانت ختام تُلقَّب بـ"شيخة الفيزيائيين"، ونشرت العشرات من المقالات العلمية في مجالات الكهرومغناطيسية والإلكترونيات البصرية.
إننا لا نتحدث هنا فقط عن إبادة المباني التعليمية في القطاع، وإنما عن إبادة العقول الفلسطينية المتميزة القادرة على العبور بالأجيال الجديدة إلى التنمية، ففي تحقيق لموقع "972" حول الإبادة التعليمية في غزة، صرح العديد من أعضاء هيئة التدريس الناجين حتى اللحظة من الاغتيالات في غزة أن هناك استهدافا متعمدا في القتل من قِبَل جيش الاحتلال للمثقفين البارزين في القطاع، بل ورفض العديد من المثقفين في غزة إجراء مقابلات في هذا التحقيق خوفا من أن يُعرِّضهم ذلك للاغتيال.
لقد بدأ يشيع مفهوم الإبادة التعليمية لوصف ما يحدث في غزة، ومن قِبَل بعض المنظمات الدولية ذاتها. ففي أبريل/نيسان 2024 على سبيل المثال، وصف خبراء الأمم المتحدة ما يحدث في غزة بأنه "إبادة مدرسية"، أي الاستهداف المتعمد للبنية التحتية للنظام التعليمي والمكتبات ومواقع التراث الفلسطيني، والمحو الممنهج للتعليم بوصفه عملية اجتماعية عن طريق اعتقال وقتل المعلمين والطلاب.
كما أدان نحو مئة أكاديمي أوروبي في مارس/آذار 2024 حرب الإبادة على فلسطين وما تشمله من تدمير منهجي للبنية التعليمية في القطاع، وقد حملت عريضة الأكاديميين الأوروبيين التي أطلقها المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان عنوان "إبادة التعليم في غزة.. إسرائيل تمارس محوا منهجيا للنظام التعليمي برمته"، كما وقَّع 180 أكاديميا بريطانيا أيضا على وثيقة مشابهة تدين الإبادة التعليمية في غزة.
إعلانوقد تتبعت دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 15 يوليو/تموز 2024 تحت عنوان "الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية الفلسطينية" عملية الإبادة للصحافة والبنية الإعلامية في غزة التي يرتكبها جيش الاحتلال، وقدَّمت الدراسة عناصر يمكن من خلالها فهم عملية الإبادة ضد مهنة مُعيَّنة، التي تشمل قتل أعضائها واستهداف أفراد أسرهم وأقاربهم وتصفيتهم جسديا، وإلحاق الأذى الجسدي أو المعنوي الخطير بهم، والإحجام عن تقديم العون لهم في حالة الخطر، وإخضاعهم عمدا لظروف معيشية يُراد بها التدمير المادي، فضلا عن التدمير المُمنهَج للبنية التحتية لمواقع عملهم.
ويقول الدكتور علي أبو سعدة، مدير عام التعليم العالي بوزارة التربية والتعليم في غزة، الذي استشهد هو الآخر مؤخرا، إن استهداف المؤسسات التعليمية "جزء من الجهود الرامية إلى تجريد الفلسطينيين من مكوناتهم الأساسية للحياة: الفكر والثقافة والتعليم، ورغم أن هياكل الجامعات قد يُعاد بناؤها بعد الحرب، فإن إسرائيل تريد إرسال رسالة مفادها أن الفلسطينيين سيواجهون مستقبلا هنا حيث لا مكان للتعليم ولا مدرسين للتدريس، وهو الواقع الذي يساعد في تسريع الهجرة، وهو ما يسعى إليه المحتل".
ورغم أن الإبادة التعليمية معترف بها إلى حدٍّ بعيد، فإنها لا تجد الصدى الكافي إعلاميا، إذ يبدو العالم مكتفيا بالإدانات المتقطعة، وكأنه لا يتخذ الأمر على محمل الجد.
والمقصود هنا أنه لو جرت حرب إبادة في أوروبا استهدفت فيها عمدا إحدى الدول البنية التعليمية لدولة أخرى، لربما وُصِف هذا الأمر بأنه تطور خطير وإرهابي، لأنه لا يستهدف المدنيين فحسب، وإنما يستهدف تدمير الثقافة والعقل الجمعي، وأي سبل للتقدم والتنمية مستقبلا في أراضي الجماعة المستهدفة بالإبادة.
وما يظهر لنا هو إدانات متفرِّقة من أكاديميين حول العالم ومنظمات دولية لا تتناسب مع حجم الحدث الاستثنائي الذي نشهده في غزة منذ أكثر من عام، وهو تدمير أكثر من 90% من مدارس قطاع غزة واستهداف المثقفين فيه بالقتل، وكذلك استهداف الصحافيين والمُعلِّمين، في لحظة عُنف مكثف واستثنائي لعلنا لم نرها بهذا الشكل منذ الحرب العالمية الثانية.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أبعاد الاحتلال الإسرائیلی التعلیمیة فی القطاع المؤسسات التعلیمیة الجامعة الإسلامیة الإبادة التعلیمیة التعلیم العالی دولة الاحتلال الأمم المتحدة إبادة التعلیم جیش الاحتلال حرب الإبادة فی قطاع غزة التعلیم فی العدید من فضلا عن منذ عام أکثر من فی الم التی ت فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما المساعدات التي دخلت قطاع غزة؟ ومن المستفيد منها؟
غزة- أعلن الجيش الإسرائيلي، أول أمس السبت، أنه بدأ بتوجيهات من المستوى السياسي سلسلة عمليات لتحسين الاستجابة الإنسانية في قطاع غزة، بإسقاط المساعدات من الجو وتحديد ممرات إنسانية يسمح عبرها لقوافل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتحرك الآمن بغرض إدخال المواد الغذائية والأدوية.
ويأتي الإعلان الإسرائيلي مع اشتداد التجويع الذي يعصف بأكثر من مليوني فلسطيني في غزة بعد مرور 5 أشهر على إغلاق إسرائيل المحكم لمعابر القطاع، ومنع دخول إمدادات الغذاء والدواء.
وتجيب الأسئلة التالية على تفاصيل التجويع التي يعيشها سكان غزة، وآليات إدخال المساعدات التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكميات المواد الغذائية التي يحتاجها القطاع يوميا.
كيف تعمقت المجاعة في قطاع غزة؟
منذ 2 مارس/آذار الماضي، أغلق الاحتلال الإسرائيلي جميع معابر قطاع غزة منقلبا بذلك على اتفاق التهدئة الموقع في 18 يناير/كانون الثاني، والذي نص على إدخال 600 شاحنة مساعدات و50 شاحنة وقود يوميا إلى قطاع غزة.
ومنذ ذلك الحين، اعتمد سكان القطاع على المواد الغذائية التي كانت لديهم، والتي بدأت تنفد تدريجيا من الأسواق، حتى انتشر التجويع بين السكان وظهرت عليهم علامات وأمراض سوء التغذية سيما مع نقص المواد الأساسية من مشتقات الحليب واللحوم والدواجن والخضراوات، كما طال المنع الأدوية ومستلزمات النظافة الشخصية.
وأدى التجويع إلى وفاة 133 فلسطينيا، بينهم 87 طفلا، حسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة، بعدما منع الاحتلال منذ ذلك الوقت -وحتى الآن- إدخال أكثر من 80 ألف شاحنة مساعدات ووقود.
كيف عادت المساعدات إلى غزة؟في 27 مايو/أيار الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتماد آلية جديدة لتوزيع المساعدات تعتمد على "مؤسسة غزة الإنسانية" الممولة أميركيا ويديرها ضباط خدموا في الجيش الأميركي، وافتتحت نقطة توزيع في المناطق الغربية لـرفح التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ومن ثم أقيمت نقطة أخرى في ذات المدينة، وبعدها نقطة ثالثة في محور نتساريم وسط قطاع غزة الخاضع لسيطرة جيش الاحتلال أيضا.
إعلانوأبقت المساعدات الأميركية سكان غزة في دوامة المجاعة، ولم تحدث تغييرا على واقعهم المعيشي الصعب لعدة أسباب:
تقام نقاط التوزيع في مناطق خطيرة "مصنفة حمراء" ويسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. لا يوجد آلية معتمدة بتوزيع المساعدات، ويغيب أي قاعدة بيانات للقائمين عليها، وتترك المجال للجوعى للتدافع والحصول على ما يمكنهم، دون عدالة في التوزيع. يضع القائمون على هذه المراكز كميات محدودة جدا من المساعدات لا تكفي لمئات الأسر الفلسطينية، وتبقي معظم سكان القطاع بدون طعام. ساهمت مراكز التوزيع الأميركية بنشر الفوضى وتشكيل عصابات للسطو عليها ومنع وصول المواطنين إليها. يتعمد الجيش الإسرائيلي إطلاق النار على الذين اضطروا بسبب الجوع للوصول إلى هذه المراكز، مما أدى لاستشهاد أكثر من 1100 فلسطيني من منتظري المساعدات، وأصيب 7207 آخرون، وفقد 45 شخصا منذ إنشائها، حسب وزارة الصحة بغزة. أغلقت المؤسسة الأميركية نقطتي توزيع خلال الأيام الماضية، وأبقت على واحدة فقط غربي رفح، مما فاقم أزمة الجوع.
وفي 28 مايو/أيار الماضي، أعلن جيش الاحتلال أنه سيسمح بإدخال المساعدات إلى غزة عبر المعابر البرية التي يسيطر عليها، وذلك عقب الاتفاق بين أميركا وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) القاضي بإطلاق سراح الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر مقابل السماح بتدفق المساعدات للقطاع.
ومنذ ذلك الحين، لم يلتزم جيش الاحتلال بالاتفاق، وسمح بمرور غير منتظم وبعدد شاحنات محدود جدا عبر معبر كرم أبو سالم جنوب شرق قطاع غزة، ومنفذ زيكيم شمال غرب القطاع، ومحور نتساريم وسط غزة، لكن الاحتلال:
يرفض وصول المساعدات إلى المخازن، ويمنع توزيعها عبر المؤسسات الدولية. يستهدف عناصر تأمين المساعدات بشكل مباشر، مما أدى لاستشهاد 777 شخصا، واستهداف 121 قافلة مساعدات منذ بداية الحرب. يريد البقاء على حالة الفوضى واعتماد المواطنين على أنفسهم في التدافع للحصول على القليل من الطعام، وفي معظم الأحيان يفشلون في ذلك. يستدرج المواطنين لمصايد الموت، ويطلق النار عليهم.بعد ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة وقف تجويع سكان قطاع غزة والضغط الذي مارسته المؤسسات الدولية، والتحرك الشعبي سواء العربي أو الأوروبي الرافض لمنع دخول المواد الغذائية، أعلن الجيش الإسرائيلي، أول أمس السبت، السماح بإدخال المساعدات بما فيها تلك العالقة على الجهة المصرية من معبر رفح والسماح بمرورها عبر معبر كرم أبو سالم.
ورغم أن الاحتلال حاول إظهار أنه سمح لتدفق المساعدات بكميات كبيرة، إلا أن قراره جاء لامتصاص الغضب المتصاعد، وذلك ما تؤكده الكميات المحدودة جدا التي سمح بإدخالها إلى قطاع غزة، أمس، واقتصرت على 73 شاحنة فقط دخلت من معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، ومنفذ زيكيم شماله، و3 عمليات إنزال جوي فقط بما يعادل أقل من حمولة شاحنتين.
من يستفيد من المساعدات الواردة لغزة؟مع رفض الاحتلال الإسرائيلي عمليات تأمين وصول المساعدات إلى مخازن المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة، وتعمده إظهار مشاهد الفوضى بين الفلسطينيين، يتجمع مئات الآلاف من المواطنين يوميا أمام المنافذ البرية التي تدخل منها المساعدات، وكذلك مراكز التوزيع الأميركية رغم خطورة ذلك على حياتهم، ويتدافعون بقوة على أمل الحصول على أي من المساعدات الواردة، ويضطرون لقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام في سبيل ذلك.
إعلانوأفرزت هذه الحالة التي يعززها الاحتلال الإسرائيلي ظهور عصابات للسطو على المساعدات وبيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة.
تُقدر الجهات المختصة حاجة قطاع غزة من المساعدات بـ600 شاحنة يوميا، و500 ألف كيس طحين أسبوعيا، و250 ألف علبة حليب شهريا للأطفال لإنقاذ حياة 100 ألف رضيع دون العامين، بينهم 40 ألفا تقل أعمارهم عن عام واحد، مع ضرورة السماح بتأمينها ووصولها للمؤسسات الدولية بهدف توزيعها بعدالة على سكان القطاع، والسماح بإدخال البضائع للقطاع الخاص التي توفر جميع المواد والسلع التي يحتاجها الفلسطينيون يوميا.